الإسلام الأمريكي وأدواته في المنطقة

لم يكن تفجير الضاحية الجنوبية بالأمس، إلا مجرد هروب للأمام للتغطية على ما يدور في المنطقة كاملة من هزائم للمحور الرجعي العربي ، بقيادة آل سعود، وفي نفس الوقت محاولة يائسة للفتنة والتفتيت للتحالف اللبناني الفلسطيني، ، الأمر الذي يجعل حق العودة في مهب الريح، . وإذا أردنا الدخول في بعض التفاصيل نورد التالي:

* ما يدور على الجبهة السورية من انتصارات متتالية وسريعة في كامل الجبهات، الشمال والوسط والجنوب والقلمون و”الحبل على الجرار”، ما يعني أن الجبهة الرئيسية المستهدفة تخرج من بين أيدي هؤلاء الحثالات والدول الرجعية المتصهينة التي تقف خلفهم بقيادة آل سعود، الأداة الأكثر طاعة للصهاينة والإمبريالية الأمريكية، لذلك نرى كل هذا الإستكلاب الأمريكي وقصفه المتتالي للبنى التحتية السورية وتدمير لمنشآت النفط السورية، الأمر الذي لم يفعله وهي تحت سيطرة داعش والنصرة وأخواتهما، ونفطها يُسرق ويهرب عبر تركيا ويُباع للكيان العبري. والأمر كذلك بالنسبة لقاعدة الإمبريالية المتقدمة في المنطقة. الكيان الصهيوني المستفيد الأكبر من هذه الحرب الكونية على سوريا، والمنطقة عموماً سواء في العراق أو اليمن او مصر والجزائر وليبيا، فدوره في العراق من خلال أعماله الإرهابية الممولة من آل سعود وتقتيله لعلماء العراق، وتهديمه لبنيتة الأساسية (الإنسان العراقي والجيش العراقي) لم  ننساها بعد. وكذلك الحال لحكومة “الإخوان المسلمين” (العثمانية الجديدة)، الذين يريدون قضم الأراضي السورية، والذين يشكلون الذراع المتقدمة لحلف الناتو بعد اسرائيل، وكلهم بقيادة الإمبريالية الأمريكية.

* كذلك الحال في العراق، حيث الحشد الشعبي والجيش العراقي يتقدم ، لكن تقدماً بطيئاً لأنه يصطدم بالعرقلة الأمريكية دائما وأبداً، حيث لم يكتفِ الأمريكي بعدم إعطاء الجيش العراقي الأسلحة التي دفع ثمنها مسبقا، بعد أن فتّت جيشه وأضعفه وجرده من سلاحه، وفرض على العراق دستور بليمر الطائفي، ويرفضون السماح بتغيير الدستور الى دستور حداثي بعيدا عن الطائفية، فإن طائراتهم  أيضاً تقوم بإلقاء الأسلحة لحثالات الأرض من الدواعش والنصرة وخلف خطوطهم، وتعرقل الحشد وتقدمه لتنقذ قادة داعش وتنقلهم الى أماكن أكثر أمنا (كما حصل في تكريت، ليكونوا احتياطاً لهم في مشروعهم التدميري للوطن العربي والذي لم ينهزم بعد)،  وتم بعث المئات منهم في طائرات تركية وقطرية الى الجنوب اليمني ، وكما تم في ما أسموه عملية تحرير الاسرى  الأكراد من سجن عراقي، وكذلك من خلال طائرات الشحن العملاقة التي نقلت السلاح لتلك الحثالات في “تلعفر” في الموصل، وما زالت تعرقل قوات الحشد الشعبي وتحاربه بكل قوة وتحرض عليه طائفياً ومذهبياً وإعلامياً من خلال إعلام آل سعود و الشيخة “موزة” في حارة قطر، التي موّل أولادها وأحفادها حثالات الأرض الدواعش ب 32 الف سيارة تيوتا رباعية الدفع في سوريا فقط ، عدا السلاح والأموال، وما زالت، هذا عدا ملوك الرمال في مملكة آل سعود، والتركي الذي فتح أبواب بلاده لعشرات الآلف من الإرهابيين بأموال سعودية قطرية، وبأوامر أمريكية اسرائيلية.

*كذلك الأمر في اليمن، حيث يتم دك مواقع آل سعود وتحالفهم وكل مرتزقتهم سواء في باب المندب أو تعز أو المدن اليمنية المحتلة من آل سعود، والذي يتوج كل يوم بإحراق عشرات الاليات والجنود، من جنود آل سعود ومرتزقتهم، والغريب الطريف في ذات الوقت فإن الأمريكي وأتباعه لا يريدون أن يروا تمدد داعش والقاعدة في حضرموت وعدن وبقية مدن الجنوب، فأولئك رغم كونهم قاعدة لكنهم ليسوا ارهابيين ولا يجب محاربتهم، لأنهم في المكان الصحيح!!! واليمن الذي يعوم على ما يقارب ال35% من النفط العالمي والمحروم من استثماره بسبب آل سعود وتأثيراتهم المتتالية على حكومات اليمن، حد التبعية المطلقة، كما الحال في المعادن المختلفة والكثير من المواد الخام مطلوب أن يبقى مطية لآل سعود وأسيادهم من الكيان العبري الذي يدك المدن اليمنية بطائراته مع الإمبريالية لأمريكية ، ليبقى اليمن فقيراً هزيلاً تابعاً لا يستطيع التحكم لا بخيراته ولا بموقعه الإستراتيجي.

* والأمر يتكررفي فلسطين، كون القضية الفلسطينية هي المستهدف الرئيس مما جرى ومن كل ما يجري، وكون الكيان الصهيوني هو المستفيد الأول من كل ما يجري.، لذلك فانطلاق الإنتفاضة الفلسطينية من جديد رغم كل محاولت إيقافها وقمعها وطمس فاشية المحتل في التعامل  معها، ورغم ضغوط الرجعيات العربية المتصهينة على قيادة السلطة، هذه القيادات التي تقود الجامعة العربية المخصية والتي ما قدمته على مدار عمر القضية الفلسطينية كلها في القرن الأخير لم يصل إلى عُشر ما قدمته للحثالات البشرية في سنة واحدة، الأمر الذي يتطلب حرف وابعاد التركيز العربي والدولي عنها مادام ليس مقدور ايقاف فعالياتها. لذلك كله يجب التفجير والقتل ما أمكن في محور المقاومة، المحور الذي يقف ببسالة ضد حثالات الأرض وأسيادهم الصهاينة والأمبريالليين وتوابعهما من رجعيات عربية متهالكة متصهينة، وليكن في المكان الذي لم يستطيعوا تدميره، لبنان، وتحديدا ضاحيته الجنوبية حيث حزب الله، قائد حركة التحرر الوطني العربية بامتياز، والترويج أن من قام بذلك هم فلسطينيون، ليشتبك المخيم مع المقاومة اللبنانية ويصبح حق العودة نفسه مهدداً وبأيدي الثوار أنفسهم من لبنانيين وفلسطينيين. وأمام تحقيق أهدافهم في تفتيت الأوطان كان لا بد من استخدام ذخيرتهم الرئيسية في ذلك ، وهم “الإخوان المسلمين” ومرجعيتهم الأساسية أردوغان وحزبه العثماني الجديد، فكانوا هم خميرة تدمير سوريا، وهم خميرة تدمير اليمن من خلال حزب الإصلاح، وكذلك في تونس ومحاولات الفتنة الداخلية من خلال سياسة الأغتيالات ضد اليسار التونسي والذي اتهم فيها حزب النهضة الإخواني، وكذلك الأمر في مصر ومحاولة تدمير الدولة هناك ،رغم موقفنا الواضح من نظام السيسي، لكن هذا لا يبرر تدمير الجيش وتقتيل الوطن، والأمر نفسه كان قد تم في الجزائر من خلال جماعة عباس مدني، وما أوصلوا إليها ليبيا باسم ديمقراطية الناتو التي لم يؤمنوا بها يوماً لكنهم يدمرون باسمها الأوطان، وكيف قسموا السودان باسم الدين الأمر الذي لم يقم به أي نظام ديكتاتوري بما في ذلك نظامي عبود ونميري. وهاهم باسم الدين أيضاً برسلون جنود السودان الفقراء ليَقتلوا ويُقتَلوا في اليمن تحت أوامر آل سعود الذي يعتبر نفسه قد استأجر بضعة عجول لا أكثر، في الوقت الذي ينهار فيه السودان كوطن ومواطن تحت ذات القيادة التي تتاجر بالوطن والمواطن وأوصلت السودان الى الحضيض على كافة المستويات. وفي فلسطين حيث تحاول بعض قياداتهم توقيع هدنة طويلة مع الكيان الصهيزني من خلف ظهر الشعب كما فعلت تماماً قيادات أوسلو، فداعش ليس هدفاً أمريكياً، والقاعدة كذلك، وإن كان يضرب هذا القائد الميداني أم ذاك بين وقت وآخر لذر الرماد في العيون، فالسيدة كلنتون تعلن مجاهرة في الكونغرس “أنهم كانوا مضطرين لدعم  القاعدة”، ويعلن توني بلير “أن بلاده وأمريكا خلف ظهور داعش” ويعلن أوباما بكل صفاقة “أن داعش خرجت عن السيطرة” الأمر الذي يدلل على طبيعة العلاقة التي تربطهما، رغم كل ما يحاولون ترويجه من أكاذيب حول محاربتهم للإرهاب…  وفي النهاية، فهذا جزء من ضريبة النضال والمقاومة، فعلى الشهداء الرحمة والشفاء للجرحى والصبر لأههاليهم ولكل جمهور المقاومة.

محمد النجار

شهاب الدين وأخوه

الأمر ليس بجديدٍ على الشعب الفلسطيني، فمشكلته قديمة جديدة، فدائمًا يكون في قمة عطائه وقيادته في قمة مساومتها وتبعيتها وتنازلاتها، والأمر لم يعد محصوراً بعائلات الإقطاع التي قادته في ثوراته وانتفاضاته الفاشلة القديمة، بل والحديثة أيضاً، لذلك ينطبق عليه المأثور الشعبي بأسطع تجلياته،” طول عمرك يازبيبة في …. عود”… وكيلا نتوه في التاريخ ونبتعد عن جوهر موضوعنا، سنركز موضوعنا في قيادات الشعب الفلسطيني التي قادت الثورة الفلسطينية الحديثة، حيث ابتدأت قيادة الثورة البرجوازية الصغيرة، في قمة عنفوانها وعطائها الثوري، فساهمت في رسم الميثاق الوطني وحددت البرنامج الإستراتيجي والتكتيكي، وحملت البندقية وناضلت وقاتلت…لكنها تدريجياً أخذت تتماهى مع الرجعية العربية، وارتضت أن تزرع بها الأنظمة رجالاتُها، وقبلت بالمال المشروط، وأخذت تتذاكى لنراها مرة مع الأنظمة الوطنية ومرات مع الرجعية، وبنت “ترسانة” مالية ضخمة، تجاوزت الميزانية السنوية لبعض الدول العربية، حتى أنها أقرضت بعض الدول العربية أكثر من مرة، لتذهب هذه الترسانة المالية إلى يد أرملة الرئيس وكأنها أمواله الخاصة!!!، وكون المال لم يُستخدم لخدمة القضية الوطنية بشكل صحيح، فقد أضعفتها قوة المال فهانت دماء الشهداء وآهات شعبها، فتراجعت عن شعاراتها نفسها، وبدل المراجعة النقدية تاهت بين هدفها الإستراتيجي والتكتيكي، وغلبت التكتيك على الإستراتيجيا، وتنازلت عن الإستراتيجيا والتكتيك معاً، وأخذت هذه القيادة تتذاكى أكثر، فاتصلت بالصهاينة متجاوبة مع سماسرة الصهاينة ووعودهم فتنازلت عن الميثاق الوطني، وزيادة في التذاكي ساومت من خلف الشعب ودون علمه متنازلة عن كل ثوابته، وجلبت اتفاق أوسلو  بكل مآسيه للشعب الفلسطيني، محملاً بالتنسيق الأمني واعتقال المناضلين، ناشرة الفساد والإفساد، وثقافة البؤس والإستهلاك بدل الثقافة الثورية والوطنية، محاولة تحطيم المعنويات والتجهيل والتعتيم والمضايقة والملاحقة الأمنية، والسجن للوطن والناس، تاركة عملاء الإحتلال يصولون ويجولون دون رادع ولا حتى سؤال. هذا ما حصل مع قيادة حركة فتح ، وهو ما يتكرر ويحصل اليوم مع قيادة حركة حماس، فبعد أن انطلقت مع بداية الإنتفاضة الأولى في قطاع غزة، وبعد عام كامل من بدء الإنتفاضة في الضفة الفلسطينية، جاءتنا بشعارها الأول “حماس هي الأساس”، حتى أنها لم تعتبر نفسها امتداداً لقوى الثورة الفلسطينية كما يفعل حزب الله مثلاُ، بل اعتبرت نفسها بديلاً عن المنظمات جميعها، فمن حيث المبدأ لم تكن هي الأساس ، فهي جاءت بعد أربع عقود تقريبا من عمر الثورة الحديثة بشهدائها وجرحاها وأسراها، وفي الوقت الذي كانت فصائل المقاومة تقدم الشهداء وتثبت القضية الوطنية على “أجندات” العالم، وبغض النظر عن الأخطاء والخطايا التي تمت، فإن حركة الإخوان المسلمين في فلسطين، كانت ترفع شعار” لا يُكلف الله نفساً إلا وسعها” وفي محاولات الهروب للأمام كانت تطرح”تحرير الأندلس قبل فلسطين”، ولم تقدم على مدى عمر الثورة حتى الإنتفاضة أسيراً واحداً فما بالك بالشهداء !!! وهي بذلك لم تختلف عن حركة الإخوان المسلمين العامة التي لم تقم يوما بتأييد أي حركة ثورية في العالم العربي، بل كانت دائماً وأبداً مع الثورة المضادة في أي مكان تواجدت به، والمثال الساطع وقوفها في وجه ثورة الشعب المصري التي قادها الزعيم الراحل جمال عبد الناصر في الوقت الذي دعمت به كل الأنظمة الرجعية!!!… والشعار الثاني الذي رفعته كان “الإسلام هو الحل”، الأمر الذي يعني في أحسن صوره تحييد مسيحيوا فلسطين وإبعادهم عن النضال، ثم أنهم بذلك جعلوا من أنفسهم أوصياء على الدين واختزال الدين بمفهومهم له، وفي سياق الإنتفاضة خاصة سنواتها الأولى، لم نر منهم اسلاماً وأكاد أقول ولا مسلمين أيضاً، فهم مثلاً لم يوافقوا يوماً على برامج مشتركة مع القيادة الوطنية الموحدة للإنتفاضة، ولم يوافقوا على بيان مشترك ، ولم يوافقوا على فعالية مشتركة، وكانت بياناتهم مربكة لحركة الشارع كونها كانت وفي معظم الأحيان في تناقض مع بيانات وبرامج القيادة الوطنية الموحدة للإنتفاضة!!! ولم تُجدي كل المحاولات، وفشلت كل الجهود لتوحيد جهودهم مع العمل الإنتفاضي، لدرجة أن الشعور العام الذي كان سائداّ آنئذٍ،  أن هؤلاء جاؤوا للإلتفاف على وحدانية تمثيل م.ت. ف. بدعم أمريكي لخدمة الكيان الصهيوني…

ومع محاولات القيادة المتنفذة في المنظمة، جني ثمار الإنتفاضة قبل نضوجها، بعد مهاجمة العراق من الإمبريالية الأمريكية، وعلى أثر اعتقال الآلاف من مناضلي الإنتفاضة وتحديداً من حركة فتح والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وتحديداً الإعتقال الإداري، وفشل مشروع الجبهة لنقل الإنتفاضة إلى العمل العسكري الذي كانت قد بدأته في أوائل سنوات التسعينات من القرن الماضي لأسباب لم توضحها حتى الآن، ابتدأت حركة حماس الأعمال النوعية المميزة ، والأعمال الإستشهادية التي ازدادت وتنامت بعد رجوع المئات من مبعدي الحركة من الجنوب اللبناني، والتي كانت جهود حزب الله وبصماته واضحة على كل أعمالها تقريبا، في نفس الوقت الذي أخذت تظهر بجلاء مساومات القيادة الفردية وممارساتها وفسادها وما تقوم به من شراء للذمم ودعم البرجوازية التجارية ذات الطابع التكاملي مع الإحتلال، ومع الإعتقالات الهائلة لمناضلي اليسار وقياداته والتي كانت تعمل من تحت الأرض، بعد أن تم اكتشافها بعد عشرات السنين من نضالها، إضافة إلى شعارات حماس التي ركزت على الهدف الإستراتيجي من جديد، وبتحالفاتها مع حزب الله والدعم الإيراني والسوري لها، أخذ جزء مهم من جسمها التنظيمي ينحاز للعمل المسلح ويزيد من قدراتها، وأخذ يزداد إلتفاف الجماهير حولها الأمر الذي مكنها من كسب الإنتخابات لاحقاً وتشكيل حكومتها ، والإنتصار على محاولات” فتح” الإنقلاب عليها في غزة، من خلاال محمد دحلان المدعوم من أكثر من دولة رجعية عربية، ومن فتح نفسها بالطبع، وبعد أن أخذت تتفولذ حركة القسام وتزداد تجربة ومعرفة، وتتعمق تحالفاتها مع حزب الله وإيران وسوريا، كان جزء من القيادة السياسية بقيادة خالد مشعل وموسى أبومرزوق (الذي سرعان ما يلبس ثوب المفتي بعد أن يقلع ثوب المناضل، “أفتى بأن التفاوض مع الكيان الصهيوني لا يخالف الشرع، ومن يدري فربما يفتي لاحقاً بأن من لا يُفاوض الكيان يُخالف الشرع)، والمقيم في مصر (رغم معاداة النظام المصري لبندقية الثورة المنتصرة في غزة والتي تسبب له إحراجاً كبيراً)، والذين”مشعل ـ أبو مرزوق” أهم ما يميزهما “مع آخرين من القيادة السياسية، هو سياسة التذلل المالي والسياسي، وبناء “ترسانة” مالية كما فعلت قيادة فتح واستغلالها في الضغط على حركتهم نفسها لفرض مواقفهم التي ليس لها علاقة بالعمل الثوري، رغم أنهم تسلقوا وبشكل انتهازي على ظهر  إنتصارات “القسام” التي حققها بالدم والجهد والمثابرة، لتحقيق مآربه ومصالحه، مبقين الحركة مرتبطة مع المحور الرجعي العربي، ومع قيادات الإخوان المسلمين الرجعية التي لا تستطيع الحياة سوى في المياه الآسنة، ومع العثماني الجديد أردوغان. ويزداد تذاكيهم من خلاال خالد مشعل، الذي تفوق على قيادة م ت ف في “تبويس” اللحى وفي النفاق، فإيران وحزب الله تدعم وتدرب وتنقل التكنولوجيا في تصنيع الصواريخ، وينتصر الشعب الفلسطيني في القطاع، وخالد مشعل يوزع الشكر على “والي” قطر ووالي السودان وأردوغان وملك آل سعود، مبتعداً وبشكلٍ متعمد عن محور المقاومة، ليصل إلى اللقاءات غير المباشرة من خلال”مُدمر العراق” طوني بلير، واصلاً إلى حيث وصلوا بدعم ما تقدم من دول رجعية لن توصل شعبنا إلّا إلى “أوسلو جديد”، والشعارات نفسها كما كانت مع قيادة المنظمة، فك الحصار وبناء الميناء وإعادة الإعمار، مجمَلاً بشعارات تحرير كل فلسطين من هذا الزعيم أم ذاك، ألا يُذكرنا هذا بنفس أسلوب قيادة م ت ف والتي ما زال بعض قادتها يستعملونه حتى الآن؟!!!

والمهم إذا كان اتفاق أوسلو قد أوصل شعبنا إلى الهاوية، فإن الهدنة المقترحة ستمزق ما تبقى من وطن ومواطن، وواهم من يعتقد أن بمثل هذه المساومات الرخيصة وبموازين القوى هذه، أن يكون هناك أي مرفأ أو مكان دون رقابة إسرائيلية، أو أن يظل السلاح الفلسطيني كما هو وأن يتطور، أو أن لا يسلم مشعل ـ مرزوق السلاح كما فعلت قيادة فتح،  وفي الحالتين تفريغ الوطن من مصادر قوته ومن سلاحه!!! وغزة لن تصبح “سنغافورة” كما أن الضفة لم تصبح “هونغ كونغ” إقتصادية. فقيادة حماس ستصبح صورة مسخ عن قيادة المنظمة، فستعتقل (وهي تفعل)، وستُفسد وترشي وستكون الوساطة هي أساس التعامل ، وستتهم الآخرين بكل شيء وأي شيء لتُنَمّي مصالحها الطبقية، وكما أن “الطاسة ضايعة” لدى السلطة، بين قيادة حركة فتح وقيادة السلطة” عندما يعجبهم ففتح التي فعلت وعندما تكون الرائحة تزكم الأنوف، لا علاقة لفتح والسلطة المذنبة”، وكذلك الحال بين قبادة حماس وحكومة غزة، فالوساطة والبيروقراطية والفساد هي أساس الملك، ولا مَنْ يحاسِب أو يحاسَب ، وستصبح الديمقراطية “بدعة، وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار”، وتداول السلطة خروجاً عن طاعة الله وزندقة وفجور، وحرية الرأي والتعبير وحق الإختيار والتعبير “رجس من عمل الشيطان”، يعني كما هو الحال في الضفة الفلسطينية، وستُبنى الشركات المكملة وستُسوّق بضائع المصانع الإسرائيلية، وستأخذ الحكومة الموقرة حصتها من الضرائب… أليس الأمر مُشجعاً على التفاوض وقبول الإسرائيلي كجار لا بد منه في المنطقة؟!!!

فحركة الإخوان المسلمين كانت في كل أماكن تواجدها حركة منافقة ، مناوئة للثورات، مع الأنظمة الفاسدة، وها نحن نراهم في سوريا، كيف أدخلوا حثالات الأرض الدواعش القاعدة”النصرة”، وكانوا مصنعاً لتفريخهم، ورأيناهم خلال سنة كاملة في مصر وما زلنا، وكيف كان رئيسهم يناشد بيرس ويناغيه ويصفه بالرجل العظيم، وكيف قادوا سياسة التجهيل ورفض الآخر والهجوم على لقمة الشعب والإستدانة من البنك الدولي والصفقات مع العم سام، ورأينا مشعل نفسه يوعز لمرافقيه لتأسيس”أكناف بيت المقدس” التي استجلبت النصرة لمخيم اليرموك وأفرغته من سكانه، كما في الكثير من المخيمات الأخرى، في الوقت الذي كانت الصواريخ السورية تتدفق إلى غزة!!!، ورأيناهم في تونس وحالات الإغتيالات السياسية لليسار وقادته، وأنزلهم الشعب عن العرش كما في مصر، وها هم في السودان حيث قسّموا السودان بمساعدة مشيخة قطر وصحّروه وجوعوا شعبه، وها هم قسّموا ليبيا فعلياً بمساعدة “الأطلسي”، وفي اليمن يؤيدون عدوان أمريكا ـ  آل سعود ويحاربون ثورة الشعب اليمني بقوة السلاح، لكنهم لم يحركوا ساكناً في أي دولة رجعية في المنطقة. النقطة الوحيدة المضيئة لهم “القسّام” يريدون إطفاءها بكل السبل وبدعم عثماني وأموال قطرية سعودية وبإتفاق مع الكيان الصهيوني. وفي النهاية، إن القيادتين متشابهتان حد التطابق، والشعارات لوحدها لا تحرر أوطاناً، وسيظل “شهاب الدين أظرط من أخيه”…

لذلك، وكون محور المقاومة جاداً في دعم قضية فلسطين، فعليه فعل ذلك كما يجب وبشكل مكثف، وأعتقد أنه لا يجب أن يظل أسيراً في تكثيف دعم التيارات الدينية فقط، أو أكثر من اليسارية، فهو خير من يعلم أن “ليس كل ما يلمع ذهباً”، بل إن تكثيف دعم اليسار الفلسطيني وبقوة حاجة ضرورية ومستعجلة وماسة، فلدى رأس اليسار من الخبرة والإستعداد والإرادة ما يجعله ربما الأقدر على القيام بهذه المسؤلية، وهو بالتأكيد الأكثر أصالة ووفاء، بجانب حركة الجهاد الإسلامي، رغم ما أصاب بعض أطراف جسده من ترهل، لأنه يدرك جيداً أن هذا الزمن ” لا كما يتخيلون…. بمشيئة الملّاح تجري الريح… والتيار يغلبه السفين” كما قال الشاعر الكبير محمود درويش ذات يوم، وتاريخه حافل بالإبداع والمبادرات، وهو لم يهن يوماً وعمل وما يزال يعمل على أن ينفض طائر العنقاء “الفلسطيني” الرماد عن نفسه ويُحلّق من جديد ، ممزقاً إتفاقاتهم وراميها في مزابل التاريخ.

محمد النجار

أمي رأت أمك

ـ سيدي، الأمر ليس كذلك، لماذا تصدقوه وتكذّبونني؟ ألسنا متساوين أمام القانون؟ ولماذا أنا في هذه الزنزانة وهو حر طليق ينتقل من قناة تلفزيونية إلى أخرى مثل الإعلانات التلفزينية، أو مثل المسلسلات الهابطة؟ بالطبع لا، لم أقصد إهانته ولا إهانة أحد بكلامي هذا، أقصد… إنك تعرف تماماً ماذا أقصد… ماذا؟ إذا لم يكن هو السبب فمن إذن؟ فأنا منذ تشريفكم إلى “البلد””بَطّلت” السياسة والحديث بها، خلعتها ورميتها بعيداً، طلّقتها ياسيدي، والدليل أنكم لم تعتقلوني قبل الآن ولا مرة واحدة، صحيح أنكم استدعيتموني لكنكم لم … ماذا؟ بلد ديمقراطي؟ نعم …أراه وأحسه على جلدي كما ترى، والله لا أتحدى ولا “أتخوّت” ولا زفت… قل لي ماذا تريد مني!!!

يشعل سيجارة، ينفخ دخانها في سماء غرفة التحقيق ويقول:

ـ  طبعاً كنت معتقلاً قبل دخول سلطتكم، ومَنْ لم يُعتقل؟ فملفي بين يديك كما أرى، نفس اللون وأكاد أجزم أنها صورة عن نفس الأوراق… وما زالت الكلمات العبرية تتصدر معظم صفحاته، وأنا لم أُهدده ولم أهدد أحداً، ثم أنك قلت أنه ليس المقصود، وأنا لا يوجد لدي قصصاً لأحكيها لا لك ولا لغيرك…

يستمع الى المحقق، وما زال يدخن ثم يقول:

ـ ربما، أعتقد أن هناك بعض التغيير، حينها كانت هذه الزنزانة بالذات أكثر نظافة، كنا نغسلها بأيدينا أكثر من مرة في الأسبوع، لكنكم ومنذ أسبوع كامل بالكاد تعطونا مياه للشرب، كما أننا كنا ندخن على حساب الصليب الأحمر والآن أدخن من سجائري، لكن وللحق فالشبح نفسه والضرب نفسه، كل شيء يبدو متشابه من” إحكي القصة حتى … لا أعرف بعد فالأمر لم ينتهِ بعد لأعرف”… وعلى كل حال قصتي الوحيدة هي التالية:

ـ كثيرة كانت الإنتقادات في الفترة الماضية لحركة حماس، بسبب المفاوضات التي تجريها سراً مع الكيان الصهيوني، ماذا؟ لا، أقصد الكيان الصهيوني وليس “إسرائيل”، فأنا مهما جرى لن أعترف بدولة أُقيمت على أرضي وأرض شعبي أسموها “إسرائيل”…  وإن كان أمر المفاوضات صحيحاً، فإنتقادها صحيح أيضاً، الأمر الذي كان سبباً في حوار أخذ أحياناً طابع الحدية مع ذلك السيد، والذي كان كثير النقد لما يجري حسب، و هو من رجالاتكم ومن رجالات الحزب الحاكم أيضاً، وأنا لم أدعوه، لقد لبى دعوة زميلي الذي يشرب الشاي معي ويدخن النرجيلة في مقهى المدينة، جالسنا ليري الناس أنه ما زال رجلاً شعبياً يجالس البسطاء حتى بعد أن كَبُر شأنه. وكي تكون الأمور واضحة، سأقول لك بعض المعلومات عن محاوري هذا، فهو مثلاً كان من أحد أقطاب اليسار الفلسطيني، يعرف عن الماركسية أكثر مما يعرف عن التاريخ العربي الإسلامي، يحفظ فقرات منها ويستشهد بها أكثر من استشهاده بالمأثورات الشعبية، بل أكثر من إستشهاد شيخ بآيات من القرآن والأحاديث، وفجأة أخذ يقلل من إستشهاداته تلك، واستبدلها بإستشهادات بأقوال “الأخ القائد”، فأخذت تظهر صوره ولقاءاته على التلفاز بشكل مفاجيء، ليتبين لي وللجيران الآخرين أن إحدى بنات “قادة الصف الأول”معجبة به أشد الإعجاب، بل إنها أحبته من النظرة الأولى، وكون الحب يصنع المعجزات، فبدأت المعجزة الأولى بتردده على بيتهم معزوماً من أمها، و”كرّت” المسبحة بمعجزات متتالية، والأم كانت قد ورثت عن زوجها المتوفى بضع عشرات من ملايين الدولارات، ف”المغرفة في يد القيادة،” ومن بيده المغرفة لا يجوع”، وما زالت تعمل في القيادة ومعها، ومشهورة بهز الرأس بالإيجاب دائماً، ولا تعرف كلمة “لا” الى لسانها طريق، وقال عارفوها أن بيت الشعر القائل:

ما قال قط لا إلّا في تشهده …… لولا التشهد لكانت لاؤه نعم

ينطبق عليها أشد الطباق، لذلك مازال لها حظوة لدى كل القادة الأكثر تنفذ.

وسرعان ما تزوج عريسنا، وبدلاً من أن تنتهي القصة هنا وعند هذا الحد، فقد كانت البداية من هنا بالذات “لعريسنا الكبير”،  فأُقيمت الأفراح والليالي المِلاح، واستمرت الإحتفالات أياماً بلياليها كما لا بد تعلم إن لم تكن معزوماً، و”للحق” وكي أكون مُنصفاً، لم تدم الأفراح لدينا في المدينة سوى ثلاث ليالٍ، وذلك بسبب أوضاع الضفة، حيث الشهداء والأسرى،كما قال مؤكداً لبعض عارفيه، ومن ثم انتقلت الأفراح لمدينة عمان في الأردن لتكمل أسبوعها ، وبعدها غادر العريسان إلى باريس لتقضية شهر العسل هناك، وبعد عودته إزداد حضوره على الشاشات وبطون الصحف ونشرات المذياع، حتى غدا كما تعرف ويعرف الجميع، من الوجوه الأولى التي يصعب تجاوزها. قال لي حينها مفسراً موضحاً:

ـ إن ما يقومون به من مفاوضات سرية، ما هي إلّا لفصل القطاع عن الضفة، وليُثبِتوا هدنة يستمروا بعدها في الحكم هناك، وهذه والله خيانة عظمى!!!

فقلت:

ـ هل فعلأ يقومون بذلك أم مجرد دعاية؟ ف”الجماعة” ما زالوا متمسكين بالبندقية كما نرى، والحرب الأخيرة لم يمر عليها سوى عام واحد

ـ دعاية؟!!! إننا نعرف ذلك جيداً، فمصادرنا موثوقة… وكل ما تراه ما هو إلّا لذر الرماد في العيون…

ـ مصادركم؟!!! وحرب تدمر القطاع لذر الرماد في العيون؟

سألت مستهجناً مستغربا حين قال:

ـ نعم مصادرنا…

وضحك مكملاً:

ـ محاوريهم أنفسهم أخبرونا بذلك

قلت سائلاً من جديد:

ـ لكنكم قلتم أنكم أوقفتم المفاوضات معهم احتجاجاً على الإستيطان، ألم توقفوها؟

قال :

ـ بلا، لكن يوجد خطوط مفتوحة هنا وهناك كما تعلم

قلت:

ـ لا والله لا أعلم، وكل ما أعلمه أنكم قلتم أنكم أوقفتم كل الخطوط عندما أوقفتم التنسيق الأمني، أكان ذلك كذبة أم مزحة ثقيلة سمجة؟ وما دام الأمر كذلك لماذا تزايدون عليهم إذن؟!!! إنكم تعملون كما يقول المأثور الشعبي”قال له أمي رأت أمك في الكرخانة، فقال له جيد، أمي تعمل هناك ولكن ماذا كانت تفعل أمك؟” وأنتم ماذا كنتم تفعلون مع الصهاينة الذين أخبروكم بالأمر؟!!!

فهب فيّ صارخاً عندما لم يستطع إجابتي، واتهمني أنني أشتم السلطة والقيادة، فأجبته بدوري أنني لا أشتم أحداً، وإن كان مايقوله صحيحاً فهم يستحقون الشتيمة، وتطور الأمر لا أعرف كيف، ولكني أضفت:

ـ “مَنْ بيته من زجاج لا يحذف الناس بالحجارة”، فأنتم أول من إبتدأ المفاوضات، قمتم بها متجاوزين منظمة التحرير وقيادة الفصائل والمنظمات الجماهيرية والإتحادات الشعبية والشعب كله، وجئتم حاملين لنا “إتفاق أوسلو” وشعار غزة وأريحا أولاً، وبغض نظر منكم وتواطئ وموافقة، ملؤوا السجون بالمعتقلين قبل تسليمكم للمدن كي لا تواجهكم أي معارضة، ووقفوا لنا على أبواب المدن بدورياتهم وجنودهم، وفاوضتم من جديد، فأخذوا المدن التي أعطوكموها حتى بعد أن كنتم مثل الطفل المؤدب، وقمتم بكل ما طلبوه منكم، إعتقلتم وسلمتم أسلحتكم وأسلحة المطاردين، وأغمضتم أعينكم عن تضاعف عدد الشهداء والجرحى والمعتقلين، وعن مصادرة الأراضي والمستوطنات والطرق الإلتفافية، واختصرتم القدس بالمسجد الأقصى ووافقتم على عدم دخول مواطنيكم القدس أو ألأراضي المحتلة عام ثمانية وأربعين على إعتبار أنها أراٍ ض إسرائيلية لدولة جارة صديقة، وبصمتم على أراضي ”  bو c” لتكون تحت السطرة العسكرية، واستنكرتم العمل المسلح وتنازلتم عن حق العودة وكأن فلسطين مُلكُ عائلاتكم أو ورثتموها عن السيد الوالد، وها أنتم أعجز من أن تحترموا قراراً اتخذتموه بأنفسكم، وفي المحصلة فإنهم إن كانوا يفعلون ما فعلتم، فهم أيضاً مدانون مثلكم، وشعبنا لن ينسى من يفرط بحقوقه، وإن كان لأحد الحق في الإعتراض والحديث فهو ليس أنتم، فهم إن فتحوا سجوناً فأنتم سبقتموهم في ذلك، وإن إعتقلوا فأنتم السابقون وهم اللاحقون،  ويظلوا هم متميزين عنكم بأنهم ما زالوا قابضين على البندقية، ربما ليس إلى فترة طويلة إن ظلوا وراء إمارة قطر والعثمانيون الجدد، أوحتى خلف مشورة آل سعود، وفي كل الأحوال أنتم وهم مدانون وتستحقون الشفقة…

إشتد غضبه، وبدأت أرى شرراً يتصاعد من بؤبؤي عينيه، وأخذ يرعد ويزبد، فقررت أن استمر بعنادي وأقول رأيي لهذا “الطفيلي” مهما كان الأمر، فتابعت:

ـ إن كل ما تريدونه أن تحكموا غزة أيضاً، أن لا تتركوا بندقية تؤلم الإحتلال وتؤذيه، لتصبح غزة كسيحة مثل الضفة الفلسطينية، وإلا لماذا لا تقوموا بإصلاح المنظمة وتوحيدها على أساس كفاحي؟ على مشروع وطني يقاوم الإحتلال ويؤلمه، لماذا لا تريدون إصلاح مؤسسات المنظمة التي تعفنت وعفى عليها الزمن؟ أم أنكم لم تعودوا قادرين على الحياة في أجواء صحية وهواء نقي؟ إن كنتم تريدون التحرير فطريقه ليست مفروشة بالورود، وإن كان الأمر صعباً ولا تستطيعون القيام به، اتركوا الأمر لمن يستطيع…

أشعل الضابط  سيجارة هذه المرة،وظل المعتقَل يتابع موجهاً كلامه للمحقق الذي أمامه :

ـ وهل يجب أن أكون أخرساً؟ ومنذ متى عدم العمل في السياسة تعني أن لا يكون لدى المرء رأياً؟ لكن دعني أسألك أنت، فربما تستطيع أن تشفي غليلي بإجابة شافية:

ـ هل فعلاً ما زلتم تفاوضون وتنسقون أمنياً من تحت الطاولة؟

وأمام ابتسامة الضابط ونظرات عينيه، وقبل أن يجيبه، رد الضابط المحقق على هاتفه الخيلوي الذي كان في درج مكتبه، وهو ليس الهاتف الذي فوقه وقال:

ـ شالوم… ماشلم خا.. كين…أني….*

وخرج من مكتبه ليكمل الحديث…

  • لغة عبرية تعني: مرحباً… كيف أنت… نعم… أنا…                                                                                                                                                                                                                         محمد النجار

معركة القلمون … بداية النهاية لحثالات الأرض

بدايةً، يجدر التأكيد بأن وصف هؤلاء الأنذال بالحثالات، هو من منطلق إنساني وليس سياسي، فسياسياً هم مجموعات إرهابية تكفيرية، تعمل تحت سقف وبرامج أعداء الأمة العربية من امبريالية وصهيونية ورجعية عربية وإسلامية، في محاولة لتحقيق برامج هؤلاء الأعداء، ولأسباب مختلفة ، منها العقائدي أو الكسب المالي، أو الإرتباط الأمني المخابراتي. لكن البداية الأكيدة كانت بإطلاق سراح المئات منهم من السجون العربية حيث كانوا محكومين بجرائم القتل والإغتصاب والسرقة و…، وتحديداً من سجون آل سعود مقابل القتال في سوريا …..إلخ. أما الجانب الإنساني فيتعلق بالجرائم المقززة من قتل البشر ذبحاً وحرقاً وأكل قلوبهم وأكبادهم بطرق حيوانية بهيمية مقرفة ومقززة، وخاصة الضعفاء منهم من نساء وأطفال وشيوخ وأسرى وجرحى من مخلفات المعارك، كما قتل الآخر المخالف لهم في الرأي أو العقيدة أو التفكير، عدا الصهاينة بالطبع، كون مشروعهم يصب في صميم مصالحه، وامتهان إنسانية البشر من سبي النساء وبيعهن في أسواق نخاستهم، وأخذ الأطفال من أحضان أمهاتهم ليكونوا أدوات قتل وتفجيرات انتحارية ضد الآخر، بعد اللعب بعقولهم القاصرة، وفرض الجزية على منتسبي الديانة المسيحية والذين هم سكان المنطقة الأساس وأصل حضارتها، بما يعني ذلك من امتهان إنسانيتهم ومسخها بهذا اشكل الفج، كما تدميرهم للكنائس والمساجد والمقامات، وتدمير الآثار وحضارات المنطقة، والإتجار بهذه الحضارة بتفكير ملتو ” الآثار حرام لكن التجارة بها مع الإسرائيلي والغربي حلال”، كما التجارة بالأعضاء البشرية على نطاق واسع وفي جزء كبير منها والبشر أحياء، مع الإسرائلي “وغيره”، صاحب الخبرة الأوسع في هذا المجال….

*من الواضح أن من أهم أهداف الحرب الكونية على سوريا، عدا عن ضرب الجيش السوري وإضعافه وتفتيته، كمقدمة لقسيم سوريا إلى دويلات طائفية ومذهبية، لما لهذا الأمر من انعكاسات على محور المقاومة والدور الإيراني الثوري على هذا الصعيد، هو ضرب المقاومة اللبنانية بعد عزلها، كمقدمة ضرورية للقضاء عليها كبداية لا بد منها للقضاء على المحور نفسه. إذن فالموضوع هو عزل وقطع امدادت وتسليح ثم استنزاف مستمر وإضعاف للقضاء على المقاومة نهائيا، كمقدمة للقضاء على المحور نفسه. والأمر لا يتطلب ذكاءً كبيراً ليدرك المرء أن المستفيد الأكبر من الموضوع هو الكيان الصهيوني، المنخرط في الحرب بشكل لوجستي ـ مخابراتي ـ مزود بالأسلحة ـ والمساعدة العسكرية المباشرة أحيانا، لهذه الحثالات البشرية في داعش والنصرة وأخواتهما والتي كان آخر إنجازاتها المُمْتثله لنصائح الصهاينة (ليدخل الصهاينة على الخط كمنقذ للدروز)  هي المجزرة ضد دروز سوريا في الجنوب السوري، ولهذا السبب أولاً كان تسللهم (بمساعدة أقطاب من 14 آذار وبعضهم أعوان وتابعين للكيان الصهيوني) إلى منطقة القلمون كمنطقة حدودية بين لبنان وسوريا، ولولا تواجد حزب الله لدخلوا لبنان كله منذ زمن، ولأخذ اللبنانيون بكافة طوائفهم ومذاهبهم ودياناتهم نصيبهم من “خيرات” داعش والنصرة خاصةً الطائفة السنية كما جرى في غير مكان.

  • بعد ان إتخذت المقاومة والجيش السوري قرار طرد هؤلاء الحثالات من جرود القلمون، تم الهجوم ـ المعركة وبدأ الحثالات هؤلاء بالتراجع والفرار تاركين خلفهم رؤوس الجبال والأسلحة الثقيلة كالجرذان تماماً، الأمر الذي جعل المقاومة والجيش السوري يحققون إنجازات هائلة وفي ظرف قياسي وبأقل الخسائر.

  • في محاولة يائسة قام المحور الأمريكي ـ الصهيوني ـ الرجعي بفتح معارك جديدة،( مُستجلباً الآلاف من هؤلاء الحثالات البشرية القرغيزية والأفغانية وبدعم تركي مباشر، وبتسليح أمريكي بأموال آل سعود وحارات الخليج، بعد أن إستبدلوا لهم المسواك بمعجون الأسنان، وأطلقوا الشوارب واللحى وليس اللحى وحدها، وألبسوهم البنطال بدل الدشداش، فأصبحت داعش والنصرة قوات الفتح، وأضحت معارضة معتدلة)، في كل من الشمال والجنوب السوري، محققاً إنجازاتٍ مهمة، في محاولة لتخفيف الضغط عنهم في القلمون، إن لم يكن من أجل أن يسحب الجيش السوري قواته من تلك المنطقة وإرسالها للدفاع عن تلك المناطق.

  • ذات المواقع التي دخلها الحثالات وبعد أن إنشغل عنها أردوغان قليلاً بعد تراجعه المهم في انتخاباته الأخيرة، يتهاوى بعضها ويهرب “أبطال داعش والنصرة” منها أمام تقدم الجيش السوري. فنتائج الإنتخابات التركية ستنعكس سلباً على جنود أردوغان هؤلاء ومشروعه العثماني الفاشي الجديد في المنطقة.

  • سيحاول النظام الأردني أن يلعب الدور التركي وبصفاقة الآن، فهذا النظام الوظيفي والذي وُجد لأهداف وظيفية مُحددة في خدمة المشروع الصهيوني، وضرب حركة التحرر في كامل بلاد الشام والعراق، لن يستطيع رفض ما يُطلب منه أمريكياً أو صهيونيا أو من مملكة آل سعود وتحالفها الخليجي، فهو لم يوجد ليؤخذ رأيه، بل وُجد لينفذ مشاريع الإمبريالية في المنطقة، وبالتالي فغرفة العمليات “موك” الموجودة هناك” الأمريكية ـ الصهيونية ـ السعودية ـ الأردنية” بدأت دورها من خلال تجنيد بعض أعضاء العشائر السورية وتدريبهم، وبدأت فعلاً في إيصال حثالاتها على الأرض السورية، وبطرق عدة أهمها تقوية عدد وعدة الفتح ـ النصرة (تنظيم القاعدة في بلاد الشام) في المناطق الفاصلة بين الكيان الصهيوني والدولة السورية، لإستمرار إستنزاف سوريا وجيشها وإضعاف دورها في المنطقة، إن كان من الصعب إلغاؤه، ومحاولة تحقيق حلم الصهاينة في خلق حزام أمني يمتد على طول الحدود السورية .

  • إن إمكانية تقليص الدور التركي الأردوغاني في سوريا أمر وارد على ضوء الإنتخابات الأخيرة، وبالتالي فتقليص إستجلاب تلك الحثالات البشرية للأراضي السورية عبر تركيا أمر وارد، الأمر الذي يزيل العقبة الأهم من أمام الجيش السوري وحلفاؤه، ويلغي الطموح العثماني الأردوغاني الفاشي الوقح، ويزيل إمكانية ما يُسمى بالمناطق العازلة والطرق “الإنسانية التي كانت طرق امدادات تسليحية لتلك العصابات كما أظهرت الكثير من الوثائق”، والغاء حتى التفكير في إقتطاع جزءاً من الشمال السوري الذي تم نهب مصانعه ومعامله وتخريب اقتصاده من نظام أردوغان صاحب شعار “صفر مشاكل”، وهذا لن يلغي أن الأمر سيتم بشكل متدرج وليس دفعة واحدة بأي حال، وأيضاً بشكل صعود وهبوط، يعني ربما تحقق هذه العصابات بعض الإنتصارات في هذا الطريق الطويل !!!

  • وعليه، فإنتصارات الجيش والمقاومة في جبال القلمون وجروده، ستكون البداية الحقيقية لبداية التخلص من هذه القاذورات البشرية، وستجعل من المصالحات الوطنية التي تقوم بها الدولة السورية أكثر سهولة وإمكانية، وستزيد من إمكانية الإلتفاف أكثر حول الجيش السوري من خلال اللجان الشعبيةالمقاتلة المحيطة به، وسيجعل إمكانية واقعية للإتفاق على برنامج وطني بين الدولة السورية وكل أطياف المعارضة الوطنية أو معظمها، وبدستور جديد يُشارك به ويتفق عليه الجميع، تُبقي سوريا دولة علمانية مدنية، وتجعلها دولة لكل مواطنيها، وليس دولة هذا الحزب أو ذاك….. فهذا الشعب السوري يستحق ما هو الأفضل، وبناء الدولة بحاجة الى كل الجهود من قوى سياسية ومنظمات مدنية حكومية وغير حكومية وأفراد.

محمد النجار

في ذكرى النكبة الفلسطينية

  • إنها الذكرى السابعة والستين للنكبة الفلسطينية، ذكرى تهجير الشعب الفلسطيني من أرضه بتحالف إمبريالي ـ صهيوني ـ رجعي ـ عربي، وسرقة أرضه وتهجير شعبه وتذبيحه بمجازر إرهابية هائلة متعددة يندى لها الجبين الآدمي…
  • ورغم القوة الباطشة التي يبدو عليها هذا الكيان، إلاّ أنه هش ضعيف من الداخل، أجوف ومفرط في خوائه، ومن يدرسه أو يعرفه عن قرب، وخاصة في المواجهات، (كحروب المقاومة قبل حزب الله وأثناء نهوضه وتقدمه، وكذلك الأمر في الإنتفاضات والهبَّات الجماهيرية المختلفة، رغم خلوها من السلاح)، يستطيع الوصول الى نتائج مذهلة على ضعف هذا الكيان. وحتى استذكار أو إستحضار حرب الخليج والصواريخ العراقية التي دكت الكيان، مُجرد “39” صاروخاً شلت كيانه بشكل كامل تقريباً، كما لاحقاً صواريخ المقاومة اللبنانية، والصواريخ الفلسطينية المنطلقة من غزة رغم بدائيتها، يدلل على صحة ما ذهبنا اليه.

*المشكلة لدى الشعب الفلسطيني بالأساس تكمن في البداية في إقامة جبهة وطنية فلسطينية مقاومة، على أسس برامجية نضالية، وبإسترجاع أسس الميثاق الوطني الفلسطيني (الذي تنازلت عنه القيادة الفردية الفلسطينية) وتحديداً في موضوعة تثبيت الهدف الإستراتيجي بتحرير كامل تراب فلسطين التاريخية، وحق عودة الشعب الفلسطيني المُهجر والمُقتلع من أرضه، وأي تكتيك يجب أن لا يتجاهل هذا الأمر بل ويصب فيه ويخدمه.

*إن الشعب الفلسطيني ما زال “يضرب” بقبضة واحدة، ففي حين تحاول غزة الدفاع عن نفسها من الجرائم الصهيونية، نلحظ أن قيادة السلطة مستمرة في التنازل والتخلي عن حقوق الشعب ومصالحه، وأضحوا جزءاً من أيدي الإحتلال التي تعتقل كادرات الشعب ومناضليه، وبدلاً من أن تكون جزءاً من قوة الشعب أضحت جزءاً من من محاربيه وإن لبست لباساً وطنياً. وبالتالي لم تعد حتى مُحايدة بل جزءاً من قوة الإحتلال وبطشه. كما أن فلسطينيوا الشتات يواجهون محاولات التوطين (أو ـ و) الحرمان، وفي في سوريا تُهاجَم مخيماته جميعها، ونقول جميعها (الأبرز اليرموك)، لضرب رمزيتها في تأكيد حق العودة التي طالما حملته، بالضبط كما تم ضرب فلسطينيو ا العراق من نفس الحثالات البشرية التي تدّعي الإسلام…

  • رغم أن الإحتلال جرّد السلطة من مدنها، ومن نفوذها ومكامن قوتها، متراجعاً حتى عن ما قدمه لها لإغرائها بإتفاقية أوسلو، مضاعفاً مرات ومرات الإستيطان والإعتقالات وهدم البيوت وحالات القتل، ومعلناً أن لا مكان لدولة فلسطينية، إلاّ أنها (السلطة) ما زالت متمسكة بخيارها المستسلم، محافظة بذلك فقط وفقط على مصالحها الطبقية والذاتية الضيقة جداً، ضاربة مصالح الشعب الفلسطيني برمته عرض الحائط.

  • كما أن السلطة ـ الممتدة طبيعياً عن القيادة المتفردة والفردية ـ لعبت الدور الأساس في تراجع المد الثوري، بل الوطني للشعب الفلسطيني، وحاولت سواء بالترهيب والإعتقال أو بالتدجين، إبعاده عن النضال، بل والأخطر لفرض قبوله للإحتلال، الذي أبقته فوق صدر الشعب من خلال مساومتها البائسة التي توجتها في أوسلو.

  • الرجعية العربية لم تكن يوماً إلاّ جزءاً مكملاً لسياسة الإمبريالية والصهيونية لكن بغلاف عربي، فشاركت في مأساة الشعب الفلسطيني وضياع أرضه بشعارات خبيثة، والآن تستمر بسياستها لكن بشكل صلف رجعي مكشوف.

  • إن مبادرات الرجعية العربية كانت على الدوام جزءاً من تخدير الشعب الفلسطيني، كما مبادرة ملك آل سعود التي ما زالت على طاولتهم، لأنها لم تكن يوماً على طاولة الإحتلال، الذي وصفها منذ 12 عاماً بأنها لا تُساوي الحبر الذي كُتبت به، لكنهم متمسكون بها رغم ذلك!!!

*استخدمت الرجعية العربية في البدايات المال السياسي من أجل الإقتتال الفلسطيني الداخلي، ومن أجل الإفساد في الساحة الفلسطينية، وكي تكون مؤثرة في القرار السياسي، الأمر الذي استطاعت ودون جهد كبير الوصول إليه كما هو واضح الآن، وهي ما تزال تحاول الأمر نفسه في غزة الآن، ويبدو أنها قد حققت إنجازات شتى مع الجانب الإخواني في تيار الإسلام السياسي حماس. في الوقت نفسه لم تقدم هذه الرجعية العربية بندقية واحدة للشعب الفلسطيني، على مدار عمر القضية الفلسطينية.

  • إن ما يتم الآن من هجوم على محور المقاومة، ومحاولة حصار حزب الله وعزل سوريا وتقسيمها وتفتيت جيشها، وتقسيم العراق، وإبقاء اليمن تحت هيمنة آل سعود، لهو في جوهره من أجل تصفية القضية الفلسطينية، وإنهائها تماماً وبشكل نهائي وإلى الأبد، وعليه فما يجري في القلمون، وإنتصارات حزب الله والجيش السوري هو إنتصار للشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية، وإن ما تم من نقل لسوريا عمليا من نظام ممانع إلى نظام مقاوم ، على ضوء الهجوم الإمبريالي الصهيوني الرجعي، لهو كفيل لأن يكون حجر الأساس لتمتين قوى الثورة العربية، وتقوية عودها، لتكون بداية مهمة في معركة التحرير القادمة لا محالة، والأمر بالتأكيد بحاجة الى دراسته بطريقة معمقة ومختلفة عن هذه العجالة.

*ضرورة العمل على تعميق التحالف وليس التعاون فقط، بين قوى ودول محور المقاومة، وعلى رأسه إيران التي لم تبخل على قوى المقاومة العربية بمعظم ما يحتاجونه، وعلى هذه القوى أن تضم اليساريين والقوميين والإسلاميين وكل أطياف الوطنيين في جبهة عريضة قومية وطنية إسلامية جامعة، والعمل على إسترجاع الوطن السليب، من خلال استئصال الغدة السرطانية التي إلتصقت بجسده (إسرائيل)، كخطوة أولى على توحيد المنطقة ونموها على كافة الصعد….

  • وفي النهاية ” لا يضيع حق وراءه مُطالب ” … ولا يوجد شعب ثار على مُحتله إلاّ وانتصر….

محمد النجار

معبر رفح… إلى متى؟ ومسؤولية مَنْ؟

رغم كل شيء يظل معبر رفح مُغلقاً، فالسيادة والأمن الإقليمي من وجهة نظر “السيسي”، لا علاقة لها بغزة أو فلسطين والعياذ بالله، بل بعيداً هناك، وفي اليمن على وجه التحديد، حيث “اليهود” وتوراتهم وأصلهم وفصلهم (كما أكد وبقدرة رائعة وإثباتات علمية، تعتمد على الوقائع والأحداث والأنساب والآثار السيد كمال الصليبي في كتابه الرائع {التوراة جاءت من جزيرة العرب})،ورغم توقعنا أن “السيد الرئيس “لم يقرأ الكتاب، إلّا أنه نقل لنا الأمن القومي المصري الى هناك، بفطرته وعبقريته!!!، مبتعداً قدر إستطاعته عن فلسطين وما يخص فلسطين، ومعتقداً أن “اليهود” الذين إحتلوا فلسطين قاموا بالأمر هناك وليس على حدوده، ونحن بالمناسبة لا نوجه له دعوة لفلسطين كقضية، ولا برفع سلاحه لحمايتها أو إستعادتها، وذلك أولاً لأن “للبيت رب يحميه”، مُشَكَّلاً من أبنائه وأبناء جلدته من عرب بما فيهم مصريين، لكن من الوطنيين الغيورين على قضايا شعبهم، من العارفين أن خنق شعب فلسطين بالحصار ليس له علاقة بعرب أو عروبيين، وفاعليه ليس لديهم ذرة كرامة أو وطنية، كون أبناء فلسطين هم خط الدفاع الأول عن مصر والعرب جميعاً، شاؤوا ذلك أم أبوا، وكون ما يتم الآن من محاولات تفتيت في البلاد العربية للوطن والمواطن والجيوش، بما فيها مصر نفسها، هو في خدمة المشروع الصهيوني وأسياده الإمبرياليين، الذي تشير كل المؤشرات الى تحالفه معهم، وحتى لو أغمض أعينه عمّا يتم في بلده فهذا لن يُغيِّر من الواقع شيئا، وإن علم ـ كما في حالتنا ـ وتجاهل فالمصيبة أكبر، والأمر الثاني كونه من الأساس لم يُمزق إتفاقيات الخيانة الوطنية التي قام بها مثيله السادات، والثالث ما نراه من تملُّق وتعهدات وبيع للشعب وحضارته وحقوقه للبرجوازية الطفيلية التي ما تزال ثحكم مصر، وآخر دليل تبرئتها في المحاكم الهزلية بكل ما سرقت ونهبت من أملاك الشعب المصري وأمواله المسلوبة على مدار عقود…. ومحاولته الرخيصة الفهلوية على حكام الخليج ليرشوه ببعض المليارات، وكأنه لا يعرف أن من يرتمي في أحضان أعداءه ليحموه لن يكون أمره بيده، ولا بقرار مستقل. كما هم وهو على خُطاهم… وأن إقتصاد مصر وتطورها ونموها بالتأكيد ليس من الشحادة لأموال الخليج، راكعاً أمام أبوابهم، بل بتصنيع الدولة، وتطوير زراعتها وحمايتها، بتطوير تعليمها وأبحاثها وملاحقة أموال الشعب من اللصوص الذين يرشوهم ويُبرئهم، وبمحاربة الفساد والإفساد وملاحقة البيروقراطية، بإعطاء الشعب الديمقراطية الكاملة وبكل حقوقه من حق الكلام والتعبير والإختيار والتظاهر وتشكيل الأحزاب وحرية الصحافة والتداول السلمي للسلطة، ونسج الثحالفات مع قوى الثورة العالمية والمنطقية، وعلى رأس كل ذلك العداء بكل الأشكال للصهيونية ووليدتها إسرائيل وداعميها الدوليين. لكن الأمر الأخطر ما يتم الآن من سلب لمنتجات ثورة 25 يناير وثورة الشعب المصري على حُثالات الإسلام السياسي ” الإخوان المسلمين “، في 30 يونيو التي يدعي السيسي محاربتها وهو يُنفذ سياساتها وتحالفاتها وقوانين دكتاتوريتها، بشكل مشين!
وللحق لم يُفاجئني يوماً موقف رئيس مصر، حتى من قبل إنتخابه، وذلك ليس كوني مُنجماً أو عرّافاً كما لدى آل سعود في القصور، بل كونه لم يمتلك يوماً برنامجاً كاملاً واضحاً في أي شيء، وكان يتخبط منذ ظهوره ويتملق ويفتعل الهدوء والحرص على الشعب دون أن يقول شيئاً ولا ماذا يُريد. فيتحدث طويلاً ولا يقول شيئاً، والسؤال الذي يلح على كل مُراقب هو: ما مصلحة مصر وشعبها من المشاركة في حصار الشعب الفلسطيني في قطاع غزة؟ فمبيع المواد ـ أي موادـ كطعام وشراب ودواء وكساء ومواد بناء هو أولاً وأخيراً لصالح الشعب المصري، ولمصلحة إقتصاده الهش، وكذلك سفر الأفراد والبضائع وما يدفعون من نقود في المشافي، كلها لمصلحة الشعب المصري، وإن كان النظام لا يعمل ولا يريد العمل لمصلحة شعبه، فلمصلحة من إذن؟ ومن المستفيد من هذا الحصار، غير عدو الشعب المصري “إسرائيل”، والدليل أنها عدوكم هو أن دماء أسراكم لم تجف بعد، ومدرسة حوض البقر ماثلة في الأذهان، ومشاركتهم الفاعله مع بريطانيا وفرنسا في العدوان الثلاثي على بلدكم لتأميم الرئيس المرحوم عبد الناصر قناة السويس أكبر دليل وبرهان، وإن كان هذا تقادم من وجهة نظركم، فما قولكم بتنظيم الشباب المصري نفسه وغيره للتجسس على أمن مصر الآن، وما بالكم بتخريب أراضيكم بالمواد السرطانية التي قتلت عشرات آلاف الهكتارات لعشرات السنين؟ (للاسف، في غهد تأثير أموال النفط صار من الضرورة إقناع البعض بأن إسرائيل ما تزال عدواً، وليس الشعب الفلسطيني) يا لمساخر الأقدار…!!!
هذا على الجانب المصري، لكن للموضوع جانب آخر، ألا وهو السلطة الفلسطينية، هذه السلطة التي رغم إغلاق المعبر طوال الوقت وعدم فتحه على مدار عمر هذه السنة سوى أيام لم تتجاوز أصابع اليد الواحدة، فهي لم تعترض يوماً أو تطالب بفتحه، رغم قربها من برامج السلطة المصرية، ورغم أنهما “والنظام المصري” قارئين عند شيخ واحد وراقصين على دفٍ واحد، وكأن الشعب الفلسطيني في القطاع ليس جزءاً من الشعب الفلسطيني الذين يدّعون تمثيله، ربما معهم حق أن مثل هذا الشعب لا يتشرّف بأمثالهم، وأنه لن يستجديهم ليفكوا الحصار الناجم عن “الجغرافيا” وضغوط أمريكا وإسرائيل عليه، وأنه يعلم تمام العلم أن الذين يتخلون عن مُخيم اليرموك ولم يفعلوا شيئاً لإيقاف تذبيح سكانه، وتهجيرهم، ليمحوا بذلك رمزيته كأحد أكبر التجمعات الفلسطينية في الشتات الذي يرفع كبقية الشعب شعار حق العودة الذي يزعجهم ويدق مضاجعهم، وها هم يسكتون لما يُحاك من نفس الأطراف من مؤامرات ولنفس الأسباب لمخيم عين الحلوة في لبنان، وسيسكتون مقابل حفنة مال من قطر ومن آل سعود، ولا فرق كبير بينهم وبين إخوان المسلمين الحمساويين الذين استجلبوا “القاعدة” لتذبح وتُدمر وتُهجر في المخيم بصناعتها لفصائل مسلحة مثل “أكناف بيت المقدس”، وأيضاً بأموال قطر وآل سعود… وهؤلاء يدّعون حرصهم على الثورة، تماماً كما ادّعت ذلك قيادة المنظمة وسلّمت رؤوس شعبها وشهدائها وجرحاها، ووظفتها عند آل سعود، والنتيجة أوسلو… والسجون ملأى، والأرض تُهود وتُصادَر ،والقدس يحاولون مصادرته بما فيه الأقصى والقيامة وكل المقدسات، وحائط البراق الذي أصبح حائط المبكى دون إعتراض جدي من أحد منهم أو من الأنظمة التي تدعمهم بالمال …والمال فقط، وعلى كل حال، لن نقول لكم هنيئاً لكم بما فعلتم، بل سنقول أن شعبنا الفلسطيني خاصة، والعربي عموماً، والذي أذهل العالم بصموده رغم فساد قياداته، سيعرف كيف يفك حصاره بنفسه، وبمساعدة قوى الثورة العربية والعالمية، مهما طال الزمن أو قصر…
محمد النجار

مخيم اليرموك….. عار عليكم جميعا

ما يُميز أي حركة تحرر وطني، نضالها المستميت عن مصالح شعبها، وكان لدينا شيئاً من هذا في البدايات، والآن فالأمر أصبح مختلفاً، ورغم تراجعهم واستسلام وهزيمة بعض فصائلهم، لكن الجميع يتذرع ب”القرار الفلسطيني المستقل”، فمنظمة التحرير التي تحولت لسلطة بفضل اتفاق أوسلو، وأنهت خاتمة النضال الفلسطيني، بختم و”دمغة” الكيان الصهيوني، وحركة حماس التي تحولت لسلطة في القطاع، تتذرعان بإستقلالية القرار الفلسطيني، قرار مستقل ما دام يحافظ على امدادات المال ومنابعها، وإن تعارض فيجب لي عنقة ليعود الى نفسه. والسلطة وحماس كل منهما غير معني لا بمصالحة ولا بمصالح شعب، فكلاهما مرتاح مما عنده وإن كان عينه على ما في يد الآخر.
وبالعودة لموضوعنا، مخيم اليرموك، فمنظمة التحرير لم تتدخل لا بحمايته ولا بالذود عنه ولا حتى برفع رايته، كأحد أكبر المخيمات الأكثر تعبيرا ورمزية لمخيمات الشتات الفلسطيني، أما حماس فقد استجلبت النار للمخيم خلال تشكيل فصيل عسكري هو “أكناف بيت المقدس”، التي كانت حتى الأمس القريب، المتعاون لدرجة الإتحاد مع جبهة النصرة، وأحد داعميها ومنابتها الأساسية في المخيم، وجبهة النصرة الحليف غير المخفي بل والمعلن للكيان الصهيوني، وبغض النظر عن موقفك من النظام في سوريا، فسوريا البلد الوحيد الي تعامل مع فلسطينييه بحقوق متساوية مع الشعب السوري، وهو الذي استقبل قادة المقاومة رغم كل الضغوط وعلى مدار عقود من الزمن، واستقبل خالد مشعل نفسه الذي طرده البلد الذي يحمل جنسيته، ولم يجد أحداً يستقبله ويأويه غير هذا النظام، رغم الضغوط الكبيرة والهائلة عليه، كما ان النظام وأصدقاءه وحلفاءه هم من درب ونقل أسلحة وهرب مدربين ونقل تكنولوجيا صواريخ دون أن يسمع ولو كلمة شكر، لا بل يتحول الذي استقبلوه بالأمس ليحموه، أكبر العاملين على ادخال السلاح الأمريكي الخليجي الى سوريا…
نقول تحالفوا مع النصرة مستجلبين حثالات الأرض الى المخيم، الذين عاثوا فيه قتلا وتدميرا وتذبيحا… ليبقى من ال160 الفا، عشرة آلاف فقط.
والآن فكلا الطرفين السلطة وحماس تلتزمان بالحياد عن الأزمة السورية، فالمخيم غير مهم إذا وقف حائلاً دون أموال آل سعود وحارة قطر، وهؤلاء يحملون الريال والدراهم والحذاء بيدهم ليستجلبوا عبيد العصر الذين يدعون حمل لواء الثورة، الذين يسيل لعابهم على ما ترى عيونهم من أموال. ثم نسمع عن حماس و”أكنافها” تريد الدفاع عن المخيم بعد أن كانوا السبب الرئيس في تدميره. كما أن “قرارهما المسقل” كان وراء تأييدهما لغزو آل سعود وقتلهم لشعب اليمن وتدمير بلادهم والفتك بنسائهم وأطفالهم، فكلاهما وقرارهما المستقل ليسوا بحاجة لشعب اليمن الفقير!!!، وكلاهما يريدونه مثلهم بلا كرامة وبلا إرادة !!!، لتكون راضية عنهم مشيخة الحارة القطرية ومملكة آل سعود.!!!
لكن مرحى لمن يحمل البنادق للدفاع عمّا تبقّى من مخيم اليرموك، والدم الذي سال سيشكل رغم أنف من باعوه بدراهم الخليج لبنة أساسية في حق العودة والأنتصار القادم لا محالة… وسيبقى الدم الفلسطيني الذي أسلتموه يلاحقكم….
محمد النجار