الأسود أسود والكلاب كلاب

جاءتني على غير عادتها قبل أن أفتح عيني، كنت قد أطلت السهر مع مجموعة من الأصدقاء في الليلة الماضية، ما جعلني أظل نائماً حتى هذه الساعة التي تجاوزت الثامنة بقليل، دخلت غرفتي الصغيرة حاملة فنجانين من القهوة، وجلست على كرسي مكتبي. خلتها أمي عندما استيقظت على وقع أقدامها، فوقع أقدامهن متشابه، وأكاد أجزم أنه متطابق في الكثير من الحالات إن لم يكن في معظمها، قالت:

ـ يسعد صباحو… “من سرى باع واشترى” يابني، وأنت مازلت نائماً والشمس غمرت المدينة كلها، هيا لتشاركني شرب القهوة قبل أن تبرد…

فركت عيني بقبضة يميني على عادتي، أسندت ظهري على ظهر تختي، ورددت الصباح وزدته ترحيباً، وعلت شفتاي ابتسامة عندما رأيتها. وبدأنا نشرب القهوة، قبل أن تأتي أمي التي كانت قد بدأت منذ ساعة بشطف البيت على عادتها في كل يوم جمعة، خاصة إن غابت زوجتي، عادة لم تفارقها منذكانت في سن المراهقة.

قدّرت أنها جاءت لتقول لي شيئاً ما، أو لتسمعني رسالة ما، أو ربما تريد أن تفرغ غضباً جماً في صدرها لسبب ما، ولم يخب ظني، قالت:

ـ لا أراك تسمع الموسيقى، كل الشباب تفعل ذلك!!

أوقفتني كلماتها عن التفكير وتساءلت عمّا تريد قوله، فأنا لم أستيقظ من النوم بعد حين اقتحمت عليّ سكون نومي وطرقت بكلماتها باب نعاسي، كما أنني لم أعرفها من محبي الموسيقى لتسألني عنها، لكنني قلت مجاملاً:

أي شباب ياخالتي أم علي؟ إنني أقف على أعتاب الخمسين…

فقالت سريعاً وكأنها كانت تعرف إجابتي:

ـ يعطيك طيلة العمر يابني، فالشباب شباب القلب والعقل، وأنا كما تعلم تجاوزت الثمانين قليلاً وما زلت أسمع الأهازيج والعتابا والميجنا…

فقلت متجاوزاً زلة لساني التي طالما انتقدتني على مثلها زوجتي، التي غادرتني مع أبنائنا الى مدينة نابلس لزيارة أهلها منذ يوم أمس، مذكراً هذه المرأة العجوز بسنها:

ـ صدقت والله ياخاله، قصدت أنني أستمع للموسيقى لكن ليس كما مضى…

فقالت وما زالت تقود دفة الحوار:

ـ كلنا كذلك يابني ولست وحدك، حتى أذواقنا تتغير مع مرور الزمن وجريان العمر…

سكتت هنيهة، وقبل أن أحاول المجاملة سألت من جديد:

ـ أي المطربين تحب الإستماع إليه؟

وأجبت أنا حتى دون أن افكر بمغزى سؤالها:

ـ فيروز ياخالتي، وأنت تعرفين ذلك…

لم تعقب على الجزء الثاني من سؤالي، وقالت دون أن تنظر نحوي:

ـ إنك لست مثل الرئيس الذي يحب الإستماع الى “موشي إلياهو”… العظيم.

ومطت كلمة العظيم تماماً كما مطّها الرئيس في لقائه المتلفز، وأخذت ترتشف من قهوتها بصمت عجيب، ورأيت عينيها وكأنها تغادر الغرفة وتصرخ عالياً مستنجدة بإبنها علي، الذي استشهد قبل عقود ثلاثة وزنده قابضاً على حجر، عندما اخترقت رصاصة قناص قلبه عن بعد مئات الأمتار، وكأنها تستنجد به من مرحلة الإنحطاط هذه التي لفت السلطة وغطتها بردائها…. وسكت أنا، لم ارد أن أقول شيئاً يثير فيها الغضب والذكريات المؤلمة، وأخذت أرتشف شيئاً من فنجان قهوتي التي أحضرته بيدها، لكنها سألت من جديد دون انتظار اجابة:

ـ أتعتقد أنهم فقدوا الحياء أم الكرامة أم عزة النفس أم الشهامة أم الرجولة أم فقدوا كل شيء؟ أم كانوا يفتعلون أنهم يمتلكونها فقط؟

عرفت الآن لماذا جاءت ولأي سبب، لكنني كعادتي بقيت مصغياً لكلماتها التي تبدأ عادة كزخات من قطرات مطر قليلة مستكشفة، قبل أن تطلق العنان لرشات الأمطار الكثيفة المتتابعة…  وأكملت لتقول ما تفكر به أو ما جمعته من معلومات وأخبار في الأيام الأخيرة، ترميها أمامي قبل أن تعود خائبة الى بيتها:

ـ أصحيح ما يقولون من أن السلطة وآل سعود سهلوا هجرة اليهود اليمنيين الذين جاؤوا قبل أيام؟

فقلت وقد تهيأت للإجابة على أسئلتها:

ـ هذا ما يقوله البعض، لكن الله وحده يعلم ما في الصدور…

فقالت وكأنها تريد تفنيد أقوالي:

ـ لا ليس الله وحده يابني، فلا دخان دون نار، كما أن “الصهاينة” شكروهم على ذلك، هل كانوا ليشكرونهم لو لم يساعدونهم في ذلك؟!!!

وسكتنا من جديد، قبل أن تكمل متداركة ناثرة بوجهي كلمات أخرى، لتؤكد المعلومات التي بحوزتها:

ـ أم لماذا تعتقد أن بعض “الحاخامات” الذين يُحرّضون ليل نهار على قتل أبنائنا، يأتون لعنده ويباركونه داعين الله أن يبقيه في خدمة “بني اسرائيل”!!!

وأمام الصمت الذي كان يخلفه سؤالها من جانبي كانت تظل تزداد اصراراً على ايصال ما لديها، فقالت من جديد:

ـ قالوا أن الرئيس بعث بوفد لتعزية رئيس الإدارة المدنية السابق، أليس هو من أفلت جنوده لقتل المنتفضين؟ ألا تعتقد أنه هو من أعطى الأمر بقتل ابني علي؟ أم ربما هو شخصياً من أطلق النار عليه في ذلك الوقت؟

كان سؤالها ثقيلاً بثقل ما تفعله تلك القيادات التي لم تعد تقيم وزناً للشهداء والجرحى والأسرى، ولا حتى لأي من أفراد الشعب، أو مثل سكيناً كالذي تطعننا به ذات القيادة المخصية في كل يوم وكل لحظة، غير مهتمة بمن تطعن أو تصيب أو تقتل، وكل ما يهمها تقديم”صكوك” الطاعة والغفران والحماية للصهاينة، وأبقاني ثقل السؤال عاجزا عن الإجابة عليه، وأكملت هي وكأنه لا يهمها ما سأقوله لوقلت شيئاً:

ـ ألم تلاحظ أن الصهاينة يكافئونهم أمام سيل التنازلات هذه بمزيد من مصادرة الأراضي وبناء المستوطنات والتهديد بمصادرة منطقة c. يعني كلما ازدادوا جماعتنا خضوعاً كلما ازدادوا هم عنصرية وعنجهية وتطرف… لكن “العلة” مش فيهم فقط يابني، قيادتنا نحن التي تستحق الضرب “بالصرامي”…

وشددت على كلمتها الأخيرة وكأنها تضربهم الآن في هذه اللحظة بالذات بها، وقلت أنا دون قصد هذه المرة:

ـ أأكثرمن ذلك؟

قلت وفي ذهني اللطمات التي يصفعهم بها الصهاينة كل يوم، فقالت:

ـ منّا نحن هذه المرة وليس منهم، “ضرب صرامي” الصهاينة لهم يعتبرونه مفخرة وعزة، لنرى ماذا سيعتبرون ضرب “صرامي” الشعب لهم!!! ربما حركت فيهم شيئاً من الرجولة المفقودة!!! لكن من أين ستأتي الرجولة لأناس مخصيين؟!!!

عادت تجمعنا حالة الصمت من جديد، ودخلت أمي الغرفة وجلست على كرسي مقابل للحاجة أم علي مرحبة باسمة، وردت الحاجة التحيةبمثلها وعادت لتقول:

ـ رأيته بالأمس يتحدث على التلفاز، كان يتحدث العربية وفجأة أخذ”يرطن” بلغة أجنبية، وقال أنه حزن عندما طعنوا المستوطنة، لكنه لم يقل أنه يحزن على قتل أولادنا، لم يقل أنه يحزن على الإعدامات الميدانية بحق فتياتنا وشبابنا، قال أن كل ما يريده هو محاكمات عادلة!!! منذ متى كانت لديهم محاكمات عادلة لأولادنا؟ لكنه لا هو ولا أبناءه ذاقوا مرارة السجن ولا جربوا المحاكم الصورية ليعرفوا ماهية محاكمهم!!!  وكيف يمكن أن تكون محاكمة طفل لم يتجاوز الثانية عشر محاكمة عادلة، أو قتل طفل بدم بارد أو أم في سيارة متوقفة على حاجز في أرض محتلة دون حتى أن تنزل منها، أو عجوز تحت زيتونة زرعها وسقاها وكبرها وقنّبها وفتت حبات التراب تحت جذورها، بذريعة أنهم يشكلون خطرا عليهم، من لم يجرب شيئاً من هذا لا يحق له إعطاء الفتاوى والنصائح والأحكام، ومن لم يقل يوماً اتبعوني ولم يتقدم الصفوف يوماً لا يحق له أن يقول لهم تقدموا، فما بالك بمن لم يقل يوماً اتبعوني ويكسر مع الأعداء أرجل المتقدمين!!!… نعم يابني هؤلاء لا يهمهم سياسة القتل والتقتيل والسجن لأبنائنا، هؤلاء منذ اليوم الذي عبدوا فيه المال وكفروا فيه بالثورة، منذ ذلك الحين لم يعد يؤتمن لهم جانب.

وأمي التي كادت أن تكسر التلفاز عندما رأت الرئيس يتذلل ويتزلف للصحفية “الإسرائيلية”،  في ذات المقابلة التي تتحدث عنها الحاجة أم علي، علقت كعادتها عند أي حوار سياسي يتم أمامها:

ـ أسمعته ياحاجة؟ يقول أنهم يفتشون طلاب المدارس باحثين عن سكاكين!! إنه يكذب بالطبع فأطفالنا لم يحملوا يوماً سكيناً عندما يذهبون لمدارسهم، لكنه تزلف وانحناء وخضوع، يريدهم أن يعطوه “جائزة” لأنه يحفظ أمنهم، ألم تسمعينه يقول أنه طلب مرات لقاء زعيمهم ومستعد للقائه!!! يريد لقاءه بأي ثمن بعد أن كان يقول أنه لن يلتقيه دون أن يوقف الإستيطان!!! تماماً كما كان يقول بأنه أوقف التنسيق الأمني ليقول لاحقاً أنه “مقدس”.

وأم علي التي أنهت فنجان قهوتها، قالت معقبة:

ـ ويفتخر أنهم اجتمعوا سراً عشرات المرات للتنسيق الأمني وأنه أحبط عمليات وصادر أسلحة واعتقل مناضلين!!! الله يرحمك ياعلي يابني، لقد أكرمك الله بالشهادة قبل أن ترى هؤلاء الأوباش الذين باعوا دمك ودم رفاقك على مدى مائة عام، وربما لو بقيت لليوم لمت غيظاً وقهراً ياولدي….

واستدارت بعينيها الى أمي وقالت: الله لا يوفقهم، أذلونا هؤلاء السفلة، الل لا يوفقهم…

وساد الصمت الثقيل المتوتر الغاضب، وملأ جو الغرفة الصباحي المشمس حزناً، وكانت رشفات أمي لقهوتها تمزقه للحظات قبل أن يتجمع متكاثفاً ويعود، الى أن قطعته الحاجة أم علي قائلة من جديد:

ـ قولي لي يا أم جمال، أأعطوك هذه المرة تصريح زيارة لأبنك عمر أم رفضوك من جديد؟ ربما زرنا أولادنا في السجن سوياً هذه المرة…

وقمت متسللاً خارجاً من غرفتي الى الحمام، مستعيداً مع نفسي كلمات الشاعر الذي قال، واصفاً مثل هذا الزمان وهؤلاء الناس:

لا تأسفن على غدر الزمـــــــــــــــــــان لطالمـــــــــــا                       رقصت على جثث الأســـــــود كلاب       لا تحسبن برقصهـــــــــــــا تعلو على أسيادهــــــــــــا                       تبقى الأسود أسودا والكلاب كــــلاب

محمد النجار

وما عليّ إذا لم تفهم البقر

أتساءل أحياناً، خاصة بعد قرارات مجلس التعاون الخليجي، وبعد قرارات وزراء داخلية الجامعة العربية ولاحقاً وزراء خارجيتها، بإعتبار حزب الله تنظيماً ارهابياً، أتساءل ما الغريب أن يصدر عنهم مثل هذا الأمر؟ ما الغريب في زمن الردة والخنوع والإستسلام أن توصف طليعة قوة المقاومة في المنطقة العربية بهذا الوصف؟ ومتى لم تصف قوى الإمبريالية وعملاؤها وأتباعها قوى الثورة بغير هذا الوصف؟ فالأمر كان هكذا ويستمر بنفس الطريقة وسيظل عليها، فمنذ ثورة العبيد “سبارتاكوس” وحتى يومنا هذا تُحارب قوى الظلام القوى الثورية بكل الوسائل والطرق، أهمها إخراجها خارج القوانين المفروضة على”القطيع” الصامت،  أي خارج قوانينها الطبقية السائدة ليسهل تجريمها وملاحقتها ومحاربتها.

الأمر الذي كان ضرورياً إعلانه من قِبَل الجامعةالعربية تمهيداً لإعطاء الغطاء للكيان الصهيوني بضرب حزب الله، كون الكيان ما زال يعتقد أن الحزب ومهما كانت قدرته، فهي تظل قوة موزعة على جبهتين أساسيتين، لبنان وسوريا، وبالتالي فهو يضرب في كل منهما بيدٍ واحدة وليس بإثنتين. وهذا التوقيت وفي هذه المرحلة هو أفضل توقيت للإنقضاض على حزب الله، وفي حال تمت الحرب وسحب قواته من سوريا فهذا يضعف حليفته سوريا التي تُعتبر الأخطر على الكيان في كل المحيط العربي أو بالأصح القول الخطر الوحيد باستثناء حركات المقاومة الذي ما زال قائماً رغم الحرب الكونية عليه. إذن فعلى “لاعبي” دول النفط الخليجي، و”لاعبي” الجامعة العربية تهيئة الكرة للمهاجم الصهيوني.

كما أن حزب الله هو المتصدي الأول والأكثر خطراً على أمن التحالف الصهيوني الإمبريالي الرجعي العربي بقيادة آل سعود، وهو الذي درب وساند وسلح المقاومة الفلسطينية التي تحاول “مملكة الخير” السعودية إدخالها النفق الصهيوني وحرف اتجاه بوصلتها كما فعلت مع سلطة أوسلو، من خلال إغرائها بال”علف” النفطي حتى دخلت النفق.

الأمر الذي أوضحه ملك البحرين الحاكم بأمرالله ،طال عمره، الذي يقتل ويسجن ويذل وينفي ويجرد المواطن من الجنسية ويمنح أي مواطن الجنسية، قائلاً: “اسرائيل قادرة على حماية دول الخليج وإرساء الإستقرار في المنطقة، ودعم الدول المعتدلة”!!! كمقدمة للتحالف المعلن مع الكيان الصهيوني.

هذا هو المبدأ العام، أما إذا أردنا الدخول في بعض التفاصيل حول الجامعة العربية ودولها، نكاد نرى وبوضوح كامل، أن هذه الدول والدويلات ليس بإمكانها ولا بإستطاعتها أن تفعل غير الذي فعلته، فلماذا كل هذا الإستغراب إذن؟!!!  فجامعة الدول العربية، هي  التعبير السياسي عن الدول العربية المنضوية تحتها، وأكبر هذه الدول هي الدولة المصرية، التي ما تزال قيادتها مصرة على أن تكون دولة تابعة لأموال النفط الخليجي، عبر سياسة القمع والفهلوة ومد اليد الذليلة لدول النفط، طبعاً نتيجة الإصرار على سياسة التبعية للغرب الأمريكي وصندوق النقد الدولي “الذي لم يدخل بلداً إلا ودمرها” والقيد الصهيوني واتفاقيات “كامب ديفيد” سيئة الذكر، فقيادة هذه الدولة لا تريد التعلم من تجارب الزعيم الكبير جمال عبدالناصر الذي كان يفرض شروط مصر و سياستها بقوة المثال الوطني، وبوضوح الرؤية للصديق والعدو ، وبدعمه لقوى الثورة العربية وخاصة قضية فلسطين، كما ببرامج التصنيع وتأميم الأراضي وكهربة الريف، ورغم كل ما أحاط به من عيوب وأخطاء إلا أنه ظل محاطاً بالجماهير المصرية والعربية التي ظلت ملتفة حوله وترعاه وتدعمه وتحميه حتى في هزيمته عام 1967. لكن نظام الرئيس السيسي، يعتقدأن نظام “الشحدة” هو أنجع من نظام عزة النفس والكرامة، وقيد كامب ديفيد أفضل من نظام الإستقلال السياسي والإقتصادي والوطني، لذلك فهو يريد مهلة حتى سنة 2030 من الشعب المصري كي يعيد مصر الى سكة التاريخ!!! لكن دون أي برنامج اقتصادي، ودون أي خطط عمل، وبتحالف مع الطبقة السياسية الفاسدة من عهدي مبارك ـ مرسي، وبالإعتماد على وعود آل سعود وآل خليفة، والتي لم يُطبق منها سوى أقل القليل، فهذه الدول لا تريد مصر إلا دولة ضعيفة مُهانة تابعة لها، وليس دولة نداً لهم، فيظل الفساد منتشراً، والإفساد التضليلي الديني والسياسي، ونظام التجهيل والتعمية وشراء الذمم والقمع والسجون المفتوحة وتكميم الأفواه، والتركيز على أن المرأة عورة من خلال توظيف الدين، وهي التي تشكل52% من المجتمع المصري، وتطويع القضاء في يد السلطة الحاكمة واستخدامه ضد المنافسين السياسيين، وسياسة “دبّر نفسك” مع انعدام العمل والأفق والأمل من حياة الشباب، لذلك وجدنا هذا النظام يُرشح رجل السياسة الخارجية لنظام مبارك، الرجل الأكثر محبة ومودة من ساسة الكيان الصهيوني، أحمد أبو الغيط، كرئيس للجامعة العربية، وكأن مصر لم تعد تنجب الرجال، وأنه لم يبقَ بها سوى أشباه الرجال والساسة!!! وهنا نترحم على الشاعر الكبير أحمدفؤاد نجم الذي قال:

ما دامت مصر ولادة                                وفيها الطلق والعادة

هتفضل شمسها طالعة                         برغم القلعة والزنازين.

ونستذكر كذلك بيت ا لشعر الذي يقول:

تموت الأسْدُفي الغابات جوعــــــــــــــــــــــــــــــــــــــا          ولحم الضأن تأكله الكلابــــــــــــــــــــــــــــــــــــــا…

أما آل سعود فهم “يُعلّمون” العرب جميعاً الآن كيف تكون “العروبة”، و”يصححون” لنا التاريخ، فقبائل “عدنان وقحطان” لم تكن ولم تعش ولم توجد يوماً في اليمن، لذلك فهم لا يقصفون سوى “أعوان ايران وأدوات الفرس والحوثيين” هناك،  وهم الذين حاربوا “عروبة” المرحوم عبدالناصر “بالإسلام”،حيث كانت العروبة “رجس من عمل الشيطان” وكانت “كفراً وضلالاً مبينا”،مما اضطرهم لللإستعانة بشاه ايران المسلم ” ربما لم يكن شيعياً حينها لا هو ولا ايران” لمحاربة عبد الناصر كما محاربة حركات التحرر العربية خاصة التي نشأت عن حركة القوميين العرب في الخليج، مثل الجبهة الشعبية لتحرير عمان، والجبهة الشعبية لتحرير البحرين، والجبهة الشعبية لتحرير الجزيرة العربية، والحزب الإشتراكي اليمني…إلخ، هم أنفسهم الذين يستحضرون العروبة الآن لمحاربة ثورة إيران “الفارسية” بالعروبة التي لم “تعد رجسا من عمل الشيطان”، وفي محاربة حزب الله “الشيعي”، حيث يحاولون تجنب الحديث عن عروبيته. كما وأن آل سعود من مليك وأولياء عهد وأمراء، بمن فيهم ولي العهد المباشر، صاحب جائزة “جوقة الشرف” التي قلده إياها الرئيس الفرنسي أولاند نزولاُ عند طلبه طال عمره!!!، وولي ولي العهد وزير الدفاع،  عندما يقصفون اليمن، فإن صواريخهم وقنابلهم العنقودية المحرمة دولياً، تُميز بين الشيعة والسنة والزيدية والشافعية، وكذلك بين بقايا رجالات القرامطة في اليمن، كما بين اسواقهم ومساجدهم وصوامعهم وبيوتهم وقمحهم ومياههم وسواقيهم وحضاراتهم وآثارههم خير تمييز، فلا تصيب إلا “أعداء الله” وأعداء آل سعود والمؤمنين.

والأمر نفسه تكرر في العراق وسوريا، لذلك انسحب وفد آل سعود من مؤتمر وزراء الخارجية العرب، دون تعليق عند رد وزير خاجية العراق عليهم ، بأن حزب الله هو من حرر الأرض ورفع رأس العرب عالياً، والإرهابي هو مَنْ يصفه بالإرهاب، فآل سعود يريدون “العنب” ولا يريدون “مقاتلة الناطور”، فغطى الوفد على خيبته وغادر الصالة ليوجهوا دعوة رسمية لوزير الخارجية العراقي لزيارة مملكة الخير، ربما ليخفض من صوته قليلاً، وأصحاب السعادة والسمو كرماء طال عمرهم….

أما في سوريا فلا تراجع عن مطلب آل سعود ـ آل صهيون بتدمير الدولة السورية ورئيسها، الذي يشكل الخطر الأكبر على الكيان الصهيوني كما يؤكدون، لذلك ف”الجبير” عميد السياسة الخارجية لآل سعود طال عمره،  أقسم أغلظ الأيمان وأرفعها، وأطولها وأقصرها، بأن لا يتراجع عن مطلبه هذا أويهلك دونه، “مجبرٌ أخاك لا بطل”، لأنه إن لم يقل ما يُلقنه، سيجعل الأمير ولي ولي العهد يغضب، وربما جاء بوزير آخر من ترشيحات الأخوة الأمريكان، وإن تبدلت السياسة السعودية سيتم التضحية به كخروف العيد، وفي كلا الحالتين، الخازوق راكب، لكن العبد يظل عبداً، حتى ولو حررت رقبته. لذلك ففي سوريا وضعوا “المناضل” الكبير محمد علوش كبير المفاوضين السوريين!!!، فهو لم يفعل أكثر من قصف المدنيين والجامعيين وبعض المدارس، ووضع المدنيين في أقفاص حديدية فوق المعسكرات ومخازن الأسلحة كيلا يتم قصفها، وذبح الأسرى واختطف المدنيين…إلخ ، فهل يُسمى هذا إرهابا؟!!!.

أقول هذا في حالة سوريا، أما في حالةفلسطين، فيا للمفارقة، جاؤوا لنا ب”المناضل” عريقات، كبير المفاوضين الفلسطينيين الذي لا يؤمن إلا بالسلمية والمفاوضات طريقاً وحيداً، أتسمعون؟؟ وحيداً ولا طريق غيره لإسترداد الحقوق الفلسطينية، وكلاهما سعودي الهوى والتمويل. فالنظام السوري نظام قمعي فاشي مذهبي فارسي، وليس كنظام بني صهيون الديمقراطي الدستوري الحر. لذلك في سوريا الدمار وعند الصهاينة الحوار.

لذلك فهم في محاولاتهم تغطية أشعة الشمس، لا يقولون سوى ما هو في مصلحة سياساتهم فقط، فلا يأتون على ذكر كلام الدولة الجزائرية مثلاً الموجه لأمريكا والمتسائل: “من أين لداعش صواريخ ستنغر الأمريكية والموجودة على حدود تونس والجزائر مع ليبيا؟” والتي تحاول نقل التجربة الداعشية الى بلاد المغرب العربي!!!  أما الوثيقة التي كشفتها بالأمس وكالة “وكيليكس” ، الخارجة عن وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلنتون، وإعترافها بأن أمريكا خلقت داعش ودعمتها لإثارة حرب سنية ـ شيعية تمتد سنوات وسنوات في سوريا، لأن ذلك يخدم اسرائيل، فيجب عدم نشره لا في الصحف ولا في قنوات التلفاز الصديقة ولا التابعة لآل سعود، كيلا تتفتح عقول “الأغبياء”، لأن الأقلام المشتراة لا خوف منها وعليها من تغيير اتجاهها، لأن الدولار له قيمة أعلى وأرفع من الشرف والعزة والكرامة لديهم هناك، لكن ما يهم آل سعود التعتيم ليظل القطيع قطيعاً. لذلك فهم لا يأتون على ذكر قصف الدواعش في سوريا والعراق بالقنابل الكيماوية والتي أدخلت العشرات للمستشفيات في سوريا والمئات في العراق، حيث فاقوا الألف جريحاً، لاحظوا لا حديث عن الأمر الذي بسبب كذبة حوله تم تجويع العراق وقتل ما يفوق المليون طفل عراقي، ومن ثم تدمير بشره وحضارته،  وتهجير حوالي خمسة ملايين من شعبه في أصفاع الأرض!!! وتم تفكيك جيشه واستقدام القاعدة وداعش للعراق لتدميره بدعم أمريكي ـ صهيوني ـ رجعي عربي، كما وملاحقة وقتل 30 ألف عالم وأستاذ جامعة عراقي، وسرقة الآثار وتهريبها وتدمير الحضارة والتاريخ ونهب النفط وذهب العراق وتعويم العملة، وما زال التدمير مستمراً حتى هذه اللحظة، وما زالت محاولات تعطيل القوى المحاربة لداعش كالجيش الشعبي مستمرة أمريكياً ورجعياً عربياً. وبسبب نفس الكيماوي كانت سوريا قاب قوسين أو أدنى من التدمير الأمريكي رغم أنها لم تستخدمه!!!.

أما “وبلا صغرة” فالدول صغيرة الحجم كبيرة الفعل في الجامعة العربية، والتي تعرض للبيع أي شيء وكل شيء بأبخس الأثمان فهي دولة فلسطين، نعم فلسطين “الثورة والسلطة والثوار” الميامين، فمن بيع دورها في رئاسة الجامعة لحارة الشيخة موزة وولدها حمد الصغير، كي يديرون معركة تدمير سوريا واستجلاب التدخل الأطلسي، الى بيع الموقف من داعش في مخيم اليرموك لآل سعود، الى الموقف من اليمن والان الموقف من حزب الله، بعد أن سلموا المناضل الحجازي الكبير في تابوت في بيروت لآل سعود قبل هذا وذاك؟!!! نعم هؤلاء قتلة ناجي العلي بالأشتراك مع الصهاينة وقتلة عمر النايف بالإشتراك مع نفس الصهاينة، ومُسَلِّمي المناضل أحمد سعدات للصهاينة كما سلموا المناضلين الفلسطينيين في كنيسة المهد وأبعدوهم بصفقة بائسة مثلهم، كما تسليم المناضلين من سجن بيتونيا والمحتجزين لدى الأمن الوقائي للإحتلال، والحبل على الجرار، هؤلاء مؤيدوا آل سعود في الموقف من حزب الله، ضمن سياسة معاداة أى فصيل أو قوة تحرر معادية للكيان الصهيوني، كونهم أصبحوا يشكلون قوة حداد ـ لحد الفلسطينية الحامية لهذا الكيان. هؤلاء أنفسهم الذين عادوا للمفاوضات السريةمع هذا الكيان، وامتنعوا عن أي ضغط عليه، سواء بوقف التنسيق الأمني أو حتى تقديمه لمحكمة الجنايات الدولية، أو مقاطعة بضاعته في أرض السلطة.

يُصرّح رئيس السلطة بأنه لن يسمح بتطوير الإنتفاضة أو تسليحها!!! ويصرح عزام الأحمد بأن إضراب المعلمين تهديد للأمن القومي الفلسطيني، وليس التنسيق الأمني والقمع والفساد والسرقات والمحاصصات المنهوبة من المال العام، ولا مشاريع السلطة التي توزع على الشركات والمكاتب الهندسية بالوساطة والفساد والمعارف.

هذه مجرد نماذج من الدول العربية التي تخر سجوداً للمال السعودي، ف”فرعون” السعودي “تفرعن” لأنه لم يجد من يوقفه عند حده، ومن يرد أن يرى الدم الجاري الذي يحاول آل سعود وجامعتهم العربية تغطيته، يمكنه رؤيته دون عناء، فالخراب والدمار والتدمير والدماء لا يمكن تغطيتها لا “بريالات” آل سعود ولا “بنفط” الحجازيين المنهوب من عائلة القتل والتقتيل، ومن لا يريد أن يرى ينطبق عليه قول الشاعر:

عليَّ نحت القوافي من معــــــــــــــــــــــــادنها                       وما عليّ إذا لم يفهم البقر

محمد النجار

ضرب الخناجر ولا حكم النذل فيّا

من كان يعتقد أن السلطة ومؤسساتها يمكن أن تشكل حماية لشعب فلسطين كشعب أو كأشخاص، فقد خابت آماله وربما يكون قد فقد عقله، فهؤلاء وصلوا من الخساسة والمهانة والنذالة وفقدان الكرامة وعزة النفس والعهر السياسي والتبعية للإحتلال وأمريكا والصهاينة العرب الى درجة اللاعودة، ورغم أنني أو بالأصح لأنني فاقد الأمل منهم وبهم منذ سنوات، ورغم أنني مدرك أن “الضرب في الميت حرام”، إلا أنني لم أستطع السكوت امام الجريمة النكراء بإعدام الشهيد عمر النايف الذي قتلوه بتواطؤهم أو بسكينهم مع الصهاينة والسلطة البلغارية المتصهينة، ولهم في ذلك “فخر” السبق، حيث نفذوا بأيديهم وبموافقة الموساد قتل المناضل الكبير ناجي العلي، وسلموا بأيديهم المناضل الكبير ناصر السعيد لآل سعود ليقتلوه رمياً من طائرة مروحية حياً في صحراء الربع الخالي، تماماً كما يسلمون الآن الكثيرين من المناضلين للإحتلال الصهيوني دون أن يرفّ لهم جفن. لذلك سأتطرق للموضوع ـ ربما ـ بطريقة مختلفة عما أثُير حتى الآن:

  • وعليه، من يظن أو يعنقد أن حالة السفارة الفلسطينية في بلغاريا، هي حالة شاذة وسط هذا البحر الهائج من السفارات، فهو قطعاً مخطئ بإمتياز، لأنه من الصحيح القول والتأكيد أن وضع وتشكيلة وتركيبة السفارة الفلسطينية في بلغاريا، وآلية عملها وطبيعته تمثل الشكل العام لسفارات فلسطين، فعادة ما يكون السفير والقنصل والناطق السياسي والثقافي وأمن السفارة والعاملين بمجملهم، ليس لهم أي علاقة بالثورة ولا بالثوار، وإن كانوا مناضلين سابقاً فهم على الأغلب لم يعودوا كذلك، وسرعان ما يتم تدجينهم عبر تسعير الفئوية وتغليب المصالح الذاتية الخاصة على حساب أي شيء آخر، بما في ذلك على حساب الإنسان نفسه، وعلى حساب القضية الوطنية برمتها.

وعادة ما يكون العاملين في السفارة “من الكبير للمقمط في السرير”، إما تجارا يعملون مع أمن البلدان التي تحويهم، أو عملاء مباشرين لمخابرات هذا البلد، أو فاسدين ومفسدين ويعملون مع الصهاينة أنفسهم تحت شعار تمثيل سياسة المنظمة وعدم الخروج عليها، أو تجار على شعبهم نفسه، حيث تكلف أي ورقة يحتاجها الفلسطيني من سفارته مبلغاً لا يُستهان به. وإن صدف وكان السفير مناضلاً كما في بعض الحالات، فتبدأ كتابة التقارير به وتشويه صورته من العاملين معه و”المتبسمين” الدائمين له، للخارجية الفلسطينية حتى يتم تغييره و”يخلو الميدان لحميدان” ويعود الجميع لممارسة “أشغالهم وأعمالهم وتجارتهم”، التي لا يربطها رابط بالقضية الوطنية.

وعليه فالسفير “المذبوح” الذي لاحق الشهيد مع رجالات أمنه في بلغاريا، ورفضوا حمايته وطالبوه بمغادرة السفارة، ورفضوا  وضع حماية له أو حتى تركيب كاميرات في السفارة وحواليها، عليه وعلى زمرته كلها دفع الثمن نتيجة ما فعلت يداه وأيديهم، “حتى لو كان بحسن نية وهذا ما لا أعتقده”، ويجب أن يذوقوا من نفس الكأس الذي أذاقوه للشهيد، وبغض النظر عن أي إعتبار آخر، وخاصة لأصحاب شعار “من أجل الوحدة الوطنية”، فالوحدة تكون وتتعمق عندما يريدها ويعمل لأجلها كل الأطراف ويستفيد منها الشعب كله، وليس طرفاً واحداً كما كان حتى الآن، كما أن الوحدة لا تكون بأي ثمن، كي لا يتحول الشعار للتغطية على العجز الذي ينخر صدور البعض ويتحول لتغطية الجبن والهوان، هذا إذا لم يعتبر هؤلاء من عقود مما سُمي زوراً وبهتاناً بالوحدة الوطنية، التي هيمن فيها فصيل واحد على الثورة ومقدراتها وسلاحها وعلاقاتها وماليتها وقرارها الذي سُمي “مستقلاً”، هذا الإستقلال الوهمي الكاذب وبهذا النوع من القيادات هي التي أوصلتنا إلى “أوسلو”، كون المتغيرات الطبقية التي جرت عليها لا تؤهلها للوصول أبعد من ذلك أصلاً، فما بالكم بقيادة على يمين تلك القيادة وكل طموحها واسترتيجيتها مبنية على رضى المحتل عنها، واستكمال طريق الإستسلام عبر المفاوضات العبثية،  مُضيعة عشرات أخرى من السنين ودون نتيجة طيعاً.

  • وعليه فإن “مشروع المصالحة” إن لم يكن على أساس برنامج عمل مقاوم ، “ينفض” منظمة التحرير ويغربلها ويرمي من يستحقون الرمي على مزابل الشعب، وغربلة مؤسسات المنظمة مؤسسة مؤسسة وفرداً فرداً دون استثناءات، ودون تنازلات أو مجاملات، وإلا فإن كل ما يسقط من شهداء لهذا الشعب العظيم وكل جرحاه وأسراه لن يكونوا إلا لخدمة هذه القيادات وأمثالها ومشروعها الإستسلامي في الداخل أم في الخارج.

  • الأمر الذي يفرض على اليسار القلسطيني، وعلى الفصيل الذي ينتمي اليه الشهيد على وجه الدقة، تعاطياً مختلفاً على كافة الأصعدة، ولأسباب عدة أهمها أنه تاج اليسار الفلسطيني والذي له باع طويل في العمل الوطني المبدئي والتنظيمي والسياسي والعسكري منذ عشرات السنين، وعليه هو مسؤولية تشكيل “جبهة إنقاذ وطني” قبل أن تأخذ السلطة ومن لف لفها القضية والشعب الى الهاوية، التي نحن على أبوابها أو حافتها، الأمر الذي سيلقى معارضة من داخل صف اليسار نفسه من “حملة الحقائب” للسلطة، والمستفيدين منها كقادة في المنظمة أو موظفين أو كعلاقات، هؤلاء الذين يحيون حياة البذخ وأبناؤهم لا يدرسون إلا في المدارس غير الناطقة للعربية ومن ثم في جامعات العم سام وحارتها أو دول أوروبا الغربية وعلى حساب الثورة طبعاً، أما كيف حصلوا على هذه الأموال أو المنح وماذا دفعوا ويدفعون بالمقابل، فلا جواب، هؤلاء الذين يحاولون تغيير الحزب الى منظمة شئون اجتماعية أو الى مؤسسة أو منظمة غير حكومية ممولة من موظفيهم، هؤلاء لو دخل بيتهم انسان عادي سيكفر بالثورة عندما يرى ما لديهم وما يأكلون وما يلبسون، احسبوا فقط ثمن ملابسهم في يوم واحد أو ما يشترون من بضاعة اسرائيلية وأمريكية”وهم يدَّعون المقاطعة”، ستجدونها أضعاف معاشهم الشهري… فلا تنتظروا الّا معارضة شرسة من هؤلاء “اليساريون البرره”، باسم الثورة والشعب والحفاظ على الوحدة الوطنية.

  •  طبعاً لا يفوتنا التنبيه لما يحصل في مؤسسات م ت ف وسفاراتها، أنه ليس إلا شكل من أشكال الفساد الذي ينهش جسد المنظمة ككل، والذي بدونه سيخسر المنتفعين مكانتهم الإقتصادية والمعنوية وقدرتهم على الأمر والنهي داخل المنظمة، وعلى رأسهم الرئيس عباس، فليس صدفة أن يعترض هؤلاء الطفيليين على دعم ايران لعائلات الشهداء ما لم تمر من خلالهم، وإن مرت من خلالهم لن تصل لأسر الشهداء وستتوقف في جيوبهم، فهم اعتادوا على العيش على دم الشهداء ولن “يَزْوَروا” ببضعة آلاف من الدولارات إضافية عن كل شهيد إضافي. والشعار نغسه دائماً وأبداً” القرار الفلسطيني المستقل”، لكن أي قرار وأي مستقل؟ فالسؤال ممنوع.

  • الرئيس عباس يقول لأحد من حاول التوسط للنائب نجاة أبو بكر ابنة حركة فتح، التي كانت خطيئتها الكشف عن فساد مالي والمطالبة بالمحاسبة، يقول له الرئيس:”لو ينزل ربك نجاة ستسجن”، فعباس أولا وأخيرا لن يدقق أو يحقق أو يحاسب أي فاسد، فهو نفسه كرأس للفساد لن يجيب أحداً كيف شكل ثروته وثروة أبنائه وأحفاده وعائلته، وقبله الرئيس المرحوم عرفات، رغم الفارق الشاسع بينهما، أجاب عندما قالوا له أن من حواليه مجموعة لصوص وعليه تغييرهم قائلاً:”هؤلاء سرقوا وشبعوا، ولن أغيرهم لآتي بآخرين يسرقون من البدء من جديد”، العقلية ربما لا تكون بهذا التشايه، لكن النتيجة واحدة، هدر اموال الثورة وشهدائها وجرحاها وأسراها دون حسيب أو رقيب، ألم تصل أموال المنظمة كلها الى أيدي طليقة عرفات؟ أكثر من خمسة مليارات دولار وكأنها ملك شخصي له؟!!! وكذلك انظروا لعائلته أيضاً، ومن لا يعرف فتحي عرفات وموسى عرفات فلا يعرف شيئاً، وعليه قراءة التاريخ الفلسطيني “الحديث جدا”.

  • أما ما يخص نظرة الرئيس عباس الى القضية والشعب فحدث ولا حرج، فهو أبو المقدسات كلها، من التنسيق الأمني الى عدم تقديم أوراق لمحاكمة جرائم الصهاينة، مروراً بالقمع والسجن للمناضلين، ومحاولاته لإسقاط حق العودة ، ومحاولاته كذلك لسحب سلاح غزة وتدجينها، وهو كما يقول لن يسمح لأحد أن يجره لمعركة لا يريدها!!! وكأنه يخوض المعارك التي يريدها هو وما أكثرها، فالرجل يسير من معركة الى أخرى!!!، “الله يعطيه العافيه” ويعمق صموده، فهو لا يريد أن يشغله أحد عن معاركه تلك، وأن يترك له “المزاودون أمر تحديد مواعيدها” بنفسه!!!.

  • ظني أن الجميع عليه أن يدرك أن الدخول في نفق “أوسلو” مهما كان الذي يدخل أو من كان، فهو يدخل نفقاً مظلما، جل ما يفعله هو تنفيذ أوامر الصهاينة والأمريكان. وكي نكون صادقين، ألم يودع الرئيس عرفات المناضل أحمد سعدات بعد أن دعاه لإجتماع فصائلي، في سجن رام الله نزولاً عند أوامر الصهاينة؟ ولم يخرجه رغم كل قرارات المحكمة الفلسطينية العليا التي أمرت بذلك مبطلة قرار الإعتقال؟!!! ورغم ذلك لم يستطع الرئيس عرفات مخالفة أوامرهم وإطلاق سراحه، ليسار الى تسليمه للصهاينة بعد ذلك بمؤامرة خسيسة منحطة من قبل أجهزة السلطة التي نسقت الأمر مع الصهاينة والأنجليز المشرفون على السجن في مدينة أريحا عام 2008، على يد أبطال التنسيق الأمني بقيادة الرئيس عباس، والأمر نفسه يتكرر الآن بذات الطريقة في السفارة البلغارية، فما جرى ليس سوى إمتداد التنسيق الأمني الى ساحاتٍ خارجية بعد أن كان محصوراً في الداخل، فعلام الغرابة في الأمر كله.؟.. ببساطة إنه أوسلو، الذي حول فصائل وقوى وشخصيات إلى قوات لحد الفلسطيني.

  • وها هي السلطة الفلسطينية، تؤيد نظام آل سعود المعادي ليس فقط لقضية فلسطين، بل لكل ما هو انساني، بإعتباره “حزب الله” منظمة ارهابية!!!، باعوا الحزب، باعوا حامل لواء القضية الفلسطينية بحفنة دولارات كما باعوا سوريا لقطر مسلمينها قيادة فلسطين للجامعة العربية، وكما باعو ا الموقف من داعش والنصرة في مخيم اليرموك نزولا عند رغبة آل سعود، فهم مستعدون لبيع اي شيء وكل شيء بأي شيء، وحتى حماس التي دربها وسلحها ودعمها حزب الله بالمال والسلاح، لم تتجرأ على قول “كلمة حق عند سلطان جائر”، ولم تعترض على ما يقوله آل سعود، تغطي موقفها بنذالة وصمت مهينَين من أجل المال، تماماً كما فعلت مع سوريا بعد كل الدعم السوري لها واحتضانه لقادتها، ورفضه المطالب الأمريكية لطردهم، فتُدخل السلاح من خلال حثالات الأرض المتأسلمة لمخيم اليرموك وللعاصمة دمشق، مُنشئةً منظمة “أكناف بيت المقدس” بقيادة مساعدي خالد مشعل الأمنيين، متحالفة مع تنظيم القاعدة في بلاد الشام”جبهة النصرة”، وتشرد ربع مليون فلسطيني ضاربة بذلك حق العودة بعرض الحائط، ذلك الحق الذي تتشدق به صبحاً ومساءً وفي كل الأوقات، ومحاولة تمزيق سوريا.

  • وسرعان ما تعمل على عقد صفقة مع “اسرائيل” من خلال طوني بلير بوساطة “العثماني الجديد” السلطان أردوغان التركي، وبدعم من الحارة القطرية…

  • أيها السادة… أيها القادة… أيها اليسار الذي تبقى… إنه أوسلو … إنه مشروع الموت الفلسطيني… إنه مشروع “قبر” القضية الوطنية، ومشروع الكسب المالي للطبقة السياسية الطفيلية الفاسدة المفسدة الحاكمة، بما فيه من فُتات لأشباه اليسار وأشباه المناضلين وأشباه القادة…فكل من لف حواليه أغرقه، ولا سبيل لإنقاذ من ذهب للمستنقع بقدميه، لكن الحذر الحذر من أن يسحبوا معهم ما تبقى من “يسار” ومن مناضلين الى ذلك المستنقع، وكي لا نصل المستنقع، وكي نحمي القضية الوطنية، وكي نقطع الطريق على كل محاولات الشطب للقضية، على اليسار وجبهته الشعبية على وجه الخصوص، البدء في العمل على تشكيل “جبهة إنقاذ وطنية” بعيدة عن “أوسلو” وقياداته الفاسدة، وقطع الطريق على هذه القيادة كي لا تُحوّل قوى هذا الشعب الى سعد حداد ـ لحد فلسطيني، وينبوأ اليسار فيها موقعه القيادي الفاعل، ضمن إطار قيادة جماعية حقيقية، بعيدة عن هذه القيادة التي حددت خياراتها، وصارت استراتيجيتها واضحة، ولم تعد تصلح لقيادة “قطيع من الغنم” فما بالكم بقيادة شعب كشعب فلسطين العظيم؟!!! فمأثورنا الشعبي وأهازيجنا الوطنيه لطالما رددت :

” يما مويل الهوى يما مويلية                                         ضرب الخناجر ولا حكم النذل فيا”…

فهل من مستمع أو مجيب؟!!!

محمد النجار

وأمك بنت

كان قد خرج لتوه من السجن، حيث أمضى آخر عامين من حياته، بعد أن تم إعتقاله من بيته في مدينة رام الله، قال لي باسماً عندما إلتقينا في بيته عندما ذهبت لتهنئته، رغم البيت الممتلئ حتى آخره بالزوّار المهنئين:

ـ لم أستمع لكلامك، كنت أعتقد أنك تبالغ في الأمور عند حديثك عن السلطة، وكنت ربما نكاية بك أذهب للنوم في بيتي في معظم الأيام، وكنت أتذكرك في كل صباح عندما أستيقظ، وتكون كلماتي قد بدأت تتلاعب فوق لساني وتدغدغه، فأقول بنوع من الإستهزاء بك” ها أنا لم أُعتقل، فالسلطة تعرف على ماذا وقَّعت”، وأكاد أهتف مع كلماتي هذه، “أنا ابن فتح ما هتفت لغيرها”، كون السلطة هي التعبير الأبرز عن حركة فتح، وحركة فتح هي الشريان الرئيس للسلطة بالبشر، وبقيت أعتقد أن جيش الإحتلال لن يجرؤ على إقتحام المدن، وإنْ فعل فحركة فتح وعلى رأسها الرئيس عباس والناطق باسم جهاز الأمن وجهاز المخابرات والجهاز التنظيمي والجهاز السياسي وكبير المفاوضين وأوسطهم وصغيرهم، سيقلبون الطاولة على رأس الدولة العبرية، وستقوم الدولة ولن تقعد جراء إعتقال أحد كادرات حركة فتح…

وسكت “رفعت”، على اعتبار أنني أعرف بقية القصة، فكوني حذرته من المبيت في البيت، اعتبر أن ذلك يجعل من القصة معروفة عندي، لذلك تفاجأ عندما سألته عما حصل في ذلك المساء، وقال:

ـ أعرف لماذا تريد أن تفرد صفحة ذلك اليوم أمامي، أكيد أنه ليس من باب التشفي، فمثلك لا يعرف التشفي، لكنه من باب العتاب القاسي، الذي يجبر المرء على التفكير في كافة الجوانب، ولعلي أصدقك القول عندما أخبرك أنني لم أصدق الأمر في فترته الأولى، وكنت أعتقد أنني في حلم وليس حقيقة، وعندما أكتشفت العكس صرت أقول لنفسي أن في الأمر خلل ما، فأنا ابن فتح التي وقعت “أوسلو”، والتي أخبرتنا أن “أوسلو” هو جزء من اتفاق مرحلي، وأنه تكتيك كما اسقاط الميثاق الوطني وتفريغه من مضمونه، وكما إسقاط حق العودة في مبادرة “عبدربه ـ بيلين”، أو من مقابلات وتصريحات الرئيس نفسه، وكما قصة “الصواريخ العبثية”، وكما إلقاء القبض على المناضلين وزجهم في السجون، وكما التنسيق الأمني، يعني كلها أمور تكتيكية “لنضحك” بها على “لحية” الإحتلال، بنفس القياس، وتماماً كما كنا “نتكتك” في علاقتنا مع الأنظمة الرجعية العربية وعلى رأسها مملكة آل سعود من أجل موضوعة الدعم المالي!!!.

نظر نحوي مباشرة وقال:

ـ ابتسم كما تريد، أو إضحك بأعلى صوتك، بكل ما فيك من قوة، إضحك لأنني كنت أصدق كل ذلك، كنت أصدق أن هذه القيادة لم تُخْصَ بعد، وأن رائحة الرجولة ما زالت تفوح منها، وأنها لن ترتضي أن تكون قوات لحد جديدة، خاصة أنها ترى بأم عينيها ماذا كان مصير لحد وسعد حداد وكل من اتبعهما بعد أن إن إنتهى دورهم، لكن ماذا تريدني أن أفعل والخصاء ينجب في العقل أولاً، وهؤلاء فقدوا الشجاعة والرجولة منذ الزمن الذي ارتضوا فيه نسج العلاقات مع أمريكا مستمعين لنصائح آل سعود و”مماليك” مصر، منذ أصبحت “الريالات” أكثر أهمية من دماء الشهداء، وأصبحت “المحرمات” وجهة نظر لتنتقلنا إلى أن الخيانة وجة نظر.

قلت لهم حين رأيتهم يحاصرون البيت وكأن “أوسلو” لم يكن:

ـ هذه مناطقنا، مناطق أ، مناطق السلطة الوطنية الفلسطينية ومسؤوليتها الحصرية، بأي حق تقتحمونها؟

قال أحد الضباط بعد أن نظر في عيني طويلاً، والذي شعرت أن سبب حضوره هو لإسماعي هذه الكلمات:

ـ نحن حتى الآن نعمل ضمن القانون، مناطق أ نقتحمها إن كان هناك خطر علينا منها، لنا الحق في متابعة واعتقال أو قتل من يشكل خطراً علينا، هذا ما ينص عليه “أوسلو”، إحمد الله أننا لم نقتلك…

وتابع بعد أن أسكت لساني عن النطق:

ـ ليست مشكلتنا نحن إن كذبت عليكم قيادتكم، ولبست مشكلتنا إن صدقتموها أنتم لأنكم تريدون تصديقها، رغم معرفتكم أكثر من أي شخص كم هي كاذبة.

واقترب مني أكثر وقال وكأنه لا يريد أن يسمع جنوده ما يقول:

ـ فكيف إذا عرفت أننا أبلغنا السلطة عن نيتنا بإعتقالك، وقدموا لنا هم المعلومات عن تحركاتك ليسهلوا لنا إعتقالك؟!!.

وكالعادة ظننت أنه من باب اللعب بالأعصاب، الحرب النفسية ليس أكثر، قلت له:

ـ خسئت أن تُشككني بقيادتي، أعرف أساليبكم منذ سنوات، لا تُحاول…..

قال بثقة:

ـ أعرف أنك ستقول ذلك، إبقَ على ما أنت عليه، هذا ما نريده نحن وقيادتك، لكن أن تبدأ تلعب “بذنبك”، هذا لن نسمح به لا نحن ولا هم كذلك…

وأكمل ناظراً حواليه وكأنه يحتمي من آذان متنصتة:

ـ بالمناسبة، إذا بقيت على ما أنت عليه، واستمريت بهذه الطريقة، سَ”تتبهدل” وستبقى معظم وقتك داخل السجن، وداخل تنظيمك لن تكون يوماً ذا شأن، يعني أنت الخسران في كافة الأحوال والأزمان.

وتابع “رفعت” قائلاً بأسى:

ـ وفي التحقيق وجدت أن “أمعاءنا” أمامهم على الطاولة، كل ما تحدثت به أمام قيادة السلطة كان عندهم… ورغم ذلك ظلت ثقتي بالسلطة قائمة، حتى رأيت أعداد المعتقلين من مناطق أ تتزايد، ووصل الأمر أنهم دخلوا بيت الرئيس مفتشين في حديقته عن مطلوبين!!!

سكت من جديد، عانق أحد القادمين لتهنئته، وأكمل كما فعل حتى هذه اللحظة، وكأنه لم يعد يهمه شبئاً:

ـ ولماذا نستغرب بعد كل ذلك ما تفعله السلطة بالمعلمين؟!!! هل من يعاقب شعبه بالسجن لكونه يريد النضال بمستغرب على أن يضع على رأس المعلمين قيادة تبيع المعلمين ومصالحهم منذ اللحظة الأولى؟ فيتساقطوا تحت أقدام السلطة منذ اللحظات الأولى في محاولة منهم لإفشال هذا النضال المطلبي المحق، إسألوهم كنقابيين من أين لهم ما لديهم من أموال وامتيازات؟ وكيف حصلوا عليها ومن أين؟

إلتفت هذه المرة الى الآخرين وكأنه يريد أن يشرح لهم الأمر:

ـ منذ ثلاثة أعوام وقعوا مع المعلمين على زيادة بعشرة في المائة، لم يعطهم سوى حمسة منها فأين الباقي ؟ولماذا لم تُعطلم بعد سنين ثلاث؟ فالسلطة لا تريد أن يسد المعلمين رمق جوعهم، وإلّا لما جندت كل طاقتها لإفشال إضرابهم، ولما قامت بتجييش “حركة فتح” لتقوم بمظاهرة داعية لحقوق الطلاب !!!، يا لمساخر القدر عندما تُوَظَّف حركة محسوبة على حركات التحرر لتكون حجر عثرة لتمنع قطاع شعبي واسع من أخذ حقوقه؟!!! ليتحول دورها من النضال ضد الإحتلال الى نضال لتثبيت مصالح الطبقة الحاكمة في سلطة “أوسلو” وموظفة عندها. وكأن “شَبَع المعلم” يتعارض مع حقوق الطالب!!!   كذلك تقوم السلطة بإستنفار طاقتها كما لم تفعل من قبل مع الإحتلال، وتنصب الحواجز لتمنع تدفق المعلمين على الإعتصام السلمي!!!، ليأتي أحد أقطاب السلطة كاذباً ليخبرنا أن بعض الضباط قاموا بذلك بشكل فردي وليس بقرار سلطوي مركزي ومن أعلى السلطات، أي من الرئاسة مباشرة، بعد تجييش الإعلام “العاهر” المقروء والمسموع والمرئي على المعلمين أكثر مما جيشوه غلى المحتل في ريع قرن مضى!!! يا سلام كم يستخف هؤلاء بعقولنا!!! كم يعتقدون أنهم أذكياء وأغبياء نحن!!!

سكت قليلاً، وأكمل بإصرار لم أعهده به من قبل:

ـ الغلاء يأكل المعلم كما بقية أفراد الشعب الأخرى، فمعاش المعلم لن يوصله إلى منتصف الشهر بأي شكل من الأشكال، لن يحمله الى أبعد من ذلك، والحل الذي تراه السلطة  لكنها تتعامى عنه هو حل سهل وبسيط، وهو أن”يوقفوا السرقات عندهم في مؤسساتنا التي تحت سيطرتهم، أن يحاربوا الفساد ويتوقفوا عن الإفساد، أن يستعيدوا الأموال المنهوبة، ويوزعونها غلى الشعب ومؤسساته ونقاباته، فينهون بذلك أزمة المعلمين والعمال والأطباء وغيرها من الأزمات الكثيرة أيضاً، فأزمة المعلمين هي جزء من كل، وما يُحيرني ويستفزني أيضاً أنه وفي الوقت الذي يستعملون فيه كل إمكاناتهم لإفشال إضراب المعلمين، فهم لم يوقفوا لصاً واحداً أو يحاسبوا فاسدا واحداً أو حتى يعتقلوا عميلاً  واحداً ومرة واحدة في الربع قرن الماضي، ولم يحاولوا !!!

فقال أحد المتواجدين والقادمين للتهنئة، والذي كان جالساً على أحد كراسي القش الذي وضع مع كراسي مشابهة أخرى، بجانب كنبات البيت القديمة التي لم تتسع لهذا العدد من القادمين، قال على غير توقع:

ـ سيفعلوا…

فسأل رفعت بغضب باحثاً بعينيه عن مكان الصوت:

ـ متــــــــــــــــــــــــــــــــــــى؟!!!

فقال نفس الصوت من ذات المكان:

ـ وأمك بنت………….

أغرقت الكلمات صالون البيت بالضحك الصاخب، وضحك رفعت أيضاً، ولم أدر إن كانت ضحكته تلك خففت عنه همومه أم زادت من أعبائها فوق جسده.

محمد النجار

حذار حذار من غضب الرئيس

منذ أيامٍ طوال، طالب الرئيس الفلسطيني “شركاءه الإسرائليين” بالإفراج عن الأسبر الفلسطيني المضرب عن الطعام منذ ما يزيد عن 86 يوماً، وإلاّ “سيضطر آسفاً” إلى وقف التنسيق الأمني، الأمر الذي أثار ضجة كبيرة لدى أجهزة السلطة والناطقين بإسمها وكتبتها ووسائل إعلامها المسموعة والمرئية والمكتوبة، لكن المفاجأة الكبرى لديهم كلهم أن أحداً لم يصدقه من قادة “اسرائيل”، وبالتالي لم يُطلقوا سراح الأسير، لذلك فالرئيس ورجالاته هاجوا وماجوا وغضبوا واضطربوا، وامتعضوا وانفعلوا وحنقوا وحقدوا، وسخطوا واغتاظوا واحتدوا ونقموا وبرطموا، وسألوا صارخين :

ـ  لماذا لا تصدقون الرئيس؟… لماذا؟!!!

وبعضهم صرخ بال”عربيةالفصحى” بأعلى صوته :

ـ why?!!!

وسرعان ما انتقوا منهم بضعة رجال من رجال المرحلة الأشداء، وعقدوا اجتماعاً موسعاً مع أصدقائهم وزملائهم”الإسرائيليين”، وسألوهم بشكلٍ مباشرٍ وواضح، ودون دبلوماسية أو لف أو دوران أو حتى محاباة:          ـ لماذا لا تُصدقون السيد الرئيس؟

بل ذهب بعضهم إلى أبعد من ذلك وأوضح قائلاً:

ـ لماذا تصدقون السيد حسن نصر الله ولا تصدقون الرئيس عباس، رغم كل ما قدمه لدولتكم العتيدة من أمن وأمان وسلام؟!!!

لكن مفاجأتهم الكبرى كانت عندما نظر أعضاء الوفد “الإسرائيلي”واحدهم إلى الآخر، وبدأت علائم الإستغراب من هكذا سؤال، إستغراب لدرجة إستغباء السؤال والسائلين، فأخذ بعضهم بالإبيتسام، وآخرون بالضحك، وبنات أفكارهم تُجيب صارخة دون كلام:

ـ ألهذا دعوتمونا؟!!! تباً لكم يا أغبياء العصر وطُفيلييه، إذا كانت تجربة سعد حداد لم تُعلِّمكم شيئاً فما الذي يمكن أن يُعلِّمكم؟ فشعب الله المختار تتوجب خدمته من “الأغيار” كلهم، ولا تُلزم دولتنا أو “شعبنا” بشيء…

وتقاطعت نظراتهم مع عيون أعضاء وفد السلطة، وكاد يقول لهم أحدهم:

ـ لكننا نحترم الرجال حتى لو كانوا من ألد أعدائنا، ألم يخبركم سجناؤكم كيف كنا نحترم رجالاتهم المبدأيون غير المعترفين الذين ظلوا يحافظون على أسرارهم الوطنية، بعد إنتهاء التحقيق، رغم كل ما نفعله وفعلناه بهم؟ ورغم كل حقدنا عليهم لكننا كنا نهابهم ونرهبهم ونُجبر على إحترامهم…

لكنهم تذكروا أن قادة السلطة لا يعرفون الكثير عن سجنائهم… وقاموا تاركينهم دون حتى كلمة وداع.

ويُقال أن السلطة ورئيسها ورجالاتها قرروا التعامل بلامبالاة مع موضوعة الأسير المضرب عن الطعام، بنفس درجة اللامبالاة لدماء الأطفال الذين يُعدمون يومياً في وضح النهار على قارعة الطريق.

ويقال أيضاً أن المُغرضين المُتربصين بالقيادة، سرّبوا الأمر وتداولوه ونشروه، لذلك كان لا بد من الذهاب الى مسألة المصالحة الوطنية، وفي دويلة الشيخة موزة على وجه التحديد، معقل الإخوانية العربية وثيقة الإرتباط بالعم سام، للإستفادة من الأمر تكتيكياً، ولمرحلة قد تخدمهم لفترة زمنية قادمة، وخاصة كمورد مالي إضافي، فكما يُقال “فزيادة الخير خيراً”، كما وتلبية الدعوة للإحتفالات بذكرى الثورة الإيرانية لنفس الأسباب وغيرها أيضاً.

فالمصالحة كما يقول الجاهلون غير العارفين بدهاء السياسة ووعورة طرقها، هي أولاً وأخيراً مطلباً شعبياً منذ سنوات عشر، كما أن التطبيل والتزمير لها مفيد، ويظهرهم بمظهر الحريص على استعادة الوحدة الوطنية أيضاً، تماماً مثل حاجة قيادة حركة حماس للأمر نفسه، رغم الفرق بين برنامجيهما، فحماس تتمسك بالبندقية التي تدر عليها الدعم الإيراني، بجانب دعم آل سعود ودعم “حارة” الشيخة موزة المالي، مضافاً لدعم العثمانيين الجدد الذين يحاولون جاهدين لوي عنق حماس لتطبع مع اسرائيل، وتقوم بتسوية ما، أو على الأقل أن لا ترد على خروقات الكيان وضرب عمقه. والسلطة تتمسك ببرنامج التسوية التي تدر عليها الدعم الأمريكي الإسرائيلي الأوروبي بجانب دعم آل سعود.

وأمام إنتهاك السلطة لكل قواعد العمل الوطني، يقول بعض “المجانين” مثل كاتب هذه الكلمات، أن على الفصائل كافة محاربة مطاردة المناضلين، وعلى المناضلين الذين تمردوا على سلطات الإحتلال أن يرفضوا تسليم الذات للسلطة ويتمردوا عليه، وأن تساعدهم قواهم الوطنية، أو رفاقهم وإخوانهم حتى دون قرارات تنظيمية، ودون تعصب أو فئوية، وأن يحاربوه إذا اقتضى الأمر ذلك، وبذلك يبدأ نضالهم ضد مشروع سعد حداد ـ لحد الجديد في فلسطين. فالمستهدف هو المناضل الفلسطيني “بغض النظر عمّن هو ولا لأي فصيل ينتمي”، وكذلك القضية الفلسطينية بكل من فيها من فصائل وشخوص وطنية ومشروع تحرر.

ويضيف نفس “المُغرضين الثرثارين” أن قيادة حركة فتح، التي كانت طوال سنوات عمرها متفردة بالقرار الفلسطيني ، رافضة أن يشاركها به أحد، لن توافق بعد أن امتلكت السلطة و”قطفت ثمارها” المالية، أن يشاركها به أحد الآن، تماماً مثل حماس التي كانت ترفض التوقبع على مجرد بيان مشترك مع القيادة الموحدة للإنتفاضة، وامتلكت السلطة في الفطاع واستفادت منها جماهيرياً ومالياً، فلن تتخلّى عنها الآن أيضاًُ من أجل المصالحة، فالعامل المشترك بين الجانبين هو تملك السلطة والإستفادة منها والتمسك بها، فالطرفان تتملكان القوة ، أحدهما ببندقية مقاتلة والثاني ببندقية مساومة حامية لمشروع الإحتلال، ولن تتخلى أي منهما عن هذه القوة لمصلحة الأخرى، وستبقيان تراوحان أحدهما بقبعة أمريكية أوروبية والثانية بعباءة الإخوان المسلمين.

أما وأمرهما مع إيران، يُضيف “الحاقدون”، أن كلاهما لهما ما لهما وعليهما ما عليهما، فسلطة الرئيس عباس التي تحارب المقاومة المدعومة من إيران عسكرياً على الأقل، ليس لديها ما تطلبه من إيران أو تُبرره لها، فهي لن تتنازل عن سياستها ومقدساتها السياسية،” فالتنسيق الأمني مقدس، والمفاوضات مقدسة، وسياسة القمع للمناضلين والمحتجين والمتظاهرين مقدسة، وإعتقال المحرضين و المقاتلين وأصحاب الرأي الآخر مقدسة… وعدِّد بلا حرج”، ويُضيف الحاقدون على ما قالوه سابقاً، أن ضمن وفد السلطة المشارك في إحتفالات الثورة الإيرانية، أحد القادة الأكثر فئوية وتهريجاً وتبعية لدرجة الذيلية لكل رئيس، والأكثر تعصباً وديماغوجية وسطحية وحقداً على الآخر، وربما آخرون ممن هم مبعوثون خصيصاً لمعرفة ما يدور هناك ونقله بحذافيره لمخابرات السلطة. ويُروجون إلى أن السلطة ربما تُريد معرفة ما يمكن أن تقدمه إيران لفصائل المقاومة ليسهل عليها إحباطه في أرض الوطن “والله أعلم”…  أما قيادة حركة حماس الإخوانية، التي وجهت شكرها لقائد الأمة “ولد” الشيخة موزة “هوشي منه” الجديد لدعمه للمقاومة في غزة في الحرب الأخيرة، وملك آل سعود “جيفارا العصر” ورئيس السودان “الجنرال جياب”، كما معظم الدول الفاشلة غلى الصعد كلها، إلّا إيران الداعم الحقيقي والأوحد لم تذكرها ولو بكلمة شكر واحدة، إلا أنهم وكعادة الإخوان المسلمين المنافقة، وبعد أن أصبح فشل المشروع الأمريكي ـ الإخواني في المنطقة على شفا الهاوية، يحاولون الرجوع للحضن المالي العسكري الإيراني، دون قطع الخطوط لا مع العثمانية الجديدة التي تقايض فلسطين بأبخس الأثمان، ولا مع حارة الشيخة موزة، ولا حتى مع آل سعود!!!

لهذا كله، يؤكد الحاقدون المتربصون الثرثارون المزاودون، أنه وكي لا نُحبَط من جديد، وكي لا نُعلق آمالاً كبيرة كاذبة على ما يُسمى “مشروع المصالحة”، فعلينا أن نرى الأشياء كما هي دون تجميل، رغم ما سمعناه وقرأنا عنه وشاهدنا دلائل “نجاحه” من المصافحات وتبويس اللحى،  ورأينا الإحتفالات به من “أعراس” وهتافات وتمجيد، ففاقد الشيء لا يعطيه، والإتجاهين ليس لهما مصلحة في المصالحة، لذلك يبدو أننا لن نراها قريباً رغم كل دُعاء البسطاء منا وابتهالاتهم الى الله…

محمد النجار

إلحَقْ البوم يدلك عَ الخراب

كنت أدعو الله “بكرة وأصيلا”، وبعد كل صلاة، عندما كنت لا أقطع فرضاً، وما زلت أدعوه رغم أنني أصبحت أسهو أو أغفل عن بعض صلواتي، رغم معرفتي وحفظي للآية الكريمة التي تقول” ويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون”، وبقيت أدعوه حتى بعد أن إنقطعت عن أداة الصلاة نهائياً أو كِدت بسبب هموم الحياة ومتطلباتها، كنت أدع الله لنصر أمتنا العربية وقضيته المركزية “قضيةفلسطين”، وطالما دعوت الله لنصر قادة الأمة، وخصّيت بالذكر قادة الدول الفاعلة منها، من مصر مروراً بمملكة آل سعود وصولاً الى السودان الشقيق، وأمام تطور الأحداث كنت أحياناً أتوجه لله معاتباً على عدم سماع صوتي وعدم نصرهم، مستغفراً له على تجرؤي هذا، وكثيراً ما وجدت المرحومة أمي تنصحني وسط دعواتي، بأن أكف عن الغباء وأن أستخدم عقلي، وكثيراً ما قالت لي غاضبة معاتبة:

ـ يا بُني خلق الله العقل للإنسان ليستعمله لا ليُحنطه، ومن لا يستخدم عقله يقع في المحرمات، كونه لا يستخدم هبة الله له، تصور مثلاً أن لا يستخدم الطير جناحيه، أو الحيوان عينيه، أو حتى أن لا يستخدم الإنسان يديه أو رجليه؟ أليس هذا من نكران أهمية ما أعطانا الله؟ فما بالك بأن لا يستخدم ما هوأ هم من ذلك، العقل؟      ولم أستمع لنصيحتها تلك، رغم تقاسيم وجهها الذي صار عابساً أو غاضباً وعاتباً في الوقت ذاته.   صحيح أن وجهها لا تلحظ عليه البسمة إلّا عندما تبدأ تتحدث عن قريتها المنسية المتروكة هناك في الشمال الفلسطيني، عن البيت بتفاصيله وعن أصدقائها الصغار وألعابهم الطفولية، وما تبدأ تتمادى في الذكريات وتتعمق، وتتذكر بالتالي ماذا حل بهم من تقتيل وتهجير، يعود وجهها إلى ما كان عليه من حزن وعبوس، وغالباً ما تتوجهه بدمعتين ضالتين في ثنايا أخاديد وجهها المحفورة.

وعليه ومثل معظم الناس، “وليس كوني لم آخذ من التعليم سوى القليل، فأصبحت مساعد كهربائي أحفر الحوائط أمام “مُعلمي”بخدودٍ ممتدة صحيحة مثل “مسطرة”، ليضع بها أسلاكه قبل أن أكمل تغطيتها من جديد”، لم أستمع لنصيحة أمي، إلى أن جاء يوم كانت فيه أمي نزيلة المشفى، كان صدرها يضيق بالهواء غير قادر على أن يملأ رئتيها، وكانت عندما تحاول سحب كمية منه تشعر وكأن جسدهها يتمزق ويكاد يتهاوى أمام ثقل الهواء، الذي يبدو وكأنه يقف مُتربصاً بها،  وكنت أعاودها بعد أن أنهي عملي، حتى جاء يوم وكنت بجانب سريرها، وكانت تقص علي حكاياتها المعهودة، وقالت لي مجدداً:

ـ صدّقني يا بني ليس لي ذنب أبداً،  فالله وحده من يُوزع العقول على خلقه، لكنه يغضب إن لم يستعملونه، وعليك أن تدرك هذا الأمر الآن على الأقل بعد كل هذا التأخير، وأن تبدأ بإستعماله مُتأخراً الآن خير من أن تظل….  ولم تكمل عبارتها بكلمة “حماراً” هذه المرة. وابتسمتْ، نعم، حملت نفس الإبتسامة التي كانت تحملها عادة عندما تتحدث عن قريتها المسروقة وبيتها والعابها الصغيرة هناك، وطالت ابتسامتها الآن أكثر من أي مرة ثانية، دون أن يُعاود وجهها العبوس كالعادة، ودون أن تذرف دمعتيها الضالتين دون إرادة، بل ظلت معلقة إبتسامتها على أبواب فمها على غير عادتها، وكنت أوعدها قائلاً بأنني سوف أفعل، وأنني سوف أبدأ بإستخدام عقلي، لكنها لم ترد، فهززت يدها التي وقعت على حافة السرير لتنبهني أن أمك لم تعد تسمعك ولن تفعل بعد الآن أبداً.

عرفت وقتها أو تنبهت لأهمية إستخدام عقلي، وقررت أن أستخدمه إحتراماً لذكراها ولوعدي لها قبل مغادرتها الدنيا بلحظات.

لم أقل هذا الأمر للمتجمعين في عزاء جارنا “علي الدلاّل” بوفاة أبيه، حيث كنا في اليوم الثالث للعزاء، حيث انتهت أيام العزاء أو كادت، ولم يظل سوى المقربين من عائلة المتوفى، حيث كان الطقس شتوياً بارداً، وكنا في صالون بيته تتوسطنا “صوبة” من الغاز، ناثرة دفأها في ثنايا الغرفة، حين قال الشيخ صالح مؤيداً ما أسماهم بالإسلاميين الذين “يجاهدون” في سوريا، ومعلقاً على تدخل “حزب الله” الذي أوقف “الربيع العربي” وتمدده من خلال تدخله بالحرب مع الجيش هناك، ووجدتني أبدأ الحوار وابتسامة أمي “رحمها الله” أمامي، لأأكد لها أنني على عهدي بأن أستخدم عقلي:

ـ هذا الربيع يا شيخ صالح حولته أمريكا واسرائيل الى شتاء قارص قاحل، وحزب الله لم يفعل سوى الدفاع عن نفسه، لأن دوره كان قادماً بعد تفكيك سوريا.

وختمت بعبارة أمي قائلاً:

ـ علينا أن نستخدم عقولنا وإلاّ حاسبَنا الله يا سيدي الشيخ…

استفزالشيخ كلامي، واستفزه أكثر أنني أخذت مكانه في التحليل والتحريم، فانتفض قائلاً:

ـ إياك والفتوى، الزم حدودك ولا تعتدي على أمور المختصين وشؤونهم، إن هذا فقط من شأن أهل الخبرة والمعرفة والإختصاص، العالمين بشؤون الدين، وهذا شأننا نحن العلماء، أما أنت!!!

قال الشيخ صالح جملته الأخيرة مستفزاً كوني إعتديت على صلاحياته، وأنا الذي لم أقصد ذلك ارتبكت وكست وجهي الحمرة والخجل، لولا أن التقط جارنا أمجد الحديث فقال:

ـ أنتم العلماء؟!!! وما الذي اخترعتموه لتصبحوا علماءاً؟ أم تعتقد أن كل من عرف “أن يفك الخط “ويحفظ بضع آيات من القرآن أصبح عالماً؟

كان ارتباك الشيخ أكثر من ارتباكي، فتلعثم قليلاً قبل أن يُنقذه أمجد ويكمل من جديد:

ـ لنبقى في ما هو الأهم ياشيخ، فالله كما يعلم الجميع لم يوكل أحدا على الأرض، تركنا لشؤوننا وشؤون دنيانا، وهو على كل حال “الغفور الرحيم إن نسينا أو أخطأنا”، أما الربيع العربي الذي تبشرنا به بعد أن أذاقونا ديمقراطيته في العراق بمحاولات تحويله لبلد طائفي، وقتلهم بالجوع مايزيد على مليون عراقي، وبالنار والدم على نصف مليون آخر، سرقوا الربيع ليملؤوه دماً وتفجيراً ودماراً، فأي ربيع هذا الذي يقتل ما يزيد على نصف مليون مواطن ويجرح ما يزيد على 2 مليون آخرين ويشرد عشرة ملايين ويدمر البنية التحتية للبلدان؟!!!

فقلت مُتشجعاً أمام أقوال أمجد التي أعرفها لكني لا أُحسن صياغتها وقولها:

ـ كيف يكون ربيعاً وبوصلته ليست نحو فلسطين؟ فالعدو أصبحت إيران و”إسرائيل” أصبحت دولة صديقة؟ علينا استنخدام عقولنا…

وأكمل أمجد دون أن يُعقب على أقوالي:

ـ ابتدأ الربيع بتونس، فأحضر لنا الإخوان المسلمين، تحالفوا مع أمريكا ووضعوا أيديهم بأيدي نفس الطبقة السياسية التي حكمت وسرقت وقمعت، وبدأوا يغازلون الكيان وينشئون قنوات للتطبيع معه، وها نحن بعدخمس سنوات من الثورة، حيث زاد الفقراء فقراً، وحكومات بلا برامج اقتصادية أو إجتماعية أو حتى كرامة وطنية، بل ابتكروا لنا الإغتيالات السياسية …أما في مصر فالحال ذاته، حكومة العسكر ثم حكومة الإخوان المتحالفة أمريكياً، وتأكيد الإلتزام بإتفاقيات الذل في كامب ديفيد والإرتهان لصندوق النقدالدولي… وبعد خروج ما يقارب من الأربعين مليون في الشارع ضد الإخوان وسياستهم وثقافتهم الطائفية المشبوهة الموبوءة، عاد العسكر للحكم عبر الكذب والدعم الخليجي وسياسة الفهلوة، فرفع الدعم عن المواد الأساسية، وارتهنوا أكثر لدول الخليج وأموالهم وللبنك الدولي، وازداد الفقر وتعمق تهميش الطبقات الشعبية، وعاد تحالف الجيش مع البرجوازية التي حكمت البلاد وأوصلتها إلى الهاوية وأخرج رموزها من السجون وأودع المناضلين والقيادات والكادرات الثوريه التي قادت الثورة مكانهم… وفوق ذلك كله تحاصر القطاع بشعبه ومقاومته لخدمة المشروع الصهيوني بكل بشاعة ووقاحة…

لم يعجبني كثيراً الرجوع للماضي، رغم كونه صحيحاً وأقرب إلى فهمي وتفكيري، وقال أمجد مكملاً:

ـ هل تساءلت يا شيخ ولو مرة واحداً لماذا ليبيا ولماذا سوريا؟ فهناك عشرات الدول العربية والملكيات الأسوأ حالاً على المستويات كافة، فهل يُعقل أن تُحرر قطر ليبيا؟ وآل سعود سوريا؟ فعلاً “لاحق البوم يدلك ع الخراب “، فقد تدخلت قطر في السودان فأصبح السودان الواحد سودانين ، وفي ليبيا فأغرقتها بتنظيم القاعدة ودمروها وأحرقوها وربما إن استطاعوا فسيقسمونها لثلاثة، وربكم يعلم كم ستصبح سوريا بعدكل هذا القتل والتهجير والدمار .

فقلت مؤكداً رأيي ناصحاً:

ـ عليك أن تستخدم عقلك”بلا مؤاخذة” ياشيخنا ولن تضل أبداً …

يبدوا أن كلمة “ولا مؤاخذة” خففت غضب الشيخ الذي ظل يدافع عن “أولي الأمر” وتحريم الخروج عليهم مهما كان السبب، وكأن الأمر لا علاقة له سوى بالدين. فقال فؤاد الشاب الجامعي الذي على أبواب التخرج:

ـ أمعقول ياسيدي الشيخ أن آل سعود يريدون لنا ديقراطية في سوريا؟ طيب ليعملوا دستوراً لبلادهم أولاً . سكت قليلاً وتابع قائلاً:

ـ وهل من يدمر اليمن وشعبه ويحتل البحرين ويقمع ثورتها يريد تطبيقاً للديمقراطية؟ إن من يدمر الإنسان والحضارة والتاريخ لصالح أعداء الأمة هذا وإن امتلك شعارات براقة ما هو إلّا عدو لأمته. فما بالك عندما يكون هو نفسه فاقداً ليس فقط للديمقراطية التي يحاول تسويقها فقط، بل للشرعية أيضاً…

وعلقت أنا على الأمرقائلاُ :

ـ صحيح، يجب أن نستخدم عقولنا، البوصلة يجب أن تظل نحو فلسطين…

وسرعان ما تدخل أبو أسامة أستاذ اللغة العربية ليقول:

ـ تخيلوا لو صرفوا هذه الأموال التي دمروا بها إنساننا وحضارتنا على التصنيع والتعليم والتطبيب في الوطن العربي، ربما ما بقي جاهلاً أو أمياً أو عاطلاً عن العمل، ولأصبح وطننا “جنة الله على الأرض”…

فقلت مجدداً:

ـ نعم البوصلة يجب أن تظل نحو فلسطين، وعلينا أن نستخدم عقولنا

فرد المختار أبو فراس، والذي أخذ لقبه كونه يسارع في حل الإشكالات التي تسوقها الأيام بين الناس، بعد ترأسه للجنة الإصلاح في الحارة:

ـ بل قل لو سلّحوا الثورة الفلسطينية بما سلّحوا به هؤلاء لما بقيت إسرائيل على الخارطة منذ زمن.. والأغرب لهؤلاء الذين يسمونهم ثواراً، قصفهم للمدنيين، قتلهم للأسرى، وحصارهم لشعبهم كما في العديد من المدن والقرى السورية كما كان عليه الوضع في بلدتي “نبل والزهراء” قبل تحريرهما من الجيش السوري، فهل هناك ثوار يفعلون ذلك؟ وهل هناك ثوار يسرقون ويستولون على قوافل طعام الناس ويتاجرون به؟ أو يسرقون أدويتهم ويعودون بيعها بأضعاف ثمنها؟

فقال العجوز ابو أحمد بتهكمه المعهود وبإبتسامة خبيثة من بين شفتيه:

ـ يا عمي هؤلاء الثوار غير كل ما عرفناه أو سمعنا به في حيواتنا، فمعظمهم ثواراً وافدين، ليسوا مرتزقة لا سمح الله، فالقرغيز والشيشان والأفغان والإيغور والأتراك ثوار غيورون على تحرير سوريا، ويتم اختيارهم للمهمات الصعبة، لذلك يكلف الواحد منهم دولة آل سعود المائة ألف دولاراً أمريكياً، وليس مثل ثوارنا الفلسطينيين أو اللبنانيين.

فعاود أمجد الحديث من جديد وكأنه يريد إكمال موضوع لم ينتهِ، وسط ضحكات الناس وابتساماتهم:

ـ وبعد أن أخذت تتوالى إنتصارات الجيش السوري يريد آل سعود محاربة الإرهاب في سوريا، وكأنهم ليسوا من استحضروه وسلحوه ودعموه هناك؟!!! والحقيقة أنهم يريدون مواجهة الإنتصارات السورية وإيقافها …أتعلمون…

قال كلمته الأخيرة ليظل الناس مشدودين لما سيقوله، لكنني قاطعته قائلاً:

ـ نعم، علينا أن نستخدم عقولنا والبوصلة تظل نحو فلسطين…

وتابع هو بعد أن أخذ نفساً عميقاً من هواء الغرفة وكأنه لم يسمع ما قلته:

ـ لا تستغربوا أن تروا الأمريكان أنفسهم يقومون ببضع غارات جوية في الفترة الفادمة على جماعات الإرهاب ليقولوا أنهم لهم الباع الطويل في تحرير سوريا منه، تماماً كما يفعلون الآن في العراق وكما فعلوا في نهاية الحرب العالمية الثانية في أوروبا، حيث أرادوا مشاركة الروس الإنتصارات دون أن يدفعوا ثمناً!!!

وسكت قليلاً وتابع قائلاً:

ـ ورأيي أن أهم ما في الموضوع هو ما قاله الأخ عادل، وأشار بيده نحوي، أن البوصلة يجب أن تظل نحو فلسطين، وأي محاولة لتغيير إتجاهها أو حرفه هي محاولة مشبوهة، وأن نتساءل دائماً مَنْ المستفيد من كل هذا الخراب الذي عصف في الوطن العربي؟ أليست هي إسرائيل؟!!!

كدت أطير فرحاً عندما استشهد بكلماتي هذ الشاب الجامعي، وبطرف عيني كنت أرى الشيخ سالم وهو يمسد لحيته ويهدهدها كمن يُمسِّد على ظهر قطة، ولم أتحدث مجدداً حيث قالت لي أمي ذات يوم” إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب”، وبقيت مستمعا إلى أن غادرنا بيت العزاء بعدأ ن دخل المساء ظلام الليل متدثراً بعباءته، وازددت اصراراً على أن أستخدم عقلي دائماً في كل الأمور المهمة وغير المهمة أيضاً….

محمد النجار

قال “من أين لك هذا”…

كنت أرتشف كاسة الشاي التي أحضرها لي نادل المقهى الواقف على باب المدينة منذ زمن، حيث أردت الإرتياح من ” مشوار” الطريق، حين دخلا إلى نفس المقهى وجلسا متقابلين على طاولة مقابلة لي مجاورة، أخرج أحدهما من كيسٍ ورقيٍ “سندويشين” من الفلافل، يبدو أنه قد اشتراها من مطعم قريب، أعطى أحدهما لمُقابِلُه، وبدأ يقضم الآخر بأسنانه ناظراً الى النادل ليحضر لهما الشاي الذي طلباه، ويبدو أنهما تابعا حديثاً وحواراً كانا قد ابتدآه في مكان ما خارج المقهى، فقال أحدهما والذي عرفت لاحقاً أن اسمه عمر، بصوت خفيض لكنه مسموع لإنسان على مسافة قريبة، وليس له شريك يلهي أذنيه بأحاديث أخرى مثلي:

ـ يا صديقي، يا أحمد، ليس من المنطق أن تدافع عن اعتقال هذا البروفيسور*، لا لسبب إلّا لأنه يمتلك وجهة نطر أخرى مُخالفة…

حين رد عليه أحمد وما زال يمضغ لقمته، دالقاً فوقها جرعة من الشاي لتساعدها على الإنزلاق:

ـ انني لا أدافع عن اعتقاله لإمتلاكه وجهة نظر مخالفة، انني….

فقال عمر معلقاً مازحاً ومبتسماً:

ـ أنت تدافع عن إعتقاله كونه قال هذا الرأي وأخرجه إلى الملأ ، وليس لأنه يمتلكه فقط….

ـ لا ليس صحيحاً، أنا ضد الإعتقال على أساس الرأي، لكن الجميع يُحمِّل الرئيس مسؤولية هذا الإعتقال، وهذا به من الإجحاف الكثير…

قال وقد توقف للحظات عن القضم، ثم جرع جرعة من كاس شايه، حين قال عمر:

ـ يعني أزعجك كون الرئيس متهماً كما قيادة سلطته، ولم يزعجك أن الرجل معتقلاً؟!!!

أربك السؤال أحمد قليلاً، وأكمل متابعاً:

ـ تتحدث عن الرئيس وكأنه “حمامة مكة”، وهو ليس كذلك، أو كأنه يختلف عن من هم حوالية، والأمر ليس كذلك أيضاً، ثم إن كان من حوله بهذا السوء فهو رأسهم وإلّا لما استطاع التعايش معهم… إنه ربُّ البيت كما يُقال، وكما يقول الشاعر :

إذا كان رب البيت للطبل ضارباً                                   فشيمة أهل الدار كلهم الطبل”

فقال أحمد مقاطعاً لكن بشيء من الغضب:

ـ قصدت القول أن الإعتقال ليس سياسياً كما أوضحت السلطة…

ـ وصدّقتها؟ إذن لماذا الإعتقال؟ ربما لتعاطيه المخدرات أو لتجارته بها؟ وربما لتحرشات جنسية؟ وما يدرينا فربما كان الرجل قد شكل عصابات سطو مسلحة….

قال عمر بنفس طريقته المستهزئة لكن المتألمة أيضاً، وتابع:

ـ ومن يدري فربما يتهمونه بتقديم معلومات للعدو!!!

وسرعان ما عدّل عبارته الأخيرة قائلاً:

ـ أسحب عبارتي الأخيرة كون السلطة لا تتعرض للعملاء ولمن يقدم معلومات للعملاء…

كانت عبارته قاسية لكنها صادقة، كانت تصب مباشرة في أذني أحمد، الذي كان التوتر بادياً على ملامحه، فأخرج سيجارة من علبته التي كان قد وضعها أمامه بعدما جلس على الكرسي مباشرة، وقال:

ـ لا تُكبِّر الأمر كثيراً، فالأمر ليس بهذا الحجم ولا بهذا الشكل أيضاً، وربما لا يستحق كل هذا النقاش…

فقال عمر من جديد:

ـ جيد، لنأخذ الأمر ببساطة أكثر، رجل بهذا السن، تاريخه مشهود له بوطنيته، يحمل أفكاراً وطنية وله اقتراحات موحِدة، يُعتقل وكأنه خطر على الوضع الوطني العام، وتثور ثائرتك عندما أُحمِّل السلطة ورئيسها المسؤولية، ألا تشعر بأنك تستخف بعقلي؟!!!

قال أحمد وكأنه يدافع عن نفسه وما زالت سيجارته تأكل نفسها بين أصابع كفه:

ـ لا تفهم من حديثي أنني مع إعتقاله، لكني لا أرى في الأمر ذاك الخطر الذي تراه…

فرد عمر وقد صار صوته أعلى قليلاً من السابق:

ـ طبعاً، لذلك لم تعترض على أي إعتقال لأي مناضل حتى قبل هذا الإعتقال، فبرأيك لا يوجد معتقل يستحق حتى مجرد مثل هذا الحوار …

سكت فليلاً، وبدا أنه لم يكتفِ بما قاله، فأكمل ما بين الغضب والإستغراب:

ـ أتعرف ما أستغربه؟ لماذا لا يغضبون على حالات القتل اليومي من الكيان الصهيوني كما يغضبون على رجل من أبناء جلدتهم يقول رأياً حتى وإن كان مخالفاً؟ على الأقل فهو لم يحمل في وجههم بندقية! لماذا لا يغضبون على إرهاب “نتنياهو” وتقتيله وإعتقالاته كما يغضبون على أبناء شعبهم؟ ولماذا لا يتعاملون مع شعبهم بنفس “اللين والطيبة والتسامح والود” كما يتعاملون مع أعداء هذا الشعب من جيش ومستوطنين وقيادة؟ إن أكثر ما يثير استغرابي أنهم يحتملون “بصاطير” الإحتلال أكثر بكثيرٍ من احتمالهم لمجرد رأي من أي كان من أبناء شعبهم…

كان أحمد يستمع صامتاً غاضباً وكأن الحديث لا يعنيه، وعمر يتابع حديثه وكأنه لا يعنيه رأي أحمد أيضاً:

ـ كم تمنيت لو أوقفوا الإحتلال يوماً عن الوصول إلى غرف نومهم باحثاً عن مناضل يحاول الإختباء من رصاصاته التي تلاحقه ليستطيع مهاجمة جنودهم من جديد!!! لكنهم يعاتبون المحتل على عدم قتل هذا “الإرهابي الفار”، وكيف استطاع الفرار ليصل إلى قصورهم؟!!! ألا تريد أن تفتح عينيك يوماً لترى أن كل ما يتعلق بالإحتلال “مقدساً” بالنسبة لهم، وكل ما يتعلق بشعبهم وحقوقه يمكن البحث فيه والمساومة عليه والتنازل عنه؟!!! ألم يُثِر فضولك الأمر يوماً؟ وتظل تصرخ وكأنك بلا عقل ” ليس للرئيس علاقة”، ورئيسك يثور خارجاً عن طوره وكأنه “معمولٌ” له عمل، أو كمن “ركبه الجن” كما يقول شيوخ العصر أو المشعوذين، عندما يسمع عن مجموعات مسلحة أو سلاح غير “شرعي” كما يسميه أوحتى عن تظاهرة سلمية!!!، وتقول لي الرئيس لا يعلم؟!!! السمكة ياعزيزي تتعفن من رأسها أولاً، وهؤلاء يا عزيزي مخصيون، نعم مخصيون سياسياً، لم يعد فيهم أي أمل، “نَجَبَ”فيهم الخصاء واكتمل، وإخفاء هذه الحقبقة لا يغير ولا يبدل في كونها حقيقة، يعني كونك تُغمض عينيك نهاراً لا يعني أن الظلام قد حل واحتل الأفق…

كان أحمد ينظر بإندهاش الى عمر، وكان يعرف أن حواراته المتعددة مع صديقه عمر، كانت تنتهي بأن يُحرج نفسه ولا يستطيع الدفاع عن آرائه “الآيلة للسقوط” كما وصفها ذات يوم صديق مشترك لهما، لكنه قال رغم ذلك:

ـ والله يا أخي أنك تظلم الرئيس، صحيح أن جزءاً مما قلته صحيح، لكن ليس كله، حتى أنني سمعت أنه يريد أن يبدأ تحقيقاً مع رجالات السلطة عن أموالهم التي تتكدس في حساباتهم مسروقة أو مدفوعة من دول في المنطقة بما فيها “اسرائيل”، فالرجل ليس تماماً كما تصفه….

فقال عمر وكأنه لا يريد أن يترك له رأياً صائباً:

ـ فليسأل أبناءه أولاً، فالأقربون أولى بالمعروف، كي لا أقول فليسأل نفسه…

فقال أحمد مباشرة وكأنه حقق انتصاراً:

ـ لقد سأل

ـ سأل مَنْ؟

قال عمر سائلاً مستغرباً حين رد أحمد:

ـ سأل أحد أبنائه…

ـ ماذا سأله؟                                                                                                                    سأل عمر بتفس النبرة المستهجنة، حين أجابه أحمد:

ـ سأله “مِنْ أين لك هذا”؟

ـ وبماذا أجابه؟

سأل عمر من جديد وقد اقترب برأسه أكثر من أحمد وكأنه يريد أن يستمع بكل حواسه، فأجاب أحمد:

ـ أجابه “هذا من فضل ربي”

وسكت أحمد في الوقت الذي كان ينتظر عمر أن يكمل أحمد “تخيلاته”، وأمام سكوته المستمر سأل مجدداً:

ـ آه … وبعدين ؟

فقال أحمد:

ـ ولا قبلين…. أردت القول أن الرجل لا يترك الأمور على عواهنها، إنه يسأل ولا يسكت أبداً …

فقال عمر مُسْتَفَزّاً:

ـ تريد أن تقول أنه إكتفى بإجابة إبنه

ـ نعم… وهل هناك إجابة أوفى من ذلك؟!!! ” هذا من فضل ربي”…..

ـ إجابة “مُفحمةٌ” فعلاً… لقد سأل وتلقى الإجابة الوافية… أتعرف؟ أنا أستاهل الضرب بالحذاء لأنني أجلس مع أمثالك…

استفزني الحديث كما استفزت عمر الإجابة، إستفزني كما لم أُستفز من قبل، لدرجة أنني لم أستمع لبقية تعليق عمر، ناديت النادل وأعطيته ثمن كاسة الشاي التي طلبتها، وكنت قد استرحت من مشوار الطريق بعد أن أنزلني “باص الصليب ” إلى مركز المدينة، حيث جلست لأستريح قليلاً في هذا المقهى بعد أن عدت من زيارة لإبني القابع في سجن الإحتلال منذ سنوات ، وأدركت حينها أكثر من أي وقت مضى، أن مثل هؤلاء لا يستطيعون تحرير دجاجة من قفصها وليس آلاف السجناء، فقمت مُخاطباً إبني بأعلى صوتي وكأنه يقف أمامي ويسمعني:

ـ لكم الله يا بُني… إعتمدوا على زنودكم وزنود مَنْ هم على شاكلتكم فقط، فالمخصي يظل مخصياً و”ما بيجيب ولاد” ، يعني ليس لديه بذوراً لأطفال، “ففاقد الشيء لا يُعطيه”، وكلما كان أكثر خصاءاً كلما حاول أن يُظهر فحولته المفقودة أكثر على أبناء شعبه، وهؤلاء يابني كما قال الشاعر ذات يوم: “أسدٌ علي وفي الحروب نعامة”….

وأكملت طريقي مستعيناً بعكازتي وبمصابيح الطريق لأصل بيتنا في المخيم القريب، الواقف على باب المدينة  منتظراً العودة منذ عقود…

  • المقصود إعتقال البرفيسور الدكتور عبد الستار قاسم

محمد النجار

“أحلام العصافير”…

نهضت من فراشي فرحاً مسروراً كما لم أفعل من قبل، فقد رأيت حلماً مُبهجاً نادراً ما يراه النائم في سنوات عمره، فصارت الأفكار تتقافز في رأسي متلاعبة فرحة، والكلمات تداعب شفتاي منزلقة عن لساني، لكنني بمهارتي أوقفتها عند حدود الشفتين، ثم أرجعتها للخلف لأعض عليها بأسناني موقفاً تدحرجها اللافت، والذي ربما يسبب لي مشاكلَ ليس بي قدرة على ضبطها، لكنني ومع ضغط الحلم على رأسي ولساني فضلت التوجه الى شيخ جليل يَئِمُ الناس في أحد مساجد مدينتنا، وقبل صلاة الظهر اغتسلت وتوضأت وقصدت المسجد، ووقفت تماماً خلف فضيلته، صليت ركعات الجماعة خلفه، ثم أكملت بقية الركعات وحدي مسرعاً، وبعد أن أكمل صلاته توجهت لفضيلته ورجوته أن يظل في المسجد لأنني بحاجة إليه، فما كان منه إلّا أن أمسكني من يدي، وسحبني الى إحدى زوايا المسجد باسماً قائلاً بلغته العربية الفصحى:

ـ لدي ما يكفي من الوقت يابني، هيا بنا لنتمجلس ونتحدث بما يؤلمك، لعل الله يجعل في أقوالي الشفاء…

ـ إنشاء الله ياشيخنا الفاضل، إنشاء الله…

قلت ومشيت حتى وصلنا تلك الزاوية، جلسنا وقلت بكلمات كانت واقفة على أبواب فمي، تتربص ان أفتحه لتندلق في وجه الشيخ:

ـ رأيت سيدي الشيخ فيما يرى النائم حلماً …

فقاطعني الشيخ قائلاَ:

ـ خير اللهم اجعله خيراً…

وبدأت أقص عليه حلمي، وأول ما رأيت في وجه سماحته، أن وجهه لم يعد سمحاً، وان قسمات وجهه قد ابتدأت بالتغير، ثم لم يطق أقوالي كثيراً ويتحملها، فأخذ يقول من بين كلماتي:

ـ الله اكبر… الله أكبر…

وكلما تعمقت بالحديث أكثر قال:

ـ لا حول ولا قوة إلّا بالله…

وقبل أن أكمل حلمي ليفسره، قام واقفاً غاضباً وقال:

ـ هذا ليس حلماً يابني، ما هذا ورب العزة إلا دليل اتهام…

وسار بخطى واسعة نحو باب المسجد، وأنا أركض خلفه لا أعرف لماذا يهرب الشيخ من كلماتي، حتى إذا وقف لينتعل حذاءه قال:

ـ ألم تجد حلماً آخراً لتحلمه إلّا هذا؟!!! ثم إنني كما ترى رجل مسن لا تتحمل عظامي نتاج تفسير أحلامك هذه… إذهب يابني وجد لك مفسراً بعيداً عن معشر الشيوخ، فحلمك يحتاج إلى فلاسفة وصناع قرار ليفسروه….  وخرج، وظل يتجنب عيني ولساني في لاحق الأيام.

موقف الشيخ الفاضل أدخلني في حالة من الذهول، ولم أعد متأكداً من صحة موقفي الفرح من حلمي هذا، لكنني بقيت مصراً على أن أجد مفسراً له، الأمر الذي ساقني الى عرّاف في قرية مجاورة.

أجلسني الرجل على الأرض مقابله تماماً، بيننا بضع جمرات على كانونٍ تحرق أعشاب فتطلق رائحة عبقة من بخورٍ قد احترق لتوه، فملىء جو الغرفة شبه المعتم وتداخل في جزئيات هوائها، فأخذت أستنشق والعرّاف ذرّات الهواء المشبعة برائحة البخور، الذي أخذ يتداخل في مسامات جلدي وطيات ملابسي.

قرأ الرجل آيات من الذكر الحكيم، وأخذ يستدعي الجن والأموات ليساعدوه في تفسير الحلم، ثم قال صارخاً:        ـ حييييييييييييييييييي…

وأشار علي أن أبدأ بالحديث.

وفعلاً ابتدأت بالحديث، وما أن سرت بحديثي بضع عبارات وجملتين، حتى وقف العرّاف على قدميه، أشعل الضوء واستنهضني قائلاً:

ـ قم، هيا قم ولا أريد أن أراك مجدداً…

وقمت ولم أعرف أين ذهب الجن والأموات الذين استدعاهم الرجل، ودون أن يدع لي مجالاً لحديث قال لي سائلاً:

ـ من الذي دفعك إليّ يارجل؟ أي العرّافين المنافسين فعل ذلك؟

وأمام قسمي المتتالي بأن أحداً لم يدفعني قال:

ـ إذن لم يدفعك سوى العقيد أبو جابر لتستدرجني في الكلام وتسحب لساني؟ إنه يريد الإنتقام مني لأنه يعتبر ما أدفعه لي مقابل حمايته قليلاً، أعني أقل من الجهد الذي يبذله لحمايتي… ياأخي إرحموني، وهل أبقيتم شيئاً لأحدٍ ليعتاش؟

وقبل أن أحاول حتى الدفاع عن نفسي، طردني من بيته محذراً:

ـ إياك أن أراك مجدداً ليس أمام بيتي وحسب، بل في القرية كلها، لأنني لن أهتم حينها لا بك ولا بالعقيد نفسه، أفهمت؟!!!

أتذكر الآن كلمات والدي أطال الله في عمره، عندما كان يظل يقول لي أنني رجلاً عنيدًا، وها أنا أؤكد على كلماته تلك الآن من جديد، فرغم ماحل بي إلّا أنني ما زلت أبحث عمّن يفسر لي حلمي هذا، ووجدتني أشكو همّي هذا الى صديق لم يكن يوماً مقرباً مني، وظننت دائماً أنه لا يؤمن بأحلام أو تفسير أحلام، وأكاد أجزم أنه لم يدخل يوماً مسجداً أو كنيسة،، أقول ذلك كوني لا إعرف ما هية دينه، فاسمه لا يدل على شيء من هذا القبيل، وليس من اللياقة سؤاله عن ذلك… قلت بعد أن دعاني وأجلسني في صالون بيته:

ـ حلمت يا علاء حلماً أبهجني، لكني لم أجد أحداً ليفسره…

نظر إلي طويلاً، ودون حديث منه أكملت غير آبه بإستغرابه:

ـ رأيت فيما يرى النائم، اللهم اجعله خيراً…  رأيت أن قادة الإحتلال يرون في سلطتنا الفلسطينية الخطر الأكبر على كيانهم، وأنه لن يمر طويل وقت دون أن تندلع حرباً معها، حرباً غير مسبوقة لافي حدتها ولا في مدتها، وستستخدم فيها السلطة ترسانتها الصاروخية “غير العبثية” المكدسة والمخفية، والتي ستنزل على كيانهم بالآلاف، مدمرة مطاراتهم وسفنهم الحربية وطائراتهم ودباباتهم، وتضرب مصافي النفط ومحطات توليد الكهرباء وربما تلجأ لضرب مفاعل ديمونا نفسه، وستكون هناك مواجهات برية قاسية، يقودها قادة الأجهزة الأمنية، وأبطال التنسيق الأمني….

ونظرت الى ردة فعله بطرف عينيّ، لكني لم أجد منه ما رأيته من فضيلة الشيخ ولا من العراّف، ورغم الإبتسامة التي حاول إخفاءها ماسحاً شواربه بأصابع كفه الأيمن، إلا أنني أكملت دون أن يقاطعني أبداً:

ـ وحلمت أنهم أكّدوا أن الحرب ستدور فوق ما استولوا عليه من أرضنا عام النكبة، وداخل المستوطنات التي أقاموها على الأرض المحتلة منذ عام النكسة، وأن قوة الشكيمة عند السلطة ستجعلها تحتجز العديد من الأسرى، الأمر الذي سيجعلهم يبادلونهم  بآلاف من المعتقلين السياسيين القابعين منذ عشرات السنين داخل المعتقلات، ولن تُرجعهم السلطة دون ذلك، كما تفعل الآن مع الجنود والمستوطنين الفارين من المنتفضين في المدن المختلفة ….

ونظرت لوجهه من جديد دون أن يشعر، محاولاً أن أُعطيه المجال لإسكاتي إن كان يريد ذلك كما فعلا من سبقاه، لكنه كان يستمع بإهتمام وانتباه، دون أن ينبس ببنة شفة، الأمر الذي شجعني على متابعة سرد حلمي ذاك، فقلت متابعاً:

ـ وأكدوا أن الحرب ستمتد طويلاً، وستحولها قيادة السلطة الى حرب شعبية طويلة الأمد، لأنها هيأت الأرض والشعب لهذه المعركة على مدار السنوات “الأوسلوية” السابقة كلها بسرية كاملة، وأنهم سيحررون المستوطنات ويُخلونها لتتسع للدفعة الأولى من شعبنا العائد الى أرض الوطن.

ارتشفت من كأس الشاي الذي بين يدي، وأكملت من جديد، بعد أن رأيت علائم الجدية تكسي وجهه الذي كان محروقاً من أشعة الشمس قبل هذا الفصل الشتائي القارص:

ـ ولقد رأيت بأم عيني فيما يرى النائم، “ورفعت يديّ الى السماء داعياً “اللهم اجعله خيراً”، أن الرئيس الفلسطيني يُشرف على حفر الخنادق الهجومية بنفسه، ومدير مخابراته يشرف على نصب الصواريخ المعدة للإطلاق من تحت الأرض، وكبير المفاوضين يشرف على عمل القناصة………..

وما هي إلا لحظات حتى قال علاء:

ـ لكن هذا ما قالوه عن حزب الله، ولا علاقة للسلطة به، يبدو أنك عشت سويعات من أحلام اليقظة!!!

وكاد أن يضحك لولا أن قطعت كلماتي الطريق على ضحكاته:

ـ لا والله لقد كنت أحلم نائماً، وربما سمع شخيري الجيران في تلك الساعة…

فقال وما زال مصراً على رأيه:

ـ ربما إذن كنت قد نمت وتركت المذياع أو التلفاز يقول نشرته الإخبارية فظننت أن ذلك حلماً؟!!!

فأكدت أن ذلك لم يتم وأن مكان نومي لا يحوي لا مذياعاً ولا تلفازاً

قام علاء من غرفة الصالون الى داخل البيت محضرا معه جهاز قياس حرارة الجسم الذي اشتراه ليتابع حرارة طفله كلما كان مريضاً، ودسه في فمي، أخرجته وأخبرته أنني لست مريضا، وأمام إصراري على رؤيتي لمثل هذا الحلم، نصحني بالتوجه للطبيب قائلاً:

ـ عليك مراجعة الطبيب، ما بك يا رجل؟ أتعتقد أن من يقمع مجرد مظاهرة أو يهاجم مجرد اعتصام، ويجاهر بالتنسيق الأمني ويصفه بأنه “مقدّس” ويعتقل ويعذب ويسلم مناضلين للإحتلال ليقتلهم أو ليعتقلهم يمكن أن يكون كما تقول حتى لو في الأحلام؟!!!

كان لوقع كلماته الأثر المقنع عندي، فقلت:

ـ حاضر… سأذهب في الغد لمراجعة الطبيب…

فقال:

ـ ولماذا في الغد؟ خير البر عاجله، هيا بنا الآن، سأوصلك بسيارتي…

كدت أضحك، فمن يسمعه يتحدث عن سيارته يعتقدها سيارة حقيقية، رغم أنها تظل عند “الميكانيكي” أكثر من كونها أمام باب بيته، لكني قلت متحدياً:

ـ هيا بنا، فقط لأثبت لك أنني أتمتع بكامل صحتي والحمد لله…

وذهبنا للمشفى وأجرينا تحليلاً للدم وللبول وقمنا بتصوير طبقي للدماغ، ولم يكن هناك ما يستدعي الخوف، فكل شيء على مايُرام كما أكد الطبيب المتخصص سائلاً عن أسباب هذه التحاليل، فقال صديقي في محاولة للتمويه:

ـ انه يرى أحلاماً ويعتقدها حقيقة يادكتور…

فقال الدكتور بعد أن هز رأسه، وأخذ يكتب شيئاًعلى ورقة أمامه:

ـ هذا اسم طبيب نفسي موصوف، علاجك عنده وليس عندي

ومن باب “لاحق “العيّار”لباب الدار”، قلت لعلاء الذي بدى أنه يريد التراجع عن وصفته بمراجعة الطبيب:

ـ هيا ياعلاء، لماذا بدأت بالتراجع؟!!!

وذهبنا…

كانت صالة الإنتظار خالية إلّا من شخص واحد فقط، وانتظرنا دورنا دون حديث تقريباً ما يقارب ساعة كاملة، ثم دخلنا نحن الإثنان، وقررت أن أتحدث أنا هذه المرة، فقلت ما قاله علاء للطبيب السابق، لكن بطريقة مختلفة:

ـ يقول البعض ياحكيم أنني أحلم معتقداً أن أحلامي هي حقيقة…

فقال الحكيم مشيراً الى صديقي علاء:

ـ وما علاقة هذا الرجل في ذلك؟ يجب أن نتحدث نحن الإثنان فقط ، بمفردنا…

فقلت معترضاً:

ـ أرجوك ياحكيم، أريده أن يبقى

رفع الحكيم من أكتاقه، وقال:

ـ كما تريد، لكن هذه المرة فقط..

وتابع:                                                                                                                                  ـ بعتقد الناس أنك تعتقد أن أحلامك حقيقة وليست أحلاما… يجب أن تعلم أن الأمر خطير، ولا بد من أن تكون قادراً على التفريق بين الأحلام واليقظة، لكن قبل أن نتحدث في الأمر هل ممكن أن تُحدثني عن ماهية هذه الأحلام؟

وبدأت أسرد حلمي من جديد، شارحاً واصفاً مستعيناً بيدي لتساعدني في ذلك، وكان الحكيم يستمع بإهتمام لكل كلمة أقولها، حتى وصلت الى القول: أنني أردت، كل ما أردت، أن أجد من يُفسر لي هذا الحلم، وأنني لم أطلب من أحد تصديقه…

كان الحكيم قد أسند ظهره ظهر المقعد المتحرك، وظل يضرب بقلمه برتابة هادئة بطن كفه، وما أن انتهيت من حديثي حتى رمى بقلمه غلى ظهر الطاولة، وقال بعد أن أطال النظر في عيني:

ـ يا ليتني أستطيع أن أحلم مثل أحلامك هذه، والأهم لو حلمتها أن أستطيع تصديقها… يبدو أننا أصبحنا بحاجة لنصدق أي شيء يجعلنا نصدق أننا ما زلنا مناضلين ولم نتحول بعد لجنود سعد حداد العملاء في فلسطين…. إذهب يابني… احلم كما شئت، لكن حاول أن تجد طريقة لتحول أخلامك الى حقيقة، واحذر “قتلة الأحلام والحالمين” هؤلاء كي لا يقتلوا أحلامك في مهدها….

وقررت أن أظل أحلم ما حييت، حتى لو كانت “أحلام العصافير”، رغم أنني لم أعرف من الذي عليّ أن أحذره، وخجلت أن أسأل الحكيم عن مقصده، فقررت أن أعرف الأمر وحدي …

محمد النجار

آل سعود …”جكر في الطهارة يشخون في لباسهم”

لبّت دول الجامعة “العبرية”، والتي من المفترض أنها عربية، نداء الإستغاثة مدفوع الأجر الصادر من آل سعود، فتجمعوا وجاؤوا زرافات زرافات، وتقاضوا الأجر وأخذوا التذاكر المحجوزة الى مقر الجامعة”العبرية”، وتوجهوا الى هناك وأخذ كل منهم مقعده، يتصدرهم رئيس الجامعة والذي هو أكبرهم معاشاً، ويقول البعض أنه يأخذ موضوعة استدعاء التدخل الخارجي على الأوطان أو الصراخ على قتلى شعوبنا، وتحويل مقاتلين المرتزقة الى ثوار معتدلين أو لمدنيين فقراء عزل، “مقاولة” يقبض نصف ثمنها مقدماً والنصف الثاني وفوقه علاوة عند انتهاء المقاولة، وهذه الأجرةالمستَحقة يأخذ قسمها الأكبر بسبب موقفه الواضح الراسخ ملتزماً بقرار آل سعود، بعدم ذكر قضية فلسطين لا بشعار ولا بقرار، كون المرحلة الحالية ليست هي “المرحلة الأمثل” لطرحها والحديث عنها، فالمرحلة ليست مرحلة” صغائر الأمور” ولا “التوافه” منها، وما هي القضية الفلسطينية وسط هذا الإعصار من المسائل والحروب سوى قضية “صغيرة تافهة”؟!!!، حتى وإن بدت أنها الخاسر الأكبر مما يجري في هذه الحرب الكونية في المنطقة برمتها.

الأمر الذي يستدعي تصويب “البوصلة” وتعديل “الإتجاه” نحو العدو الحقيقي ألا وهو “ايران”، هذه الإيران التي “تمادت” في دعمها للقضية الفلسطينية في محاولة فاشلة لخلط الأوراق، فقامت بدعم “السنة” في فلسطين لتُشَيّعهم، وتدعم “الشيعة” في لبنان والعراق “لتورطهم” في حروب طويلة بدلاً من “الإنحناء” أمام العاصفة، الأمر الذي جعلهم في لبنان يحررون معظم أراضيهم وأسراهم من الحليفة “اسرائيل” “أطال الله عمرها”، وفي العراق من داعش ومن خلفه ومن يدعمه من حلفاء اسرائيل وامريكا وبمال من آل سعود، الأمر الذي يؤدي الى التدخل في شؤون آل سعود “الداخلية”، ولخلط الأوراق وتشويه صورة الحلفاء في أمريكا واسرائيل، وسيجعل “قليلوا العقل” يعتقدون أن مثل هؤلاء “الرعاع” وإن كانوا مدعومين من دولة “الفرس الشيعية الأيرانية الرافضية المارقة”، يمكن أن تجعل “العين تنتصر على المخرز، أو الدم ينتصر على السيف!!!

لهذا فقد صدق “غلام الملوك” ابن الجبير، الذي يتهمونه زوراً وبهتاناً ب”المثلية”، وهو ليس كذلك، إنه ظل “غلاما” وفياً للملك “المغفور له عبدالله” حتى مات، فانتقل ليكون غلاماً للملك الجديد سلمان، وأخلص ووفى، لكن ما العمل إذا كان مرض الزهايمر قد أخذ عقل مليكه وهرب، مما اضطره ليكون غلام ولي ولي العهد.

نعم صدق حين قال أن مشكلة بلاده مع إيران ابتدأت مباشرة منذ انتصرت ثورتهم، حيث اكتشف حينها  جهابذة المملكة وعلماؤها الأجلّاء وقيادتها المتميزة والحمد لله، أن دولة الفرس هذه ما هي سوى دولة شيعية مارقه “والعياذ بالله”، حيث كان الشاه “سنيًا” متخفياً في زيٍ “شيعي”، وإلا كيف يمكن تفسير دعمه آل سعود ضد عبد الناصر ” الشيعي” المتخفي في زي “سني”، في مصر واليمن، وكيف يمكن تفسير دعمه آل سعود لدعمهم حلف بغداد، وكيف شاركهم ضرب كل القوى والمؤسسات والأفراد الذين حاولوا اسقاط حكمهم العادل أو التأثير عليه طوال فترة وجوده في الحكم، حيث قصفهم وعائلاتهم ومياههم وزرعهم وضرعهم، وشارك في ملاحقتهم واعتقالهم وتسليمهم لقيادة آل سعود “طال عمرهم”.

لذلك قامت هذه الدولة “الفارسية” بالكشف عن انيابها بعد سقوط الشاه مباشرة، وبالتحديد منذ اليوم الذي أنزل “شِيَعَتهم” العلم الأسرائيلي عن السفارة الإسرائيلية وأحرقوه، رافعين العلم الفلسطيني مكانه ومُسَلِّمين السفارة كلها لمنظمة التحرير في محاولة لذر الرماد في العيون. ولمعرفة هذا التاريخ أيدت معظم الدول العربية موقف مملكة آل سعود وملوكها وأمراؤها، ومن حاول الرفض أروه”شيكاً” أو “شمموه” رُزمة دولارات من عملة العم سام فاستفاق وعاد الى رشده.

لكن هناك دول سباقة في “فعل الخير”، وليس في حب المال كما يقول المغرضون، دول مؤثرة في السياسات المحلية والدولية، فجيبوتي ـ بلا صغرة ـ والصومال والسودان، أصحاب المواقف المبدئية، فحكومة السودان ورئيسها وخاصة الرئيس رعاه الله، يُقَسِّم بلاده ويُصَحِّر أرضه ويجوع شعبه، لكنه يهتدي والحمد لله، بعد أن هداه الله، مثل كل “أمة” قيادات الإخوان المسلمين حيث لا عهد ولا وعد ولا ذمَّة ولا ضمير، إلى أن التطبيع مع “إسرائيل” واجب وضرورة للوصول لأموال آل سعود وقلب العم سام، لكنه “والحمد لله” يحاكم امرأة لأنها تلبس بنطالاً، ويُطَلِّق امرأة من زوجها ويقيم عليها الحد لزواجها “الباطل” من مسيحي من أهل الكتاب، ولا يتسامح أبداً في الفسق والفجور!!!

ولا ننسى اللاعب الأكبر والذي يسميه البعض ظلماً وعدواناً، “جبل الأوساخ  والقاذورات المتحرك” وزير الخارجية البحريني، الذي يحاول التطاول غلى قيادة المقاومة، كونه قدم لقضية شعبه ولكل القضايا العربية أكثر بكثير مما قدمته المقاومة وقيادتها، وهو ليس “بقصير يتطاول” كما قال المتنبي، ومن لا يصدق عليه أن يدقق في ديمقراطية الرجل ووطنيته، بدفاعه عن حقوق الإنسان والدفاع المستميت كي لا تسحب الجنسية أو يعتقل المناضلون البحرانيون أو لا سمح الله تطلق النار على المسيرات السلمية الجماهيرية، أو استدعاء قوات درع الخليج من “مملكة الخير” مملكة آل سعود لا قدّر الله.

اما الرئيس الفلسطيني الذي لم يؤمن يوماً بأن هناك مستقبلاً لثورة أو لعمل ثوري، لدرجة أنه عند اجتياح لبنان، وقبل انتهاء القيادة المتفردة والمتنفذة في م .ت. ف. من التفاهم مع فيليب حبيب، وزير خارجية أمريكا آنذاك، للخروج من لبنان، كان قد غادر الى تونس واستأجر بيتاً “لعائلتة المناضلة الكريمة”، وقرر المغادرة حضر “القوم” أم بقيوا، حسب ما قال موضحاً، ويضيف بعض الحاقدين أو الحاسدين : أن الرئيس الذي كان مجرد محاسباً في المنظمة وأصبح والحمدلله مليونيرًا كبيرا جداً مع حاشيته الحالية، ويعرف بوضوح في الرؤية والبصيرة أيضاً، أنه “يا روح ما بعدك روح”و” يُفضّل شعار” مائة جبان على الله يرحمه”،لذلك فهو يحب المال ب”الفطرة” في الوضع العادي، فما بالك اذا كانت الملايين تتراقص أمامه من أولي الأمر “آل سعود”؟!!! فصرح الرجل ليس باسم السلطة وحسب، بل باسم السلطة وم .ت. ف. ، والمقاومة الوطنية والإسلامية في غزة هاشم، وباسم الشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده، أنه يعلن تأيييده لآل سعود، لأن” كل ما فعلته وتفعله السعودية صحيحاً” كما قال، فرجل السلام مع “اسرائيل” الذي أحبط مائتي عملية “ارهابية” ضد اسرائيل، فقط منذ بدأت الإنتفاضة، لكنه لم يوقف عملية قتل واحدة صهيونية ضد الفلسطينيين!!! كما لم يعتقل أو يكشف أو يحقق مع أي عميل لإسرائيل في السلطة أو بين الشعب!!! لكنه ـ وبحمد المولى ـ يؤيد الحرب على شعب اليمن التي يعترف به كحديقة آل سعود الخلفية، والعراق وسوريا حديقتيهما الجانبية والأمامية، كما أنه يدرك أن أي دعوة لحرب أو “إعتداء”على اسرائيل تُخَسِّرَه، وأي تأييد لحرب على أي دولة عربية، شرط أن تكون معادية أو شبه معادية أو ربما ستكون معادية ولو بعدحين”لإسرائيل”، ويقودها آل سعود ستكون مربحة ومجدية اقتصادياً.

لكن الغريب، لا بل الطبيعي، أن قيادة حماس لم تستنكر ما قاله الرئيس، كونها ترى في القيادة “السعودية” مصدر تمويل اضافي لهم ولحركة الأخوان المسلمين في العالم كله، يضاف لما تتصدق به حارة الشيخة موزه، وواجب شرعي عليهم التمسك به حتى لو على حساب الشعب والقضية، بل التفريط بهذا المال “بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار” و يقول المغرضون أن تبريرهم جاهز وسريع بالطبع، وهو  أن مواقفهم هذه “تكتيك ياجاهل”، أو “أن القضية بحاجة الجميع، وهم لا يدخلون محاور ضد محاور أخرى، ولا يكلف الله نفساً  إلا وسعها، وآيات القرآن والحديث جاهزة.

كما أن آل سعود ومملكة الخير وقيادتها التي تجز رأس أي شخص يرفض مبايعتها ،أو معارضتها والعياذ بالله، وتعتبره تمرد من القطيع لا يعالج إلّا بجز الرؤوس كما فعلت قبل أيام، والجامعة “العبرية”  برئيسها المسمى بالعربي والنبيل، والرئيس الفلسطيني المنتهية ولايته، يعلمون علم اليقين أن الأمريكي ما زال يغرس أنيابه وأظافره في المنطقة محاولاً التمترس والبقاء، فها هو مثلاُ يحاول إخراج الجيش الشعبي من محاربة داعش في العراق، وضرب “:بالخطأ ” الجيش العراقي وأحياناً السوري، وقطع تقدم الحشد الشعبي الذي كان يتوجه للسيطرة على الحدود العراقية السورية، ويقيم غرفة عمليات في منطقة اليعربية على الحدود، كي توقف زحف الحشد الشعبي وتمنعه من الإنتصار على داعش، وسرعان ما توقف تقدم الجيش العراقي بعد كل معركة ينتصر فيها، بتفاهات وتبريرات تافهة، كي تستطيع نقل قيادة الدواعش الى مناطق أخرى لأستمرار استنزاف الجيوش العربية في المنطقة، وتأخير هزيمتهم ما أمكن في العراق سوريا .

على أي حال فإن هؤلاء “الأعراب” وتوابعهم وكل من التحق بركب “صنادلهم”، كما يقول ويتطاول المتطاولون، مؤكدين أن دولة آل سعود لم ولن يجرؤوا على أن يكونوا مثل دولة “الفرس الرافضية”، لكونها دولة تحترم نفسها، وتقيم اعتباراً لشعبها، وتحترم تاريخها وتعمل لمستقبلها، ويكمل المتطرفون: وهؤلاء الذين يهدمون قوة شعوبنا بأيديهم ويدمرون حضاراتنا بأموال الشعب التي نهبوها، ويقاتلون بأبنائنا ليتسيَّد علينا الصهيو أمريكي، حيث  ندفع نحن الثمن بأموالنا وبدمائنا وهم من يكسبون،  ليس فقط بالحروب المفبركة في المنطقة كلها، بل أيضاً بتخفيض سعر النفط بنسبة تصل الى حوالي 75%، وذلك لضرب الإقتصاد الإيراني والروسي والفنزويلي خدمة لأمريكا، الأمر الذي أدى الى التدمير الذاتي لإقتصاد دولة آل سعود واقتصاد دول الخليج قبل أي اقتصاد آخر، وتعافي الإقتصاد الأمريكي!!! حيث تخسر دول الخليج يومياً، لاحظ يومياً، ما يزيد على 1.5 مليار دولار يومياً من الفرق في أسعار النفط وتربح أمريكا من نفس الفرق في السعر حوالي 700 مليار دولار سنوياً. ما أدى لإنخفاض سعر النفط على الشعب الأمريكي، وغلاءه ما يزيد عن 45% في مملكة آل سعود، وهذا الغلاء سحب بدوره غلاء معظم المواد الإستهلاكية وكذلك الأساسية أيضاً، يعني آل سعود وكما يقول المأثور الشعبي، “جكر في الطهارة يشخون في لباسهم”.

لقدكتب الشهيد غسان كنفاني منذ حوالي نصف قرن ” لا تمت قبل أن تكون نداً…”، ولحسن الحظ أن هذه القيادات مجتمعة  لا تقرأ ، وهي على أية حال لو قرأت لا تعرف التتبيع، ولو تَبَّعت لا تفهم، ولو حاولت الفهم لا تجرأ على التطبيق، نعم، ربما لو قرأ هؤلاء الأقزام لتشوهت وجوه الحروف وتوسخت مخارج الكلمات، فهذه القيادات لا تستطيع إلا أن تكون عبيدا…..

محمد النجار

“دود الخل” منه وفيه

قلت لطارق وبدا عليّ الضيق والحنق، بعدما أخذ يضيّق عليّ الخناق، وأخذ مني الغضب مأخذه:

ـ ياأخي الرئيس الفلسطيني لم يأت من السماء، إنه ابن هذا الشعب وابن قضيته، وهو يعرف من أين تُؤكل الكتف.

فقال وكأنه يستهين بي وبكلماتي سائلاً:

ـ ومن أين تُؤكل الكتف من وجهة نظر الرئيس؟

للحق أقول لك، كدت أتركه وحده وأمشي، لكني كنت سأخسر جولة الحوار هذه، فابتلعتُ ما اعتبرته إهانة وقلت:

ـ نعم إنه يعرف تماماً أنه إن حل السلطة، فهناك الكثيرون من المتكالبين الذين سيهرعون ليحملوا رايات السلطة ويبيعيون القضية برمتها للإحتلال، لذلك فهو بتمسكه بالسلطة إنما يدافع عن القضية برمتها….لكنك تعرف هؤلاء المتفذلكين، ليس من السهل إقناعهم، وكلما أتيت لهم ببرهان يأتونك ببراهين، فقال بنفس طريقته المُستفزة:

ـ ومَنْ هم هؤلاء “المتكالبين”؟                                                                                                  فقلت وبنفس الإحساس الذي بخالجني مع كل كلمة من كلماته:

ـ كيف مَنْ؟ أتريدني أن أعطيك أسماءاً؟ ألا تراهم أو تحس بهم على الأقل؟

فقال مبتسماً، الأمر الذي كاد يخرجني عن طوري:

ـ الأسماء ليست بهذه الأهمية، وأنا وإن كنت لا أعرفها كلها، فأنا أعرف من يحميها ويمولها ويُغطّي تورطها، وكما قلت أنت فهم سيحملون راية السلطة، كونهم لا يعنيهم سوى تقديم خدماتهم لمن يدفع، فهم ليسوا مثلك، لا يتمسكون برئيس أو أمير، وحتى الله بالنسبة لهم ليس أكثر من دولار آت من العم سام أو حلفائه في المنطقة.

لقد خفف عني استشهاده بكلماتي، لكن”الفرحة” لم تدم طويلاً، عندما تابع قائلاً:

ـ والذي يدعمهم ويحميهم ويغطي عليهم ويمولهم ما هو إلا الرئيس الذي تُدافع عنه، أم لديك تفسيراً لماذا ما زال الرئيس متمسكاً بهذه السلطة التي ظل يهدد بحلها حتى الآن؟ وإن كان لا يريد حلها لماذا هدد طوال الوقت بذلك؟ ولماذا جُن جنون المحتل خوفاً من تداعي السلطة وانهيارها؟

وقبل أن أقول شيئاً أكمل قائلاً:

ـ وما دام “دود الخل منه وفيه”، إذن لماذا لا يقوم رئيسك بتنظيف هذا الخل ورمي “دوده”؟ هذا إذا كان ما يزال يريد “الخل” والإبقاء عليه؟ أعني لماذا يبقي أجهزته الأمنية تنغل وتعج بمثل هذه الديدان؟ ولماذا لا يوقف التنسيق الأمني إلتزاماً بقرارات المجلس المركزي؟ ولماذا ما زال يعتقل ويقمع في مناضلي شعبه؟ ولماذا ما زال يفاوض من تحت الطاولة؟

لا أعرف لماذا ظل الغضب يتصاعد داخلي رغم صحة أسئلته التي لا أعرف لها جواباً، بالمناسبة أنت لديك موقعك في السلطة، هل لديك أجوبة لهذه الأسئلة المحقة؟

مرت فترة صمت قاطعة صخب حديثي، وأكملت من جديد أمام صمته المطبق:

ـ حتى أنت لا تمتلك أجوبة على ذلك، لا بأس، دعني أكمل لك ما جرى….

ظلت تتدفق الكلمات من بين شفتيه مثل نبع لا ينبض، وأكمل قائلاً:

ـ رئيسك يا عزيزي ليس بأفضل من هؤلاء الذين تعترض عليهم، ألم يلفت نظرك أن أول شيءٍ عمله عندما صار رئيساً هو تجميع كل السلطات بين يديه؟ الأمر الذي حارب رئيسه عرفات عليه مدة عام ونصف دون حديث أو معايدة أو حتى مكالمة هاتفية، مدعوماً بأبواق محقة ومشتراة من صحافة وإعلام، ألا يثير الأمر فضولك؟!!! ولماذا يلغي هذا الرجل ـ كسابقه ـ  مؤسسات المنظمة ولمصلحة مَنْ؟

خلت أنه أنهى حديثه، لكني كنت مخطئاً، فهؤلاء يتحدثون وكأنهم مبرمجون، لا يكفون عن الكلام حتى تنتهي البرمجة، وتابع أسئلته قائلاً:

ـ ألم يثر اهتمامك أن هذا الرجل لم يصدق ولو مرة واحدة بخصوص وعوده مع الإحتلال؟ ألم يثر فضولك أن معظم حاشية الرئيس ما هي إلا شخصيات أقل ما يمكن وصفها بأنها تافهة، ذليلة، جبانة، علاقتها بالإحتلال عميقة كثيفة مميزة ولا يربطها بشعبنا سوى كيس المال القادم من الرئيس وبإسمه؟ وكلها أصبحت من أصحاب العقارات والملايين؟ وحتى الرئيس نفسه من أين له ولأولاده كل هذه الفلل والشركات والملايين؟

ماذا أقول لك؟ كوني لا أجوبة شافية لدي كففت عن رفع صوتي، ولم أعد قادراً على الدفاع عن الرئيس وحاشيته ـ كما أسماها ـ وهو كمن ينتظر ليفرغ كل ما في صدره من غضب أو حقد، رفع يده ليطلب من نادل المقهى فنجانا آخراً من القهوة، وتابع من جديد:

ـ وها هو رئيسك لا يهمه حصار غزة ولا جوع أبنائها، لا تزايدوا على قادة حماس فأنتم لستم بأفضل منهم بهذا الأمر، فرئيسك يعطي نظام السيسي حقاً بإغلاق المعبر، وكأن المعبر ملكه!!! وكأن من يموت في القطاع المحاصر لا يعنون أحداً، وبدون حياء هو وهم يتحدثون عن المصالحة الوطنية، ورئيسك يشترط مصالحة على أساس برنامج المنظمة!!! أيمكن أن تقول لي عن أي برنامج يتحدث؟ أو حتى عن أي منظمة يتحدث؟ وهل أبقت السلطة منذ توقيعها اتفاقية العار في “أوسلو” على برنامج تحرير لمنظمة التحرير؟!!! أم المقصود برنامج تجريد الشعب سلاحه كخطوة لتجريده من ارادة النضال والقتال ؟!!!                                                           وبعد لحظات سكوت قال “آآآه” وكأنه تذكر شيئاً، وأكمل بإستهزاء:                                                            ـ الآن أدركت!!! ربما يعتقد أنه قصفهم ب”صواريخه غير العبثية”  عندما قال لهم ” ياعمي حلّو عنا”!!!

أصدقك القول أنني قلت ما قلت من باب المماحكة لا اكثر، كون حديثه كان يدور في رأسي دون أن أسمح ولو للحظة واحدة للساني أن يخون عقلي ويدلق ما به أمام الناس، فما بالك أمام هؤلاء المتطرفين؟

ارتشف القهوة وبخارها يتصاعد، أعاد الفنجان الى صحنه الصغير على سطح الطاولة، حرّك رأسه ميمنة وميسرة وكأنه يأسف على حديثه مع شخص مثلي، الأمر الذي أجج غضبي وزاده الى أقصاه، فقلت بنبرة احتجاج قاسٍ:

ـ ألا تخاف الله يا رجل؟ اتشبه الرئيس ببعض من حوله من اللصوص والحثالات البشرية؟ إنهم يعملون من أجل المال، لكن الرئيس، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم!!!

فقال موجهاً لي اتهاما أكثر منه سؤالاً:

ـ لماذا تستعيذ الله من الشيطان؟ اظن أن الشيطان معشش في رؤوسكم؟ إذا كانت الحاشية بهذا الوصف، فهي ليست إلّا جيش لحد بتشكيلته الفلسطينية، وإذا كان رئيسك يعمل من أجل الوطن وليس المال، لماذا قال أنه يؤيد كل ما تقوم به مملكة آل سعود؟ ألا يعني هذا تأييده للعدوان على اليمن؟ ألا يعني تأييد موقف آل سعود في دعمهم للدواعش والقاعدة وحربهم في سوريا والعراق وليبيا ومصر؟ ألا يعني هذا دعم موقفهم في اعداماتهم للأصوات المعارضة وللمثقفين والكتاب وكل من يملك عقلاً؟ ثم لماذا لم يطالب بالإفراج عن الشاعر الفلسطيني المحكوم بالإعدام قهرا وتجبرا؟ أكل ذلك من أجل المال؟ بماذا سيفيده المال بعد أن يقضي على قضية شعبه؟ أأنت أعمى أم تتعامى؟ ألا ترى أن وزارة الصحة الفلسطينية ترفض أن تسجل الشهيد نشأت ملحم كشهيد فلسطيني كونه من الأرض المحتلة من الثماني وأربعين؟ أتعتقد أنهم بعيدين عن تفكير الرئيس وتوجيهاته؟ طبعاً أنت لا توافق على ما أقول، تماماً بقيت كما أنت، أتذكر كيف كنت تدافع عن الرئيس عرفات أيضاً وبنفس الطريقة مهما قال ومهما فعل؟ الا تريد أن تدرك أنهم بشراً خطائين ؟ وأننا كنا نعبد أصناماً وليس آلهة؟ أنا من طرفي كففت عن عبادة الأصنام، اعبدها أنت كيفما تشاء وقدر ما تشاء….

وللحق أنني تذكرت نفسي طوال الفترة الماضية، وتذكرت كيف كنت “أبصم” على كل ما يقولون، وما زلت كذلك، ربما كوني لا أريد أن أصدق ان رئيسا لحركة تحرر  فلسطينية يكون مشروع “أوسلو” أكثر ما استطاع أن يوصلنا له، وأنه حوّل المناضلين الى أتباع شخصيين، وسرعان ما حوّلهم إلى أدوات قمع وقهر تعمل في خدمة الإحتلال… نظر نحوي نظرة شفقة وقال:

ـ لقد قرأت في مكانٍ ما، أن وفداً من الثورة الفييتنامية جاء في زيارة لقيادة ثورتنا في بيروت، ولما رأوا المكاتب والتبذير  والإستهلاك قالوا لهم: ” ثورة بهذه الرفاهية وبهذا البذخ لن تنتصر أبداً “، هذا كان آنذاك فما بالك الآن؟!!!    وقام من على كرسيه متوجهاً الى داخل المقهى، دفع ثمن الطلبات عنه وعني وذهب…

هذا بالضبط ما تم بيننا.

أنهيت حديثي مع العقيد الفلسطيني “أبو غضب”، الذي استدعاني لمكتبه حيث تم الحديث، حين أسند ظهره على كرسيه الهزاز، تصفح وريقاته التي كان يسجل بها ملاحظاته، وقال:

ـ قلت لي أن هذا ما تم بينك وبين طارق، لكن معلوماتنا تقول أنك ما زلت تُخفي عنا الكثير من المعلومات، على كل حال أنت من سيتعب وليس أنا، أنا سأغادر الآن وألعب مع أطفالي وألاطف زوجتي وأقبلها وأعانقها، وما عليك إلا أن تبقى “راكباً رأسك”، عندما تقرر أن تعترف بالحقيقة كاملة، أخبر المجند ليناديني…

لا أدري لماذا ذكرتني كلماته بكلمات ضابط المخابرات الإسرائيلي “كوهين”، الذي ظل يردد نفس الكلمات على مسامعي أثناء تحقيقه معي في الماضي غير البعيد.

ضغط على “زر” على حافة مكتبه، دخل احد المجندين الفلسطينييين، أخذني من ذراعي، وتوجه بي الى زنزانة كنت قد زرتها سابقاً، حيث فاجأني طارق بوجوده، حاملاً شفته الممزقة والتي ما تزال تنزف دماً….

محمد النجار