القلعة

ساقتني قدماي إلى بيت الشيخ “أبو محمد الأعور”، كي يُفسر لي حلماً يتابعني ويلاحقني منذ زمن، ولست قادراً على التخلص منه، والأعور لقب له كما وصِفة أيضاً، فالله الذي خلق الإنسان وكبره، خلق فيه بعض الصفات الحسنة أو القبيحة، أو كلاهما معاً، لذلك حق القول أن “لله في خلقه شئون”، لكن كيف فقد الشيخ أبا محمد عينه؟ أو كيف فُقئت؟ فهذا شأن آخر، وهناك قصص وأقاويل وحكايات نُسجت في هذا الموضوع، لكن هناك إجماع على حكايتين اثنتين مختلفتين في هذا الأمر، سأوردهما كما سمعتهما دون زيادة أو نقصان، ليس لأن الأمر يهمني، فلا فقؤ عينه يهمني ولا حتى جدع أنفه، لكن من باب الإنصاف وقول كلمة الحق ليس إلّا.

يؤكد البعض أن للشيخ قصص وحكايات وصولات وجولات في تفاسير الأحلام، كما وفي الربط والحل للرجال أثناء الزواج وقبله وبعده، وفي حالات التوفيق بين الأزواج أو طلاقهما، كما وفي كتابة “الحِجابات”، كما له صلة بعالم الجن الذي يوظفه الرجل في حل قضاياه المستعصية، ويؤكد بعض الرواة أن فقْأ عين الشيخ تم على يد أحد زبائنه، الذي قصده في مشكلة ما، وأن الرجل أعطى الشيخ كل ما طلب، لكن مشكلته لم تُحل أبداً، وفي كل مرة تزيد مطالب الشيخ كانت تتعقد مشكلة الرجل، حتى جاء يوم وقرر الرجل  فيه أن يستخدم عقله، وبعد دراسة للأمر وتمحيص وتدقيق، وحسابات لِما خرج من جيبه لجيب الشيخ أبي محمد، الذي لم يكن أعوراً بعد، أدرك الرجل أن أبا محمد قد إستغله أبشع إستغلال، بل رأى أنه كان أبلها أو مضحوك عليه في أحسن التعابير وأكثرها نعومة، وفي الوصف الحقيقي للموقف رأى الرجل في نفسه حماراً، نعم حمار بأذنين واقفتين وذيل طويل، وأنه دفع مالاً مقابل كلمات لا أكثر ولا أقل، وفوق ذلك فهي كلمات فارغة كاذبة، فطالب الرجل بماله، وقال والشرر يخرج من بين أسنانه:

ـ لقد إتفقنا على أن أعطيك مالاً مقابل حل مشكلتي، فأخذت المال وبقيت مشكلتي دون حل، لذا أعطني ما دفعته من مال وأسامحك بتضييع وقتي والضحك على لحيتي طوال هذه الأشهر…

لكن أبو محمد الذي مازال غير أعور حتى هذ اللحظات، رفض بشدة، ويؤكد الرواة أنه “مثل المقبرة” لا يرد شيئاً، فرفض رد المال، وعجز بكل مالديه من “جن” أن يحل المشكلة، وفي نفس الوقت استفز الرجل أكثر وقال له:

ـ إذا كان رب العباد خلقك حماراً، ورد لك بعض عقلك الآن، أتريد أن يكون رد عقلك على حسابي أنا؟!!! خسئت…

والرجل الذي كان ينفث ناراً من شدة غضبه، دون أن يكون بحاجة لهذه الكلمات وهذا التعليق، ثار الدم في عروقة، ارتفع نبض قلبه وعلى ضغط دمه، اشرأب عنقه،ولم تعد شفتاه قادرة على النطق، ولمّا أراد الكلام رأى نفسه يقف على أبواب النهيق، وكاد يتأكد أن بينه وبين التحول لحمار مسافة كلمة واحدة يخرجها من فمه، وأن كل الكلمات ستتحول إلى نهيق لا ينقطع، فازداد غضبه ثورة، ورأى نفسه قافزاً، وكأن شيئاً يدفعه، إلى عنق الشيخ أبي محمد الأعور، ورأى نفسه يضغط على عنقه بكل قوته، وقبل أن تفارقه روحه وتتجه لخالقها، لمّا لم يبقَ بينه وبين العالم الآخر سوى شهقة شهيق واحدة فقط، تركه وتوجه لمرجل النار الذي يتوسط عادة بينه وبين زبائنه، وقلبه فوق رأسه، وبإصبعه فقأ عينه وخرج والدم يقطر من يده، ومن يومها صار أبو محمد أعوراً إسماً وصفة، لكنني وبصراحة لم أصدق هذه القصة حتى قبل أن أرى الشيخ وأتعرف عليه، وقدرت أن هذا القول ليس إلّا من باب الحقد والحسد.

أما القصة الثانية حول عينه المفقوءة، فنقلها الرواة كالتالي:

قالوا أن أبا محمد الأعور والذي لم يكن أعور حتى تلك اللحظات، رجل بخيل جشع، وأنه قد استطاع شراء ثمار بعض أشحار الزيتون، في ذلك الموسم، من بعض الفلاحين المحتاجين، فبحكم مهنته لم ينقصه المال يوماً، رغم أنه لا يعرف شيئاً عن شجر الزيتون ومواصفاته،  وقالوا أنه عندما جاء موسم “جدّ” الزيتون، قرر أبو محمد أن “يجدّ” الزيتون بيديه كي لا يدفع للآخرين مقابل عملهم، غير مدرك أن للزيتون موسمه المحدد والمحدود، لا تستطيع تجاوزه أو تأجيله ولا القفز فوقه، وأنه عندما كان “يجد” شجرة زيتون، كان يسحب الحبات ويسحب معها أوراق الشجر، وشجرات الزيتون مثل نساء قلعتنا، لا يقبلن أن يُعريهن غريب، ويرفضن أن يقفن على رؤوس الجبال عاريات كما خلقهن الله، لتتلصص عليها كل عيون المارة، كما أنهن ولأسباب تخصهن ترفضن التنازل عن وريقاتهن، ويتشبثن بهن ويحملهن ويضمهن بين أغصانهن محاولات حمايتهن من حر الصيف وبرد الشتاء، لذا زاد حقدهن على أبي محمد الأعور، بعد تماديه في استباحة أجسادهن، كما أنهن ولسبب ما زال مجهولاً، يحتفظن بحبة زيتون واحدة أو بضع حبات لأنفسهن حتى الموسم القادم، وإن رأينك مصراً على تجريدهن من كل ثمارهن بما في ذلك حبتهه الأخيرة تلك أو حبيباتهن القليلات، فإنهن يحاولن إخفاءها عنك، وإن أصريت، رمينك عن سلمتك التي تركبها وأوقعنك أرضاً، وفي أحيان كثيرة ينفضن جسدك من فوق أغصانهن حتى لو أدى ذلك لكسر يدك، وكان الشيخ أبو محمد الذي لم يكن أعوراً بعد، كما أخبرتكم مراراً، مصراً على تجريد شجرات الزيتون من حبيباتهن تلك كما جردها من وريقاتهن وتركهن عاريات على مساحات الحقول، فحذرته الأشجار بطرقهن المختلفة والمتعددة، لكنه وكما هو الآن، لم يكن يعرف لغة أشجار الزيتون، ولم يتعلمها أبداً، كان مصراً على أخذ ما ليس له، ولما استُنفذ صبر شجرات الزيتون، قررن تعليمه درساً على كل ما فعله بهن، وتركوا الأمر لزعيمتهن، تلك الشجرة الرومية التي بشرت مهللة راقصة بقدوم المسيح، قبل ما يزيد عن ألفين من السنين، تلك الشجرة التي كان يستفيء بظلها يوحنا المعمدان ويحرض الشعب لإتباع “المعلم”،  والتي كان جذعها يتسع لعائلة كاملة لتحميها عندما كان القصف يشتد على أهالي القرية من الغرباء، بعد ذلك بألف جيل. . ويؤكد الرواة أن أشجار الزيتون رغم صبرها إلّا أنها لم تكن يوماً جبانة، وهي التي تعطيك زيتها النازف بالحسنى، بعد أن تكون قد جمعته من دماء الأرض، ترفض أن تبتزها حتى بحبة زيتون واحدة، مهما كانت النتيجة، حتى لو قطعتها قطعاً وأطعمتها النار، أو أقتلعتها من جذورها، وأمام جشعه وإصراره المقيت، لم تجد الزيتونة الرومية بُداً أمامها من محاسبته، واتخذت قرارها بإقتلاع إحدى عينيه، نعم إقتلاع عين واحدة بأحد أغصانها، وهكذا فعلت، مدت غصنها إلى قاع عينه وسحبتها، فصار منذ ذلك الوقت الشيخ أبو محمد الأعور أعوراً بحق، وصار درساً لمن يحاول إغتصاب الأشجار، وزيتونها على وجه خاص.

وهناك الكثير من الروايات التي لم تستطع أن تستقر في رأسي الكبير الذي أمامكم، لأنني لم أصدق أي منها، وما دام أعطاني الله رأساً بهذا الحجم وهذا الكبر، فسيحاسبني ربي إذا لم أستخدمه، أقول لكم ذلك من باب سرد الحقيقة فقط، لأنني لا أجزم بصحة أي قصة من القصص التي ذكرتها لكم بنفسي، وكي لا تذهب بكم ظنونكم بعيداً، عن هذا الشيخ الذي طالما إعتبرته عالماً جليلاً، لا يكف عن ذكر الله “بكرة وأصيلا”،الأمر الذي لا يرضى الله ولا رسوله ولا المؤمنون، وفي نهاية الأمر شتان بين عمى البصر وعمى البصيرة كما قال والدي، رحمه الله، دوماً، رغم أنه لطالما أرفق كلماته الناصحة أو الشارحة لي بكلمة “يادابة”، كوني لم أكن أستمع لنصائحه دائماً، وإن استمعت فبالشكل الذي أعرفه أنا وليس بالطريقة التي يريدها هو، ولو كان اليوم موجوداً لقال من جديد: “أإلى هذا الحضيض وصلت أيها “الدابة”، أهذا ما اهتديت إليه لا هداك الله، إلى البصارين والعرافين؟” ولرفع يديه للسماء مكملاً، ومعاتباً ربه: “يارب منك وعليك العوض، أهذا مَنْ رزقتني به ليورثني؟ كان الأفضل أن أظل بدونه، أو أن تجعل أمه عاقراً… اللهم لا إعتراض”، ثم لكان إلتفت إليّ وقال: “تحمل رأساً كرأس البغل وجثةً كجثته، لكن طفلاً صغيراً بإمكانه جرك أيها “الدابة”، وكي لا تضيعوا معي في هذه المتاهة الطويلة، عليكم التركيز على ما دفعني للذهاب إلى بيت الرجل، لذلك فلنترك أبي يرتاح في قبره، والسبب الذي أدّى إلى فقدان الرجل عينه، ولأقص عليكم ما الذي أوصلني لبيت الشيخ أبو محمد الأعور.

أبو محمد الأعور هذا، كما علمت لاحقا، كان يُركز على إسمه الأخير بشكل دائم، كون الناس صارت لا تعرفه إلا بصفته تلك التي أكدت إسمه، فصار إسماً على مسمى، لذلك ما أن تقول الأعور لوحدها، حتى يعرفه الناس فوراً، حتى دون أن تذكر لقبه الأول “أبو محمد”، وإن كنت حذفته عامداً متعمداٌ، يقول الرجل أنه يعرف مدى سوء الإسم وقبحه، لكن من باب التواضع لله، فإنه يصر عليه كي لا تأخذه نفسه وتغرقه في بحور الكبرياء، ويبتعد عن قول الله “إن الله لا يحب كل مختال فخور”، بل يريد نفساً متواضعة خاشعة بعيدة عن التكبر، خاصة بسبب علاقته النافذة عند “معشر الجن”، حيث لا يُرفض له طلب ولا يُرد، بل يتقافز الجن على أصابع يديه كلاعبي السيرك، بعد أن يتقزموا ليتسع لهم المكان، ويُحضرون له ما أراد ويجلبون له كل  ما يطلب، لذلك ظل يؤكد على اسمه مع أي كان وفي أي وقت كان. لكن البعض الآخر يُكذّب الشيخ وينفي أقواله، ويعتبره رجلاً أفّاقاً كذوباً منافقاً، ويؤكدون أن كل ما يقوله ما هو إلا كذبا وتزويراً، وأنه ليس إلا مُدّعيا، وعلاقته بالجن ليست سوى من باب الضحك على “الذقون”، وتركيزه على الإسم من باب الدعاية وليس من أي باب آخر، ف”كأبي محمد” يوجد الألوف، لكن كم أعور ستجد في البلاد جميعها من حالات؟ فما بالك كإسم وصفة، وكي يُكذب كل ما يتم تداوله من قصص وحكايات وحتى نكت تم نسجها حول عينه تلك، وكي لا تغرقوا معي في تفاصيل لا لزوم لها، ركزوا معي على أصل القصة التي أوصلتني لهذا الشيخ، كوني أعتقد أنكم، مثلي، تُريدون “العنب” وليس مقاتلة الناطور.

ما أن طرقت باب الرجل حتى فتح لي الباب شاب دخل مرحلة الشباب منذ بضعة شهور فقط، هذا ما بدى لي، وأنه بالكاد وضع قدمه على سلمة الشباب، خارجاً لتوه من طفولة طويلة أرهقته وأتعبت جسده اليافع، لم يقل شيئاً عدا رد التحية، وكأنه مصاب بداء “القرف” من كل ما يجري، وأنه مع تكرار الأمر مرات في اليوم الواحد، لم يعد يحتمل الأمر أكثر، أعطاني ظهره وقال:

ـ تفضل…اتبعني…

لم يسألني مَنْ أنا ولا ماذا أريد، كأنه لا يأتي بيتهم أحد إلا لهذا الأمر الذي جئت أنا أيضاً من أجله، واقتادني إلى غرفة الصالون، حيث هناك رجل واحد ينتظر دوره، والذي بادرني بالسؤال عن إسمي ولقبي وبعض المعلومات عن عائلتي ، وعن سبب مجيئي، ولما أخبرته أنني قادم من أجل تفسير حلم يلاحقني منذ أسابيع، كان قد جاء دوره ودخل، وبعد دقائق جاء آخر ليطلب مبلغاً من أجل “الجن” التي تعمل مع الشيخ أبو محمد الأعور، فهؤلاء “الجن” لا يعملون ب”السُخرة”، والشيخ الذي يفعل ما يفعل، يفعله فقط “لوجه الله”، لا يريد جزاء ولا شكوراً، وهو لا يستطيع أن يغطي مصاريف “الجن” من جيبه الخاص، وطالبني بأن أحضر معي في المرة القادمة خروفاً لا يتجاوز عمره الستة أسابيع، برأس أسود وجسد أبيض، وإن تعذر فبرأس أبيض وجسد أسود، وإن تعذر فليكن خروفاً أسوداً، وإن تعذر فليكن أبيضاً، وإن تعذر فأي خروف وبأي شكل أو عمر أو لون، إضافة لدجاجتين بلديتين مع “ديك” بريش طويل مُلوّن، لأن بعض الجن التي لا تأكل لحم الخروف، تحب لحم الدجاج البلدي والعكس صحيح، لكن “إياك أن تأتي بدجاخ المزارع”، فالجن لا تأكل دجاج المزارع أبداً.

قال مبغضي الشيخ معلقين، أن الرجل الذي كان أمامي، هو أحد العاملين مع الشيخ وليس زبوناً آخراً، وإلا لما سألك عن أصلك وفصلك وسبب مجيئك، وعلق بعضهم قائلاً إنه “عصفور” الشيخ، يعمل كما يعمل “العصافير” في الزنازين لصالح المحتل، وضحكوا كثيراً، وأكمل المتحدث قائلاً، أنه يجالس القادمين ليأخذ منهم بعض الأسرار والمعلومات، ليعطيها لشيخه الذي يستخدمها بدوره وكأنه يعرفها، ليخدع بها الناس…”الطيبين” أمثالك، وأمام تردده في ذكر كلمة الطيبين، تخيلت المرحوم أبي يقولها بفم ملآن ودون تردد، “أمام الدواب من أمثالك”، لكنني أيضاً لا أظن ذلك، لا أصدق ما يقولون، وأعتقد أن ذلك من باب الحقد والحسد على الشيخ أبو محمد الأعور…

أدخلوني غرفة شبه مظلمة في وسط النهار، كانت شبابيكها  قد صُغِّرت عمداً، وغُطي ما تبقى منها ببرادٍ ثقيلة لتمنع الشمس من التسلل والدخول، وكما علمت فأبو محمد الأعور فعل ذلك بنفسه، كون الجن لا بحب النور، بل يعشق الظلمة ويفضلها، فكان لزاما عليه توفير الحد الأدنى من رغائبهم، وأبو محمد الأعور الذي تآخى معهم وعاهدهم وعاهدوه، فقد تآخى فقط مع المسلمين منهم، وابتعد عن يهودييهم والنصارى، وشن حروباً طويلة عليهم جميعاً، في معركة “الشرشحة والمرمرة”، حيث شرشحهم ومرمرههم كما كان يؤكد متحدثاً، وفي معركة “التحليق والتمزيق والتعليق”، حيث حلقت معه الطير الأبابيل وبسواعده مزق أجسادهم وعلق رؤوسهم على الأعمدة والأشجار، وضرب بيد من حديد ملحديهم بشكل خاص، وهزمهم شر هزيمة، وفي تلك المعركة يؤكد أنه فقد عينه، حيث جاءه سهم طائش من “جني” مسلم عن غير قصد، وعلق أحد مستمعيّ قائلاً: “آه… تقصد أنه من نار صديقة…” وضحكوا طويلاً هذه المرة أيضاً، حين علق آخر مستذكراً أسماء المعارك التي ذكرت أمامهم أنه خاضها، لكنني تجاهلتهم وأكملت وقلت بأنه لهذا السبب يصر على التمسك بإسمه وصفته، كونه فخوراً بما أصابه من القوم الكافرين، وعينه المفقوءة هي علامة على جسده من علامات الجنة.

لكن كفرة الجن وملحديهم سرعان ما عادوا لتجميع أنفسهم، وشنوا حروباً ضد مسلمي الجن  بقيادة أبو محمد الأعور نفسه، والحرب كما تعلمون سجال، مرة لك ومرة عليك، لكن الشيخ لن يتراجع إلا بعدأن ينصره الله عليهم ويفني بقدرته القوم الكافرين، فقد وهب الرجل نفسه لذلك “والله على ما يقول شهيد”، أتتخيلون “إنسياً” يقود جيوش مسلمي الجن ليحارب أعداء الله من كفار ومرتدين وزنادقة، ليًعلي كلمة الله في مجتمعات الجن وفي جحورهم؟!!!أتتخيلون ما له من فضل على المسلمين جميعاً من إنس وجن؟!!!.

كانوا ينظرون لبعضهم بعضاً أمام كلماتي، الأمر الذي يشعرني بكلمات أبي ويذكرني به، وكأنه راعهم غبائي أو “طيبتي”، لكن نظراتهم ظلت تطلق كلمات أبي نحو رأسي كرصاصات…يادابة… فضحتني يادابة… قف عن التبول والتبرز من فمك أيها الدابة، ألم تسمع يوماً أنه “إن كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب”؟ ف”الحق ليس عليك، بل علينا نحن، لو لم نكن دواباً لما خلّفنا بغلاً مثلك!!!. لكن ماذا سأفعل وقد بدأت بالحديث عن سبب ذهابي إليه، فلا بد أن أتمم ما بدأت.

أقول ما أن دخلت حتى وجهني الرجل بكلمتين من لسانه لأن أجلس على كنبة مقابله، وقد كان جسده فقط في الغرفة، لكن روحه بالتاكيد لم تكن معنا، كان دخان البخور الثقيل يتطاير من وسط المرجل الذي صار بيننا، دخان كثيف ككثافة قنابل غاز الإحتلال لكن بطعم ورائحة مختلفتين، فتزداد كثافة العتمة في المكان، ويصير من الصعب التدقيق في أيما شيء، وسرعان ما تبدأ شرارات في التناثر من المرجل في المكان، ويأتي صوت الشيخ الآمر، “لا تتقافزوا أيها الجن كيلا تخيفوا ضيوفي”، وما هي إلا لحظات حتى يتوقف الجن الذي تمظهر لي على شكل شرارات بالإختفاء، وتعود النار الى طبيعتها وشكلها، ويكف الجن عن التقافز والألعاب، ويأتي صوت أبي محمد وكأنه من داخل الجدران وليس من فمه، آمراً الجن شارحاً لهم:

ـ هذا الرجل الذي أمامكم هو صالح أحمد الطيب…

قال دون أن أخبره بإسمي ودون أن يسألني، وأكمل:

ـ إنه إبن أبي صالح الطيب، الذي توفاه الله منذ مدة وجيزة، له زوجة واحدة، لا مثنى ولا ثلاث ولا رباع، لم يرزقه الله سوى بذكر وأنثى، وامرأته لم تحمل الحطب يوماً، لأنهم يمتلكون فرن غاز بجرته في البيت، وجاء ليوسطني عندكم لتفسير حلم يلاحقه منذ أسابيع، فاقعدوا وانصتوا له، علكم تفلحون في التفسير… حـــــــــــــــــي … أمامك سكة سفر…

وقبل حتى أن أبدي دهشتي بكلماته التي يبدوأنه يقولهن لكل زبائنة، قال أبو محمد الأعور مصححاً نفسه:         ـ أقصد، أليست معلوماتي صحيحة؟

ولم ينتظر جواباً، بل تابع واثقاً من نفسه:

ـ لن يستطيع حتى الجن أنفسهم أن يعطوني معلومات خاطئة، قل يابني ما عندك… قل…ابدأ بشرح أحلامك، وليوفقنا الله في التفسير…

وابتدأت في سرد الحلم للشيخ الجليل ابو محمد الأعور، فقلت:

  •          *           *

لقد حلمت سيدي الشيخ، بحلم أرجو أن يكون خيرأ…

ـ خيرُ إنشاء الله، اللهم إجعله خير…حــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــي

ـ حلمت أننا كنا نعيش في قلعة، يمتد أحد جوانبها مع البحر ويلازمه، وجانبها المقابل مع نهر طويل وبحيرات، وكلا الجانبين تتراص عليهما الأسوار العالية والقلاع والمدافع، وفي رأس القلعة كما تحت قدميها، تزداد الأسوار علواً ويتضاعف عدد الحراس، لأنهما لا تحظيان بحراسة مُضاعفة من البحر والنهر، كما يحظيا الجانبان الآخران، فالبحر والنهر حارسان ياشيخنا، لاتنام لهما عين ولا يغمض لهما جفن، وعلى امتداد الأسوار جميعاً كان يتزايد عدد المتطوعين لحماية القلعة يوما بعد يوم، وكان المتطوعون الجنود هؤلاء، يتسابقون في حماية القلعة، وفي مرات عديدة، كانوا يبادرون لمهاجمة الأعداء قبل أن تصل أقدامهم إلى أرض القلعة أو حتى القرب منها، وكان الجند يقومون بالتضحية بأنفسهم من أجل القلعة، فكلما أهدى أحدهم دمه إلى أسوار القلعة، أو شوارعها وطرقها وأزقتها، أي كلما سال دم أحدهم على أرضها، كلما سارع الآخرون ليثبّتوا أسماءهم بعده وعلى طريقه ذاتها، ليكونوا الأوائل في المواجهة والمجابهة، وفي بعض الأحيان كانوا يتلاسنون إذا ما اقترب مَنْ لم يكن له “دور” محاولاً التعدي على “دور” أحدهم أو أخذ مكانه. بإختصار فقد كانت القلعة والهبة لحمايتها والذود عنها هما مقياس الأخلاق والحب والتضحية والفداء، مقياس الشرف والمروءة والشهامة وإنكار الذات، فكان مَنْ أصابته إصابة يتباهى بها ويعلنها على الملأ، وكأنها علامة من علامات الجودة في مجتمع القلعة وبين أهلها، وكان من أراد خطبة حسناء ما من أهل القلعة، يتوجب عليه أن يقدم علامة حب للقلعة أولاً، لأن من لم يحب قلعته ولم يقدم لها براهين حبه، لن يستطيع أن يكون قادراً على حب غيرها من النساء، مهما كبر جمالها وعلا شأنها، لأنه وبكل بساطة لن تجد إمرأة أكثر جمالاً من القلعة، والغريب سيدي الشيخ أن النساء كن يعلمن بالأمر ويعرفنه، لكنه لم يشكل لهن إزعاجاً أبداً، وكأن الأمر طبيعي ومنطقي ومفهوم لدرجة تلتغي فيه المقارنة أو الغيرة أو الحسد أو حتى الثرثرة في الموضوع وتنتفي، وكي أكون صادقاً، إلا من بعض حثالات تافهات ثرثارات، كما بعض ضعاف النفوس من الذكور وليس الرحال، ممن لم يعرفوا القلعة ولم يشربوا من حليبها ومياهها، أو شربوا وخانوا ذلك الماء والحليب، وكما تعلم سيدي الشيخ، من يخن لا أصل له ولا ذمة ولا ضمير، فما بالك إن خان القلعة نفسها؟!!! أقول كان لا بد من تقديم هدية ما عند الرغبة بالزواج، وكلما كان جرح الجريح غائراً والنزيف أكبر كلما كان المتقدم للزواج طلباته مقبولة أكثر وأسرع، وتقام له الإحتفالات أياماً في شوارع القلعة وأزقتها وبيوتها وجوامعها وكنائسها، وتمتد الإحتفالات ليال وأيام، ويمتد الرقص والدبكة والميجنا في طول القلعة وعرضها، ويسرح ويمرح “ظريف الطول”، ويعود “مشعل” من غربته على صهوة جوادة، وترقص فاطمة وصبحة ووضحة وزينب وآمنة، وتمتلئ الشوارع بالأرز المنثور من أكف الصبايا على رؤوس الشباب، وتبدأ زفة العريس وسهرة العروس تسبقهما ليلة الحناء، وأنوار القلعة تضيء أعماق البحر ومياه النهر، وتتبادل التحايا والزيارات مع الجيران، فما بالك عندما يرتقي شهيداً من القلعة إلى السماء، فكانت تتوزع الحلوى في الطرقات وتنتشر زغاريد النسوة في فضاء مدن القرية على وقع أنغام أغاني الشباب والصبايا” ياأم الشهيد وزغردي    كل الشباب أولادكي” وتتنافس الآيات القرآنية في تمجيد الشهيد ومكانه الذي لن يكون إلا بقرب الأنبياء والقديسين. ويكون عرساً “قلعاوياً” بجدارة واستحقاق، يستمر أياماً بلياليها دون كلل أو ملل، متحولة بيوت العزاء إلى زفة للشهيد رجلاً كان أم إمرأة.

وكان في القلعة، سيدي الشيخ، مدناً وأسواقاً وأريافاً تغص بالأشجار والخيرات والمحاصيل، والناس تتزاور وتتضامن وتتساهر، والخير يعم أرض القلعة من أقصاها لأقصاها، بحماية الناس أنفسهم والمتطوعين، كما كان في القلعة سجناً صغيراً للصوص، وهناك بعيداً في أعلى القلعة كانت قيادة القلعة، تحمل سلاحها وتنظر في كل الإتجاهات، تتابع هدير أمواج البحر، وما يختبئ فيه من أخطار الأعداء، تكاد لا تنام الليل خوف مداهمة أخطار تختبئ في ظلال الموج، وتعطي الأوامر للمتطوعين ليدافعوا عن القلعة عند هبوب العواصف والرياح.

وفجأة سيدي الشيخ، ودون سابق إنذار، وكما في الأحلام، تغيرت ملامح قلعتنا، ورأيت القلعة تضيق علينا وتتقلص، وصار الأعداء يحيطون بنا من داخلها، وتقلصت أعدادنا، وكأن الناس في معظمها قد هُجرت، وضاقت دنيانا علينا أكثر وأكثر، وأصبحنا في جزء قليل من أرضها بعد أن إمتلأت على حين غرة بالأعداء من كل حدب وصوب، فاختفت المزارع والمحاصيل مع إختفاء الأرض من القلعة، لكن حماة القلعة وقادتها ظلوا يدافعون عنها، وأوقفوا الأعداء مرات ومرات، لكن أسلحتهم صارت تختفي، نعم اختفت معظم أسلحتهم فجأة ودون سابق إنذار، فامتشق حماتها وأهلها الحجارة، وظلوا يدافعون عنها بشراسة أكثر، واعتبروا أنهم لم يُهزموا بعد، رغم خسارتنا لمعركة كبيرة، فخسارة معركة ليست بهزيمة، وذهبت وعود الأقارب بالدعم أدراج الرياح، واخذوا يعوضوننا بالمال بدل الرصاص، وكما تعلم سيدي الشيخ، فالمال لا يستطيع أن يكون بديلاً عن البنادق رغم قوته، وبقدرة قادر، صار المال يصل إلى قيادة القلعة أكثر وأكثر، ولا نعرف عبر أي طريق، رغم الحصار المفروض على القلعة من كل الجوانب والإتجاهات، ويقال أن للمال قوة يجهلها أمثالي، ويمكنها أن تذلل العقوبات وتخلق المعجزات، وهذا ما تم فعلاً، قصارت قيادات القلعة تتكرش وتتكلس ويأكلها الصدأ، وصارت البنادق التي بأيديهم تتحول إلى رُتَب ونياشين ونجوم  وهمية فوق الكتف وفوق الصدر، ولما أخذت أدقق في وجوه هذه القيادات، رأيت أن لصوص السجن ومخصيي القلعة هم من أصبحوا قيادات اليوم، لكن لها نفس ملامح قياداتنا السابقة، وصاروا يحكمون بالرصاص والعصي، وباعوا كل ما استطاعوا باسم الله تارة وباسم الوطن تارة أخرى، وصرت أسمع تسحيجاً من حماة القلعة، وصار من يسحج أكثر يصير من المقربين أكثر للقيادات الجديدة، وصار يُرمى لهم المال ليسحجوا ويهتفوا بحياة القيادة أكثر وأكثر، وساد الظلام أرض القلعة، وانتشر الجهل كأحد أبرز ملامح المرحلة، وصار شيوخنا يا”مولانا” يلوون فم الدين ليُقوّلوه ما يريدون، ويجيّروه ليبرروا للصوص لصوصيتهم وللظَلَمة استعبادهم، ويلعنون ويُكفّرون ويُزندقون كل مخالف، فحاربوا أهل العلم والمعرفة، وطاردوا العقول، وأخرجوا المسلمين منهم من ملة الإسلام واستأصلوهم، كما تستأصل دملاً متقيحاً آذاك وآلمك في مكان معين من جسدك، واستمروا يُخرجون مَنْ أرادوا من ملة الإسلام والمسلمين، فأصبح التكفير والردة والخروج عن أولي الأمر صفة ملاصقة لكل من يعارض، وصار إطلاق اللحى وحفّ الشوارب من مقاييس الإسلام وصحته، والمسبحة والعمامة من أعمدته وثبوته، فصار الإسلام يتقزّم ويتقلص ويضعف، وسرعان ما ساد قانون التحريم، فحرّموا كل شيء، وصار التحريم هو السائد والحلال هو الشاذ، إلا لدى شيوخنا، سيدي الشيخ، وقيادات القلعة من لصوص ومخصيين، فكل شيء لهم حلال، وكل حرام عندهم مُباح، فصار شيوخنا يتصدرون صفوف “الهتيفة” و”السحيجة” في مدح الحاكم، وصارت بيوت الله مكاناً لمدائح الحكام والدعوات لهم، وصارت بيوت ربك أماكن للعبث والكذب والنفاق والعهر السياسي، فانتشرت قصائد الغزل مع صُور اللصوص كقيادة جديدة للقلعة، وحل سيف “يزيد” مكان عقل “الحسين”.

وفي زمن العتمة يزداد عدد اللصوص، لكن قيادة قلعتنا كانت تسرق في الظلام وفي النور، وصرنا نتحول تدريجياً إلى قطيع من الماعز، أو بالأصح إلى قطيع من البهائم “حاشاك الله”، وعلفونا وعلقوا لمن هتف وسحج “مخالي التبن”، ومن حاول الإعتراض منعوا عنه الأكل والماء، ولاحقوه وأهانوه وضيقوا عليه مصادر رزقه، وصارت أيادي اللصوص الذين صاروا قادة لنا تمتد لتصافح الأعداء، تُنسق معهم، وصاروا سوياً يلاحقون من رفض التخلي عن بندقيته، ثم لاحقوا من رفض التخلي عن مبادئه أو أفكاره، فلاحقوا وسجنوا وقمعوا وقتلوا بأيديهم وأيدي من كان بالأمس عدواً، وكما في الأحلام سيدي الشيخ، لا أعرف كيف، فإذا بحماة القلعة تتحول وجوههم من مراقبة الأعداء إلى مراقبتنا نحن في الداخل، وصارت بنادقهم تطلق على القلعة وشعبها، وتحول معظمهم إلى طُفيليات بشرية، لاهم لها سوى جمع المال و”مخالي التبن”، فاختفى “ظريف الطول” وصار “مشعل” ملاحقاً كما في عهد السلاطين من عهد بني عثمان، وصارت العتابا والميجنة “رجس من عمل الشيطان”، فحرموا الموسيقى وزندقوا ما تبقى من كُتَّاب، وكفروا الفلاسفة والمفكرين، وصار الدجل هو المسيطر، لا مؤاخذة سيدي الشيخ، وانتشرت عيادات العلاج بالقرآن على حساب عيادات الأطباء، والأحجبة بدل الأدوية وحرّموا القراءة والكتابة والتفكير، وأشاعوا النقل والمنقول، فحولوا الدين إلى عرض أزياء، فرضوا فيه زي الجاهلية وأوائل الإسلام، وسرعان ما لففوا النساء وبرقعوهن وأزالوهن من الخدمة، و”عوّروا” المرأة من رأسها لأخمص قدميها، وحشروها في سجون البيوت، وسرعان ما شيأوها وألقوا بها بين الملاعق والصحون في المطابخ، ثم إلى فراش الجنس البهيمي، وانتشرت الفتاوي وتمددت وشملت كل القلاع المحيطة، فانتشر تتعدد الزوجات وملك اليمين وأسواق النخاسة، وأغتصبن الفتيات لقاصرات، وكذلك الطفولة في المهد وفي عمر الزهور باسم الدين والزواج، وادعوا أنه على سنة الله ورسوله، وحللوا جهاد النكاح، فتحولت القلعة إلى مجتمع ذكوري فج، يحكم فيه الذكور حتى لو لم يكونوا رجالاً، ويقود فيه المخصيين واللصوص باسم الله والوطن والشعب.

وصارت الأمور تمشي على رأسها بدل قدميها، فأصبح تدمير الأوطان “ثورة”، واستدعاء الأساطيل الأجنبية مرغوب وواجب، والقتل على الهوية من أسس الدين، فحل “صحيح البخاري” و”ابن تيمية” وابن عبد الوهاب” مكان كتاب الله وبديلاً عنه، ف”أمموا” الجنة وجعلوها للمسلمين، بل لطائفتهم وحدهم فقط، وكفروا بقية الطوائف والمذاهب والأديان، وقاموا بإنقلابهم الكبير، فعزلوا الله ونصبوا أنفسهم مكانه، وصاروا هم من يقررون لمن الجنة ولمن النار، وأنهم هم، وفقط هم، من يقرر مصير البشر و الحجر والشجر، وهم وحدهم الناطقون الحصريون باسم الله، فازداد الظلام لزوجة وظلاماً، وصرنا نغوص فيه حتى رقابنا، فلم يعد للزهور مكان في قلعتنا ولا في القلاع المجاورة، وصار الحب جريمة تستحق رجم القلب، الذي تجرّأ على الحب، حتى الموت، أو إقتلاعه وأكله نيئاً، وصار تفجير المدنيين من أطفال ونساء “شهادة”، وشق البطون وتفخيخ الأطفال بطولة، وذبح الأسرى شهامة، ووضع اليد مع الغرباء لتقسيم ما تبقى من قلاعنا ضرورة، فسرقوا البسمة عن شفاهنا، واقتلعوا أشجار التين والزيتون، وجففوا أشجار البرتقال بعد أن جفت دموعها وذبلت، وأبكوا شجيرات الزعتر والميرامية في بطون الصخور، فجفت ينابيع الماء، وغادرتنا البحيرات، وخط لنفسه النهر مجرى بعيداً…

لكن ولشدة دهشتي يامولانا الشيخ، عندما استيقظت من حلمي هذا وجدت نفسي في داخل السجن، نعم سيدي، لا تستغرب، فسجن القلعة الصغير الذي كان للصوص، أصبح كبيراً ويضم معظم سكان القلعة، ونظرت بعيني الإثنتين اللتين “سيأكلهما الدود”، فوجدت اللصوص الذين رأيتهم في المنام يتربعون على العرش، هم أنفسهم، نفس الوجوه والأشكال، ورأيت معظم حماة القلعة يحملون أسلحة لمطاردة الشعب رغم كل خطر الأساطيل التي تحيط بنا وتهددنا، ورأيت بأم عيني كيف اختفى البحر وجفت مياه النهر وتبخرت البحيرات، تماماً كما في الحلم، وصارت الأمطار تجافينا وتفر من ظلام مدننا، وضاقت أرضنا بنا، فصرنا نتكلس ونتكوم في بضعة أمتار بعد أن كانت كل البلاد بلادنا. كنت يامولانا قد استغفرت ربي عندما استيقظت، ونهضت وصليت ركعتين للمولى عز وجل، وقرأت الفاتحة وياسين وسورة الكرسي، بعد استعاذتي بالله من الشيطان الرجيم، لكن الحلم داهم رأسي في الليلة التالية، فأعدت ما قرأت من كتاب الله وأضفت سورة الناس والفلق وقل هو الله أحد، فهاجمني الحلم بشكل أكثر شراسة في الليلةالتي بعدها، فقرأت إضافة لما سبق سورة يوسف، ثم تمارضت وغبت عن عملي وأضفت فوق كل ما سبق سورة البقرة والنساء حتى أنهيت كتاب الله كله، لكن ذلك لم يمنع تكرار حلمي في كل ليلة لاحقة، لدرجة صرت أظن “وإن بعض الظن إثم” أن ما رأيته ليس حلماً، بل حقيقة تتجسد لي في ثوب حلم، خاصة أنني كلما خرجت أو فتحت مذياعاً أو تلفازاً صرت أرى حلمي أمامي يتجسد داخل كل الأشياء.

هذا هو الحلم الذي رأيته يا مولانا، ما تفسيره، وهل تعتقد أنه حلم أم كابوس، وهل له صلة بالواقع الذي نعيش أم مجرد أوهام من رجل بائس ربما أصيب بعمى الألوان، أم أن الشيطان قد ركبني ويصور لي الأشياء على غير حقيقتها ؟!!!

  •                     *                    *

أثناء شرحي لحلمي هذا للشيخ أبو محمد الأعور، كان الشيخ يرش البخور فوق النار، وبين فينة وأخرى يهدئ الجن الذين يتقافزون، و “نَهَرَ” مرّات الجان “شخبوط” وأخيه “زعموط” ليكفا عن الإزعاج، كي يستطيع سماعي بشكل أفضل وأوضح، وكان رأسه يعانق أعلى كنبته وهو يصرخ “حـــــــــــــــــــــــــــــــــــي”، وفجأة، وبعد أن تعمقت في شرح حلمي وأسهبت فيه، رأيت الشيخ أبو محمد الأعور يتوقف عن استدعاء الجن، ثم صار ينظر إلي، وسرعان ما قام وأشعل المصباح الكهربائي، ثم أزاح البرادي عن شبابيكه الصغيرة ليراني بعينه الوحيدة بشكل أوضح، وأخذ ينظر إلي ويقيسني من الأعلى إلى الأسفل، وعندها رأيت عينه المطفية ينطبق عليها جفن قابضاً عليها بشكل كامل، وما تزال تبدو عليه آثار جرح قديم، وملتصق في تجويفها بشكل يصعب الفكاك منه، دون أن أستطيع تحديد من منهما يقبض على الآخر ولا يريد الفكاك منه، وسرعان ما صارت قدمه تدق الأرض وكأنني أزعجه بما أقول، وما أن انهيت حديثي حتى سألني بعصبية قائلاً:

ـ أنت لست من حكومتنا الرشيدة، فالجماعة، منهم من هو زبون لنا، ومنهم من يشاركنا لقمتنا، قل لي مَنْ الذي حذف بك إليّ؟ وما الذي تريده بحكايتك هذه؟

ولما حاولت أن أقسم له بأنني صادق فيما قلت، نهض من مكانه ومن سرعته تعثّر فأوقع “الكانون” على مصطبة البيت، فتناثر الجن في كل مكان، ولم يلتفت الشيخ لأحد من الجن المتطايرين فوق المرجل ومصطبة البيت، بل سحبني من يدي، وأخرجني إلى باب بيته الخارجي، أعاد لي نقودي، ومسح عينه السليمة بظاهر يده، وقال:     ـ أنا لم أسألك إن كنت صادقاً أم لا، أنا سألتك من الذي بعث بك إليّ؟ على كل حال إن رأيتك مرة أخرى سأكسر رجليك… لست بحاجة لمشاكل من جديد…إلى جهنم وبئس المصير.

ودفعني إلى الخارج، حيث اصطدمت بالحائط المقابل، وأكمل بصوت خفيض:

ـ أجئت لتقطع رزقي أيها الزنديق؟ لصالح مَنْ تعمل أيها الكافر؟!!!

ولما رأى بعض المارة قادمين صرخ بأعلى صوته:

ـ حـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــي

وطبق خلفي الباب وعاد لغرفته المظلمة، وبقيت وحدي، أسير لأخرج من زقاق بيته، تلاحقني الظلمة وعيون حكامنا الجدد وبنادق السحيجة الهتاّفين، تتربص بي جميعها بتنسيق لم نعهده من قبل، مع الغرباء جميعاً قريبين وبعيدين، بيدي ما أعاده لي من نقود، وفي رأسي صورة قلعتنا الجميلة القديمة، تُقبِّل أقدامها أمواج البحر، يداعبهما خرير مياه النهر، أسواره تعلو نحو فضاءات السماء، وخضرة أشجاره تملأ الساحات بروائح البرتقال واليمون والزعتر والزيتون، برائحة الريحان والميرامية والنعنع البلدي، بطعم العتابا والميجنا والدحيِّة والجفرا والطيارة والدلعونا، بحبات تينه المتدلية من غصون أمهاتها كنجوم مضيئة في وسط السماء، أما الحلم ـ الكابوس الذي لاحقني وما زال، فكان مايزال يدق بعنف طيات رأسي، يحاول تحطيم قلعتي التي أعرفها، تحطيمها وتحويلها إلى رماد وغبار متناثر على أبواب الصحراء، لتبتلعه وتحوله إلى زيت أسود وريالات، وها هو يتمدد أمام خطواتي ويكبر، يتسع والسجن مع كل حركة من حركات قدميّ، يحاول التمكن من الناس والشوارع والطرقات، الإمساك بحركة البشر والأفكار والمبادئ والأحلام، ليسحقها تحت قدميه ويلغيها من الحياة، وأنا مازلت أمشي، إلى الأمام أسير، أتخطى العراقيل وأتجاوز المطبات، ورأيتني أشتاق للمرحوم والدي كما لم أشتق له من قبل، وكم تمنيت في تلك اللحظة لو أنه مازال حياً يُرزق، كي لا أضطر لمثل “مولانا” الشيخ أبو محمد الأعور، حتى لو صفعني بكلماته قائلاً: ” ألم يبقَ غير “الأعور” لتلجأ إليه ليريك الحقائق ويفسر لك الأحلام؟ أتريد من أعور أن يُنير لك الطريق يا “دابة ابن الدواب”؟!!!.

محمد النجار

الإسلام الأمريكي وأدواته في المنطقة

لم يكن تفجير الضاحية الجنوبية بالأمس، إلا مجرد هروب للأمام للتغطية على ما يدور في المنطقة كاملة من هزائم للمحور الرجعي العربي ، بقيادة آل سعود، وفي نفس الوقت محاولة يائسة للفتنة والتفتيت للتحالف اللبناني الفلسطيني، ، الأمر الذي يجعل حق العودة في مهب الريح، . وإذا أردنا الدخول في بعض التفاصيل نورد التالي:

* ما يدور على الجبهة السورية من انتصارات متتالية وسريعة في كامل الجبهات، الشمال والوسط والجنوب والقلمون و”الحبل على الجرار”، ما يعني أن الجبهة الرئيسية المستهدفة تخرج من بين أيدي هؤلاء الحثالات والدول الرجعية المتصهينة التي تقف خلفهم بقيادة آل سعود، الأداة الأكثر طاعة للصهاينة والإمبريالية الأمريكية، لذلك نرى كل هذا الإستكلاب الأمريكي وقصفه المتتالي للبنى التحتية السورية وتدمير لمنشآت النفط السورية، الأمر الذي لم يفعله وهي تحت سيطرة داعش والنصرة وأخواتهما، ونفطها يُسرق ويهرب عبر تركيا ويُباع للكيان العبري. والأمر كذلك بالنسبة لقاعدة الإمبريالية المتقدمة في المنطقة. الكيان الصهيوني المستفيد الأكبر من هذه الحرب الكونية على سوريا، والمنطقة عموماً سواء في العراق أو اليمن او مصر والجزائر وليبيا، فدوره في العراق من خلال أعماله الإرهابية الممولة من آل سعود وتقتيله لعلماء العراق، وتهديمه لبنيتة الأساسية (الإنسان العراقي والجيش العراقي) لم  ننساها بعد. وكذلك الحال لحكومة “الإخوان المسلمين” (العثمانية الجديدة)، الذين يريدون قضم الأراضي السورية، والذين يشكلون الذراع المتقدمة لحلف الناتو بعد اسرائيل، وكلهم بقيادة الإمبريالية الأمريكية.

* كذلك الحال في العراق، حيث الحشد الشعبي والجيش العراقي يتقدم ، لكن تقدماً بطيئاً لأنه يصطدم بالعرقلة الأمريكية دائما وأبداً، حيث لم يكتفِ الأمريكي بعدم إعطاء الجيش العراقي الأسلحة التي دفع ثمنها مسبقا، بعد أن فتّت جيشه وأضعفه وجرده من سلاحه، وفرض على العراق دستور بليمر الطائفي، ويرفضون السماح بتغيير الدستور الى دستور حداثي بعيدا عن الطائفية، فإن طائراتهم  أيضاً تقوم بإلقاء الأسلحة لحثالات الأرض من الدواعش والنصرة وخلف خطوطهم، وتعرقل الحشد وتقدمه لتنقذ قادة داعش وتنقلهم الى أماكن أكثر أمنا (كما حصل في تكريت، ليكونوا احتياطاً لهم في مشروعهم التدميري للوطن العربي والذي لم ينهزم بعد)،  وتم بعث المئات منهم في طائرات تركية وقطرية الى الجنوب اليمني ، وكما تم في ما أسموه عملية تحرير الاسرى  الأكراد من سجن عراقي، وكذلك من خلال طائرات الشحن العملاقة التي نقلت السلاح لتلك الحثالات في “تلعفر” في الموصل، وما زالت تعرقل قوات الحشد الشعبي وتحاربه بكل قوة وتحرض عليه طائفياً ومذهبياً وإعلامياً من خلال إعلام آل سعود و الشيخة “موزة” في حارة قطر، التي موّل أولادها وأحفادها حثالات الأرض الدواعش ب 32 الف سيارة تيوتا رباعية الدفع في سوريا فقط ، عدا السلاح والأموال، وما زالت، هذا عدا ملوك الرمال في مملكة آل سعود، والتركي الذي فتح أبواب بلاده لعشرات الآلف من الإرهابيين بأموال سعودية قطرية، وبأوامر أمريكية اسرائيلية.

*كذلك الأمر في اليمن، حيث يتم دك مواقع آل سعود وتحالفهم وكل مرتزقتهم سواء في باب المندب أو تعز أو المدن اليمنية المحتلة من آل سعود، والذي يتوج كل يوم بإحراق عشرات الاليات والجنود، من جنود آل سعود ومرتزقتهم، والغريب الطريف في ذات الوقت فإن الأمريكي وأتباعه لا يريدون أن يروا تمدد داعش والقاعدة في حضرموت وعدن وبقية مدن الجنوب، فأولئك رغم كونهم قاعدة لكنهم ليسوا ارهابيين ولا يجب محاربتهم، لأنهم في المكان الصحيح!!! واليمن الذي يعوم على ما يقارب ال35% من النفط العالمي والمحروم من استثماره بسبب آل سعود وتأثيراتهم المتتالية على حكومات اليمن، حد التبعية المطلقة، كما الحال في المعادن المختلفة والكثير من المواد الخام مطلوب أن يبقى مطية لآل سعود وأسيادهم من الكيان العبري الذي يدك المدن اليمنية بطائراته مع الإمبريالية لأمريكية ، ليبقى اليمن فقيراً هزيلاً تابعاً لا يستطيع التحكم لا بخيراته ولا بموقعه الإستراتيجي.

* والأمر يتكررفي فلسطين، كون القضية الفلسطينية هي المستهدف الرئيس مما جرى ومن كل ما يجري، وكون الكيان الصهيوني هو المستفيد الأول من كل ما يجري.، لذلك فانطلاق الإنتفاضة الفلسطينية من جديد رغم كل محاولت إيقافها وقمعها وطمس فاشية المحتل في التعامل  معها، ورغم ضغوط الرجعيات العربية المتصهينة على قيادة السلطة، هذه القيادات التي تقود الجامعة العربية المخصية والتي ما قدمته على مدار عمر القضية الفلسطينية كلها في القرن الأخير لم يصل إلى عُشر ما قدمته للحثالات البشرية في سنة واحدة، الأمر الذي يتطلب حرف وابعاد التركيز العربي والدولي عنها مادام ليس مقدور ايقاف فعالياتها. لذلك كله يجب التفجير والقتل ما أمكن في محور المقاومة، المحور الذي يقف ببسالة ضد حثالات الأرض وأسيادهم الصهاينة والأمبريالليين وتوابعهما من رجعيات عربية متهالكة متصهينة، وليكن في المكان الذي لم يستطيعوا تدميره، لبنان، وتحديدا ضاحيته الجنوبية حيث حزب الله، قائد حركة التحرر الوطني العربية بامتياز، والترويج أن من قام بذلك هم فلسطينيون، ليشتبك المخيم مع المقاومة اللبنانية ويصبح حق العودة نفسه مهدداً وبأيدي الثوار أنفسهم من لبنانيين وفلسطينيين. وأمام تحقيق أهدافهم في تفتيت الأوطان كان لا بد من استخدام ذخيرتهم الرئيسية في ذلك ، وهم “الإخوان المسلمين” ومرجعيتهم الأساسية أردوغان وحزبه العثماني الجديد، فكانوا هم خميرة تدمير سوريا، وهم خميرة تدمير اليمن من خلال حزب الإصلاح، وكذلك في تونس ومحاولات الفتنة الداخلية من خلال سياسة الأغتيالات ضد اليسار التونسي والذي اتهم فيها حزب النهضة الإخواني، وكذلك الأمر في مصر ومحاولة تدمير الدولة هناك ،رغم موقفنا الواضح من نظام السيسي، لكن هذا لا يبرر تدمير الجيش وتقتيل الوطن، والأمر نفسه كان قد تم في الجزائر من خلال جماعة عباس مدني، وما أوصلوا إليها ليبيا باسم ديمقراطية الناتو التي لم يؤمنوا بها يوماً لكنهم يدمرون باسمها الأوطان، وكيف قسموا السودان باسم الدين الأمر الذي لم يقم به أي نظام ديكتاتوري بما في ذلك نظامي عبود ونميري. وهاهم باسم الدين أيضاً برسلون جنود السودان الفقراء ليَقتلوا ويُقتَلوا في اليمن تحت أوامر آل سعود الذي يعتبر نفسه قد استأجر بضعة عجول لا أكثر، في الوقت الذي ينهار فيه السودان كوطن ومواطن تحت ذات القيادة التي تتاجر بالوطن والمواطن وأوصلت السودان الى الحضيض على كافة المستويات. وفي فلسطين حيث تحاول بعض قياداتهم توقيع هدنة طويلة مع الكيان الصهيزني من خلف ظهر الشعب كما فعلت تماماً قيادات أوسلو، فداعش ليس هدفاً أمريكياً، والقاعدة كذلك، وإن كان يضرب هذا القائد الميداني أم ذاك بين وقت وآخر لذر الرماد في العيون، فالسيدة كلنتون تعلن مجاهرة في الكونغرس “أنهم كانوا مضطرين لدعم  القاعدة”، ويعلن توني بلير “أن بلاده وأمريكا خلف ظهور داعش” ويعلن أوباما بكل صفاقة “أن داعش خرجت عن السيطرة” الأمر الذي يدلل على طبيعة العلاقة التي تربطهما، رغم كل ما يحاولون ترويجه من أكاذيب حول محاربتهم للإرهاب…  وفي النهاية، فهذا جزء من ضريبة النضال والمقاومة، فعلى الشهداء الرحمة والشفاء للجرحى والصبر لأههاليهم ولكل جمهور المقاومة.

محمد النجار

كفاكم كفراً… للبيت رب يحميه!

الجُبير يكاد لا ينام الليل، غاضب على ما تتقوله عنه صحف “الفرنجة”، بأنه رجل كل من يريد أن يشتري من المخابرات العالمية، وليس العربية، لأنه خجول لكونه عربي، وأنه ولد المقاهي غالية الثمن، وأنه إذ يؤكد أنه رجلا للمخابرات الأمريكية فقط، لأنها بألف مخابرات ومخابرات، والدليل أنه لولا أمرها المباشر لآل سعود، لما حلم يوما بأن يكون وزير خارجية طوال عمره، خاصة وأنه للأسف ليس من العائلة المالكة، وكما قال المتنبي ذات يوم “ومن قصد البحر استقل السواقيا”، لذلك فهو على علاقات محبة ومودة وتبادل معلومات فقط وليس شيئا آخر، مع بقية أصناف المخابرات، وإن تميزت مع “أبناء العم “من الموساد.

كما أنه يتردد على المقاهي غالية الثمن كونه يؤمن بالمثل القائل” قل لي على أي المقاهي والبارات تتردد، أقول لك مَنْ أنت”، وأن عدم زواجه ليس كونه يُحب العزوبية ولا لأنه يكره النساء، كما أن الأمر لا يتعلق بكونه أحلساً أملساً، حيث “بارك الله في الرجل الشعور والمرأة الحلساء الملساء”، كما يحاول تصويره المغرضون وكأنه لا يحمل إلّا الصفات الأنثوية، و ليس به من الرجولة شيئاً إلا الشبهة. وأنه إذ يأخذ هذا النقد منهم بقلب منفتح وبصدر واسع، فهو لن يرد عليه ، كونه يعلم أن “قوم الفرنجة” هؤلاء لا يقصدون به سوءا، وربما وبمشيئة الله أن تثبت لهم الأيام ما كان خافياً…

لكن ما يُغضبه ولا يترك له مجالاً للنوم ليس هذا كله، بل هو “إيران”، نعم ايران وتدخلها في الدول العربية وشؤونها، واستفزازها المستمر في الفترة الأخيرة لمملكة أسياده آل سعود، وآخر هذه الإستفزازات في موضوعة حجاج “منى”، وهو لا يقبل هذا التهديد والإستفزاز أبداً، لأن أمرهم واضحاً، فالموت بالأساس مكتوب على الناس أجمعين، وما حصل ببساطة أن الله أخذ أمانته، أراد سبحانه ونفذ، فلماذا الإعتراض على أحكام الله؟!!! كما أن ما حصل يقع في باب القضاء والقدر، فكيف لا يُسلّمون بذلك ويدّعون أنهم مسلمون؟!!! والأخطر من هذا وذاك أنهم يطالبون بجثث مواطنيهم، بدلاً من أن يتركوا المملكة تقوم بدفنهم في مقبرة جماعية كما فعلت في كل مرة وقعت بها حوادث حتى الآن؟ ولماذا هذا الطلب التعجيزي؟خاصة وأن أسياده قاموا بجرف الجثث بالجرافات وتكويمها في أماكن مخصصة تمهيدا لدفنها، فليتركونهم إذن ليدفنوا في أطهر أرض كما فعلت بقية الدول، فمصر والسودان والمغرب والباكستان واندونيسيا وغيرها الكثير غضت الطرف وسكتت، وهم يعملون من الحبة “قبة”، فالموضوع لا يتعدى بضع مئات من القتلى، كما أن أسياد المملكة لن تنساهم من خيرها!!! وستنثر على عائلاتهم بعض المال فيرضونهم وينتهي الأمر، و”يادار ما دخلك شر”… أما الأخطر والأكثر استفزازاً أنهم يُحملّون المملكة وقادتها فداهم الله المسؤولية!! ويريدون تشكيل لجنة تحقيق يشاركون بها،  ويطالبون بأفلام “الفيديو” المصورة في الموقع ، فهذا والله استفزاز ما بعده استفزاز، الأمر الذي يتطلب أن تقوم المملكه حماها الله بغزوة ايران الشيعية الرافضة غزوة لا ينسوها أبداً، ولا تقوم لها بعدها قائمة، لكن قلوب آل سعود طيبة وصدورهم واسعة ويمتازون بالرأفة على البلاد والعباد، وبالعفو عند المقدرة، لذلك فالتسامح من شيمها والحكمة من صفاتها والحلم من أخلاقها والمحافظة على الجيرة والجيران من “سلو” قادتها، الأمر الذي جعلهم يغضون الطرف عما تقوله وتهدد به إيران، ولا تنزل الى ما نزلوا اليه، وتبقى مترفعة ثقيلة في مكانها، ف”الكيلو في مكانه قنطار”، و”الوعاء الواسع يتسع للوعاء الضيق” .

ولعل أكثر الدول العربية التي تتدخل بها إيران هي فلسطين، فسلحت شعبها وحرضته وورطته في حرب معروفة النتائج سلفاً، في محاولة يائسة لضرب دولة اليهود، الدولة اليهودية الوحيدة في العالم، الصغيرة والمسامحة والمتسامحة والساعية دوماً للسلام، وذلك لتخريب علاقات المملكة بها، وكي تخسر مملكة الخير نتائج ما تبرعت به لبناء وتطوير بناء المستوطنات في القدس والضفة، والتي وصلت الى أكثر من 2,5 مليار دولار، أو كشف الأمر للرعاع من العامة، ليشوهوا وجه مملكة الخير الناصع ويجعلوه مظلماً، ويجعلوها على لسان الناس بالقال والقيل، الأمر الذي لا يُرضي الله ولا رسوله ولا أُلي الأمر. وأن إدعاءاتهم وأمثالهم من عملائهم الذين يسيرون على خطاهم من ميليشيات حزب الله الرافضي اللبناني، والمنظمات المدعية انها سنية في فلسطين وهي على وفاق مع الميليشيات الملحدة هناك، وتدّعي أنها تدافع عن “بيت المقدس”، فإن السيد الجُبير يُفنّد أقوالهم وينقضها وبصوت عال، صارخاً بأعلى صوته، “أنه ليس مطلوب منكم الدفاع عن بيت المقدس، كما ليس مطلوب من أحدٍ أيضاً القيام  بذلك، لأن “للبيت رب يحميه”، نعم أيها الكفرة الزنادقة المرتدون، “للبيت رب يحميه”، وأن أي تدخل أو محاولة لتحريره أو الذود عنه، ما هو إلّا كفر وإلحاد وخروج عن الشرع والدين، وإعتداء على صلاحيات الله، فكفوا عن محاولاتكم الخبيثة، واتركوا بيت المقدس على حاله ولحاله الى يومٍ يحدده رب العباد إذا أراد ذلك.

كما أنهم يتدخلون في سوريا ويسلحون نظامها العلوي الكافر ، المغلف بغلاف مدني، يزودونه بالأسلحة ليقتل ويدمر “ملائكة الرحمة” من داعش والنصرة وأخواتهما من أجناد الشام وكتائب الفاروق وتجمع الفتح. والأمر نفسه يكررونه في العراق، فيدعمون ميليشيات الحشد الشعبي المعادي للأمريكان، وأعاد الوزير مستغرباً، نعم كما سمعتم، المعادون للأمريكان، ونحن في المملكة والحمدلله ” والله” بكسر الهاء ، لو “لطونا” الأمريكان ب”الوطا”، أو الحذاء كما يقول المثقفون على رؤوسنا و”خشومنا” فوالله لما رفعنا رؤوسنا أمامهم أو عيناً في عيونهم ولا حتى حاجباً يثير عندهم شبهة التذمر، ورغم ذلك لما أوفيناهم حقهم، وأكد أن المملكة مهما فعلت من أجلهم فهو من باب رد الجميل ولن ترده.

لف العباءة حول جسده، ففي ليل الصحراء يتسلل البرد من تحت هذ “الشراشف” كما يحب أن يسميها الوزير غير الأمير، وكاد أن يطلق ضحكة احتجاج مجلجلة في المكان، وقال بكل ما أوتي من غضب، يريدون تعليمنا الديمقراطية!!! يريدون تعليم الشعوب أشياء تخالف الشرع والدين والأعراف والأخلاق، عندما يقولون أن الشعب السوري وحده الذي يحق له انتخاب رئيسه وقيادته، وهو الوحيد الذي يقرر مصيره بنفسه!!!ما هذا الهراء؟ ما هذا الكفر والإلحاد؟ إذا كنتم تعتقدون أن الرعاع وحدهم من يحق لهم تقرير مصيرهم بأيديهم وأنفسهم، فماذا تركتم لألي الأمر أيها الزنادقة؟!!! وأين ذهبتم بمسؤولية الملوك والأمراء أطال الله في عمرهم أيها المرتدون؟!!! وماذا فعلتم بالشرع والدين أيها الملحدون؟  ألم تعلموا أن الديمقراطية بدعة كما أكد مفتي المملكة رعاه الله؟ نعم” بدعة، وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة بالنار”؟وإذا سكتنا عن ذلك الكفر والإلحاد في سوريا والعراق واليمن، فماذا سنفعل وكيف سنُسكت الرعاع في بلاد المملكة الممتدة؟ أو كما يسمونها في بلاد نجد والحجاز؟ وماذا سيحصل في موارد البلاد وخيراتها إذا “أمّمها” الملاحدة باسم الرعاع؟!!!، وكيف سيظل الأمراء أمراء والملوك ملوكاً بدون هذه الثروة؟ ومن أين سينفقون ويبذخون ويبذرون ويبنون القصور،  ويشترون السلاح الذي يدافعون به عن الأمة في وجه الفرس والمجوس؟ وكيف سيدعمون ويسلحون “ملائكة الرحمة” الذين يحاربون أعداء الله في سوريا والعراق واليمن ومُدّّعي الإسلام في فلسطين، كفاكم كفراً وضلالاً وعودوا عن غِيِّكم وجحودكم وضلالكم، ليغفر لكم آل سعود هذا الذنب العظيم، وتصبحوا على دخول الجنة بإذنهم وبإذن الله قادرين…

ولم يدر لماذا فكر الوزير أنه لو لم يكن وزيراً للخارجية لطالب بوساطة الأمريكان عند الملك وولده طال عمرهما، ليكون مفتي المملكة!!!.

مد الوزير يده متحسساً رأسه الأقرع، وكاد ينسى كل شيء عندما تذكر صفعات ولي ولي العهد المتتالية على رقبته مازحاً، وكاد يقول بصوت عال “ضرب الحبيب كأكل الزبيب” ، وأنزل كفه الى فمه وقبلّها متمتعاً برائحةٍ منبقيةٍ من “أثر” كف الأمير.

محمد النجار

يحسدون الكلب على فروته

لم يفاجئني أن يتم اختيار مملكة آل سعود لترؤس “لجنة حقوق الإنسان في مجلس الأمن الدولي”، وأنا أسميهم بآل سعود من باب إحقاق الحق وليس غير ذلك، فآل سعود هم من يملكون المكان والزمان، وهم من يملكون البشر والحجر والغنم والبقر، وهم من يملكون الفضاء والسماء والغاز والنفط والرمل والإبل والماء،  وكذلك يملكون الإبل والخراف والماعز والدواء والهواء، وبالتالي هم من يحق لهم البيع والشراء والكر والفر والقتل والذبح وحقن و إراقة الدماء، فكما يقول المأثور الشعبي” من تحكم بماله ما ظلم”، وهم بمالهم يتحكمون، وبه ينعمون، ومن خيرات ربهم عليهم يشترون ويصرفون ويتبرعون ويدعمون ويتاجرون ويقامرون،ويعاهرون وإن كانوا لا يجاهرون، وعلى الفرق الجهادية ينفقون ويغدقون.

أما المسائل الفرعية والتي لا قيمة لها في الحياة العملية، مثل أن يكون للبلاد دستور، ورأي للعباد وانتخابات، فبمثل هذه التفاهات لا يعبأون، وهم “أعني آل سعود” وخاصةعقول الكبار النيرة منهم، ألئك الجهابذة والمفكرين والعلماء، “لا يهمهم في القول لومة لائم” وبالتالي لن ينجرّوا لتطبيق هذه التفاهات المخالفة للشرع والدين الإسلامي الحنيف، فمثل هذه التفاهات هي “بدعة ، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار”، فمعاذ الله أن ينجرّ علماء  آل سعود وحكماؤها وجهابذتها إلى الذين لا يعرفون ولا يعقلون،  الذين يتجاهلون حقائق الأمور، والروافض والمجوس وأبناء فارس، وحزب الله والملحدون ممن يتمسكون بلبنانيتهم و سوريتهم وعراقيتهم، و فلسطينيتهم بدلاً من أن ينصهروا في دولة إسرائيل الكبرى، الحليف الكبير و”الصديج” الوفي للعائلة والدولة جزاها الله كل خير ، ومن يتمسكون بعروبتهم بدلاً من تمسكهم بدينهم وألي أمرهم حرّاس الكعبة الشريفة طال عمرهم ، أولئك الذين ما زالوا في غِيّهم يعمهون ويكابرون ويجادلون ويجاهرون، ومن شابههم من الحُسّاد الذين “يحسدون حتى الكلب على فروته” يحسدون آل سعود أيضاً أكثر على ما أعطاهم الله وأنعم عليهم مما ملكت أيديهم وكسبت من المال الحلال، يحسدونهم اليوم على ترأسهم” لجنة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة”!!!، وهم أنفسهم يحسدون الصديق الصدوق إسرائيل على ترأسها” لجنة التحرر  ومقاومة الإستيطان” في الأمم المتحدة، مدعين على إسرائيل ما ليس فيها من إتهامات باطلة!!! يا سبحان الله، ياسبحان المولى على الكذب والنفاق و الكفر والفجور ، لماذا لا يحسدون حارة الشيخة “موزة” وزوجها وأبناءها، الذين يعلم الله كم دفعوا و”برطلوا” ورشوا من الملايين ليستضيفوا “ألعاب الرياضة” عام 2022، خسئوا أن نكون بهذه التفاهه، أنغدق الملايين على “الألعاب”؟! فعلاً “ولله في خلقه شئون”.

على كل حال، لقد بدأت القصة برمتها ب”حلم” لخادم الحرمين طال عمره، لا، معاذ الله أن يكون ذلك حلماً، لقد كان كابوساً، نعم كابوسٌ، حيث رأى “طال عمره” فيما يرى النائم، “خير اللهم اجعله خير”، أنه يَعُد العدة، ويُجهّز الجيش والخيل، ويشحذ السيوف ويسن حدودها، ليقوم بعاصفة حزم وعزم على بلاد “إسرائيل”،التي يسمونها زوراً وبهتاناً بأرض فلسطين، وأراد أن يبدأ قصفها بالمنجنيق لولا تخوفه من أن يُخطئ الهدف ويصيب المسجد الأقصى، فعدل عن الأمر، وألح عليه الحلم أن يفعل، لكن شيئاً في عقله الباطن نهاه ووبخه وذكّره أن إسم إسرائيل يعني شيئاً مهماً للعائلة كلها، فاستيقظ من حلمه فزعاً صارخاً بائلاً في فراشه، نازفاً عرقاً نتناً مثل بعير قطع الصحراء ركضاً دون توقف، وسرعان ما اجتمعت العائلة كلها، وعلى رأسها ولي ولي العهد وبقية الأبناء والأحفاد، ولم يخبروا أبناء العمومة والأخوال كونهم ثرثارين شامتين، وحملوا طويل العمر مباشرة إلى عرّافة القصر، وأحضروا مفتي المملكة من منامه، والذي ظل شخيره مسموعاً مثل بقرة قد ذُبحت لتوها، وتحاول إلتقاط ذرات هواء تتلاعب امام عينيها دون نجاح.      لم يستطع ولي ولي العهد ان يتمالك أعصابه لخطورة الأمر، وصرخ بوالده طويل العمر قائلاً:

ـ لقد خرّفت تماماً يارجل… كيف تجرؤ على مثل هذا الحلم؟!!! أنسيت أفضال القوم عليك وعلينا؟ فهم كانوا من أكثر المؤيدين على تمليكك ل”ديرتنا”، وهم الذين يقفون معنا في تدمير بلاد الكفرة في سوريا والعراق، وهم ونحن من يحارب دولة الروافض الإيرانية، وهم الذين يشاركوننا في قصف “ملحدي اليمن” وروافضهم… الله أكبر يارجل على مثل هذه الخطيئة، حتى أننا عندما رفضنا استقبال اللاجئين قاموا هم أيضاً ببناء سياج كيلا يدخل منه او يتسلل أحد، نحن وهم الشيء نفسه ياوالدي، والله لولا العيب وشمت الشامتين لإستخسرت فيك، وخجلت من أن أخاطبك بكلمة والدي… كيف تجرأت على ذلك؟!!! كيف استطعت ان تحلم مثل هذا الحلم؟!!!  فوالله لو لم تكن والدي لجعلت هذا”البغل” ـ وأشار إلى مفتي المملكة بإصبع يده ـ يفتي بزندقتك وقتلك رجماً. أهذا حلم تحلمه؟!!! هزُلت ورب الكعبة…

وازداد احتداد الأمير، وتهدد والده وتوعده، وأرغى وأزبد، وهاج وماج، ولولا تدخل الحاضرين والخوف من شماتة أبناء العمومة، لحبسه في غرفة ومنعه من أن يمارس هوايته الوحيدة، بعد أن غزا رأسه مرض الزهايمر، في اللعب على باب القصر ملوحاً بسيفه صارخا ناثراً رمل الصحراء على رأسه ورؤوس الزائرين.

وقال الأمير مخاطباً مفتي المملكة، صارخاً به:

ـ أما زال شخيرك يملأ المكان قاتلك الله؟ قم وافعل شيئا مفيداً، قل كلمة تُرضي الله والرسول وألي الأمر…. أم صدّقت أنك عالم دين جليل؟ قم وافعل شيئاً غير الأكل والنوم قاتلك الله، هل يجب أن أفعل كل شيء بنفسي؟ ألا ترى أنك تقبض آلاف الريالات وأنت في “عزِّ غلاء الرجال” لا تساوي” ملو أذنك نخالة”؟!!! ألم أطلب منك الإجتهاد في الدين؟ ماذا فعلت حتى الآن؟

كان مفتي المملكة ينتفض خوفا، وظن الكثيرون أنه إن استمر غضب الأمير ولي ولي العهد “سيفعلها” على نفسه، لكن الله كرّمه و”انحلت” عقدة لسانه وقال:

ـ لقد فعلت طال عمرك، لقد فعلت…

فقال الأمير وزير الدفاع صارخاً:

ـ هات ما عندك… قل

فقال المفتي وما زال ينتفض متلعثماً في حروف كلماته:

ـ ظننت طال عمرك أنه… أعني أن كل “صيت” المملكة وقوة شكيمتها ظلت مرتبطة بغير” فرعكم” طال عمرك… لذلك أوصيت علماءنا الأجِّلاء أن يُركِّزوا في خطب المساجد على ميزات صاحب الجلالة، وأن يُعدّلوا الآية الكريمة التي وصلتنا عن طريق الخطأ المقصود، والتي تقول”يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا، ولا تنفذوا إلّا ” ب”سلمان” طال عمرك وليس “بسلطان” كما وصلتنا مُشوهة، وظني أن المقصود هو “ذرية سلمان” وولده محمد طال عمرك، ألا وهو جنابك طال عمرك، وهكذا لن يعود لا” لبندر بن سلطان”ولا لأبناء سلطان حقوقاً يطالبونكم بها…

سكت المفتي قليلاً، ثم أكمل:

ـ كما أن الله أنعم علي ووفقني في الوقوف على بعض الأحاديث التي كانت مُغَيّبة، منقولة عن أبي هريرة، تدلل على صحة ما ذهبت إليه…

انتفض الأمير فرحا هذه المرة، وقال:

ـ قل بعض هذه الأحاديث

فقات المفتي:

ـ لم تكتمل في ذهني بعد طال عمرك!!!

فقال الأمير ولي ولي العهد:

ـ هكذا … نعم هكذا تكون مفتي المملكة بحق.

وأخذ من جيبة رزمة من الدولارات، وضعها في يد المفتي وطبطب على يده ليهدئ من روعه.

تمشّى الأمير ذهاباً وإياباً وسط صمت الجميع، وأعطى أمراً واضحاً لا لبس فيه:

ـ تعبيراً عن الأسف الذي يلف مملكة آل سعود كلها، بما لها وما عليها، وتعبيراً عن حالة الحزن التي سببها “الحلم المفاجئ المشين” لطويل العمر قررنا ما يلي:

  • أن يُحرم طويل العمر ثلاثة أيام وليال متتاليات عن اللعب بالسيف على باب القصر نتيجة جُرمه الفاحش، وبعد ذلك يمكن إستيراد الباكستانيين و الهنود ليعاود طويل العمر تدريباته عليهم سواء بطعن السيوف أو ضرب الرماح، وأن لا تنسوا أن “تخصونهم” قبل أن تدخلونهم على “حريمنا”، والإستمرار بإخفاء جثث القتلى منهم بسبب الطعنات، كما كان حتى هذ اللحظة، وإن كُشف الأمر ننكره، ونستعيض عن هاتين الدولتين بدول إفريقية مواطنوها كمواطنينا ليس لهم ثمن، أعني أن لا يزيد سعر الرجل منهم عن سعر بعير

  • دعم “السلاح الشرعي” الذي تُمثله السلطة الفلسطينية، والذي يهدف إلى عرقلة وإيقاف المتطرفين الذين ما زالوا يعملون على وقف عملية السلام الناجحة بين الفلسطينيين والأخوة الإسرائيليين، وفي ذات الوقت الدعم في السر إن تعذر الأمر في العلن، لما تقوم به أختنا وحليفتنا إسرائيل، ضد الإرهابيين الفلسطينيين واللبنانيين من كافة الأعمار والأجناس. والتأكيد على أن السلام ممكن إذا تخلت السلطة عن تعنتها وقامت بواجباتها من أجل السلام.

  • دعم المجاهدين الأبطال في داعش والنصرة وأخواتهما من التنظيمات الجهادية في سوريا والعراق واليمن وليبيا ومصر ولبنان والصومال وأينما وُجدوا، ومحاربة من يحاربهم بما في ذلك الجيش الروسي القادم من وراء البحار ليفشل جهودنا، ونوصي الأخوة المجاهدين أن يواصلوا كل ما كانوا يفعلون بما في ذلك من عمليات الحرق وشواء البشر وقتل الأسرى من جنود ومؤيدوا لأعداء الإسلام، وسبي النساء ورجم المخالفين حتى الموت وأكل أحشاء البشر، وأن يُصوّروا كل ذلك ويبثوه كما فعلوا حتى الآن، وإننا نعلمهم أن التصوير حرامُ من حيث المبدأ، إلّا في حالتهم فهو محللٌ لهم لغايات الإنتصار على الكفرة والروافض.

سكت الأمير قليلًا ليتذكر ما يمكن فعله ليكفر عن جرم أبيه من ذلك الحلم، حين شاهد “عرّافة” القصر قد بدأت تتململ في جلستها، فشعر أنه يجب أن يستمع لما تريد أن تقوله تلك العجوز الشمطاء التي إن غضبت منه فسينعكس الأمر بسوء ما على جسده، فطلب منها بشيء من الخشوع أن تتحدث، فقالت:

ـ لقد نسيت الأهم طال عمرك، نسيت أننا يجب أن نعمل ” لصاحب الجلالة” طويل العمر “حجاباً” كي يحميه ويقلل من نسيانه ويعيده إلى رشده، وأن تكلف أحداً بقراءة سورة الفلق والكرسي كي لا يصيبه مكروه من عيون الحساد، ثم بعد ذلك أن تأمر من يحضره إلي لمعاودة جلسات العلاج بالقرآن التي تَخلَّف عنها في الآونة الأخيرة. كما تخلف عن جلسات دهان جسده بدهن “البعير”.

وهكذا فعل ولي ولي العهد ثم خرج تاركاً خلفه من سيواصل تنفيذ أوامره.

دخل إلى مكتبه، كانت بعض الصحف على طاولته، أبعدها بطرف يده لأنه يكره القراءة والقراء، كما أنه لا يُحسن القراءة بالعربية كثيراً كما حاله في اللغات الأخرى، فتح التلفاز  على محطة تلفزيونية لا تتبع لإمبراطوريتهم على غير عادته، ومن باب الفضول أخذ يستمع لهم، مستغرباً ما يقولونه رغم أنهم ليسوا من الروافض الشيعة، ولذلك كان طويل العمر قد تأكد أنهم كفرة ملحدين……   كان يقول التلفاز:

ـ “ولله في خلقه شئون”، فخلق لنا هذه الكائنات المحسوبة ظلماً وعدواناً على المخلوقات البشرية، أنظروا إلى متخلفي آل سعود، ترون بوضوح أنهم كائنات لا تعرف القراءة ولا “التتبيع”، كائنات غريبة عجيبة بلا أفق ولا كرامة ولا أخلاق ولا إحساس، كائنات بهيمية صرفة، تعتقد أنها تُعوض عن إنسانياتها بأموالها، وأن من حقها شراء الذمم والبشر ونشر الفساد والإفساد وشراء القيادات وتدمير الدول والأوطان والمؤسسات، هذه العائلة التي تقتل البشر وتتعامل معهم وكأنهم كومة من الحشرات، الم ترَ كيف تعاملوا مع الشهداء الحجاج؟ إنهم يخافون أو يجبنون أمام الإعتراف بالأخطاء، ولا يتعلمون منها، هذا الموت المجاني دائم الحضور في معظم مواسم الحج.

إنهم يُميزون أنفسهم لا لشيء إلّا لأنهم يسرقون أموال الأمة ويرهنون ما يتبقى من عهرهم في بنوك الغرب، ليستخدمها في استغلال شعوب الأرض بالديون والفوائد وضرب وتخريب الإقتصاد في تلك البلدان، لتزداد تلك الشعوب فقراً وبحاجة إلى المزيد من الديون، وسرعان ما تربط مصيرها ومستقبل أبنائها وسوقها وسياستها واقتصادها بتلك البلدان، وتبيع مواردها الأولية بأبخس الأثمان، تصور هذه الأموال التي يدمرون بها حضارات بلادنا لو وضعت في خدمة شعوب المنطقة، لن ببقى مجاعات ولا أمية ولاجهل ولا بطالة ولا فقر ، وكان سيكون إقتصاد بلادنا من الإقتصاديات الناجحة في العالم، وكانت هجرة العقول والعمالة نحو بلادنا بدلاً مما هي عليه الآن. هؤلاء الأنذال قمة متعتهم أن يحشوا بطونهم بالفتيت واللحوم، ويعيشوا الدهر  كله يلعبون بخصياتهم ويحلمون بالجنس، نعم بالجنس فقط، فرؤوسهم لا تتسع لامرأة كاملة، هؤلاء يعتقدون أنهم إن إستطاعوا أن يشتروا لجنه حقوق الإنسان ويترأسوا لجنتها، يُغطّون على ما يدور في بلدانهم من منع حق الكلام وحتى التفكير عن البشر، يعتقدون أن ذلك يُغير شيئاً من حقيقة قمعهم لشعبهم، أو يُخفف من الأمية والجهل والبطالة والجوع والقتل والسجن وشطب الحريات، ويعتقدون أن الناس ستنسى أن مرتبة دولة آل سعود في العالم في مجال حقوق الإنسان، رغم الرشاوى والدعم الأمريكي وحلفائه الغربيين، هي 164 من أصل 180 دولة…..

رمى طويل العمر “مُوجه” التلفاز من يده، وكاد كعادته أن يمد يده ليبدأ اللعب بخصيتيه، لكنه تراءى له أن المذيع ينظر إليه ويبتسم، يبتسم ويكاد يضحك منه ساخراً، فقام غاضباً وخرج من مكتبه.

محمد النجار

لا يعجبهم العجب ولا الصيام في رجب

منذ بضعة أيام، أطلقت رئيسة وزراء استراليا تصريحا مطولاً محقاً، يعبر بوضوح وشفافية عن مشاعر الناس وما يدور بخلدهم، وما لا يقوله معظمهم علانية، ليس في قارتهم فحسب، بل في معظم الدول الغربية بشكل عام، وملخص قولها موجهاً إلى كل المهاجرين الذين قدموا من كافة أصقاع الأرض، باحثين عن مصدر رزق أو هاربين من مأساة أو حرب أو مجزرة أو إضطهاد….وكلمات تلك السيدة موجهةً أكثر ما هي موجهة إلى تجار الدين السياسي، الذين إعتادوا على التحريض على ومهاجمة شعوب تلك الدول التي إستقبلتهم واحتضنتهم وأعطتهم الحماية والأمن والأمان، وتكفلت بتعليمهم وأبنائهم وقدمت لهم الطبابة والإقامة والجنسية، وقدمت لهم الدعم المالي والمساعدات الإجتماعية المختلفة، وقابل هؤلاء كل ذلك ليس برفض الإندماج فقط، بل بمهاجمة المجتمع الذي استقبلهم واحتضنهم وقدم لهم كل ما حُرموا منه في بلدانهم، غير آبهين بما يمكن أن يؤدي إليه ذلك من مخاطر وعنصرية وما يمكن أن نسميه “باللاسامية الإجتماعية”. والموضوع هنا ليس متعلقاً بسياسات تلك الدول وخاصة المتحالفة مع الإدارات الأمريكية المتعاقبة، التي كانت هي السبب الأساس لالهجرة إلى تلك البلدان، بعد أن دمرت البلاد والعباد من خلال الحروب التي فرضتها بشكل مباشر، أو غير مباشر من خلال تصدير “الإسلام الأمريكي”، وهو إسلام آل سعود أيضاً، الحليف الأكبر لأمريكا والغرب عموماً، “إسلام القاعدة ـ داعش”، الَّذين كانا السببان الأساسيان لهذه الهجرة الكثيفة، نعم، إننا لانناقش سياسات تلك البلدان، فهذا موضوع مختلف تماماً عمّا نناقشه الآن، إننا نتحدث عن المجتمعات والشعوب التي تدفع لهؤلاء الناس من ضرائبها، وتجار الدين السياسي يُحرضون في كل يوم وساعة وبإسم الدين، وكأنهم أوصياء عليه، يُحرضون على الناس والمجتمع وعاداته وتقاليده، متهمينه بالكفر والإلحاد ويشيطنونه بعاداته وتقاليده وطريقة معيشته، كل هذا وأيديهم ما تزال تغرف من صحنه رغم أن معظمهم لا يعمل ويعيش عالة على مساعدات الدولة، وإن عمل فهو لا يعلن عمله كي تظل المساعدات متدفقة!، ويظل جل وقته، ليلاً ونهاراً يقذف ويسب ويشتم، معلناً “أنه لا يعجبه العجب ولا الصيام في رجب”.

المشكلة الأهم هنا أن هؤلاء المحرضون، هم في حقيقتهم من حاملي لواء الدين السياسي، وهم يمارسون كل الموبيقات لكن بعيداً عن أعين الناس، وفي معظمهم فاسدون ومفسدون، ومرتبطون بدعم أموال النفط الخليجي الرجعي، ويجمع التبرعات وبُنى المساجد مخفين خلف ذلك النهب والسرقات، وأهم من هذا وذاك أن معظم هؤلاء مرتبطون بأجهزة مخابرات رجعية عربية وأجنبية أو متعاونون معها، وجزء مهم من وظيفتهم هو ما يقومون به من تحريض ورفض للاخر،  وخلق المتطرفين الذين تحارَب بأيديهم بعض هذه الدول التي تموّن هؤلاء المحرضين، لإظهار أبشع وجه ممكن للإسلام والمسلمين، وشيطنة الإسلام ليظل كما رسمته القاعدة وداعش واخواتهما في عيون المجتمع والناس، الأمر الذي يُسهّل خداعهم بمقولة “الحرب على الإرهاب” المحقة والمراد منها تدمير المجتمعات العربية وتقسيم أوطانها ونهب خيراتها، يعني شعار حق يُراد به باطل، وليس صدفة أن يُصوَّر المسلمون وكأنهم فقط عرباً، رغم أن العرب لا يُشكلون إلّا جزءً من المسلمين، ونسبة الإرهابيين في معظمها من دول غير عربية (أفغانستان، الشيشان، قرغيزيا، وعشرات الدول الأخرى ـ 133 دولة دعمت إرهابيي سورياـ ….إلخ) والدول التي يتم تدميرها هي دول عربية والشهداء عرب والجرحى والمهجرين عرب، وكذلك المتهمون!!!. وفي نهاية المطاف فالمحرضون يعيشون كالسلاطين، والمغرر بهم ” تقع الفأس في رأسهم” كما يقول المأثور الشعبي، فهم من يُرسلون للدواعش والنصرة، للموت وتدمير الأوطان، هم “خروف العيد” الذي يُضحّى به، ويظل “الإسلام” والمسلمون بذات الصورة الحزينة المبكية التي نراها اليوم. وعليه فإن تلك السيدة، رئيسة وزراء أستراليا، قالت محقة: “إننا استقبلناكم كما أنتم، وهذه حياتنا وطريقتنا في الحياة وعليكم قبولها وقبولنا كما هي وكما نحن أيضاً، لكن إن لم يعجبكم الأمر فلكم كامل الحرية للذهاب إلى المكان الذي يعجبكم ويوفر لكم الراحة”، نعم إنه كذلك بالضبط، فإما أن تقبل الآخر كما هو أو أن تذهب إلى حيث تريد، فما بالك إن كنت ضيفاً على المجتمع والناس؟!!! ولهؤلاء المحرضين ننصح بأن يتوجهوا إلى حيث إخوتهم في الدين، من “القاعدة والدواعش” وأخواتهما وهن كثر، حيث سيجدون “إسلامهم” الذي دعوا إليه وحرضوا في أنصع صوره، فلن يجدوا نساء سافرات يعملن في كل المجالات، يلبسن البنطال مقصوصات الشعر الذي خلقه لهن الله طويلاً، والمتشبهات بالرجال، بل نساء منقبات لا يظهر منها سوى نصف عينها الشمال، ومن تحت” المنخل” أيضاً، كما أفتى موضحاً أحد مفتي مملكة “الديمقراطية” الساطعة سطوع الشمس، “مملكة آل سعود” حماها الله وأكثر من الديمقراطيات المتشبهة بها، ويمنعون تسكع النساء في الأسواق كي لا تُسمع ثرثراتهن، كون صوت المرأة عورة يُحاسب عليها الله بجهنم وبئس المصير، كما يُحاسب على خطيئة سماع صوت أم كلثوم والعياذ بالله،  رجال يعرفون الله ورسوله، ينتعلون أحذية من جلد الشاة وألحفتهم والحمدلله من جلد البعير، وجلاليبهم إلى تحت الركبة ببضع وعشرين سنتيمتراً، بحيث لا تصل إلى رسغ القدم والعياذ بالله، يقاتلون الكفرة والمرتدين والزنادقة والروافض، وفي وقت الفراغ يلعبون “السيجة” وليس الشطرنج التي اخترعها الروافض في إيران، رجال يأكلون نقيع الحنطة مع لبن النوق ويتمضمضون بمرق الخروف، قبل أن يغسلوا أسنانهم بالمسواك مبتعدين عن معاجين أسنان الكفرة من النصارى، رجال لا يأكلون سوى بأيديهم أو ب”الخاشوقة” وليس بملاعق الكفرة، ولا يستخدمون “الشوكة” إلّا لإقتلاع عيون الضالين الزانية إذا غابت السكاكين، رجال أحرار يوئدون البنات خوفاً من أن يتزينّ في الكبر عاصيات الخالق، رجال يرجمون الزناة ويفرضون الجزية ويحاربون المرتدين ويلاحقون النصارى والملحدين والكفرة والروافض، ويقطعون يد صغار اللصوص تيمناً بمقولة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه”إذا سرقت فاسرق جملًا” ولم يقل “فاسرق دجاجة أو رغيف عيش”، ولديهم التيمم عادة كي لا تُسول لهم أنفسهم إلى إتباع الشيطان ويعتادوا الماء ويستخدمونه في الظروف الصعبة، وربما تأمرهم أنفسم  “والنفس أمّارة بالسوء” بالشرب من ماء زمزم بعد أن يدخلوا بلاد المملكة العامرة، التي قدمت لهم الغالي والنفيس ليصلوا إلى ما وصلوا إليه الان، رجال يدخلون الحمام بأرجلهم اليمين، ولا يتحدثون في المراحيض ولا يتبولون في الجحور لأنها مساكن الجن، ويقرأون سورة الكرسي والفلق بصوت عال، ويتمتمون بكلمات اغنية المرحوم فريد الأطرش “عين الحسود فيها عود” تمتمة لإبعاد شر الحسد، كي لا يقعون في معصية الخالق بسماعهم الموسيقى أو تردادهم لها، رجال يتميزون بالشجاعة والإقدام، فيشقون بطون النساء الغانيات ويجزون رؤوس الأسرى وهم في القيود ويأكلون قلوب الكفرة العزّل من السلاح ومن أي وسيلة للدفاع عن النفس، متشبهين بجارهم “الجيش الذي لا يُقهر”، رجال يطلقون اللحى ويحلقون الشوارب تيمناً بالرسول الكريم صلوات الله عليه، وقد جزّ بعضهم رأس أحد المرتدين الزنادقة الذي كان قد أطلق لحيته وشاربيه معاً، مخالفاً شرع الله وسنة نبيه والعياذ بالله. رجال صابرون محتسبون، إن أكرمهم الله وأصبحوا جزءً من القيادة سيفتح عليهم الله ويستخرجون النفط ويبيعونه لإسرائيل، ويتاجرون بالأصنام” المسماة بالآثار”معها ومع بريطانيا العظمى، ويهربون ما تبقى من مصانع سوريا إلى مشروع دولة الإسلام العثمانية الجديدة، وسيتزوجون مثنى وثلاث ورباع، وسيغنمون ما شاؤوا من النساء وسيملكون العبيد والإمات، وسيغزون عاماً ويحجون عاماً كما فعل هارون الرشيد، وسيعيشون في رغد وألفة ومحبة إلى يوم الدين.                                                                                                             نعم إننا نحضهم ونحرضهم ليذهبوا ويعيشوا في رغد وسعادة دولتهم وهنائها، قبل أن تنتزعهم شعوب المنطقة وترمي بهم إلى مزابل التاريخ، هذه الشعوب التي تعايشت مع بعضها وقبلت بعضها بعضاً على مدى آلاف السنين، دون أن تسأل عن دين أو ملة أو مذهب أو قومية.

محمد النجار

شهاب الدين وأخوه

الأمر ليس بجديدٍ على الشعب الفلسطيني، فمشكلته قديمة جديدة، فدائمًا يكون في قمة عطائه وقيادته في قمة مساومتها وتبعيتها وتنازلاتها، والأمر لم يعد محصوراً بعائلات الإقطاع التي قادته في ثوراته وانتفاضاته الفاشلة القديمة، بل والحديثة أيضاً، لذلك ينطبق عليه المأثور الشعبي بأسطع تجلياته،” طول عمرك يازبيبة في …. عود”… وكيلا نتوه في التاريخ ونبتعد عن جوهر موضوعنا، سنركز موضوعنا في قيادات الشعب الفلسطيني التي قادت الثورة الفلسطينية الحديثة، حيث ابتدأت قيادة الثورة البرجوازية الصغيرة، في قمة عنفوانها وعطائها الثوري، فساهمت في رسم الميثاق الوطني وحددت البرنامج الإستراتيجي والتكتيكي، وحملت البندقية وناضلت وقاتلت…لكنها تدريجياً أخذت تتماهى مع الرجعية العربية، وارتضت أن تزرع بها الأنظمة رجالاتُها، وقبلت بالمال المشروط، وأخذت تتذاكى لنراها مرة مع الأنظمة الوطنية ومرات مع الرجعية، وبنت “ترسانة” مالية ضخمة، تجاوزت الميزانية السنوية لبعض الدول العربية، حتى أنها أقرضت بعض الدول العربية أكثر من مرة، لتذهب هذه الترسانة المالية إلى يد أرملة الرئيس وكأنها أمواله الخاصة!!!، وكون المال لم يُستخدم لخدمة القضية الوطنية بشكل صحيح، فقد أضعفتها قوة المال فهانت دماء الشهداء وآهات شعبها، فتراجعت عن شعاراتها نفسها، وبدل المراجعة النقدية تاهت بين هدفها الإستراتيجي والتكتيكي، وغلبت التكتيك على الإستراتيجيا، وتنازلت عن الإستراتيجيا والتكتيك معاً، وأخذت هذه القيادة تتذاكى أكثر، فاتصلت بالصهاينة متجاوبة مع سماسرة الصهاينة ووعودهم فتنازلت عن الميثاق الوطني، وزيادة في التذاكي ساومت من خلف الشعب ودون علمه متنازلة عن كل ثوابته، وجلبت اتفاق أوسلو  بكل مآسيه للشعب الفلسطيني، محملاً بالتنسيق الأمني واعتقال المناضلين، ناشرة الفساد والإفساد، وثقافة البؤس والإستهلاك بدل الثقافة الثورية والوطنية، محاولة تحطيم المعنويات والتجهيل والتعتيم والمضايقة والملاحقة الأمنية، والسجن للوطن والناس، تاركة عملاء الإحتلال يصولون ويجولون دون رادع ولا حتى سؤال. هذا ما حصل مع قيادة حركة فتح ، وهو ما يتكرر ويحصل اليوم مع قيادة حركة حماس، فبعد أن انطلقت مع بداية الإنتفاضة الأولى في قطاع غزة، وبعد عام كامل من بدء الإنتفاضة في الضفة الفلسطينية، جاءتنا بشعارها الأول “حماس هي الأساس”، حتى أنها لم تعتبر نفسها امتداداً لقوى الثورة الفلسطينية كما يفعل حزب الله مثلاُ، بل اعتبرت نفسها بديلاً عن المنظمات جميعها، فمن حيث المبدأ لم تكن هي الأساس ، فهي جاءت بعد أربع عقود تقريبا من عمر الثورة الحديثة بشهدائها وجرحاها وأسراها، وفي الوقت الذي كانت فصائل المقاومة تقدم الشهداء وتثبت القضية الوطنية على “أجندات” العالم، وبغض النظر عن الأخطاء والخطايا التي تمت، فإن حركة الإخوان المسلمين في فلسطين، كانت ترفع شعار” لا يُكلف الله نفساً إلا وسعها” وفي محاولات الهروب للأمام كانت تطرح”تحرير الأندلس قبل فلسطين”، ولم تقدم على مدى عمر الثورة حتى الإنتفاضة أسيراً واحداً فما بالك بالشهداء !!! وهي بذلك لم تختلف عن حركة الإخوان المسلمين العامة التي لم تقم يوما بتأييد أي حركة ثورية في العالم العربي، بل كانت دائماً وأبداً مع الثورة المضادة في أي مكان تواجدت به، والمثال الساطع وقوفها في وجه ثورة الشعب المصري التي قادها الزعيم الراحل جمال عبد الناصر في الوقت الذي دعمت به كل الأنظمة الرجعية!!!… والشعار الثاني الذي رفعته كان “الإسلام هو الحل”، الأمر الذي يعني في أحسن صوره تحييد مسيحيوا فلسطين وإبعادهم عن النضال، ثم أنهم بذلك جعلوا من أنفسهم أوصياء على الدين واختزال الدين بمفهومهم له، وفي سياق الإنتفاضة خاصة سنواتها الأولى، لم نر منهم اسلاماً وأكاد أقول ولا مسلمين أيضاً، فهم مثلاً لم يوافقوا يوماً على برامج مشتركة مع القيادة الوطنية الموحدة للإنتفاضة، ولم يوافقوا على بيان مشترك ، ولم يوافقوا على فعالية مشتركة، وكانت بياناتهم مربكة لحركة الشارع كونها كانت وفي معظم الأحيان في تناقض مع بيانات وبرامج القيادة الوطنية الموحدة للإنتفاضة!!! ولم تُجدي كل المحاولات، وفشلت كل الجهود لتوحيد جهودهم مع العمل الإنتفاضي، لدرجة أن الشعور العام الذي كان سائداّ آنئذٍ،  أن هؤلاء جاؤوا للإلتفاف على وحدانية تمثيل م.ت. ف. بدعم أمريكي لخدمة الكيان الصهيوني…

ومع محاولات القيادة المتنفذة في المنظمة، جني ثمار الإنتفاضة قبل نضوجها، بعد مهاجمة العراق من الإمبريالية الأمريكية، وعلى أثر اعتقال الآلاف من مناضلي الإنتفاضة وتحديداً من حركة فتح والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وتحديداً الإعتقال الإداري، وفشل مشروع الجبهة لنقل الإنتفاضة إلى العمل العسكري الذي كانت قد بدأته في أوائل سنوات التسعينات من القرن الماضي لأسباب لم توضحها حتى الآن، ابتدأت حركة حماس الأعمال النوعية المميزة ، والأعمال الإستشهادية التي ازدادت وتنامت بعد رجوع المئات من مبعدي الحركة من الجنوب اللبناني، والتي كانت جهود حزب الله وبصماته واضحة على كل أعمالها تقريبا، في نفس الوقت الذي أخذت تظهر بجلاء مساومات القيادة الفردية وممارساتها وفسادها وما تقوم به من شراء للذمم ودعم البرجوازية التجارية ذات الطابع التكاملي مع الإحتلال، ومع الإعتقالات الهائلة لمناضلي اليسار وقياداته والتي كانت تعمل من تحت الأرض، بعد أن تم اكتشافها بعد عشرات السنين من نضالها، إضافة إلى شعارات حماس التي ركزت على الهدف الإستراتيجي من جديد، وبتحالفاتها مع حزب الله والدعم الإيراني والسوري لها، أخذ جزء مهم من جسمها التنظيمي ينحاز للعمل المسلح ويزيد من قدراتها، وأخذ يزداد إلتفاف الجماهير حولها الأمر الذي مكنها من كسب الإنتخابات لاحقاً وتشكيل حكومتها ، والإنتصار على محاولات” فتح” الإنقلاب عليها في غزة، من خلاال محمد دحلان المدعوم من أكثر من دولة رجعية عربية، ومن فتح نفسها بالطبع، وبعد أن أخذت تتفولذ حركة القسام وتزداد تجربة ومعرفة، وتتعمق تحالفاتها مع حزب الله وإيران وسوريا، كان جزء من القيادة السياسية بقيادة خالد مشعل وموسى أبومرزوق (الذي سرعان ما يلبس ثوب المفتي بعد أن يقلع ثوب المناضل، “أفتى بأن التفاوض مع الكيان الصهيوني لا يخالف الشرع، ومن يدري فربما يفتي لاحقاً بأن من لا يُفاوض الكيان يُخالف الشرع)، والمقيم في مصر (رغم معاداة النظام المصري لبندقية الثورة المنتصرة في غزة والتي تسبب له إحراجاً كبيراً)، والذين”مشعل ـ أبو مرزوق” أهم ما يميزهما “مع آخرين من القيادة السياسية، هو سياسة التذلل المالي والسياسي، وبناء “ترسانة” مالية كما فعلت قيادة فتح واستغلالها في الضغط على حركتهم نفسها لفرض مواقفهم التي ليس لها علاقة بالعمل الثوري، رغم أنهم تسلقوا وبشكل انتهازي على ظهر  إنتصارات “القسام” التي حققها بالدم والجهد والمثابرة، لتحقيق مآربه ومصالحه، مبقين الحركة مرتبطة مع المحور الرجعي العربي، ومع قيادات الإخوان المسلمين الرجعية التي لا تستطيع الحياة سوى في المياه الآسنة، ومع العثماني الجديد أردوغان. ويزداد تذاكيهم من خلاال خالد مشعل، الذي تفوق على قيادة م ت ف في “تبويس” اللحى وفي النفاق، فإيران وحزب الله تدعم وتدرب وتنقل التكنولوجيا في تصنيع الصواريخ، وينتصر الشعب الفلسطيني في القطاع، وخالد مشعل يوزع الشكر على “والي” قطر ووالي السودان وأردوغان وملك آل سعود، مبتعداً وبشكلٍ متعمد عن محور المقاومة، ليصل إلى اللقاءات غير المباشرة من خلال”مُدمر العراق” طوني بلير، واصلاً إلى حيث وصلوا بدعم ما تقدم من دول رجعية لن توصل شعبنا إلّا إلى “أوسلو جديد”، والشعارات نفسها كما كانت مع قيادة المنظمة، فك الحصار وبناء الميناء وإعادة الإعمار، مجمَلاً بشعارات تحرير كل فلسطين من هذا الزعيم أم ذاك، ألا يُذكرنا هذا بنفس أسلوب قيادة م ت ف والتي ما زال بعض قادتها يستعملونه حتى الآن؟!!!

والمهم إذا كان اتفاق أوسلو قد أوصل شعبنا إلى الهاوية، فإن الهدنة المقترحة ستمزق ما تبقى من وطن ومواطن، وواهم من يعتقد أن بمثل هذه المساومات الرخيصة وبموازين القوى هذه، أن يكون هناك أي مرفأ أو مكان دون رقابة إسرائيلية، أو أن يظل السلاح الفلسطيني كما هو وأن يتطور، أو أن لا يسلم مشعل ـ مرزوق السلاح كما فعلت قيادة فتح،  وفي الحالتين تفريغ الوطن من مصادر قوته ومن سلاحه!!! وغزة لن تصبح “سنغافورة” كما أن الضفة لم تصبح “هونغ كونغ” إقتصادية. فقيادة حماس ستصبح صورة مسخ عن قيادة المنظمة، فستعتقل (وهي تفعل)، وستُفسد وترشي وستكون الوساطة هي أساس التعامل ، وستتهم الآخرين بكل شيء وأي شيء لتُنَمّي مصالحها الطبقية، وكما أن “الطاسة ضايعة” لدى السلطة، بين قيادة حركة فتح وقيادة السلطة” عندما يعجبهم ففتح التي فعلت وعندما تكون الرائحة تزكم الأنوف، لا علاقة لفتح والسلطة المذنبة”، وكذلك الحال بين قبادة حماس وحكومة غزة، فالوساطة والبيروقراطية والفساد هي أساس الملك، ولا مَنْ يحاسِب أو يحاسَب ، وستصبح الديمقراطية “بدعة، وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار”، وتداول السلطة خروجاً عن طاعة الله وزندقة وفجور، وحرية الرأي والتعبير وحق الإختيار والتعبير “رجس من عمل الشيطان”، يعني كما هو الحال في الضفة الفلسطينية، وستُبنى الشركات المكملة وستُسوّق بضائع المصانع الإسرائيلية، وستأخذ الحكومة الموقرة حصتها من الضرائب… أليس الأمر مُشجعاً على التفاوض وقبول الإسرائيلي كجار لا بد منه في المنطقة؟!!!

فحركة الإخوان المسلمين كانت في كل أماكن تواجدها حركة منافقة ، مناوئة للثورات، مع الأنظمة الفاسدة، وها نحن نراهم في سوريا، كيف أدخلوا حثالات الأرض الدواعش القاعدة”النصرة”، وكانوا مصنعاً لتفريخهم، ورأيناهم خلال سنة كاملة في مصر وما زلنا، وكيف كان رئيسهم يناشد بيرس ويناغيه ويصفه بالرجل العظيم، وكيف قادوا سياسة التجهيل ورفض الآخر والهجوم على لقمة الشعب والإستدانة من البنك الدولي والصفقات مع العم سام، ورأينا مشعل نفسه يوعز لمرافقيه لتأسيس”أكناف بيت المقدس” التي استجلبت النصرة لمخيم اليرموك وأفرغته من سكانه، كما في الكثير من المخيمات الأخرى، في الوقت الذي كانت الصواريخ السورية تتدفق إلى غزة!!!، ورأيناهم في تونس وحالات الإغتيالات السياسية لليسار وقادته، وأنزلهم الشعب عن العرش كما في مصر، وها هم في السودان حيث قسّموا السودان بمساعدة مشيخة قطر وصحّروه وجوعوا شعبه، وها هم قسّموا ليبيا فعلياً بمساعدة “الأطلسي”، وفي اليمن يؤيدون عدوان أمريكا ـ  آل سعود ويحاربون ثورة الشعب اليمني بقوة السلاح، لكنهم لم يحركوا ساكناً في أي دولة رجعية في المنطقة. النقطة الوحيدة المضيئة لهم “القسّام” يريدون إطفاءها بكل السبل وبدعم عثماني وأموال قطرية سعودية وبإتفاق مع الكيان الصهيوني. وفي النهاية، إن القيادتين متشابهتان حد التطابق، والشعارات لوحدها لا تحرر أوطاناً، وسيظل “شهاب الدين أظرط من أخيه”…

لذلك، وكون محور المقاومة جاداً في دعم قضية فلسطين، فعليه فعل ذلك كما يجب وبشكل مكثف، وأعتقد أنه لا يجب أن يظل أسيراً في تكثيف دعم التيارات الدينية فقط، أو أكثر من اليسارية، فهو خير من يعلم أن “ليس كل ما يلمع ذهباً”، بل إن تكثيف دعم اليسار الفلسطيني وبقوة حاجة ضرورية ومستعجلة وماسة، فلدى رأس اليسار من الخبرة والإستعداد والإرادة ما يجعله ربما الأقدر على القيام بهذه المسؤلية، وهو بالتأكيد الأكثر أصالة ووفاء، بجانب حركة الجهاد الإسلامي، رغم ما أصاب بعض أطراف جسده من ترهل، لأنه يدرك جيداً أن هذا الزمن ” لا كما يتخيلون…. بمشيئة الملّاح تجري الريح… والتيار يغلبه السفين” كما قال الشاعر الكبير محمود درويش ذات يوم، وتاريخه حافل بالإبداع والمبادرات، وهو لم يهن يوماً وعمل وما يزال يعمل على أن ينفض طائر العنقاء “الفلسطيني” الرماد عن نفسه ويُحلّق من جديد ، ممزقاً إتفاقاتهم وراميها في مزابل التاريخ.

محمد النجار

كانوا تنابل وأصبحوا حمقى وأغبياء

لم يكن ما رآه الوزير في المنام السبب الوحيد الذي دعاه ليفجر “قنبلته” السياسية في العاصمة الروسية موسكو، بل عوامل عديدة ومختلفة تجمعت وتراكمت فأنتجت هذا التصريح  “القنبلة”، وعلى رأس هذه الأسباب هو التأكيد على ديمقراطية آل سعود، فرغم أن العائلة الكريمة تملك النفط والغاز والأرض والماء والشجر والحجر والبشر والبقر والرمل والنوق والماعز وكل مافي الأرض وماعليها، إلا أنها عائلة متواضعة وديمقراطية الهوى رغم كل الإشاعات المغرضة، فها هو الوزير الجديد لخارجية البلاد والعباد ليس بأميرٍ!!! انظروا بربكم للتواضع وخذوا العبر، إنظروا كيف يكون الرجل المناسب في المكان المناسب، صحيح أنه جاء بنصيحة أمريكية أخوية، لكن الكلمة الفصل هي للملك أطال الله عمره، وبمجرد أن يغادره مرض الزهايمر ولو للحظة واحدة ، يتخذ جلالته القرار الصحيح والمناسب، وبمجرد أن رشحه الإخوة الأمريكان وعلم جلالته أنه تربى ونشأ وتعلم وكبر على يد رجل ال cia سعودي الهوى والإنتماء بندر بن سلطان، وافق جلالته دون تردد، وهكذا كان بعون الله… ولمن لا يعرف صاحبنا الوزير أيضا، فيكفي أن يتعرف ببعض صفاته ليتعلم كيف يكون الرجال، فالبعض يقول أنه يحمل الجنسية الأمريكية لكنه يخفيها ليوم قد يحتاج إليها إذا تنكر له آل سعود أو حاولوا تحميله أخطاءهم ، كونه يعتقد “أحياناً” أنهم لا يُؤمن جانبهم ويمكن أن يغدروا به في أية لحظة، كون الغدر من أهم شيمهم، لذا فالحذر واجب رغم أن”من مأمنه يؤتى الحذر” في أحيان كثيرة. لذلك فهو وعلى عكس الكثيرين الذين يتهمونه بأنه ليس أكثر من “اسم إشارة” ليس إلّا، فهو يرى أن كونه لا رأي له ناتج عن أن أُلي الأمر رأيهم نافذ وصحيح دائماً، لذلك فبدلاً من أن يتبنى رأياً قد يكون ليس على مقاسهم وبالتالي ربما يفهمونه خطاً ويقوموا بإجراءات ضده، فمن الأفضل أن يظل دون رأي، وكثيراً ماطرح سؤالاً على نفسه” أرأيت في حياتك أخرساً يُعاتَب؟ ويُجيب نفسه نافياً “لا”، ويكمل “لأنه لا رأي له”، وهو ليس بأخرس لكنه ليس له رأياً خارج رأي موظفيه، لذلك فهو مرتاح لقراره ومتأكد من صحة ما ذهب إليه، ثم كيف يمكنه أن يُكوِّن رأياً ما دام جهابذة آل سعود على قيد الحياة؟! ومتواجدون في كل” زاوية ومفترق “، أيعقل ذلك بوجود أصحاب الرأي والحل والربط؟ بذلك تكون هزلت ورب الكعبة وعلى الدنيا السلام، كما أن المذكور يؤمن بالمثل القائل”كلب الشيخ شيخ” أشدالإيمان، وكون الله لم يخلقه أميراً ، فهو لم يعترض رغم استيائه، الأمر الذي لن يثنيه على أن يكون بوفاء كلب لصاحبه الذي أطعمه العظم وكبره، وفي حالته وعلمه ، ليرزقه ربه بما قسم له على يد الملوك والأمراء، وما يأتي من الأخوة الأمريكان في آخر كل شهر. والأهم من هذا وذاك أنه لطالما تمنى أن يكون إسمه عادل بن الزبير بن العوّام بدلا من بن الجبير، وذلك ليضمن لنفسه الجنة مثل الصحابي الجليل الزبير بن العوام، ومن كثرة إلحاح الأمر عليه في الفترة الأخيرة أخذ يراه في أحلامه في معظم الليالي، وعندما لجأ إلى عرافة القصر لتفسير أحلامه التي أضحت كوابيساٌ، طالبته بأن يدفع لها أضعافاً من الأموال وإلّا فضحت سره أمام أبناء الملك جميعاً، وأخبرتهم أن طموح بن الجبير بأن يتفوق على الأمراء والملوك ومشاريع الملوك، كونه يريد أن يكون صحابياً أو متشبهاً بالصحابة وهذا طموح لن يقبل به أحد من العائلة المالكة، وطردته وقالت له ” الطمع ضر وما نفع”، فظل حبيس أحلامه وظلت أحلامه حبيسة صدره لا يعلم بها أحد، وخوفاً من ان تشي به العرافة العجوز الفاجرة، أخذ يحاول أن يسبقها بخطوة من خلال التقرب إلى الأمير ولي العهد والملك المقبل كما يعتقد. قال له في آخر مرة التقاه فيها بعد أن دخل مكتبه خاشعاً مطأطئ الرأس:

ـ التجهيل يا طويل العمر… “أينما يكون الجهل منتشراً يمكنك أن تطوع المجتمع كله من خلال الدين، خاصة إذا كان لدينا مثل مفتينا حماه الله، طال عمرك…                                                                                                   كان الأمير ينظر اليه صامتاً وتابع الوزير حديثه مجدداً:                                                                                     ـ كل شي نُغلِّفه بالدين يصير قانوناً طال عمرك، ويكون مقبولاً دون جدل… يكفي أن نقول لهم قال الله وقال الرسول حتى يعودوا إلى بيوتهم طال عمرك…                                                                                                       كاد الأمير أن يقول له” تباً لك ألهذا أريتني وجهك؟” لكنه عدل لسبب لا يعرفه، وقال:

ـ أرأيت” الشايب” الخرف الذي يلعب بالتراب على باب القصر نتيجة مرض الزهايمر؟

ودون أن ينتظر إجابة أكمل:

ـ ظل يعلمني مثلاً شعبياً يردده طوال حياته، :”قالوا لا تبيع رخيصاً” فقال : لا توصي حريصاً”، وأنت تعتقد أنك اكتشفت الماء؟ أم صنّعت “النووي”مثل الروافض؟ أم نحن كيف نقود هذا القطيع منذ قرن كامل؟ المشكلة أن بين وقت وآخر يتثقف أحد الأوغاد ويبدأ يطالبنا بالإصلاحات، وهؤلاء لا يفهمون، فإن “حليت الرسن وخففت عنه قبضتك قليلاً، باكر يطالبونا بإنتخابات، ويمكن الشيطان يضللهم ويطالبون بجمهورية”؟!!! ونحن لا نريد نصير زي “الأسد” الذي يقمع شعبه، أفضل لنا ألف مرة أن نقضي على الفتنة في مهدها من أن نتركها تتوسع وتنتشر، لأنها إن إنتشرت “والله” ما تقوم لآل سعود قائمة… “إفتهمت” الآن؟ !!! بالمناسبة أنا مبسوط منك على تصريحك في روسيا، اتصل قبل تصريحك أردوغان ، كان يصرخ مثل الثور الهائج على الهاتف، وكأنه فقد أعز أقربائه لما علم أننا إتفقنا مع الروس على حلحلة الموضوع السوري وإلتقينا مع السوريين … والأمريكان كانو ا غاضبين أيضاً لكنهم يتحكمون أكثر في اعصابهم، وداعش والنصرة خافوا على الملايين أن تتوقف، حتى ان بعض قياداتهم قالوا إفعلوا ما تريدون لكن أعطونا فرصة للمغادرة لنخدمكم في مكان آخر…أرأيت مجرد تصريح مننا نحن آل سعود، حراس أمة الإسلام، وبتوجيهات مباشرة من العبد لله ـ وضرب على صدره ـ تجعل كبار القوم بل والعالم كله يقفون على أقدامهم ويحسبون ألف حساب…

فقال الوزير للأمير:

ـ و”اسرائيل” ياطويل العمر؟

ـ هؤلاء كانوا الأشد غضباً، قالوا بصيغة الآمر، فهم كما تعلم لا يجيدون التحدث مع الملوك، لكن لا بأس، مرّات يجب أن يكون صدرنا واسع ونتحمل الأصدقاء، وكما يقول المثل” الوعاء الكبير يتسع للوعاء الصغير” ونحن كما خلقنا الله الوعاء الكبير بإذن الله، قالوا “حرب الإستنزاف يجب أن تظل قائمة ضد “الأسد” وجيشه، وعليكم ابلاغ الروس بذلك بطريقتكم”… علمت أنهم اتصلوا بك أيضاً…

ـ صدقت ياطويل العمر، نفس المضمون طال عمرك، نفس المضمون…

ولم يُرد الوزير أن يعيد على الأمير ما قالوه، خاصة عندما صرخوا غضاباً قائلين:” ماذا أهمية السعودية إذا لم تنفذ ما نريد نحن و الأمريكان؟ ماذا يمكن أن يكون دورها إذا ألغت الأفكار الوهابية من أجندتها؟  ما أهمية كل العرش السعودي  إذا توقفت عن تمويل “المجاهدين” بالمال والسلاح والجنود؟ أفيقوا قبل أن تصدقوا أنكم دوله ولديكم جيوشاً وقادة وملوكاً وأمراء، إذهبوا وتراجعوا عن اتفاقكم مع الروس، وتعلموا أن لا تعملوا شيئا ذو أهمية قبل أن تسألوا وتستشيروا”…

كان الوزير يتذكر دون أن ينبس للأمير ببنت شفة، لأنه يعرف أن ما قالوه له قالوه لأميره أيضاً، وأنه إن قال شيئاً للأمير فإنه في آخر المطاف “سيفش” فيه هو غله، دون أن يرفع سماعة التليفون حتى ليعاتبهم أو ليطالبهم بالإعتذار… فهو أكثر الناس الذي يعرف أن كل عائلة آل سعود لاتجرؤ على ذلك، ليس لأنهم خائفون لا سمح الله، بل لأنهم يحترمون أنفسهم فقط، لكنه أضاف قائلاً للأمير:

ـ لكن ياطويل العمر لقد وصفنا الوزير الروسي بالحمقى والأغبياء؟!!! لا والله ما أرضى بذلك أبدأً، وقبله يصفنا نصر الله بالكسالى والتنابل؟!!! الحمد لله أن ذلك لم يكن في عهدي في الوزارة !!!                                                            ودون توقعا من الوزبر سأل الأمير:

ـ وماذا كنت ستفعل لو كان في عهدك؟ الوزير الروسي شتمك في وجهك وتجاهلت الترجمة وسكت ياجبان،         فقال الوزير في نفسه:”مائة جبان ولا الله يرحمه”، وأكمل الأمير:

ـ أوصيناك أن تقول كلمتين لإرضاء كل الكلاب التي نبحت علينا، فاعتقدت أنك الوزير  الأمريكي وليس السعودي، تواضع ياوجه الشؤم، منذ اليوم الذي نُصبت فيه لم نر الخير لا في اليمن ولا في سوريا ولا العراق ولا لبنان، والروافض وقعوا النووي…. اغرب عن وجهي ياوجه الشؤم …أغرب!

وخرج الوزير راكضاً خارج المكتب، دون أن يدرك سبباً واحداً لغضب الأمير، لكنه يدرك أيضاً أن الأمراء يفرحون ويغضبون ويثملون ويكذبون ويكفرون ويصرخون دون سببب، خرج في الوقت الذي صاح الأمير بأحد الحراس قائلاً:                    ـ هات الفتيت ياوِلْد… قلت لك بلحم البعير… ألا “تفتهم”؟!!! بلحم البعير يا بعير…..                                                                                                                                                         محمد النجار

أمي رأت أمك

ـ سيدي، الأمر ليس كذلك، لماذا تصدقوه وتكذّبونني؟ ألسنا متساوين أمام القانون؟ ولماذا أنا في هذه الزنزانة وهو حر طليق ينتقل من قناة تلفزيونية إلى أخرى مثل الإعلانات التلفزينية، أو مثل المسلسلات الهابطة؟ بالطبع لا، لم أقصد إهانته ولا إهانة أحد بكلامي هذا، أقصد… إنك تعرف تماماً ماذا أقصد… ماذا؟ إذا لم يكن هو السبب فمن إذن؟ فأنا منذ تشريفكم إلى “البلد””بَطّلت” السياسة والحديث بها، خلعتها ورميتها بعيداً، طلّقتها ياسيدي، والدليل أنكم لم تعتقلوني قبل الآن ولا مرة واحدة، صحيح أنكم استدعيتموني لكنكم لم … ماذا؟ بلد ديمقراطي؟ نعم …أراه وأحسه على جلدي كما ترى، والله لا أتحدى ولا “أتخوّت” ولا زفت… قل لي ماذا تريد مني!!!

يشعل سيجارة، ينفخ دخانها في سماء غرفة التحقيق ويقول:

ـ  طبعاً كنت معتقلاً قبل دخول سلطتكم، ومَنْ لم يُعتقل؟ فملفي بين يديك كما أرى، نفس اللون وأكاد أجزم أنها صورة عن نفس الأوراق… وما زالت الكلمات العبرية تتصدر معظم صفحاته، وأنا لم أُهدده ولم أهدد أحداً، ثم أنك قلت أنه ليس المقصود، وأنا لا يوجد لدي قصصاً لأحكيها لا لك ولا لغيرك…

يستمع الى المحقق، وما زال يدخن ثم يقول:

ـ ربما، أعتقد أن هناك بعض التغيير، حينها كانت هذه الزنزانة بالذات أكثر نظافة، كنا نغسلها بأيدينا أكثر من مرة في الأسبوع، لكنكم ومنذ أسبوع كامل بالكاد تعطونا مياه للشرب، كما أننا كنا ندخن على حساب الصليب الأحمر والآن أدخن من سجائري، لكن وللحق فالشبح نفسه والضرب نفسه، كل شيء يبدو متشابه من” إحكي القصة حتى … لا أعرف بعد فالأمر لم ينتهِ بعد لأعرف”… وعلى كل حال قصتي الوحيدة هي التالية:

ـ كثيرة كانت الإنتقادات في الفترة الماضية لحركة حماس، بسبب المفاوضات التي تجريها سراً مع الكيان الصهيوني، ماذا؟ لا، أقصد الكيان الصهيوني وليس “إسرائيل”، فأنا مهما جرى لن أعترف بدولة أُقيمت على أرضي وأرض شعبي أسموها “إسرائيل”…  وإن كان أمر المفاوضات صحيحاً، فإنتقادها صحيح أيضاً، الأمر الذي كان سبباً في حوار أخذ أحياناً طابع الحدية مع ذلك السيد، والذي كان كثير النقد لما يجري حسب، و هو من رجالاتكم ومن رجالات الحزب الحاكم أيضاً، وأنا لم أدعوه، لقد لبى دعوة زميلي الذي يشرب الشاي معي ويدخن النرجيلة في مقهى المدينة، جالسنا ليري الناس أنه ما زال رجلاً شعبياً يجالس البسطاء حتى بعد أن كَبُر شأنه. وكي تكون الأمور واضحة، سأقول لك بعض المعلومات عن محاوري هذا، فهو مثلاً كان من أحد أقطاب اليسار الفلسطيني، يعرف عن الماركسية أكثر مما يعرف عن التاريخ العربي الإسلامي، يحفظ فقرات منها ويستشهد بها أكثر من استشهاده بالمأثورات الشعبية، بل أكثر من إستشهاد شيخ بآيات من القرآن والأحاديث، وفجأة أخذ يقلل من إستشهاداته تلك، واستبدلها بإستشهادات بأقوال “الأخ القائد”، فأخذت تظهر صوره ولقاءاته على التلفاز بشكل مفاجيء، ليتبين لي وللجيران الآخرين أن إحدى بنات “قادة الصف الأول”معجبة به أشد الإعجاب، بل إنها أحبته من النظرة الأولى، وكون الحب يصنع المعجزات، فبدأت المعجزة الأولى بتردده على بيتهم معزوماً من أمها، و”كرّت” المسبحة بمعجزات متتالية، والأم كانت قد ورثت عن زوجها المتوفى بضع عشرات من ملايين الدولارات، ف”المغرفة في يد القيادة،” ومن بيده المغرفة لا يجوع”، وما زالت تعمل في القيادة ومعها، ومشهورة بهز الرأس بالإيجاب دائماً، ولا تعرف كلمة “لا” الى لسانها طريق، وقال عارفوها أن بيت الشعر القائل:

ما قال قط لا إلّا في تشهده …… لولا التشهد لكانت لاؤه نعم

ينطبق عليها أشد الطباق، لذلك مازال لها حظوة لدى كل القادة الأكثر تنفذ.

وسرعان ما تزوج عريسنا، وبدلاً من أن تنتهي القصة هنا وعند هذا الحد، فقد كانت البداية من هنا بالذات “لعريسنا الكبير”،  فأُقيمت الأفراح والليالي المِلاح، واستمرت الإحتفالات أياماً بلياليها كما لا بد تعلم إن لم تكن معزوماً، و”للحق” وكي أكون مُنصفاً، لم تدم الأفراح لدينا في المدينة سوى ثلاث ليالٍ، وذلك بسبب أوضاع الضفة، حيث الشهداء والأسرى،كما قال مؤكداً لبعض عارفيه، ومن ثم انتقلت الأفراح لمدينة عمان في الأردن لتكمل أسبوعها ، وبعدها غادر العريسان إلى باريس لتقضية شهر العسل هناك، وبعد عودته إزداد حضوره على الشاشات وبطون الصحف ونشرات المذياع، حتى غدا كما تعرف ويعرف الجميع، من الوجوه الأولى التي يصعب تجاوزها. قال لي حينها مفسراً موضحاً:

ـ إن ما يقومون به من مفاوضات سرية، ما هي إلّا لفصل القطاع عن الضفة، وليُثبِتوا هدنة يستمروا بعدها في الحكم هناك، وهذه والله خيانة عظمى!!!

فقلت:

ـ هل فعلأ يقومون بذلك أم مجرد دعاية؟ ف”الجماعة” ما زالوا متمسكين بالبندقية كما نرى، والحرب الأخيرة لم يمر عليها سوى عام واحد

ـ دعاية؟!!! إننا نعرف ذلك جيداً، فمصادرنا موثوقة… وكل ما تراه ما هو إلّا لذر الرماد في العيون…

ـ مصادركم؟!!! وحرب تدمر القطاع لذر الرماد في العيون؟

سألت مستهجناً مستغربا حين قال:

ـ نعم مصادرنا…

وضحك مكملاً:

ـ محاوريهم أنفسهم أخبرونا بذلك

قلت سائلاً من جديد:

ـ لكنكم قلتم أنكم أوقفتم المفاوضات معهم احتجاجاً على الإستيطان، ألم توقفوها؟

قال :

ـ بلا، لكن يوجد خطوط مفتوحة هنا وهناك كما تعلم

قلت:

ـ لا والله لا أعلم، وكل ما أعلمه أنكم قلتم أنكم أوقفتم كل الخطوط عندما أوقفتم التنسيق الأمني، أكان ذلك كذبة أم مزحة ثقيلة سمجة؟ وما دام الأمر كذلك لماذا تزايدون عليهم إذن؟!!! إنكم تعملون كما يقول المأثور الشعبي”قال له أمي رأت أمك في الكرخانة، فقال له جيد، أمي تعمل هناك ولكن ماذا كانت تفعل أمك؟” وأنتم ماذا كنتم تفعلون مع الصهاينة الذين أخبروكم بالأمر؟!!!

فهب فيّ صارخاً عندما لم يستطع إجابتي، واتهمني أنني أشتم السلطة والقيادة، فأجبته بدوري أنني لا أشتم أحداً، وإن كان مايقوله صحيحاً فهم يستحقون الشتيمة، وتطور الأمر لا أعرف كيف، ولكني أضفت:

ـ “مَنْ بيته من زجاج لا يحذف الناس بالحجارة”، فأنتم أول من إبتدأ المفاوضات، قمتم بها متجاوزين منظمة التحرير وقيادة الفصائل والمنظمات الجماهيرية والإتحادات الشعبية والشعب كله، وجئتم حاملين لنا “إتفاق أوسلو” وشعار غزة وأريحا أولاً، وبغض نظر منكم وتواطئ وموافقة، ملؤوا السجون بالمعتقلين قبل تسليمكم للمدن كي لا تواجهكم أي معارضة، ووقفوا لنا على أبواب المدن بدورياتهم وجنودهم، وفاوضتم من جديد، فأخذوا المدن التي أعطوكموها حتى بعد أن كنتم مثل الطفل المؤدب، وقمتم بكل ما طلبوه منكم، إعتقلتم وسلمتم أسلحتكم وأسلحة المطاردين، وأغمضتم أعينكم عن تضاعف عدد الشهداء والجرحى والمعتقلين، وعن مصادرة الأراضي والمستوطنات والطرق الإلتفافية، واختصرتم القدس بالمسجد الأقصى ووافقتم على عدم دخول مواطنيكم القدس أو ألأراضي المحتلة عام ثمانية وأربعين على إعتبار أنها أراٍ ض إسرائيلية لدولة جارة صديقة، وبصمتم على أراضي ”  bو c” لتكون تحت السطرة العسكرية، واستنكرتم العمل المسلح وتنازلتم عن حق العودة وكأن فلسطين مُلكُ عائلاتكم أو ورثتموها عن السيد الوالد، وها أنتم أعجز من أن تحترموا قراراً اتخذتموه بأنفسكم، وفي المحصلة فإنهم إن كانوا يفعلون ما فعلتم، فهم أيضاً مدانون مثلكم، وشعبنا لن ينسى من يفرط بحقوقه، وإن كان لأحد الحق في الإعتراض والحديث فهو ليس أنتم، فهم إن فتحوا سجوناً فأنتم سبقتموهم في ذلك، وإن إعتقلوا فأنتم السابقون وهم اللاحقون،  ويظلوا هم متميزين عنكم بأنهم ما زالوا قابضين على البندقية، ربما ليس إلى فترة طويلة إن ظلوا وراء إمارة قطر والعثمانيون الجدد، أوحتى خلف مشورة آل سعود، وفي كل الأحوال أنتم وهم مدانون وتستحقون الشفقة…

إشتد غضبه، وبدأت أرى شرراً يتصاعد من بؤبؤي عينيه، وأخذ يرعد ويزبد، فقررت أن استمر بعنادي وأقول رأيي لهذا “الطفيلي” مهما كان الأمر، فتابعت:

ـ إن كل ما تريدونه أن تحكموا غزة أيضاً، أن لا تتركوا بندقية تؤلم الإحتلال وتؤذيه، لتصبح غزة كسيحة مثل الضفة الفلسطينية، وإلا لماذا لا تقوموا بإصلاح المنظمة وتوحيدها على أساس كفاحي؟ على مشروع وطني يقاوم الإحتلال ويؤلمه، لماذا لا تريدون إصلاح مؤسسات المنظمة التي تعفنت وعفى عليها الزمن؟ أم أنكم لم تعودوا قادرين على الحياة في أجواء صحية وهواء نقي؟ إن كنتم تريدون التحرير فطريقه ليست مفروشة بالورود، وإن كان الأمر صعباً ولا تستطيعون القيام به، اتركوا الأمر لمن يستطيع…

أشعل الضابط  سيجارة هذه المرة،وظل المعتقَل يتابع موجهاً كلامه للمحقق الذي أمامه :

ـ وهل يجب أن أكون أخرساً؟ ومنذ متى عدم العمل في السياسة تعني أن لا يكون لدى المرء رأياً؟ لكن دعني أسألك أنت، فربما تستطيع أن تشفي غليلي بإجابة شافية:

ـ هل فعلاً ما زلتم تفاوضون وتنسقون أمنياً من تحت الطاولة؟

وأمام ابتسامة الضابط ونظرات عينيه، وقبل أن يجيبه، رد الضابط المحقق على هاتفه الخيلوي الذي كان في درج مكتبه، وهو ليس الهاتف الذي فوقه وقال:

ـ شالوم… ماشلم خا.. كين…أني….*

وخرج من مكتبه ليكمل الحديث…

  • لغة عبرية تعني: مرحباً… كيف أنت… نعم… أنا…                                                                                                                                                                                                                         محمد النجار