لمــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاذا؟!!!

ظلّت الكثير من الأسئلة تدق رأسي دون هوادة، خاصة بعد بعض الحوارات ،المُصرّة على قلب الحقائق، مع البعض، والذين لا يريدون أن يروا ما يدور في منطقتنا، من حرب كونية على مقدراتنا وتاريخنا وبلادنا وشعوبنا ، إلا حرباً طائفية!!! فلا أمريكا تطمع بنا وبخيرات بلادنا، ولا “آل سعود” هم رأس الأفعى في المنطقة، ولا ما يتم لمصلحة الكيان الصهيوني!!! ولا….إلخ، بل إن إيران”الشيعية”، هي فقط السبب وراء الحروب وإدامتها واستدامتها، ومعها حزب الله طبعاً، ولا يمكن أن تنتهي الحرب إلًا بعد الخلاص من إيران “الشيعية”، تاريخاً وطوائف ومذاهب وحتى جغرافيا إن أمكن!!! الأمر الذي يعني طبعاً إدامة الصراع واستمراره إلى آخر إنسان في الجانبين، وبهذا نكون نحن”السنة” قد نظفنا بيتنا من الداخل ونتفرغ لحرب الكيان الصهيوني!!! كلام خالٍ من أي منطق، فلماذا لا يمكننا أن نضع أيدينا مع إيران، ونتخلص من الكيان الصهيوني أولاً، فهذا لا يصح، ولماذا لا نتخلص من الصهاينة وحدنا ثم نرى أمورنا مع إيران فلا يصح أيضاً، فلا يصح معنا نحن “السنة” إلا إستعداء إيران فقط، وتحويل الصهاينة إلى حلفاء محتملين!!!

هكذا قال محاوري في حوارنا الأخير، فازداد طرق السؤال رأسي، لماذا، وازدادت الأسئلة التي تبدأ به أكثر، فتجاهلت “كيف ومتى وأين وهل ومن وإلى متى”، لأنني لو طرحت كل ما يدور في رأسي من أسئلة لما أنهيت مقالتي هذه أبداً، وعليه سأطرح فقط بعض ما يدور في رأسي من أسئلة تتعلق ب”لماذا”، منوهاً أنني لست من أنصار لا الدول الدينية ولا الأحزاب الدينية، وأنني أرى أن العلاقة بين الإنسان وربه علاقة تخصه وحده، ولا يحق لأي كان التدخل بها، لا من قريب ولا بعيد، كما أنني لاحظت أن كل أصحاب النظرة الطائفية والمتمسكين بها، معجبين أشد الإعجاب بالنظام “الغربي”، والذي لا يفرق بين أبنائه لأي بسبب، دين أو لون أو جنس أو معتقد، لكنهم “عندنا” يريدون مجتمعاً بلون واحد فقط، هذا إذا ظل هناك لون بعد الصراع الدائر….

ولنبدأ بالأسئلة، التي أرجوا أن لا يجيب عليها أو يقرأها أحداً من المتعصبين، من أي طرف كان، وهي أسئلة برسم التفكير لكل مَنْ يدعي أن الصراع الدائر في منطقتنا ما هو إلا صراع طائفي، وليس صراعاً سياسياً في جوهره، مغلفاً بغلاف طائفي:

  • لماذا إصرار الدول “السنية” على حرف إتجاه البوصلة، من فلسطين وتحريرها، ومن العداء للصهيونية إلى جعل العداء لإيران؟ وهل صحيح أن “طويل العمر” ملك آل سعود، دعم بناء المستوطنات بعشرات ملايين الدولارات؟ ودعم حملة إنتخابات نتنياهو ب80 مليون دولار، كما نؤكد الصحافة العبرية؟

  • إذا كان الصراع طائفياً لماذا إذن لم تقم “الدول السنية”، وعل رأسها دولة “آل سعود”، بمحاربة إيران أيام الشاه؟ أم أن إيران كانت “سنية”آنذاك؟

  • لماذا تم افتعال حروب متتالية مع إيران بعد إنتصار الثورة مباشرة؟ رغم أن الإنجليز “حلفاء” الدول السنية “وأبرز داعميهم حتى اليوم (هم مَن سلم الأهواز لإيران، تماماً كما سلّم الفرنسيون لواء الإسكندرونة لتركيا والإنجليز  لمناطق نجران وعسير وجيزان لآل سعود أنفسهم)، وكذلك سيطرت إيران على الجزر الإماراتية أثناء حكم الشاه، فلماذا لم تحارب الدول “السنية” وعلى رأسها آل سعود الشاه “الشيعي” ولم نسمع من هذه “الدول السنية” ولو كلمة واحدة بهذا الشأن آنذاك؟. بل إن علاقتهم مع الشاه كانت استراتيجية، وهو من ساعدهم على ضرب القوى الثورية التي نشأت في بلادهم!!! ولم نسمع “بسنة أو شيعة”، ولا عن اي دور “تشييعي” لإيران في المنطقة.!!!

  • لماذا اكتشف حكام الدول “السنية”، “شيعية إيران” بعد أن تم رفع العلم الفلسطيني فوق سفارة”إسرائيل” الموروثة من عهد الشاه، وتحويلها لسفارة “فلسطين”؟ وفي نفس الوقت الذي إبتدأت أمريكا بفرض حصارها على إيران؟

  • وما دام الموضوع هو “سنة وشيعة”، فلماذا تقيم هذه الممالك والدول والحكام “السنة”، أرفع العلاقات وأكثرها تطوراً، مع دولة أذربيجان “الشيعية”، صاحبة العلاقات الأكثر تميزاً بالكيان الصهيوني، وخاصة من الناحية الأمنية، التي تضر أول ما تضر بقضية”العرب السنة” في فلسطين؟!!!

  • لماذا، والأمر كذلك، لم تدعم الدول “السنية”وعلى رأسها بلاد “مملكة الخير” وقيادتها، آل سعود، الفصائل “السنية” في فلسطين، بعُشر ما قدمته لما إستجلبته من حثالات بشرية لتدمير أوطاننا في سوريا والعراق وليبيا واليمن و”الحبل على الجرار”؟ وتركت الأمر لإيران”الشيعية” لدعم فلسطين “السنية” وفصائلها؟ وتركت خلايا “حزب الله الشيعي” يدرب ويعلم وينقل السلاح ويُهربه إلى القطاع المحاصر، وتُعتقل بعض خلاياه في الدولة المصرية “السنية”؟ ولم تقدم أي نوع من الدعم للقضية الفلسطينية “السنية”، على مدار 68 سنة من عمر القضية، ولا حتى فتوى واحدة من شيوخ “السنة” العباقرة في بلاد آل سعود، بل أنها أوقفت حتى التبرعات لهذه القضية…

  • لماذا لم تقم الدول “السنية” بمحاربة محتلي المسجد الأقصى المبارك” أولى القبلتين وثالث الحرمين” رغم مرور 49 عاماً على إحتلاله، وشيوخ فتنتها كما القرضاوي “ينبحون” لمحاربة سوريا لنشر الديموقراطية هناك؟!!! ويستعيذ الله متبرئاً ممن يقولون بمحاربة “إسرائيل” بعد الإنتهاء من سوريا، ويشحذ من أمريكا المزيد من التدمير لبلداننا، ” ضربات لسوريا من أجل الله ياأمريكا”، الغريب أن البلاد والمقدسات محتلة من”اليهود الصهاينة” وهم ينادون بالديمقراطية في بلدان يحكمها “مسلمون”!!! والأغرب أنهم يريدون الديمقراطية التي يمنعونها في بلادهم، والإنتخابات التي لم يجرونها يوماً، والدستور وهم لا يملكون دستوراً… مع ملاحظة أن كاتب هذه السطور من أشد مؤيدي حرية الرأي والفكر والتعبير والإختيار، وضد كل أنواع التمييز الديني أو العرقي أو المذهبي والطائفي، أو اللون أو الجنس أو العرق، ومع تشكيل الأحزاب إلّا الدينية منها، والتبادل السلمي للسلطة.

  • بل لماذا تبرعت “مملكة الخير” أطال الله عمر قادتها آل سعود”، بفلسطين، في رسالة موثقة عبر الحلفاء الإنجليز، إلى “المساكين اليهود” أو حتى “إلى غيرهم “كما ورد في الرسالة؟ أعيد “تبرعت” بفلسطين وكأنها من بقايا موروث آبائهم العملاء الفاسدين المتخلفين الجهلة”!!!

  • لماذا لم تستخدم “مملكة الخير”ودول النفط “السنية”علاقاتها بالغرب، أو بالنفط، أو أموال النفط، لدعم قضيتها الأولى قضية فلسطين”السنية”؟

  • لماذا حارب آل سعود “السنة، الثورة الناصرية”السنية”، متحالفاً مع شاه إيران “الشيعي”؟ وراعيتهما أمريكا، أم أنه لم يكن “شيعياً” وإنما نحن الجهلة  المفتقدين للثقافة نعتقد ذلك؟ ولماذا إستدعت الحرب عليه من إسرائيل في حرب 67، معتبرة في رسالتها أن نظام ناصر إذا إستمر دون تدمير حتى سنة 70 فإن نظام “آل سعود” لن يعيش أبداً ليصل لعام 1970، أم أن الصهاينة هم صهاينة “سنة”؟

  • وما دام الأمر طائفي، لماذا إستُجلبت “القاعدة “من العالم إلى ليبيا لتدمير بناها التحتية، وذبح عشرات الآلاف من البشر “السنة”، وتدمير أول شيء النهر العظيم الذي خضّر حتى الصحراء الليبية؟ وأين الشيعة في ليبيا؟ وأين الشيعة من مصر التي يحاولون تدميرها وتقسيمها ؟

  • لماذا ترتضي الدول “السنية”، قائدة الثورة”السنية” في الوطن العربي، ل”تنظيماتها ومناضليها في جبهة النصرة وداعش وأحرار الشام وجيش الإسلام في سوريا” أن يُعالجوا في المستشفيات”الصهيونية” ويزورهم ويلتقيهم “نتنياهو” نفسه، وكل وسائل إعلامهم، ووسائل إعلام الأنظمة “السنية” تغطي على الأمر وتمنع نشره في وسائل إعلامها، وكأنها بذلك تحجب الحقيقة؟ وكيف ترتضي لقيادة الثورة “السنية” في سوريا بالتبرع بهضبة الجولان لإسرائيل مقابل دعمها بإسقاط الأسد؟ كما وكيف ترتضي للثوار”السنة” بالتدرب على أيدي ضباط الصهاينة، وأن يقود عملياتهم في غرفة عمليات “موك” في الأردن ضباطاً “إسرائيليين” بجانب ضباط من طرف آل سعود وأمريكا والأردن؟ والآن يقوم الصهاينة بإنشاء غرفة عمليات مشتركة مع ” المناضليين الجهاديين السنة” من “جبهة النصرةـ تنظيم القاعدة في بلاد الشام ـ لإقامة شريط عازل في الجولان على غرار ما تم في جنوب لبنان؟

  • لماذا لا يُحارب آل سعود، كقيادة للدول “السنية” أمريكا، التي أسقطت القيادة العراقية السنية “صدام حسين” ، بل إستدعت أمريكا وتحالفاتها لإسقاطه بعد أن رفع شعار”نفط العرب للعرب”؟ وفي الوقت الذي رفضت فيه إيران “الشيعية” أن تفتح أراضيها للغزو الأمريكي للعراق ، رغم محاربته لها 8 سنين طوال، فعلت ذلك دول النفط وغير النفط “السنية”، من مصر إلى دولة آل سعود إلى دولة “النعاج” كما سمّاها رئيس وزرائها آنذاك حمد الصغير، إلخ؟  بعد أن حاصروه وقتلوا من شعب العراق ما يزيد عن مليون طفل فقط بسبب حصارهم…

  • لماذا لا تُحرضون “السنة” في لبنان وتدعمونهم بالصواريخ كما فعلت إيران مع حزب الله، لمحاربة إسرائيل، خاصة وأن لديهم قيادة ثورية مثلكم (من الحريري إلى السنيورة إلى فتفت “شرّيب الشاي” مع الجيش الإسرائيلي، إلى ريفي)؟ ولماذا تحالفاتهم فقط مع جعجع وأمثاله، أحد أهم أبطال مجزرة صبرا وشاتيلا، القاتل المحكوم في المحاكم اللبنانية نفسها؟

  • لماذا دعمتم يا آل سعود، ياقادة “السنة”، إثيوبيا، الدولة التي ـ ربماـ من أكثر الدول الإفريقية تعاوناً مع “إسرائيل”، في بناء سد النهضة الذي يحرم الدول “السنية” العربية”مصر والسودان”من المياه، يعطش شعبهما ويصحر أراضيهما، وبتعاون مباشر مع إسرائيل؟

  • لماذا أصبحت إيران دولة نووية رغم حصاراً أمريكياً ودولياً ومنكم أنتم أنفسكم أيها الدول “السنية”، وآل سعود على رأسكم، وصار عندها ما يقرب من الإكتفاء الذاتي إقتصادياً، وأنتم بدلاً من أن تتعلموا منها، وتثبتوا لها أنكم “السنة” لستم بأقل شأنا، فإنكم ما زلتم تعتمدون في إقتصادكم بنسبة أكثر من 90% على النفط، وبدلاً من طلب مساعدتها تحاربونها، وأنتم أيها الكسالى الخائبين، يا آل سعود، ما زلتم تستوردون خضارا ،فقط خضـــــــــــــار، من مختلف دول العالم بأكثر من 30 مليار دولار، أقول مليار وليس مليون، في العام الواحد، وتستوردون المياه بأعلى من أسعار نفط شعبكم المنهوب…وصارت “سلة غذاء الوطن العربي”، السودان، التي تمتلك 30 مليون رأساً من الأبقار، وخمسين مليون رأساً من الماعز ومياه النيل وعشرات الأنهار الأخرى، صارت صحراء وجائعة وجاهلة ومتخلفة وتبيع أبناؤها لآل سعود ليقتلونهم في حرب اليمن، ويمزقها الفساد والبيروقراطية,… رغم “سنيتها” وتطبيقها للشريعة الإسلامية السنية أيضاً.” في هولندا مجرد مليون رأس من الأبقار، وبدون “سِنّة” ولا “شريعة”، صارت من صفوف الدول الأولى في العالم في تصنيع الأجبان والشوكولاتة، وبدون أمية ولا فساد ولا إفساد. أما السودان الذي  إتبع نصائح “سنة” قطر وآل سعود فتقسمت بلاده إلى قسمين، وبدلاً من الإهتمام بمصالح الوطن والمواطن، يقوم بمحاكمة فتاة تلبس بنطالاً أو أخرى تتزوج مسيحياً، لكنها لم تحاسب فاسداً واحداً أو لصاً واحداً.

  • لماذا تتقدم الدول “السنية” دول العالم في الفشل والجهل وتفشي الأمراض والأمية، مصر والصومال وموريتانيا واليمن والسودان والباكستان وأفغانستان.

  • لماذا لم تستثمر الدول الغنية “السنية” أموال خيرات شعبها، في الدول “السنية” المحتاجة لذلك، بدلاً من إبقائها في بلاد الغرب وبنوكها؟ مثل مصر والسودان واليمن، الأمر الذي يُطور هذه الدول ويقضي على البطالة والفقر، ويجعل الدول المستَثمِرة رابحة في نفس الوقت. أم أنهم يدركون أن أمريكا لن تسمح لهم بذلك، وربما تصادر هذه الأموال شاهرة في وجوههم ملف حقوق الإنسان كما هو متوقع!!!

  • لماذا تصر قيادة الدول “السنية” لمحاربة كل من يحارب أمريكا وإسرائيل، ولشيطنته وملاحقته وتوقبف قنواته الإعلامية؟، وكما دفعت أمريكا بإعترافها، ما يفوق على 500 مليون دولار لتشويه صورة حزب الله، هكذا تفعل الدول “السنية” بقيادة آل سعود مع فصائل المقاومة العراقية التي طردت الأمريكي خارج العراق في 2011، ومن بينها بعض فصائل الحشد الشعبي في العراق، أو مناهضوا سياسة التدمير التي أنتجها آل سعود في اليمن من “أنصار الله” وغيرها من فصائل إسلامية ويسارية…

  • لماذا يُحارب آل سعود”السنة”، أعداء أمريكا وإسرائيل، ليس في المنطقة فقط بل والعالم أيضاً؟ وتكيل لهم كل التهم وتدفع الأموال من جيب شعبها، لتحصد أمريكا الثمار، وهذه مجرد أمثلة على ذلك:

ـ دفع آل سعود “السنة” مبالغ طائلة بعد فوز الحزب الشيوعي الفرنسي، وكذلك الحزب الشيوعي الإيطالي في إنتخابات بلادهم، للأحزاب الأخرى كي لا يدخلوا في تحالفات معهما كي لا يستطيعا تشكيل حكومات كل في بلدهما، هل كان أولئك شيعة؟ وهل إعتدوا على سيادة بلدان العرب أو المسلمين؟ وبأي حق يتدخل آل سعود في شؤونهم الداخلية؟ ولمصلحة مَنْ؟ أليس لمصلحة أمريكا وبأموال العرب؟!!!

ـ دفع الأموال لشراء البشر والسلاح وبشعارات دينية لمحاربة الإتحاد السوفييتي السابق، لتعود أفغانستان للحظيرة الأمريكية وبأموال عربية، هل كان السوفييت شيعة وأمريكا دولة سنية؟!!! وما شأن آل سعود بذلك؟ ولماذا سكتوا عن تحويل أفغانستان “السنية” إلى دولة فاشلة؟

ـ دعم آل سعود أعداء الثورة الساندينية، بالمال والسلاح، الكونتراس، كي لا يصل أعداء أمريكا للحكم آنذاك، وزهقت نتيجة ذلك عشرات آلاف الأرواح، ودمرت البلاد، بأموال العرب ولمصلحة أمريكا، فهل كانت الثورة الساندينية “شيعية”؟ وبماذا أساءت للسعودية لتقف موقفها ذلك؟

ـ أغرق آل سعود السوق بالنفط وأنزلوا سعره من 120 دولاراً للبرميل إلى أقل من 30 لكي يضربوا الإقتصاد الفنزويلي المعادي للأمريكي وكذلك الروسي المنافس له، وليضربوا الإقتصاد الإيراني أيضاً، فإن كان هناك خسارة بيِّنة لإيران في مليون برميل تصدره في اليوم الواحد كبيرة ومؤثرة، فإن خسارة آل سعود كانت أحد عشر ضعف الخسارة الإيرانية، كونها كانت تبيع أحد عشر ضعف المنتج الإيراني، ومن الرابح من جراء ذلك؟ أمريكا بالتأكيد، وآل سعود”جكر في الطهارة يشخون في لباسهم”.

  • ما دام “الدواعش” وجبهة النصرة، وما شابههم من حثالات بشرية “ثواراً”، لماذا يذبحون الناس ويفجرون أنفسهم في المساجد والأسواق الشعبية، ويصرخون”جئناكم بالذبح” هل هذا الإسلام “السني” الذي يريدون حكمنا به؟ وهل لائحة النساء في زواج النكاح اللواتي يُطلقن ويُزوجن بأوامر “سنية شرعية”ما يقرب من عشرين مرة في اليوم الواحد، ويدفع لها ثمن النكاح، هل هذا من الإنسانية في شيء؟ وهل هو من الديانات لا سيما المذهب السني في شيء؟ وهل يختلف عن بيوت الدعارة في شيء؟ولماذا تركت الدول الغربية القتلة للقدوم إلى سوريا والعراق وسهلت مرورهم؟ ولماذا ساعدتهم أمريكا وقطر وآل سعود؟ وإن كانت تريد أمريكا محاربتهم لماذا تركتهم يتدربون تحت سلطتها وبسلاحها وفي معسكراتها في تركيا وليبيا، ولماذا لم تقدم للجيش العراقي حتى الآن السلاح المطلوب، رغم أنه دفع ثمنه منذ سنوات؟ وماداموا يريدون محاربتهم لماذا جلبوهم إلى ليبيا “السنية”، والتي ليس بها من الشيعة أحد؟ وكيف لم يروا الأسطول البحري الذي يزيد عن 3000 صهريج وينقل النفط المسروق من العراق وسوريا ويتوجه الى تركيا واسرائيل؟ وكيف سمحوا لدويلة الشيخة موزة بشراء 3200 عربة تويتا مجهزة للقتال من اليابان ويدخلونها من تركيا إلى سوريا؟ وكيف لم يرَ الأمريكان مئات الآليات والدبابات ومدافع الهاون والصواريخ التي تتنقل في العراق وسوريا وما بينهما على مساحة آلاف الكيلومترات المربعة؟ في الوقت الذي ترى فيه لو مجرد مناضل فلسطيني واحد في قطاع غزة وتقصفه، لكنها لا تقصفهم؟ وكيف لم تر نقلهم بطائرات تركية وقطرية إلى جنوب اليمن؟ ولماذا قام آل سعود “السنة”وكذلك دولة قطر”السنية” بعزل الجنرال “السني” السوداني”الدابي”، الذي بعثته الجامعة العربية للتحقيق في أحداث سوريا منذ بدايات احداثها، عندما إتهموا النظام بقتل المتظاهرين، وعاد ليقول لرئيس وزراء قطر السابق “حمد الأصغر”، إوقفوا دعمكم وتسليحكم للإرهاب، تتوقف الحرب في سوريا، فكان نتاج تقريره عزله ووقف مهمته.
  • لماذا لم نرَ أو نقرأ أو نسمع رغم كل عمليات التفجير في المساجد والكنائس والأسواق، وتدمير الآثار والتاريخ، والتقتيل والذبح في كامل الفسيفساء العربية، من المناضلين “السنة”، عن أي عملية ضد الكيان الصهيوني، ولو عن طريف الخطأ؟ ولماذا يقتلون من “السنة” أكثر ما يقتلون من المذاهب والطوائف الأخرى، لكل من لا يتطابق وآراءهم؟ وفي المقابل لماذا لم نسمع عن “شيعي”يفجر نفسه في مناطق السنة؟بل أن “الشيعة”في الحشد الشعبي، “والذي يضم في صفوفه عشرات آلاف “السنة”، هم مَنْ يُحرر المناطق “السنية”، لاحظ “السنية” من براثن داعش وأخواتها، ولماذا لم يتوجه الدواعش للمناطق الشيعية في وسط العراق وجنوبه ليحتلوه ماداموا يريدون القضاء على “الرافضة”؟ بل داهموا المناطق “السنية” فقط وذبحوا أهلها ودمروا بنيانها واغتصبوا نساءها؟ ولماذا لم نسمع هذا التقسيم الطائفي عن “سنة وشيعة” بين الأكراد؟

  • لماذا، وهذه ال”لماذا”، كان يجب أن تكون في البداية ربما، لماذا يعتقد هؤلاء “المناضلين السنة”، ومن خلفهم داعميهم وأولهم آل سعود، أن الجنة من حقهم ونصيبهم حصراً ودون غيرهم؟ فلا نصاً يؤكد ذلك، ولا منطق أيضاً، فمذاهب الإسلام من”سنية بمذاهبه الأربعة” الشافعي والحنفي والحنبلى والمالكي” وفرقها من السنية والإباضية والشيعية، يتفرع عنها: أهل الحديث والسلفية والأشاعرة والماتريدية والمرحبة والمعتزلة والجهمية والصوفية والإثنا عشرية والزيدية والأصولية والأخبارية والشيخية والإسماعيلية والنزارية والمستعلبة والعلوية والأذارفة والنجدات والأحمدية والقرآنيين والبهرة  …إلخ والتي تصل الى 73 فرقة، كلها تدّعي أنها تمثل الإسلام “الصحيح”، وكيف  يستطيع هؤلاء التفكير أن لهم ميزة على الطوائف الأخرى وعلى الأديان الأخرى بما فيها الديانات الوضعية، عدا أن ليس لهم فضلاً أو ميزة حتى على ما في طائفتهم نفسها، ألم يحن الوقت ليتدينوا كما يريدون لكن بإبعاد الدين عن السياسة، ألا يكفي ما فعله الدين المسيس في البشرية جمعاء؟ تخيلوا 73 فرقة ومذهب إسلامي، ومثلها أو أقل قليلاً من الديانات الأخرى، والجميع بدون إستثناء يدعي أنه الصحيح، وإلا لغير مذهبه لو كان لديه شك فيه، فلو أراد كل طرف فرض رؤيته على الآخر ماذا يمكن أن يتم في عالمنا العربي؟ تخيلوا إلى أين يمكن أن توصلنا التقسيمات الطائفية والدينية، وربما لو تبعنا العرقية والقومية أيضاً، ستصبح أكبر دولة عربية حسب طائفتها ومذهبها أصغر بكثير من ملعب كرة قدم، دولاً متحاربة متذابحة إلى مالا نهاية، هذا إذا لم نفنِ بالحروب بعضنا بعضا!!!

  • لماذا لا يترك هؤلاء الدين لصاحبه، الله، ولماذا يتدخلون بصنع الله بخلقه؟ ومن أعطاهم الحق بذلك؟ فالدين كما ذكرنا لله والوطن للجميع، فلنترك ما لله لله، ولنتضافر لإعلاء صرح الوطن، ولا نترك أحداً ليتدخل في شؤون الله تحت أي إسم أو ذريعة، فهذه العلاقة بين الإنسان وربه من أشد العلاقات شخصية وخصوصية، ولا يحق لكائن من كان أن يتدخل بها، أما شيوخ الفتنة الذين بحرضون على العنف في أوساط فقراء الشعب وبغض النظر من أي ديانة أو طائفة هم، فنسألهم لماذا لا تبعثون أبناءكم ليفجرون أنفسهم ويصعدون ليحجزوا لكم مكاناً في الجنة؟ وإن كانوا “ملوا زوجاتهم”ويريدون الحوريات، فلماذا لا يذهبون هم أنفسهم ليفجروا أنفسهم ويصعدون الى السماء، بدلاً من تحريض الفقراء ؟ ولماذا لا يعطون الفقراء جزءً من جنانهم الأرضية إن كانوا بهذا الإيمان الذي يدّعون؟ولماذا يبعثون أولادهم وبناتهم إلى بلاد الغرب “الكافرة”، ويبعثون أبناء الفقراء لتفجير أنفسهم في خلق الله وعباده؟ وأكرر من أين لهم التأكد من صحة طائفتهم أو مذهبهم؟ ومن أين يعرفون أن لهم الجنة دون غيرهم؟ بل من قال أصلاً أن لهم الجنة؟، فالله ،حتى الله الرؤوف الرحيم، لا يرحم العملاء والمجرمين…

محمد النجار

كلمتان …ليطمئن البحر

عندما أكون بحضرتها، الحاجة “أم نور”، يفتح عليّ الله ويطلق لساني، ولا أعود الرجل “الأهبل” المتلعثم، ولا الرجل الذي “على باب الله”، كما يسميني معظم الناس، في مخيمنا القريب على شاطئ بحر غزة، وأنا لم أنكر يوماً أنني كما يصفون، بل ربما أُأَكد ذلك لكن بطريقة أخرى، سأشرحها لك لتحكم بنفسك.

فأنا ـ كما تعرفني ـ كنت طوال عمري ولم أزل، إنسان بسيط، كنت أذهب إلى المسجد في كل الأوقات، أصلي وأبدأ بتقبيل أيدي من هم أكبر مني سناً، خاصة أيدي الشيوخ الذي ينضح بهم المسجد في معظم الأوقات، وسرعان ما أجلس للإستماع للدروس الدينية من أي كان، وأعمل بها، لأضمن لنفسي دخول الجنة بعد أن يأخذ الله “وديعته”، لكن خروجي المتكرر الى شاطئ البحر، كان يُحرك عقلي الخامل، ويجعله يفكر فيما ليس مسموح التفكير به، فيوصلني ربما الى المعصية، ثم الى الكفر الذي سيوصلني الى نار جهنم.

هذا ما قلته للحاجة “أم نور”، لكنها قبل أن تسألني عن أي شيء سألتني عمّا أراه أو أحسه عندما أذهب الى شاطئ البحر، ورغم أنني لم أفكر في الأمر قبل سؤالها، إلا أن سؤالها أثار في فضولاً من نوع غريب، وسألت نفسي بدوري، لماذا أتوجه أنا للبحر؟ ولم أعرف الإجابة يوماً عن هذا السؤال، وكل ما أعرفه أنه يوجد شيء داخلي يدفعني دفعاً للذهاب الى هناك، أختار موقعاً بعيداً عن الناس، لا يسمعني أو لا يراني فيه أحد، وسرعان ما أبدأ أشكو للبحر همومي، أرمي بوجهه أسئلتي، وأصرخ به بكل ما في حنجرتي من ضجيج وهِمَّة، دون أن أخشى غضباً منه أو نقمة أو حتى عتاب.

كنت أقف على أبواب شواطئه، وأرى أو أحس كيف تتكسر على قدمي أمواجه الهادرة، وتعود خائبة مهزومة مكلومة عابسة، دون أن تثير في سوى بقايا شفقة بين وقت وآخر، وعندما أصحو على إهانتي له، أنظر الى سعة صدره الذي يمتد بعيداً خلف الأفق، ودون أن أعتذر، كنت أسمع ضحكات أمواجه وقهقهاتها فأعود الى نفسي، ونعود صافيين صديقين، كورقتين بيضتين، دون منغصات ولا أحقاد .

كثرت تردداتي على البحر مع كثرة ما حرَّمه شيوخ مسجدنا، كنت أشكوهم له، كنت أردد على مسامعه كلمات المرحوم أبي، أن “الدين يُسر وليس عسراً”، لكن ما أسمعه منهم هو عكس كلمات أبي، واحترت أصدق من؟ صحيح أن والدي رجل لم يعرف المدارس يوماً، وأن كل ما كتبه في حياته لم يتعدى بصمة إبهامه، لكن كلماته هي الأقرب الى عقلي، لكنهم متعلمون وخطباء ويتكلمون كلمات لا أفهم معاني معظمها، ولديهم أضعاف ما لدى والدي من علوم الدين، وجعلوني أؤمن أن مخالفة كلامهم هو مخالفة أوامر الله وسنة نبيه، والخروج عن أقوالهم هو الخروج عن الدين، والنتيجة جهنم وبئس المصير.

حدثت البحر، فهدأ من صخب أمواجه ليسمعني، وقلت، وكان هذا عندما بدأت كلمات أبي تدق رأسي بعنف، “الدين يسر وليس عسرا” يابني، وكلماتهم تدق رأسي، أن “كل شيء حرام مالم يحلله الشيوخ”، رميت نفسي تحت أقدام أمواجه الهادئه وقلت، وكان هذا قبل سنوات من الآن:                                                           ـ كيف يكون الدين يُسراً وفيه كل هذ المحرمات؟!!! كيف يكون يسراً وهو ينحض بكل هذا الحقد على الآخر؟! وكيف يكون يُسرا وما زالت تسيل من جوانبه الدماء؟!!!

وصرخت في البحر ليسمعني جيداً:

ـ قالوا أيها البحر أن التلفاز حرام، برامجه حرام وأفلامه ومسلسلاته حرام، وكادوا يحرمون حامله وبائعه وفاتحه، لكنهم كانوا من أوائل من اشتروه واقتنوه، عندما كنا نذهب للمقهى الوحيد الذي يضم تلفازاً، بجانب حائطه الداخلي في المخيم، لنتفرج على التلفاز، وكان حلماً بعيداً غير قابل للتحقيق أن تمتلك تلفازاً، كانوا هم يشترونه سراً بسهولة وأريحية،” لأن الله أعطاهم، ولم يُعط غيرهم، بغير حساب”، وبعد كل صراخهم بتحريمه، ها هم الآن وبعد مرور سنوات على ذلك التحريم، صار منهم أصحاب قنوات، ومنهم من يتنقل من قناة إلى أخرى في كل مساء، ومنهم مَنْ تراه في كل لحظة، وكأنه سكن الشاشة ولا يبتعد عنها، ورغم ذلك لم يقل لنا أحد منهم متى حللوا الأمر بعد أن كان محرماً كل هذا التحريم، ولماذا وكيف حللوه، فنحن لم نسمع بآيات نزلت بعد محمد.

لكن البحر لم يُجبني بكلمات، بل راودني إحساس بأنه حملني على بعض موجاته، ورماني الى شاطئه الرملي الحنون، وسرعان ما همس في أذني للذهاب الى منزل الحاجة “أم نور”.

ومشيت تحت أشعة الشمس بملابسي الغريقة بماء البحر  وهواجس رأسي، وكأن أحداً يقودني من يدي الى شارع فلسطين، في المخيم، والذي غيروا إسمه إلى شارع “أبو حذيفة”، ورأيتني أدق عليها الباب، ولما رأتني أقف ببابها أدخلتني، وقالت:

ـ أدخل، أدخل يابني، ماذا جرى لحالك؟ لماذا وجهك بهذا الإصفرار؟

وأمسكتني من ذراعي لتساعدني في الدخول، ولما ابتلت أصابعها بملابسي، أضافت:

ـ وما بك مبتلاً بهذا الشكل وكأن البحر قد قذفك إليّ؟

ودخلت، وجلسنا على كرسيين من القش في “حوش” بيتها الصغير.

والحاجة “أم نور” لمن لا يعرفها، علم من أعلام مخيمنا، وهي لم تحج يوماً رغم إصرار الجميع على إلصاق لقب “الحاجة” بها، ورغم رغبتها في ذلك، لها موقف من “آل سعود” لا تُساوم عليه أو بشأنه أبدا، أقسمت ألّا تحج إلا بعد سقوط آل سعود، والتي تُحملهم جزءً كبيراً من المسؤولية عما حصل مع أولادها، التي قدمت منهم إثنين من الشهداء، وثلاثة من المعتقلين، أحدهم خمسة مؤبدات وعشرين سنة، خاصة بعد ما رأت ما يقدمونه ولا يزالون لتدمير سوريا والعراق من أسلحةكما تقول، ولم يقدموا ولو بندقية واحدة لثورة فلسطين.

وبقيت، أم نور”، ومنذ إعتقال ابنها الأخير، وحيدة في بيتها الصغير في المخيم، ولطالما ذهبت لأفرغ في قلبها أوجاعي، وأبكي أحياناً، بين يديها اللتين كانتا بدفئ يديّ إله، فكانت تحتضن رأسي وتضعه في حِجْرِها، وتأخذ تُمسّد شعر رأسي حتى أغفو، تماماً كما ظلت تفعل المرحومة أمي حتى وفاتها، وكانت تبقى جالسة في مكانها لا تتحرك، حريصة على ألّا تُغير حركة أنفاسها، أو شكل قعدتها، أو حتى حركة يديها كي لا تقلق منامي أو تتسبب في إيذائه وصحوته، قبل أن تتم دائرة ارتياح جسدي المنهك.

وحتى قبل إعتقال آخر إثنين من أبنائها ، كانت تتردد على زيارتي في سجن النقب، عندما اعتقلوني إدارياً “دون أن أعرف لذلك سبباً”، كوني يتيم الوالدين ودون زوجة أو أخوة أو أطفال، “فأختي الوحيدة كانت قد غادرت خلف النهر بعد زواجها، وظلت هناك مع زوجها وأطفالها، لا تمتلك حق العودة معهم، ولا حتى مثل أي غريب أتى وسكن بيوتنا”. وكنت أنا “المقطوع من شجرة” أشكو لها، هناك أيضاً، تماماً كما للبحر، همومي.

هناك في السجن، حتى هناك، شكوت لها حالي، شكوت زملائي المساجين الذين ضحكوا مني كما لم يضحكوا من قبل، حيث أحضر أهالي زميلنا “حنّا ” في زيارته الأخيرة، مجموعة من الأغراض، بعد أن أعلمهم الصليب الأحمر أن إبنهم قد تم تحويله من التحقيق الى الإعتقال الإداري، فأحضروا له الملابس الداخلية وبضع بناطيل وقمصان ثلاثة، كما أحضروا له حذاءً مفتوحاً من الخلف، وداخله بعض الفرو يُسمونه “مانطفلي”، وهو ببساطة حذاء بيتي “بابوج” شتوي، لكن مثلي من أين له أن يعلم ذلك؟ أقصد أنني لم أسمع يوماً هذا الإسم في مخيمنا كله، وعندما بدأ يفرد على برشه كيس ملابسه، سأله أحدهم:

ـ أه يا حنّا، ماذا أحضر لك الأهل؟

ورد هو بكل بساطة:

ـ ملابس داخلية، بنطالين، ثلاثة قمصان، و…. مانطفلي

ولا اخفيك أنني لم أظن أن الإسم الأخير إلا نوع من أنواع الحلويات، فصحت من آخر الخيمة قائلاً:

ـ لا تنسى أن تطعمنا منه، إياك أن تأكله وحدك…

وارتفعت الضحكات دفعة واحدة في الخيمة من كل الذين كانوا يعرفون معنى الكلمة، ومن كان لا يعرف إلتزم الصمت أو سأل من باب أنه “لم يسمع” وليس “لم يفهم”، وصار بعضهم يناديني، على مدار أسابيع حيث كدت أن أفقد إسمي، ب”طعمينا منه”. حتى الحاجة “أم نور” لم تفهم معنى الكلمة، لما حدثتها، دون شرح، ثم اتسعت ضحكتها وكادت أن تكبر وتتحول إلى ضحكة مجلجلة، لولا حرصها من جرح مشاعري عندما عرفت معنى الكلمة تلك.

مياه البحر لم تجف عن جسدي بعد، وأمام سؤالها الوحيد المتكرر، قبل أن تأتي بإبريق الشاي، ماذا بك؟ قلت:

ـ أنت تعرفينني ياحاجة “أم نور”، إنني رجل مؤمن والحمدلله، لكني ومنذ فترة أكاد أختنق، تطاردني كلمات المرحوم والدي الأمي بأن “الدين يُسر وليس عسراً”، وكلمات الشيوخ في المسجد حيث أصلي، تمد أخطبوط أيديها ملتفة حول عنقي، وتهزه بقوة صارخة داخل دهاليز جمجمتي:

ـ التدخين مكروه ويصل درجة التحريم، ومن دخّن جاء يوم القيامة ورائحة التبغ تفيض مدرارة من جلده، فيبدأ أهل الجنة بالسعال، وما يناله سوى الخزي والعار.  أدخل الحمّام بقدمك اليمين، وكأن القدم الشمال ليست من صنع الله ولا خلقه، وكدت مع كثرة تردادهم للأمر أن أقطعها وأرميها حتى لا أُخطئ وأدخل بها قبل اليمين. لا تبتلع ريقك في شهر رمضان فتفطر ويتحول صيامك، والعياذ بالله، إلى جوع كلاب، لا تقرأ في المرحاض فحروف الكلمات من كلمات القرآن، أطلق العنان للحيتك وقص شاربيك، إلبس كما لبس السلف الصالح، وليكن طول ثوبك ماتحت الركبة وفوق الرسغ، وكأن الدين زياً والإيمان يحدده عدد شعرات اللحى!!!

ثم دعاء عذاب القبر،  وجب حفظه عن ظهر قلب، وكأن الله وحشاً يتربص بنا، فما ان نتوارى داخل التراب حتى ينقضّ علينا معذباً حارقاً. وأخذوا يخترعون لنا دعاء ما قبل كل صلاة ودعاء لكل ما بعدها، دعاء ما قبل الأكل ودعاء ما بعده. وماذا سأقول لك عن المرأة الناقصة عقل ودين، وعن المرأة الحاسرة الفاجرة وعن المرأة المتبرجة وعاصية زوجها أو أبيها أو أخيها أو حتى إبنها، وعن العورة في جسد المرأة، فوجهها عورة ويداها عورة وقدماها عورة وصوتها عورة وكامل جسدها عورة، وينتقلون للحديث عن ضرورة النقاب وشروطه، كون نظرة المرأة بعينيها الإثنتين حرام وبعين واحدة حرام بل الحلال نظرتها بنصف عينها الشمال!!!، وإلّا لن تخرج من نار جهنم أبداً، كيف يمكن ذلك فأنا لا أستطيع ، بسبب قصور عقلي، أن أتخيل الأمر، ثم يتبجحون بإحترام “مفهومهم الديني هذا” لإنسانية المرأة!!! والغريب، وأكاد أجزم، أنهم وهم يتحدثون عن المرأة يسيل لعابهم وتُضاء وجوههم، وتراهم وهم يسرحون بخيالهم ويُحلِّقون، ويعلم الله بماذا يفكرون. أيمكن أن يكون ديننا بهذه السطحية والشكلانية التي يقولون؟!!!

كما أن أحد الشيوخ نبّهنا وحذّرنا من التبول في الجحور، لأنها مساكن الجن!!! وكأننا نبحث عن الجحور ليلاً ونهاراً لنبول بها، أو كأننا لا نعرف التبول إن لم نجد الجحور!!!، أو كأن الدنيا ضاقت بالجن فلم يجدوا مسكناً غير الجحور!!!، وفوق هذا كل كيف ستكون هناك جحور في منطقة ساحلية رملية ضيقة؟!!! لا أعرف كيف إشتغل عقلي وطرح كل هذه التساؤلات، لكن سؤالي الكبير هو، لماذا يسكن الجن الجحور ماداموا قادرين على سكن أجمل الشقق السكنية أو الفلل دون أن نراهم أو نحس بهم؟!!! كما أنه صار في كل بيت مرحاض لنبول به، ولم يعد الناس كما كانوا بالأمس، فلماذا يعيش شيوخنا في الماضي وهم أبناء اليوم؟!!!

الآن صاروا يُركزون على طاعة أولي الأمر وعدم الخروج عليه، وعندما سألت الشيخ لماذا يؤيدون الخروج على ولي الأمر في سوريا، أخرجني من الدرس الديني صارخاً، واصفني بالزنديق. وأنت تعرفينني منذ زمن، وتعرفين مدى بساطتي وسذاجة عقلي، حتى انني عندما أجد قطعة خبز في الطريق أنحني وأرفعها وأقبلها ثلاثاُ وأضعها فوق جبيني ثم أضعها في حذاء حائط كي لا تدوسها أقدام المارة، وأنا كما تعلمين لم أكن زنديقاً يوماً، رغم أنني لا أعرف معنى الكلمة، لكني أشم رائحة التهمة والشتيمة فيها، كما أنني سألت سؤالي من باب المعرفة وليس شيئاً آخر، فأنا دائما وبعد كل صلاة أدعو للملوك والأمراء والرؤساء بالنصر وطول العمر… فقالت بإبتسامة كاملة:

ـ هل شمل الدعاء “آل سعود”؟

فقلت:

ـ لم أحدد أو أسمي أحداً، لكني أظن أن الدعاء يشملهم أيضاً.

قالت:

ـ لقد كفرت، وعليك التكفير عن ذنبك هذا بإطعام مسكين أو صوم ثلاث.                                                    قلت:

ـ إطعام مسكين؟!!! ومن أين لي أن أطعم مسكيناً؟ وهل هناك من هو مسكيناً أكثر مني؟ أما الصوم ثلاثاً فالأمر علي سهلاً، فأنا مثل الكثيرين آكل وجبة واحدة في اليوم، سأحولها إلى العشاء وينتهي الأمر.

ضحكت الحاجة “أم نور”، إقتربت مني، قالت:

ـ لقد مزحت فقط يابني، فالدين تماماً كما وصفه أبوك، يسر وليس عسرا، وهو شأن خاص تماماً، خصوصيته أكبر من أن تتصورها، هي علاقة بينك وبين ربك فقط، دون وسيط أو وكيل، دون “سمسرة” من أحد حتى لو كان شيخاً، ولا يحق لأحد، أي كان، التدخل به مهما أدّعى وزعم، وهؤلاء الذين تتحدث عنهم ليسوا سوى مجرد منتفعين من الدين ومتاجرين به، لماذا لم تسأله كيف يعيش وأسرته بهذا الرغد وهو لا يُفارق المسجد؟ لماذا لا يشتغل ومن أين له المال؟ ولماذا المال لهم دون غيرهم؟ وما هو مصدره؟ ولماذا امتهن الدين مهنة؟ وهل هناك مهنة إسمها “الشيخ”؟

ـ يقولون أن للفقراء الجنة.

قلت حين ناولتني كاسة الشاي في يدي، فقالت:

ـ لماذا لا يدخلون صفوف الفقراء ما دام الأمر كذلك؟ نعم ربما للفقراء الجنة، لكن على الفقراء خلق جنتهم على الأرض أيضاً، تلك الجنة، في السماء، يحددها الله، أما هذه، وأشارت بيدها فوق رأسي، فيحددها عمل الفقراء ومن معهم، وما دام اعطانا الله الحق في الحياة، فعلينا أن نجعل من حياتنا حياة عز وكرامة وحياة بشر، وليس غابة، يعني أن “نعمل لدنيانا كأننا نعيش أبدا”، ومن لم يعمل ويقبل أن يظل هامشياً، ربما سيحاسبه الله أو يؤنبه ويوبخه، فالله يحب أن يرى آثار كرامته ونعمته على عبيده، وهذه تكون بالعمل الصادق الدؤوب، وليس بالجلوس وإعطاء الدروس، بإسم الله وكأنهم ورثتة على الأرض.

سكتت قليلاً، ارتشفت ما تبقى في كاسة شايها، وأكملت:

ـ وما أدرى مثل هؤلاء بالفقر والفقراء؟ربما يعتقدون أن الفقر علامة فارقة تظهر، مع الجوع، فوق الجسد، فتكشف أمره، الأمر كما تعرف يابني ليس كذلك، إنه علامات حرمان الزمن فوق الجسد، صلابة السواعد وتشقق الأقدام، ضعف الدم والهزال واصفرار الوجه وازرقاق الشفاه، إنه الفشل الكلوي وموت بريق العينين، إنه، ببساطة، الموت في جسد ما زال يمشي على الأرض رغم أنفه، أو بإرادة هائلة تهد الجبال…. وفي معظم حالاته هو مكمن التمرد والثورات…

ظلت كلماتها، كحبات مطر ثقيلة قاسية، تتساقط في أذني، والحاجة “أم نور” تتابع إلقاء كلماتها بنفس السياق، هادئة، كمجرى المياه في جدول هادئ:

ـ تجار الدين هؤلاء يابني تماماً مثل تجار السياسة، يبيعونك وهماً أو وعدأ كاذباً، أو شيئاً ليس لهم، لم يصنعوه أو يشاركوا في صنعه، الجنة، كما تجار السياسة لدينا، يبيعونك شعارات سياسية، لوطن تخلوا عنه، وما زالوا يقبضون ثمن هذا التخلي، وأمثالنا يدفعون ثمن تخليهم هذا أيضاً، وكلاهما يبيعوننا الأكاذيب ويفرضون علينا “بالقانون” تكميم الأفواه، وصرنا نحن، وليسوا هم، الخارجون على القانون.

سكتت الحاجة “أم نور”، قليلاً، قامت الى الشباك الفاصل بين حوش بيتها وغرفة النوم الوحيدة، تناولت سيجارة وكبريتاً كانتا على حافة الشباك العاري من أي زجاج، أشعلت السيجارة ونفخت ما أدخلته بفمها من دخان أزرق في سماء الحوش، ودائما ما كنت أتساءل، كرجل لم يجرب التدخين يوماً، مادام المدخنون ينفثون الدخان خارج صدورهم فلماذا يدخلونه هناك من الأساس أصلاً؟ ولم أتوصل الى أي نتيجة أو جواب، وأكملت حديثها وكأنها واثقة بأن أحداً لن يقاطعها:

ـ وكما ترى بفضل آل سعود وفضل تجارنا، وبعد أن كنا حركة تحرر وطني عربية، وتقود ثورتنا حركات التحرر في العالم، انقسمنا على أنفسنا، و تنازلوا عن دماء شهدائنا وآهات ثكلانا، وصرنا شيعة وسنة، شافعيين وزيديين، مسلمين ومسيحيين، عرب وأكراد، وثالثة الأثافي صرنا طلاب سلم وتنازل وتسامح مع قتلة أبنائنا، ألا يثير الأمر الإشمئزاز فيك أيضاً؟ صار أبطال المقاومة في جنوب لبنان إرهابييين، ومغتصبوا البلاد والعباد طلاب سلم!!! هزلت ورب الكعبة يابني….

فقلت كمن سكت دهراً ونطق كفراً، من غير ما أقصد إثارتها:

ـ لقد أصبحوا، رغم ذلك، في قمة قوتهم، خاصة بعد أن تخلى عنا “آل سعود”، وظلت أمريكا في ظهورهم، هل نستطيع نحن مواجهتهم …؟

ـ أسكت! لا تكمل حرفاً أكثر مما قلت…

وسحبت نفساً من سيجارتها إلى أعماق صدرها تبعته بسعلات عدة كادت أن تُخرج رئتيها خارج جسدها، وأكملت متابعة كلماتها التي سالت كرصاص منصهر في أذني ولم تخرج منذ ذلك الحين أبداً:

ـ ومنذ متى كان آل سعود مع ثورتنا؟ كل الموضوع أنهم كانوا يتآمرون في الخفاء وصاروا يتآمرون في العلن، وأمريكا كانت وما زالت في ظهرهم، وستظل كذلك حتى تصبح كلفتهم أعلى من أن يتحملها الأمريكان، أما هم فأقوياء فعلاً، خاصة بعد أن وظفوا تجار الدين و”قطيعهم الجاهل” لتدمير الأوطان بمال آل سعود وسلاح الغرب  لصالح أمريكا ودولتها اللقيطة، لكن ألم تتعلم بعد أن “ربك عندما يريد الإسراع في قتل نملة يخلق لها جناحين”؟!!!   وسكتت وكأنها تريد التأكد من رسوخ كلماتها في رأسي، وأكملت:

ـ ما دامت البوصلة في اتجاهها الصحيح، فلسطين، لن نضل أبداً …

وتذكرت كلمات المرحوم والدي الأمي، الذي لم يكتب غير البصمة بإبهامه، والذي لم يكن سوى نسخة ذكرية عن الحاجة “أم نور”، وتخيلته يعيد كلماتها تماماً كما سمعتها الآن، وظلت مسكوبة في أذني كرصاص مصهور، وهو يشير بسبابته إلى إتجاه البوصلة.

لا أدري ياعزيزي، كلما جلست مع هذه المرأة أو أمثالها من مخيمنا، كلما رأيت نفسي “رجلاً يفهم وليس على باب الله”، وكلما رأيت البحر مختلفاً عمّا يعتقده الناس، يتسع صدره لأمثالي، يستمع لهمومهم وشجونهم بصبر وأناة وحنان، ولا يكشف لهم سراً… سأتركك الآن وأذهب لأرتمي من جديد في أحضانه، وأخبره بما قالته الحاجة “أم نور”،  ليطمئن …..

محمد النجار

آل سعود يضمنون الدنيا والآخرة

نادى المنادي أهم عقول أمراء وسلاطين آل سعود للإجتماع بأمر ملكي واضح لا لبس فيه، فتوافد الجميع للإجتماع رغم معرفتهم المسبقة بأن جلالته لا يسمح له مرضه لا بإصدار الأوامر ولا النواهي، وهو “طال عمره” رغم حضوره على مقعده المتحرك من مساعديه في القصر، إلا أنه لن يبقى طويلاً في هذا الإجتماع، فلا صحته تسمح بذلك، ولا عقله الذي إخترقه مرض الزهايمر بقادر على إبقائه لأكثر من بضع عشرات من الدقائق في حالة ثابتة واحدة. حضر الجميع عدا الأمير عبد المحسن بن الوليد بن عبد العزيز المسجون في لبنان بعد إلقاء القبض عليه مُتلبساً بتهريب طُنين من المخدرات من كوكايين وحبوب مخدرة في طائرته الخاصة، ولم تفلح حتى الآن القوى اللبنانية التابعة لآل سعود بإطلاق سراحه، ولا محاولات بعض الأمراء أن تنجح بذلك.

وعادة ما يتم جمع هذه العقول التي تشكل زبدة الفلاسفة والمفكرين والمبدعين وأصحاب الرؤى والبصر والبصيرة لأمر جلل، فالعقل وإن كان يورّث ويولد مع الأبناء “الذكور” في عائلة “آل سعود العامرة”، إلا أن النبوغة ليست كذلك، فهي كنز يجده الأمير أمامه بهداية من الله، أو من خلال “مصباح علاء الدين” قد يتعثر به الأمير في رمال الصحراء، أو بنزول ليلة القدر والضوء الإلهي القادم من السماء في ليلة ظلماء تفتح العقل وتجعله من نوابغ الدهر.

وهكذا كان هؤلاء النوابغ في “مملكة الخير” من آل سعود، حيث اصطفاهم الله وأفهمهم وعبقرهم وأفلحهم في الدنيا وسيجعل الجنة مأواهم بعد عمر طويل أفنوه في خدمة الوطن والمواطن، وفي أعمال الخير التي تكاد لا تنتهي، ودعوتهم هذه ما كانت لتكون إلا لأمر كبير جلل، فمثلهم لا يُضاع له وقت ولا يُتجنب له رأي، ولا تُهمل له نصيحة، صغيراً كان أم كبيراً، أو “مقمطاً في السرير”، فهؤلاء مَنْ وصفهم تعالى بقوله”وأما بنعمة ربك فحدث”، وهؤلاء النادرون في الزمن الغادر الذي عز فيه الرجال ورجاحة العقل والعمل الخيِّر، والذين يعملون بصمت في الزمن الصعب، متفانين مضحين ساهرين الليالي لخدمة أمة محمد أجمعين.

أما من جاء من ضمن الحضور فكان السيد عادل الجبير، الذي لا تربطه صلة بأمراء آل سعود، ولا دمه من دماء الأمراء والملوك ولا رجاحة عقله رغم اجتهاده بعبقرية وذكاء ودهاء المتجمعين، لكنه ظل “متشبهاً” بهم وبكل أسياده من العائلة الحاكمة بجداره، والمالكة دون إعتراض، للأرض والنخيل والبشر والرمل والبعران.

وما أن تجمع “الرَبْعُ” طالت أعمارهم، حتى قام الأمير ولي العهد صارخا بالجبير:

ـ من الذي أتى بك الى هنا؟

وأمام الإرتباك الذي أحدثه وقع السؤال غير المتوقع على رأس قائد الدبلوماسية لآل سعود، أكمل الأمير:

ـ لم أكن أعلم أنك وريث معنا في مُلكنا ومملكتنا!، أو أنك من الأمراء وأنا لا أدري، ويعلم الله أنك كنت من عباقرة العائلة وعقولها النيرة ولم يُخبرني أحد بذلك… قم يا وجه الشؤم واخرج وانتظرنا في الخارج، هذا ما تبقى… أن يشاركنا “المخنثين” و”الغلمان” أملاكنا وأموالنا وجلساتنا… هزلت ورب الكعبة…عدُمت ورافع السماوات وباسط الأرض…

قام الجبير راكضاً الى الخارج من لسع صوط كلمات ولي العهد، لما لاحقه الصوت نفسه قبل أن يقفل الباب خلفه:

ـ إبقَ واقفا على الباب، حتى إذا تعب صاحب الجلالة، أو تهيأ له أنه عاد طفلاً صغيراً كعادته، ويريد أن يلعب في الخارج، أن تهتم به وتتابعه  كي لا يضيع في فضاء الصحراء أو تبتلعه رمالها…

كان الجميع يدرك أن “الكلام لك ياكنّة وافهمي يا جارة”، وأن الأمر برمته موجه للأمير ولي ولي العهد محمد بن سلمان، لكن أحداً لم يعلق على ما تم، فالأمر لا يعني أحد غير وليا العهد، وسرعان ما ابتدأ الجمع في أحاديث متفرقة بدأها الأمير محمد بن سلمان، في زهو بدى وكأنه يرد على الأمير ولي العهد ولسان حاله يقول “لن تبقى لفترة طويلة ولياً للعهد”، فقال:

ـ لقد جئت أنا بالجبير ليقدم لكم تقريره، ويضعكم في صورة ما جري ويجري في مملكة الخير ومعها، رغم أن جدول إجتماعنا يحوي نقطة واحدة لا غير، وهي تحضير مملكة الخير لمرحلة ما بعد النفط، إلّا أنني رأيت أن من المناسب أن يكون جميع الأمراء داخل بيت آل سعود العامر في صورة ما يحدث.

سكت قليلاً ثم قال بخبث موصوف:

ـ صحيح أنني لم أحصل على جائزة “جوقة الشرف” الفرنسية، كما أنني لم أطلبها أيضاً كما فعل الكثيرون.

ونظر مُبتسماً نحو ولي العهد مباشرة وأكمل:

ـ لكني رأيت من واجبي اضطلاع الأخوة وأبناء العمومة الأمراء، خاصة وهم يُشكلون عُصارة عقل آل سعود، عما يدور في كواليس السياسة، لكن إن كان الأمير ولي العهد طال عمره لا يريد ذلك أو يُزعجه الأمر فلا بأس… فنحن أولاً وأخيراً في خدمة مليكنا طال عمره وولي عهده أيضا…

امتعض الأمير محمد بن نايف، وأدرك أنه خسر نقطة لصالح غريمه على مكان الملك القادم، لكنه لم يرُدْ ، كونه لا يريد أن يتطور الأمر الى “الكباش ” المباشر مع ولي ولي العهد، ويبدو الخلاف على السطح من جديد، ويريد أن يجعل الخلاف خارج العائلة وليس بين أبنائها، خاصة وأن موعد النزال لم يحن بعد، فقال مهدئاً “اللعب” مع الأمير محمد بن سلمان:

ـ لم أعرف عن الأمر طال عمرك، لهذا لما رأيته يدخل بيننا نحن الأمراء متهادياً برأس مرفوع مثل “الهدهد”لم أحتمل ذلك وحصل ما حصل…

فرد الأمير محمد بن سلطان مجاملاً بالطريقة ذاتها وقال:

ـ  لا عليك طال عمرك، ففي نهاية الأمر فالجبير وغيره ليسوا سوى “خدماً” أو في أحسن الأحوال “موظفين” لدى العائلة العامرة، متى شئتَ عليك فقط أن تُشير بإصبعك، وإن استكثرت ذلك فبفردة من فردتي نعليك لينتهي أمرهم تماماً…

فهزت الكثير من الأجساد رؤوسها، وتطايرت الكلمات من اتجاهات عدة نحو أذني كل من وليي العهد:

ـ إي بالله، بفردة صندلك طال عمرك.

ـ سلم الله لسانك.

ـ صدقت ورب الكعبة.

ـ آل سعود ما يرفع أحد رأسه أمامهم.

هدأت النفوس قليلاً في الظاهر، رغم حالة الغليان الداخلية بين الرجلين، وما يمثل كل منهما داخل العائلة، وجاء سؤال الأمير محمد بن سلطان مجدداً:

ـ ماذا قلت “طال عمرك”؟ أنحضره أم نبقيه في الخارج؟

فقال الأمير محمد بن نايف:

ـ نحضره “طال عمرك” ليقدم تقريره وينصرف…

فرفع الأمير ولي ولي العهد يده للحارس ليحضر الجبير من أمام باب الصالة، وهكذا فعل…

دخل الجبير هذه المرة وقد بدى أكثر تواضعا عن دخوله في المرة الأولى، وقد تأكد الآن كما في كل مرة أنه لولا الأمريكان ما كان ليصل يوما لا وزيراً ولا حتى غفيراً، فمثل هؤلاء “الأعراب” لا يؤتمن لهم جانب، وأنهم “أشد كفراً ونفاقاً” كما وصفهم سبحانه، وأضاف ” وضعة وخبث ولؤم ونذالة وحقارة وتخلف”، واستغرب مع نفسه لماذا لم يكمل سبحانه وصفهم لأن ما وصفهم به أقل القليل، فهم قوم لا مصداقية لديهم ولا صدق ولا صديق،  وينطبق عليهم المأثور الشعبي القائل”إخدمني وأنا سيدك”، لكنه بالطبع لم يفصح عن مكنونات صدره، وتعامل مع الأمر وكأن شيئاً لم يتم.

فتح “ملفاً” كان في يده، أخرج بضع ورقات وأخذ ينظر إلى رؤوس أقلام ويشرح ناظراً في وجوه الأمراء المجتمعين، قال:

ـ كما تعرفون طال عمركم، بعد أن “احتل” الجيش السوري مدينة تدمر وبلدة القريتين، بدا التدهور في قوات الأخوة المجاهدين بما في ذلك جبهة النصرة وداعش، وقبلهما جيش الإسلام بعد أن قتلوا قائده “المناضل الكبير” زهران علوش، الأمر الذي جعل الأخوة الأمريكان يقررون “مسايرة الروس قليلاً، ويعاودون التأكيد على أهمية الحل السلمي في سوريا ومحاربة “داعش” في العراق، لكنهم في حقيقة الأمر في العراق مثلاً، ورغم رفعهم لشعار تحرير الموصل منذ شهور، إلّا أنهم لم يقوموا ولا حتى بغارة جوية واحدة هناك، وهذا التأكيد ليس منهم فقط بل من الأخوة المجاهدين هناك أيضاً، بل وعملوا بكل طاقتهم على إبعاد “ميليشيات” الحشد الشعبي عن الهجوم في الفلوجة والبصرة في محاولة لتقزيم دوره إن لم يكن بالإمكان إنهائه.

أما في سوريا فوقف إطلاق النار الذي وافقوا عليه، هو لوقف الإنهيار الذي تم في جماعات الأخوة المجاهدين، كما لمدهم بالمال والسلاح والرجال لإسنادهم ومساعدتهم ورفع معنوياتهم المنهارة، وقد لعب الأخوة الأتراك دوراً مميزاً في ذلك كعادتهم ، فحولوا كل السلاح الذي بعثوه الأخوة الأمريكان والإسرائيليين والمدفوع ثمنه من “مملكة الخير” للإخوة المجاهدين، على كل الجبهات في سوريا، كما سهلوا مرور الإخوة المجاهدين من جبهة النصرة والتي تدربت في معسكرات الأخوة الإسرائيليين على أيدي ضباط الجيش الإسرائيلي، لتساهم في محاربة نظام الأسد القمعي.

ـ هؤلاء المجاهدين الذين كُشف أمر تدريبهم وتم تصويرهم في معسكرات التدريب؟

سأل صوت من الصالة الملكية لم يُميزه الجبير، لكنه أجاب:

ـ نعم ، صدقت طال عمرك، وتم سجن الصحفي الذي كشف الأمر.

ثم عاود النظر في الأوراق التي بين يديه وقال من جديد:

ـ نعم، لقد أكد لي الأخوة الأمريكان أنهم سيستمرون بحرب الإستنزاف في سوريا والعراق لسنوات وسنوات، وسيعملون على تدمير الجيش السوري وتغيير الدستور بآخر يحفظ حقوق الطوائف وتمثيلها في البرلمان، تماماً كما فعلوا في العراق، لتتحول سوريا أيضاً لدولة ديمقراطية كما العراق وليبيا طال عمركم.

عدّل الجبير من وضع عباءته، وعاد لينظر في الأوراق التي بين يديه، وتابع من جديد:

ـ كذلك الأمر في اليمن، فنحن وكما يعرف سيادة الأمير ولي ولي العهد “طال عمره”، ما زلنا نقصف الميليشيات الحوثية وجيش المخلوع “صالح” بكل قوة وعنفوان لتحقيق عاصفة الأمل، ونقدم الدعم المالي والتسليحي للإخوة المجاهدين في حضرموت وعدن”من القاعدة والدولة الإسلامية في العراق وسوريا “الذين نقلنا جزءاً منهم من العراق وسوريا بالطائرات التركية والقطرية، وكذلك لحزب الإصلاح الإخواني الذي قدم لنا كل مساعدة لضرب المليشيات الحوثية وحلفائها هناك، وهنا يجدر التنويه لوصول الدفعات الثلاث الأولى من ضباطنا، ضباط “مملكة آل سعود العامرة” الذين شاركوا في دورات عسكرية تدريبية في “إسرائيل”، والذين سيلتحقوا بجبهات القتال في اليمن ضد عملاء إيران وحزب الله.

وأكمل الجبير تقريره شارحاً:

ـ لكن في الفترة الأخيرة بدأت بعض ما يُسمى بمنظمات حقوق الإنسان والصحف منتقده ما تفعل “مملكة الخير” عن فترة عام كامل من عاصفة الحزم وعاصفة الأمل، واصفاته بإرهاب الدولة وبإستخدام أسلحة محرمة دولياً، ومطالبةالأخوة الإنجليز والأمريكان بوقف تصدير السلاح لمملكة الخير، مما جعلنا وبنصيحة الأخوة الأمريكان أن نجنح للسلم قليلاً معهم، مع الإستمرار في نفس الوقت بقصفهم ليستسلموا لمملكة الخير ويعود اليمن  عزيزا كما كان.

أخرج أوراقاً أخرى من ملف آخر، وبدا ينظر بها ويقلب بعض الصفحات، وأكمل:

ـ أما ما يخص الملف المصري،  فأهم ما يمكن الحديث فيه هو أن الرئيس هناك يريد “رد الوديعة” لمملكة الخير على أن يكون “الدفع” من تحت الطاولة، وأعتقد رغم “فهلوة” الرجل إلا أنه أحياناً يحافظ على وعوده التي قطعها مع بعض دول الخارج، فكما وعد أمريكا وإسرائيل بخنق “المخربين” في قطاع غزة وصدق، فها هو يصدق بما وعد به بحق الجزيرتين.

وما أن إنتهى الجبير من تقديم تقريره، حتى أشار له ولي ولي العهد للخروج بإشارة من إصبعه، وما كاد يخرج حتى لحق به جلالة الملك سلمان قائلاً:

ـ أريد حبة بوظة ياوالدي.

وتبعه للخارج حيث كان يقف.

تناول الأمير ولي ولي العهد الحديث، وأخذ يشرح ويبين بعض الأمور التي لم يقلها الجبير، فقال:

ـ إن الأخوة المجاهدين في سيناء، والذين يقاتلون الجيش المصري، ما زالوا تحت السيطرة، فكما تعرفون أن مصر إن لم تظل تابعة لنا وللإخوة الأمريكان، فلن نستطيع السيطرة عليها، كما أننا لن نستطيع السيطرة عليها إن كان جيشها قوياً، لذلك فإن الأخوة المجاهدين ضرورة لأمننا، وهم كما تلاحظون لم يعتدوا على أي جندي أمريكي من الموجودين في قوات الطوارئ في سيناء رغم أنهم بإمكانهم ذلك، تماماً كما لم يعتدوا على “إسرائيلي” واحد على الحدود مع سوريا.

فقال الأمير الوليد بن طلال:

ـ صدقت “طال عمرك” ، لقد قالها المرحوم الملك عبد العزيز في وصيته، قال”لكل جسد رأس وقلب، ورأس الأمة مصر وقلبها سوريا، فاضربوا الرأس وأطعنوا القلب كي لا تصل يد مصر لسوريا ولا يد سوريا للعراق”، كما أذكركم بوصيته عن اليمن حيث قال”سعادتكم يآل سعود تكون عندما يكون اليمن فقيراً وممزقاً وتابعاً، فأفقروه لكي تبقوا أغنياء سعداء”.

سكت قليلاً وقبل أن يتحدث أحد غيره قال:

ـ آه، وقبل أن أنسى، عندما زرتُ “إسرائيل”، يا سلام ياسلام على ما رأيت، والله ما رأته عينيَّ هناك لم ترياه إلا في أكبر المدن في بلاد الأمريكان العامره، ياسلام على الأمن ، ياماشاء الله على الأمان، على الإستقرار، على الجمال، على الخضرة والماء والوجه الحسن، والحريم ياطوال العمر، إي والله الحريم اللواتي تراهن هناك لا تستطيع تفريقهن عن حوريات الجنة.

ولما رأى أن كل الأفواه أصبحت مفتوحة والآذان مشرئبة، والعيون محملقة والوجوه باهتة، قال سائلاً الأمير ولي ولي العهد:

ـ ما الذي جرى بينكما طال عمرك، في لقائك مع رئيس وزراء “إسرائيل” في العقبة؟

فقال الأمير:

ـ كما تعلم طال عمرك، فإن أهدافنا مشتركة ومصالحنا واحدة، فاتفقنا على استمرار دعم المعارضة في سوريا والسنة والأكراد في العراق، من خلال دعم “المجاهدين” في كلا البلدين، وعلى الأستمرار بحرب الإستنزاف هناك لإضعاف الجيشين والدولتين خاصة السورية، لأن العراقية قد وصلت الى الحضيض، ووعدتُ أن نستمر نحن بالتسليح والتموين وهم بالتدريب والتدخل كلما كان ذلك متاحاً، وفي اليمن اتفقنا أن تستمر مشاركتهم في القصف الجوي للأعداء وبالدورات العسكرية لضباطنا هناك، على أن يظل الأمر محاطاً بالسرية حتى يحين وقت البوح به. كذلك اتفقنا على تطوير “سيناء” لإخراج سكان غزة الى هناك بعد الأتفاق مع الرئيس المصري، والأمر ليس صعباً مع الرئيس، وأظنه سيكون أسهل من موضوع الجزيرتين.

سكت الأمير قليلاً وقلب بعض الصفحات أمامه ثم أكمل:

ـ كما قمنا بعقد إتفاقية عسكرية واقتصادية بيننا، وشرحنا له ما تم في المؤتمر الإسلامي، وأكدنا له أننا أزلنا عملياً دولة “اسرائيل” كعدو وثبتنا إيران بدلاً عنها، كما أننا سنتابع “شيطنة” حزب الله وفضح وكشف ارهابيته في كل المحافل والمؤسسات والإعلام العربي والغربي، وقلت له أننا “وراك وراك ياحزب الله، ووراك وراك يا حسن نصر الله” وأكدت استمرارنا نحن بحربنا السياسية والإعلامية، وعلى “اسرائيل” الحرب العسكرية واستخدام عصاتها الغليظة لكسر رأسه.

فجأة، من طرف الصالة البعيد صوت الأمير الصغير “مفلح”، والذي غادره ربيع عمره العشرين قبل شهر من الآن ولا يريد العودة مجددا له، قال:

ـ ألم تتحدثا في موضوعة الجزر طال عمرك؟

فرد الأمير باسماً:

ـ عملياً نحن نفذنا مع مصر ما اتفقنا عليه مع “اسرائيل” في موضوعة الجزر، ولاحقاً سنبدأ بإذن الله بمد خط النفط والغاز عبر ميناء حيفا، وبذلك نضرب الإقتصاد الروسي عبر الغاز البديل الى أوروبا، ونقوي إقتصاد الحليف الإسرائيلي، كذلك ُنفقد مضيق “هرمز” بعض ميزاته، الأمرالذي يُؤثر سلباً على دولة الفرس “الرافضية”، ولاحقاً بديلاً عن قناة السويس، الأمر الذي يفقد مصر ورقة من أهم أوراقها الإستراتيجية ويضعفها، الأمر الذي يجعلنا قد أوفينا بوصية المغفور له الملك عبدالعزيز، بأن نضرب رأس الأمة مصر، وذلك كله مخطط له متفق عليه مع الأخوة في إسرائيل.

وما كاد الأمير ولي ولي العهد أن ينهي عبارته حتى قال أحد الأمراء المدعو “عُقله” سائلاً:

ـ يقولون ياطويل العمر أن الرئيس أوباما يريد أن يشتري الجزر لصالح إسرائيل، فهل هذا صحيح؟

وقبل أن يجيب الأمير قال الأمير سويلم:

ـ ليس بين الخيرين حساب.

فرد الأمير متعب:

ـ اسرائيل منا فينا والذي عندنا عندهم.

وكاد يقول “والذي عندهم عندنا” لكنه عدل عن الأمر كونه يعرف أن ما لديهم  لديهم وحدهم. وقبل أن يُجهد تفكيره ويُتعبه، قال الأمير ولي ولي العهد بشكل واضح جلي:

ـ لا والله ما أنتم بأكرم من الملك سلمان وأبنائه، والكرم الملكي يقتضي أن نَهِب الجزيرتين هديه للرئيس واسرائيل إذا طلب شرائهما، “هدية لله ورسوله ليس وراءها رد جزاء”.

في هذه اللحظة بالذات دُق باب الصالة الكبيرة في القصر الملكي، وفُتح الباب ومن بين ظرفتيه دخل رأس الجبير يتنازعه الخوف وقلة الحيلة، وقال بعد أن إعتذر:

ـ يا أصحاب السعادة والسمو، جلالته لا يريد أن يظل في القصر، وبعد أن تقافز من على الطاولة على أرض القصر وكاد يكسر يده، فهو مصر على الخروج واللعب في الرمل، ولا أدري…

أشار الأمير محمد بن سلمان لأحد الأمراء بالخروج ومعالجة الموضوع، وعاد الجمع الى متابعة أمورالمملكة.

لاحظ الأمير محمد بن نايف ولي العهد، أن الوقت يمر سريعا وأن هذه العقول المجتمعة من خيرة عقول آل سعود، لم تناقش الموضوع الأساس الذي حضروا من أجله، فقال داخلاً مباشرة في صلب الموضوع:

ـ كما تعلمون طال عمركم أن النفط الى نهاية، وعلينا التفكير في مستقبل المملكة ومستقبلنا، وإلا تخاصمنا وتقاتلنا وربما لا قدر الله عدنا الى الزمن الغابر حيث”لحافنا جلد شاة ونعلينا من جلد البعير” كما قال الشاعر، لذا وقبل أن تقع الواقعة فعلينا أن نستعد و نعد…

فقال الأمير عُقلة:

ـ علينا بناء المزيد من محطات التلفاز الخاصة، ونفرض الإشتراكات الإجبارية على الناس…

لكن الأمير الوليد بن طلال هب وكأن أفعى قد قرصته وقال:

ـ هذا المجال مجالي ولا يحق لأحد اقتحامه علي…

لكن ولي العهد قال:

ـ ياجماعة الخير، إن إختلفنا فربما لم نجد أناساً تشترك ولا أموالا لما تقولون، علينا أن نظل موحدين… ورأيي أن نتهيأ للزراعة، فأراضينا والحمد لله واسعة وشمسنا ساطعة، وربما نجد مياهاً جوفية كما وجد القذافي في الصحراء الليبية…

فرد الأمير سالم مستغرباً:

ـ زراعة؟ ومثل القذافي؟ خاف ربك! طال عمرك، أتريدنا أن نعمل وبالزراعة بعد؟ ومثالك القذافي؟ هذا عدا أننا لو فعلنا ما فعل القذافي فلن يرضى عنا أكثر حلفائنا تعصباً ودعماً، لأننا لن نكون بحاجة لإستيراد منتجاتهم، أنت تريد أن نعادي حلفاءنا؟ ألم ترَ أن أول ما دمرته أمريكا في ليبيا هو ما أسماه القذافي ب”النهر العظيم”؟ أي المياه المستخرجة من باطن الصحراء، هذا عدا أن بلادنا صحراوية ياسعادة الأمير…

فرد عليه الأمير محمد قائلاً:

ـ لقد قال لي الملك الأردني أن “الشيوعيين” عندهم، لما كانوا مسجونين في سجن الجفر الصحراوي، جعلوا هؤلاء الكفرة من الصحراء جنة، فزرعوا الخضار ومن ثم الفاكهة ونجحوا في ذلك.، كما أننا سنزرع ما ليس له وجود في بلاد الحلفاء فقط، لنتجاوز غضبهم..

فقال الأمير سويلم:

ـ أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، أنتشبه بالشيوعيين؟ ماذا بك اليوم؟مرة تريدنا مثل القذافي ومرة مثل الشيوعيين طال عمرك… أستغفر الله العظيم

سكت الأمير ولي العهد عندما قال الأمير محمد بن سلطان:

ـ أنا أرى أن نعبئ الشمس في زجاجات ونبيعها للغرب والشمس كما تعلمون ليس أكثر منها شيئاً في بلادنا.

فقال الأمير مفلح معقباً مقترحاً في ذات الوقت:

ـ الشمس موجودة في كل الأرض طال عمرك، ولن يشتريها أحد، لكن علينا أن نجعل الشيوخ تبحث في كتب التاريخ فربما وجدوا قولاً للرسول عليه السلام يفرض فيه الحجيج ثلاثاً ورباعاً وخماساً، وبالتالي يتضاعف الدخل لمملكة الخير خمس أضعاف عمّا هي عليه الآن، نتيجة تضاعف موسم الحاج.

فقال الأمير ولي العهد:

ـ من سيصدقنا إن وجدنا مثل هذا الحديث، كما أننا لا نريد دخلاً موسميا، نريد دخلاً مثل النفط دون أن ينقطع ولا ينضب….

كان في زاوية الغرفة أحد أهم عقول آل سعود الإقتصادية، كان يستمع طوال الوقت، لا يقول شيئاً، لدرجة أن بقية الأمراء كادوا ينسون وجوده، تنحنح الأمير مريود كعادته عندما يريد الحديث، فانتبه الجمع إليه وساد الهدوء في صالة القصر الكبيرة، وقال الأمير مريود:

ـ أذكروا اللـــــــــــــــــــــــه….

فرد الجمع:

ـ لـــــــــــــــا إله إلّا الله

فقال الأمير مريود مجدداً:

ـ وصلّوا على محمد

فرد الجمع:

ـ صلى الل عليه وسلم

فقال الأمير مريود:

ـ وزيدوا للنبي صلاة

فرد الجمع:

ـ ألف صلاة على محمد

فقال الأمير مريود:

ـ لقد حبانا الله بأرض خيرها لا ينتهي، فترابها من ذهب، وأمرائها من عزة وشعبها مطواع، نحن والحمد لله لدينا مورد من الخير لا ينضب، وهو قائم وموجود لكنه غي مُسْتَغَل، فالله سبحانه وتعالى خص هذه العائلة وأكرمها بعقول نيرة وأمراء خير وتربة معطاء، “وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها”، لكننا انتبهنا للنفط ولم ننتبه لغيره…

أطل رأس الجبير من جديد بعد أن طرق الباب، وقال:

ـ صاحب الجلالة يريد أن يركب الحمار ويذهب لسقايته من العين، إنه يعتقد نفسه طفلاً…

وكرر الأمير محمد بن سلمان الإشارة لنفس الأمير الذي خرج ليعالج الأمر ويعود، ورغم ذلك ظلت الأعين معلقة بفم الأمير مريود وما يريد قوله، فهذا الأمير يؤكد معظم الأمراء أن لديه من العقل ما يفوق آل سعود مجتمعين، وأنك لتجد “الجواهر” بين كلماته دون عناء، ونسب البعض آرائه وصحة اجتهاداته لعلاقته بعرّافة القصر “أم عوين” التي تفيض عليه بالمعرفة والبصر والبصيرة التي يأتي بها لها الجن، وأن آراءه وأفكاره قوية مسنودة “لا تخر منها الماء”.

وسكت الأمير مريود وكأنه لم يقل شيئاً، فخاطبه الأمير سويلم قائلاً:

ـ وما هو هذا المورد الذي لا ينضب يا سعادة الأمير طال عمرك؟

فقال الأمير مريود برأس مرفوع:

ـ إنه بول الإبل… نعم بول الإبل…

وأمام اندهاش الجمع الذي غاب الأمر عن أذهانهم فجأة ودون سابق إنذار، رغم أنهم شربوا منه ولا يزالون حتى الثمالة، ويعرفون أكثر من أي كان أهميته وفائدته والفيتامينات القابعة في طياته، وأعتقد الكثيرون أن ما غيّب الموضوع عن أذهانهم ليس إلّا الجن الذي يساعد الأمير مريود مدفوعاً من عرافة القصر أم عوين، وأكمل الأمير مريود:

ـ لكن الأمر لن يكون بسيطاً كما تعتقدون، فالموضوع بحاجة للبدء به مبكراً، ليترافق مع دخل النفط، فعلينا أن نبدأ ببناء المشافي الضخمة المتخصصة بالأمراض كافة التي يُشفيها بول البعير، من الروماتيزم ومرض القلب والأمعاء والسرطان والسيلان والزهري وأمراض الكلى والإيدز ومرض العيون والأنف والحنجرة، وبناء المصحات وبرك السباحة المليئة ببول البعير وليس بالماء، ليتسبح الناس فيها تاركين أجسادهم لتتشربه لتحقيق أكبر قدر من الإستفادة، كما وعلينا بناء المصانع التي تنتج “المايوهات” الإسلامية للمسلمين، أو الجلاليب القصيرة لما فوق رسغ القدمين لهم، والسماح بالإختلاط والسباحة العارية للكفار من الكتابيين والملل والديانات الأرضية، لنستجلب أكبر عدد منهم الى مملكة الخير، وكما تعرفون ف”إن الله غفوررحيم”، كما بناء مصانع الزجاجات الفارغة لتعبئته وتصديره الى كل أصقاع الأرض وبلاد العالم ، وبناء مصانع الأوراق اللاصقة التي ستلصق على الزجاجات وعليها “صورة البعير بائلاً” وعلى رأسه “تاج ملكي” ومكتوب عليها بعشر لغات عالمية” انتاج طبيعي مائة بالمائةـ BIO” كما ونبني الإذاعات ومحطات التلفاز والملصقات والصور والنشرات، ونخصص في كل سفارة من سفاراتنا مركزاً للإستشارات الطبية والدعاية والإعلام لتوزع النشرات على الناس في بلدان العالم المختلفة، وتدعيم النظام المعرفي الصحي بينهم، لتطوير نظام العلاج العالمي والتداوي الأممي ببول الإبل، ومن يتقاعس منهم فيجلد ألف جلدة، وإن أخطأ فحد السيف “وما ربك بظلّام للعبيد”.

كما لا تنسون أن الأمر يتطلب العمل وبصمت كي لا يتم كشف خططنا الإستراتيجية، وتتلقفه بعض الدول الحاقدة الجاحدة الحاسدة فتبدأ بتنفيذه قبلنا، وخاصة دويلة “الشيخة موزة” وولدها حمد الصغير، لذلك يجب شراء الإبل والنياق منها على وجه التحديد، لتبدأ بالتكاثر والتناسل بهدوء واستمرار ودون ضجة، واخفائها في مناطق متفرقة في الصحراء للتمويه وكي لا تظهر كثافة أعدادها وينكشف سرنا، وما علينا عقر ناقة مثل قوم صالح ولا ذبح إلا ما كبر منها وأصبح عالة وغير منتج،  إلا إذا طالبت نفس أحد الأمراء لحم البعير، فيصبح الذبح حلالاً زلالاً، رغم أنه يُفضل استيراد اللحمة للأمراء طازجة من الخارج، كي يظل مشروعنا مستمر في النمو …. وتخيلوا طال عمركم، نحن نسقي البعير ماءً من فمه والبعير “حشا السامعين” يبول من … تعرفون من أين، والمصانع تعبئ والريالات تهفهف مثل المطر، يعني نحن نسقي وهو يبول، نسقي ويبول وخير الله بالقناطير فوق رؤوس آل سعود كلهم من بوله…إي والله بالقناطير فوق رؤوسنا…

وسكت الأمير مريود ليأخذ نفساً من الهواء ويشرب جرعة من بول البعير مستعيناً بها بعد الله ليكمل حديثه، لكن الأمراء اعتقدوا أنه أنهى حديثه، فضجت الصالة الملكية بالتصفيق، الذي على أثر سماعه دخل الملك سلمان الصالة راكباً حماره الذي أحضروه له نزولاً عند طلبه الملكي، حائلين دون ذهابه لعين الماء التي لم تعد موجودة منذ عشرات السنين، وكانت يداه تصفقان بعزم وقوة لا تتناسبان مع سني عمره، وهو فاغر الفم ضاحكاً مطالباً بأن يحضروا له بعض الحلوى الشاميه التي تعودعلى أكلها منذ الصغر، وبدأ الأمراء بالتعليق كل من موقعه على أفكار الأمير مريود. فقال ولي ولي العهد:

ـ كيف لم تخطر هذه الفكرة النيرة على بالي؟.

ولم يعلق الأمير ولي العهد رغم إعجابه بالفكرة لكنه كان من أكثر المصفقين، وقال الأمير سويلم:

ـ هذه هي العقول طال عمرك، إنها من عند الله فقط

وقال الأمير سالم:

ـ أفكارك طال عمرك والله “ما كنا لنهتدي إليها لولا أن هدانا الله”.

وكانت نظرات الإعجاب تقطر ابتسامات من بين شفتي الأمير مقرن فقال:

ـ سلم الله لسانك ونور بصيرتك على هذه الأفكار.

وقال الأمير مفلح معجباً:

ـ والله لن يتوصل لهذه الأفكار إلا جني أو إنسي مرفوع عنه الحجاب، أو ولي من أولياء الله.

أشار لهم الإمير مريود ليهدأوا وليكمل لهم جملته الأخيرة، فسكت “الربع” وقال الأمير بعد أن تنحنح كعادته:

ـ ولا تنسوا أننا بذلك نضمن أمور دنيانا ونكسب آخرتنا لأننا عملنا بسنة محمد صلوات الله عليه وطبقناها في بلاد الله، فيغنينا الله في الدنيا ويجزينا في يوم الآخرة حيث” لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم”…

بدأت تنهال التبريكات والتهاني، وأمطر الأمراء الأمير مريود بالكلمات التي عبرت عما غمر صدورهم من فرح وبهجة

ـ صدقت، دعني أقبل “خشمك الزين”

ـ إي والله صدقت، نقبل خشمك وقفا البعران أيضاً

ـ صدقت ورب الكعبة، والله كلامك وبول البعير يوزن بالذهب

ـ سلم الله لسانك

ـ جعلنا الله من أهل الدنيا والآخرة…

ـ آمين                                                                                                                                 ـ آمين يارب العالمين…

وتعانقوا وباركوا لبعضهم البعض الأفكار النيرة وإرادة الله في كشف طريق النور والبر والتقوى أمامهم، وتمايلوا راقصين على أهازيج “الدحيِّة”، ورفع الملك سيفه الخشبي فوق ظهر حماره، وأنهوا الإجتماع الملكي متفقين على الإستراتيجية الجديدة لآل سعود لمرحلة ما بعد النفط، وقرأوا الفاتحة على ذلك.

محمد النجار

إلحَقْ البوم يدلك عَ الخراب

كنت أدعو الله “بكرة وأصيلا”، وبعد كل صلاة، عندما كنت لا أقطع فرضاً، وما زلت أدعوه رغم أنني أصبحت أسهو أو أغفل عن بعض صلواتي، رغم معرفتي وحفظي للآية الكريمة التي تقول” ويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون”، وبقيت أدعوه حتى بعد أن إنقطعت عن أداة الصلاة نهائياً أو كِدت بسبب هموم الحياة ومتطلباتها، كنت أدع الله لنصر أمتنا العربية وقضيته المركزية “قضيةفلسطين”، وطالما دعوت الله لنصر قادة الأمة، وخصّيت بالذكر قادة الدول الفاعلة منها، من مصر مروراً بمملكة آل سعود وصولاً الى السودان الشقيق، وأمام تطور الأحداث كنت أحياناً أتوجه لله معاتباً على عدم سماع صوتي وعدم نصرهم، مستغفراً له على تجرؤي هذا، وكثيراً ما وجدت المرحومة أمي تنصحني وسط دعواتي، بأن أكف عن الغباء وأن أستخدم عقلي، وكثيراً ما قالت لي غاضبة معاتبة:

ـ يا بُني خلق الله العقل للإنسان ليستعمله لا ليُحنطه، ومن لا يستخدم عقله يقع في المحرمات، كونه لا يستخدم هبة الله له، تصور مثلاً أن لا يستخدم الطير جناحيه، أو الحيوان عينيه، أو حتى أن لا يستخدم الإنسان يديه أو رجليه؟ أليس هذا من نكران أهمية ما أعطانا الله؟ فما بالك بأن لا يستخدم ما هوأ هم من ذلك، العقل؟      ولم أستمع لنصيحتها تلك، رغم تقاسيم وجهها الذي صار عابساً أو غاضباً وعاتباً في الوقت ذاته.   صحيح أن وجهها لا تلحظ عليه البسمة إلّا عندما تبدأ تتحدث عن قريتها المنسية المتروكة هناك في الشمال الفلسطيني، عن البيت بتفاصيله وعن أصدقائها الصغار وألعابهم الطفولية، وما تبدأ تتمادى في الذكريات وتتعمق، وتتذكر بالتالي ماذا حل بهم من تقتيل وتهجير، يعود وجهها إلى ما كان عليه من حزن وعبوس، وغالباً ما تتوجهه بدمعتين ضالتين في ثنايا أخاديد وجهها المحفورة.

وعليه ومثل معظم الناس، “وليس كوني لم آخذ من التعليم سوى القليل، فأصبحت مساعد كهربائي أحفر الحوائط أمام “مُعلمي”بخدودٍ ممتدة صحيحة مثل “مسطرة”، ليضع بها أسلاكه قبل أن أكمل تغطيتها من جديد”، لم أستمع لنصيحة أمي، إلى أن جاء يوم كانت فيه أمي نزيلة المشفى، كان صدرها يضيق بالهواء غير قادر على أن يملأ رئتيها، وكانت عندما تحاول سحب كمية منه تشعر وكأن جسدهها يتمزق ويكاد يتهاوى أمام ثقل الهواء، الذي يبدو وكأنه يقف مُتربصاً بها،  وكنت أعاودها بعد أن أنهي عملي، حتى جاء يوم وكنت بجانب سريرها، وكانت تقص علي حكاياتها المعهودة، وقالت لي مجدداً:

ـ صدّقني يا بني ليس لي ذنب أبداً،  فالله وحده من يُوزع العقول على خلقه، لكنه يغضب إن لم يستعملونه، وعليك أن تدرك هذا الأمر الآن على الأقل بعد كل هذا التأخير، وأن تبدأ بإستعماله مُتأخراً الآن خير من أن تظل….  ولم تكمل عبارتها بكلمة “حماراً” هذه المرة. وابتسمتْ، نعم، حملت نفس الإبتسامة التي كانت تحملها عادة عندما تتحدث عن قريتها المسروقة وبيتها والعابها الصغيرة هناك، وطالت ابتسامتها الآن أكثر من أي مرة ثانية، دون أن يُعاود وجهها العبوس كالعادة، ودون أن تذرف دمعتيها الضالتين دون إرادة، بل ظلت معلقة إبتسامتها على أبواب فمها على غير عادتها، وكنت أوعدها قائلاً بأنني سوف أفعل، وأنني سوف أبدأ بإستخدام عقلي، لكنها لم ترد، فهززت يدها التي وقعت على حافة السرير لتنبهني أن أمك لم تعد تسمعك ولن تفعل بعد الآن أبداً.

عرفت وقتها أو تنبهت لأهمية إستخدام عقلي، وقررت أن أستخدمه إحتراماً لذكراها ولوعدي لها قبل مغادرتها الدنيا بلحظات.

لم أقل هذا الأمر للمتجمعين في عزاء جارنا “علي الدلاّل” بوفاة أبيه، حيث كنا في اليوم الثالث للعزاء، حيث انتهت أيام العزاء أو كادت، ولم يظل سوى المقربين من عائلة المتوفى، حيث كان الطقس شتوياً بارداً، وكنا في صالون بيته تتوسطنا “صوبة” من الغاز، ناثرة دفأها في ثنايا الغرفة، حين قال الشيخ صالح مؤيداً ما أسماهم بالإسلاميين الذين “يجاهدون” في سوريا، ومعلقاً على تدخل “حزب الله” الذي أوقف “الربيع العربي” وتمدده من خلال تدخله بالحرب مع الجيش هناك، ووجدتني أبدأ الحوار وابتسامة أمي “رحمها الله” أمامي، لأأكد لها أنني على عهدي بأن أستخدم عقلي:

ـ هذا الربيع يا شيخ صالح حولته أمريكا واسرائيل الى شتاء قارص قاحل، وحزب الله لم يفعل سوى الدفاع عن نفسه، لأن دوره كان قادماً بعد تفكيك سوريا.

وختمت بعبارة أمي قائلاً:

ـ علينا أن نستخدم عقولنا وإلاّ حاسبَنا الله يا سيدي الشيخ…

استفزالشيخ كلامي، واستفزه أكثر أنني أخذت مكانه في التحليل والتحريم، فانتفض قائلاً:

ـ إياك والفتوى، الزم حدودك ولا تعتدي على أمور المختصين وشؤونهم، إن هذا فقط من شأن أهل الخبرة والمعرفة والإختصاص، العالمين بشؤون الدين، وهذا شأننا نحن العلماء، أما أنت!!!

قال الشيخ صالح جملته الأخيرة مستفزاً كوني إعتديت على صلاحياته، وأنا الذي لم أقصد ذلك ارتبكت وكست وجهي الحمرة والخجل، لولا أن التقط جارنا أمجد الحديث فقال:

ـ أنتم العلماء؟!!! وما الذي اخترعتموه لتصبحوا علماءاً؟ أم تعتقد أن كل من عرف “أن يفك الخط “ويحفظ بضع آيات من القرآن أصبح عالماً؟

كان ارتباك الشيخ أكثر من ارتباكي، فتلعثم قليلاً قبل أن يُنقذه أمجد ويكمل من جديد:

ـ لنبقى في ما هو الأهم ياشيخ، فالله كما يعلم الجميع لم يوكل أحدا على الأرض، تركنا لشؤوننا وشؤون دنيانا، وهو على كل حال “الغفور الرحيم إن نسينا أو أخطأنا”، أما الربيع العربي الذي تبشرنا به بعد أن أذاقونا ديمقراطيته في العراق بمحاولات تحويله لبلد طائفي، وقتلهم بالجوع مايزيد على مليون عراقي، وبالنار والدم على نصف مليون آخر، سرقوا الربيع ليملؤوه دماً وتفجيراً ودماراً، فأي ربيع هذا الذي يقتل ما يزيد على نصف مليون مواطن ويجرح ما يزيد على 2 مليون آخرين ويشرد عشرة ملايين ويدمر البنية التحتية للبلدان؟!!!

فقلت مُتشجعاً أمام أقوال أمجد التي أعرفها لكني لا أُحسن صياغتها وقولها:

ـ كيف يكون ربيعاً وبوصلته ليست نحو فلسطين؟ فالعدو أصبحت إيران و”إسرائيل” أصبحت دولة صديقة؟ علينا استنخدام عقولنا…

وأكمل أمجد دون أن يُعقب على أقوالي:

ـ ابتدأ الربيع بتونس، فأحضر لنا الإخوان المسلمين، تحالفوا مع أمريكا ووضعوا أيديهم بأيدي نفس الطبقة السياسية التي حكمت وسرقت وقمعت، وبدأوا يغازلون الكيان وينشئون قنوات للتطبيع معه، وها نحن بعدخمس سنوات من الثورة، حيث زاد الفقراء فقراً، وحكومات بلا برامج اقتصادية أو إجتماعية أو حتى كرامة وطنية، بل ابتكروا لنا الإغتيالات السياسية …أما في مصر فالحال ذاته، حكومة العسكر ثم حكومة الإخوان المتحالفة أمريكياً، وتأكيد الإلتزام بإتفاقيات الذل في كامب ديفيد والإرتهان لصندوق النقدالدولي… وبعد خروج ما يقارب من الأربعين مليون في الشارع ضد الإخوان وسياستهم وثقافتهم الطائفية المشبوهة الموبوءة، عاد العسكر للحكم عبر الكذب والدعم الخليجي وسياسة الفهلوة، فرفع الدعم عن المواد الأساسية، وارتهنوا أكثر لدول الخليج وأموالهم وللبنك الدولي، وازداد الفقر وتعمق تهميش الطبقات الشعبية، وعاد تحالف الجيش مع البرجوازية التي حكمت البلاد وأوصلتها إلى الهاوية وأخرج رموزها من السجون وأودع المناضلين والقيادات والكادرات الثوريه التي قادت الثورة مكانهم… وفوق ذلك كله تحاصر القطاع بشعبه ومقاومته لخدمة المشروع الصهيوني بكل بشاعة ووقاحة…

لم يعجبني كثيراً الرجوع للماضي، رغم كونه صحيحاً وأقرب إلى فهمي وتفكيري، وقال أمجد مكملاً:

ـ هل تساءلت يا شيخ ولو مرة واحداً لماذا ليبيا ولماذا سوريا؟ فهناك عشرات الدول العربية والملكيات الأسوأ حالاً على المستويات كافة، فهل يُعقل أن تُحرر قطر ليبيا؟ وآل سعود سوريا؟ فعلاً “لاحق البوم يدلك ع الخراب “، فقد تدخلت قطر في السودان فأصبح السودان الواحد سودانين ، وفي ليبيا فأغرقتها بتنظيم القاعدة ودمروها وأحرقوها وربما إن استطاعوا فسيقسمونها لثلاثة، وربكم يعلم كم ستصبح سوريا بعدكل هذا القتل والتهجير والدمار .

فقلت مؤكداً رأيي ناصحاً:

ـ عليك أن تستخدم عقلك”بلا مؤاخذة” ياشيخنا ولن تضل أبداً …

يبدوا أن كلمة “ولا مؤاخذة” خففت غضب الشيخ الذي ظل يدافع عن “أولي الأمر” وتحريم الخروج عليهم مهما كان السبب، وكأن الأمر لا علاقة له سوى بالدين. فقال فؤاد الشاب الجامعي الذي على أبواب التخرج:

ـ أمعقول ياسيدي الشيخ أن آل سعود يريدون لنا ديقراطية في سوريا؟ طيب ليعملوا دستوراً لبلادهم أولاً . سكت قليلاً وتابع قائلاً:

ـ وهل من يدمر اليمن وشعبه ويحتل البحرين ويقمع ثورتها يريد تطبيقاً للديمقراطية؟ إن من يدمر الإنسان والحضارة والتاريخ لصالح أعداء الأمة هذا وإن امتلك شعارات براقة ما هو إلّا عدو لأمته. فما بالك عندما يكون هو نفسه فاقداً ليس فقط للديمقراطية التي يحاول تسويقها فقط، بل للشرعية أيضاً…

وعلقت أنا على الأمرقائلاُ :

ـ صحيح، يجب أن نستخدم عقولنا، البوصلة يجب أن تظل نحو فلسطين…

وسرعان ما تدخل أبو أسامة أستاذ اللغة العربية ليقول:

ـ تخيلوا لو صرفوا هذه الأموال التي دمروا بها إنساننا وحضارتنا على التصنيع والتعليم والتطبيب في الوطن العربي، ربما ما بقي جاهلاً أو أمياً أو عاطلاً عن العمل، ولأصبح وطننا “جنة الله على الأرض”…

فقلت مجدداً:

ـ نعم البوصلة يجب أن تظل نحو فلسطين، وعلينا أن نستخدم عقولنا

فرد المختار أبو فراس، والذي أخذ لقبه كونه يسارع في حل الإشكالات التي تسوقها الأيام بين الناس، بعد ترأسه للجنة الإصلاح في الحارة:

ـ بل قل لو سلّحوا الثورة الفلسطينية بما سلّحوا به هؤلاء لما بقيت إسرائيل على الخارطة منذ زمن.. والأغرب لهؤلاء الذين يسمونهم ثواراً، قصفهم للمدنيين، قتلهم للأسرى، وحصارهم لشعبهم كما في العديد من المدن والقرى السورية كما كان عليه الوضع في بلدتي “نبل والزهراء” قبل تحريرهما من الجيش السوري، فهل هناك ثوار يفعلون ذلك؟ وهل هناك ثوار يسرقون ويستولون على قوافل طعام الناس ويتاجرون به؟ أو يسرقون أدويتهم ويعودون بيعها بأضعاف ثمنها؟

فقال العجوز ابو أحمد بتهكمه المعهود وبإبتسامة خبيثة من بين شفتيه:

ـ يا عمي هؤلاء الثوار غير كل ما عرفناه أو سمعنا به في حيواتنا، فمعظمهم ثواراً وافدين، ليسوا مرتزقة لا سمح الله، فالقرغيز والشيشان والأفغان والإيغور والأتراك ثوار غيورون على تحرير سوريا، ويتم اختيارهم للمهمات الصعبة، لذلك يكلف الواحد منهم دولة آل سعود المائة ألف دولاراً أمريكياً، وليس مثل ثوارنا الفلسطينيين أو اللبنانيين.

فعاود أمجد الحديث من جديد وكأنه يريد إكمال موضوع لم ينتهِ، وسط ضحكات الناس وابتساماتهم:

ـ وبعد أن أخذت تتوالى إنتصارات الجيش السوري يريد آل سعود محاربة الإرهاب في سوريا، وكأنهم ليسوا من استحضروه وسلحوه ودعموه هناك؟!!! والحقيقة أنهم يريدون مواجهة الإنتصارات السورية وإيقافها …أتعلمون…

قال كلمته الأخيرة ليظل الناس مشدودين لما سيقوله، لكنني قاطعته قائلاً:

ـ نعم، علينا أن نستخدم عقولنا والبوصلة تظل نحو فلسطين…

وتابع هو بعد أن أخذ نفساً عميقاً من هواء الغرفة وكأنه لم يسمع ما قلته:

ـ لا تستغربوا أن تروا الأمريكان أنفسهم يقومون ببضع غارات جوية في الفترة الفادمة على جماعات الإرهاب ليقولوا أنهم لهم الباع الطويل في تحرير سوريا منه، تماماً كما يفعلون الآن في العراق وكما فعلوا في نهاية الحرب العالمية الثانية في أوروبا، حيث أرادوا مشاركة الروس الإنتصارات دون أن يدفعوا ثمناً!!!

وسكت قليلاً وتابع قائلاً:

ـ ورأيي أن أهم ما في الموضوع هو ما قاله الأخ عادل، وأشار بيده نحوي، أن البوصلة يجب أن تظل نحو فلسطين، وأي محاولة لتغيير إتجاهها أو حرفه هي محاولة مشبوهة، وأن نتساءل دائماً مَنْ المستفيد من كل هذا الخراب الذي عصف في الوطن العربي؟ أليست هي إسرائيل؟!!!

كدت أطير فرحاً عندما استشهد بكلماتي هذ الشاب الجامعي، وبطرف عيني كنت أرى الشيخ سالم وهو يمسد لحيته ويهدهدها كمن يُمسِّد على ظهر قطة، ولم أتحدث مجدداً حيث قالت لي أمي ذات يوم” إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب”، وبقيت مستمعا إلى أن غادرنا بيت العزاء بعدأ ن دخل المساء ظلام الليل متدثراً بعباءته، وازددت اصراراً على أن أستخدم عقلي دائماً في كل الأمور المهمة وغير المهمة أيضاً….

محمد النجار

أردوغان…آية المنافق ثلاث

لعلها صفة ملازمة للدولة التركية، أنها لا تعرف إلّا تدمير الآخر، كما تدمير الحضارات وبإسم الإسلام، فكما فعلوا المجازر مع الأرمن فعلوا الأمر نفسه مع الشركس والعرب، وأينما حطّت أقدامهم في العالم، ودمروا الحضارة الإسلامية بدولتم العثمانية، حيث أنهم بعد أربعمائة عام خرجوا من العالم العربي تاركينه أقل تطوراً بكثير منه عندما دخلوه، فبعد أن كنا دولة عظمى، لم يبقوه مكانه فقط، بل أعادوه متخلفاً فقيراً يائساّ ممزقاً قبلياً، مدمرين حضارته وتراثه، مُشتتين شعوبه ومؤججين الصراعات المذهبية والطائفية بينها، سالبين أطفاله للتجييش، ورجاله للحروب، ناهبين ثرواته، في الوقت الذي كانت شعوب العالم تتطور وتزدهر، كنا نحن نتراجع ونتفهقر بفضل الدولة العثمانية.

وها هم الآن يحاولون إعادة الكرّة مجددا في سوريا والعراق من خلال قيادة العثماني الجديد “السلطان” أردوغان، الذي أكثر ما يلفت الأمر فيه وفي وسياسته في كل الفترة الزمنية التي حكم فيها تركيا، أنه لم يَصْدُق يوماً بشيء قاله، ولم يفِ بوعد قطعه، ولم يكن أهلاً للثقة به يوما، وهذه كما قال الرسول “صلعم”” آية المنافق ثلاث: إذا تحدث كذب وإذا وعدأخلف وإذا أؤتمن خان”، وهذه ليست خصائصه وحده، بل هي أهم ما يميز حركة الإخوان المسلمين بشكل عام، في كافة أماكن تواجدها بعمومية، وبشكل خاص في كل مكان على حده. وكونه جزءاً أساسياً من هذه الحركة، بل قائدها العملي، فهو الأقدر ليعطي دروساً في هذه المجالات، وليكون أكثر من يتمتع بهذه الخصال.  وكونه ابن المدرسة الأمريكية، فهو يعتقد أن تكرار الأكاذيب وزيادة تردادها في وسائل الإعلام يمكنه أن يقلبها إلى حقائق، ويجعل الناس يصدقونها، وهذا الأمر ممكن آنياً، أعني يمكن أن يُضلل الناس إلى فترة وجيزة من الوقت، لكنه لن يُغيّر الحقائق من جهة ولن يستمر طويلاً الى مالا نهاية من جهة ثانية أيضاً.              فأردوغان قام أول ما قام بالإنقلاب على أولياء نعمته والذين أوصلوه وحزبه الى سدة الحكم، ثم بدأ بالتصفيات الداخلية لمعارضيه داخل حزبه نفسه، بل لكل من خالفه الأمر، وبدأ بتصفية قادة الجيش، ووضع جهاز الأمن والمخابرات تحت إبطه، وسرعان ما انقض على المعارضة الشعبية والبرلمانية، ثم على الصحافة، وغير كل القضاء واضعاً قضاة المحكمة العليا وكذلك قضاة المحاكم الفرعية ممن يواليه فقط، وبنى الشركات التي يتمتع ابنه وعائلته بحصة الأسد من نتاجها المالي، وعقد الصفقات مع داعش لإستقبال نفط سوريا والعراق، وشراء مخازن القمح والغذاء المسروقة من سوريا، وشراء المنحوتات الحضارية الأثرية المنهوبة من سوريا والعراق، وبيع وتصدير النفط والآثار للكيان العبري من خلال هذه الشركات العائلية، رغم منع ذلك وتحريمه من مجلس الأمن، وما زال يرفض وقف تهريب أو حتى إعادة ما تم تهريبه من آثار موجودة على الأرض التركية. كما أنه كان من أوائل من حرّض ميليشيات مسعود البرزاني (رجل أمريكا واسرائيل في المنطقة)، وساعدها للتمرد على الحكومة المركزيه في محاولة لتقسيم العراق وسلخ أكراده بعد توسيع مناطق نفوذهم، وطرد العرب منها بمجازر مشابهة لمجازر الكيان الصهيوني والدواعش، وحوّل بترول العراق المسروق الى الكيان الصهيوني، ودوره ودور مسعود البرزاني بتوجيه أمريكي في تسليم الموصل للدواعش.

ورغم الإستفادة الكبيرة التي عادت على تركيا من الإتفاق مع سوريا إقتصادياً إلّا أنه انقلب عليها لتطبيق صفقة أمريكا والإخوان المسلمين لقيادة المنطقة، والتي شملت تونس ومصر وليبيا، وأدخل كل ما أفرزته المدرسة الوهابية لآل سعود مستعينة بحثالات الأرض التى أفرزتها مدرسة الإخوان المسلمين عبر أراضيه ليعيثوا فساداً في سوريا، مدمرين الوطن وبنيته التحتية واقتصاده وفوق كل ذلك شعبه وانسانه، قاتلين علمائه وقيادات شعبه وأساتذته الجامعيين، ومدمرين قدراته العلمية، بأوامر ودعم من أمريكا وإسرائيل ولمصلحتيهما وبتمويل من الدول الصهيو عربية بقيادة مملكة آل سعود وحارة الشيخة موزة وأبنائها، بالضبط كما فعلوا في العراق شعباً وأرضاً، ضارباً بعرض الحائط إتفاقاته وعهوده المعقودة مع الحكومة السورية وقبلها العراقية، مغامراً بمصالح الشعب التركي الإستراتيجية في المنطقة، وكذلك بأمنه ممن يمكن أن “يخرج عن السيطرة” من عصابات الإرهاب التي تتمتع بكل أشكال الدعم المخابراتي التركي، وبعد تقدم الجيش السوري وحلفاؤه وفرار الدواعش والقاعدة وتفريخاتهما  عبر الأراضي التركية التي جاؤوا منها، تم تحميلهم بطائرات تركية وقطرية إلى اليمن لمحاربة الجيش اليمني واللجان الشعبية هناك، بدعم من آل سعود وبغطاء مخابراتي تركي أمريكي.  وبعد خسارته في الإنتخابات في حزيران الماضي، أعاد الإنتخابات دون أن يعطي الأحزاب الأخرى حقها في تشكيل الحكومة، ضارباً دستور البلاد بعرض الحائط، وكان واضحاً محذراً الشعب التركي أنه ما لم بنتخبه مجددا فإنه سيظل يعيد الإنتخابات مرة كل ثلاثة أشهر، بغض النظر عن تكلفة هذه الإنتخابات التي يدفعها الشعب التركي من جيبه وضرائبه، وأكد أن البلاد لن ترى الإستقرار، مرفقاً ذلك بعمليات باسم داعش ضد الأكراد الذين “تجرأوا” وانتخبوا حزب الشعوب الديمقراطي، قاتلاً العشرات، حتى أُعيد انتخاب حزبه من جديد. وبعد أن تم انتخاب حزبه “ديمقراطيا”، في ظل طرد مئات الصحفيين المطرودين من وظائفهم وعشرات منهم محكومن ظلماً في السجون، وإغلاق ومصادرة لمحطات تلفزيونية وصحف ومحطات إذاعية، وضرب لأبسط التعبيرات الديمقراطية وحقوق الإنسان، ومصادرة للرأي الأخر، والمغامرة بحياة عشرات الجنود الأتراك من خلال إفتعال حرباً مع حزب العمال الكردستاني، والتحريض القومي عليهم وعلى العرب.

وعلى عادة الإخوان المسلمين، فالقضية الفلسطينية أكثر قضية ممكن المزاودة بها وعليها، ولذلك نرى أردوغان وفي كل مناسبة يتغنى بها مسرحياً، لدرجة أنه يمكن أن يخدع أي كان، وفي الحقيقة والواقع، فإن علاقات تركيا ازدهرت أكثر ما ازدهرت مع الكيان الصهيوني في عهد حزب الإخوان المسلمين التركي”حزب العدالة والتنمية”وعلى رأسه أردوغان، والطائرات الإسرائلية معظم تدريباتها في السماء التركية، ونسبة التبادل التجاري مع الكيان الصهيوني تضاعفت ست مرات في عهد قيادة أردوغان، وبضغط من أردوغان وابن حمد الصغير والشيخة موزة تميم في حارة قطر، قامت قيادات الإخوان المسلمين السياسية والمالية في العالم، بمحاولات ترويض قيادة حركة حماس السياسية، من خلال اتفاق مع الكيان الصهيوني بواسطة توني بلير، لعقد هدنة طويلة الأمد مع قطاع غزة، حيث يتحقق بذلك فصل غزة عن الضفة، وقتل الفعل الثوري في القطاع ومنه، وتعميم سياسة الإستسلام في فلسطين، وتحويل حماس إلى نسخة كربونية مسخ من السلطة الفلسطينية في الضفة الفلسطينية، وبالتالي تأزيم الوطن الفلسطيني داخلياً، وإرجاع القضية الفلسطينية بضع عشرات السنين إلى الوراء.

وبعد ذلك كله، وبكل وقاحة وازدراء لعقولنا، يريدنا أردوغان أن نصدق أن دولته، عضو الناتو تحت قيادة الولايات المتحدة الأمريكية، والمشاركة بأكبر عدد من الجنود فيه بعد أمريكا، أنها حريصة على القضية الفلسطينية، كما حرصها على الديقراطية في سوربا والعراق ومصر، ” بغض النظر عن طبيعة أنظمتها ورأينا بها”، وليس مثلاً في مملكة آل سعود أو البحرين أو قطر مثلاً، أو أن إسقاطه للطائرة الروسية في الأجواء السورية، وقتله للطيار الروسي من قبل الأتراك أنفسهم العاملين مع حثالات الأرض الدواعش هناك، كان بقرار تركي خالص، وليس بتحريض وأمر وتغطية من أمريكا نفسها، لتتركه وحيداً لاحقاً، كما فعلت بكل الإمعات من أمثاله،”تماماً كمسرحية تدفق اللاجئين من الباب التركي إلى الدول الأوروبية، الذي أراد الإستخفاف بعقولنا لنصدق أنها تمت بدون تخطيط وتنفيذ تركيين، ودعم أمريكي”، وخاصة بعد أن قام الروس بتدمير ما يزيد عن ألف صهريج نفط تركي وسيلة داعش في سرقة نفط العراق وسوريا وبيعه من خلال شركات العائلة الأردوغانية.

لكن حسابات الحقل ليست كحسابات البيدر، فأول من اكتوى بالنتائج هو تركيا، حيث كانت الخاسر الأكبر سياساً واقتصادياً وحتى عسكرياً، حيث أن أردوغان لن يستطيع تحقيق أحلامه العثمانية الجديدة بقضم مناطق سورية بغض النظر عن أسمائها كمنطقة عازلة أو آمنة، ولن يستطيع الدفاع عن ارهابييه أمام تمدد الجبس العربي السوري ولا قصف الطائرات الروسية، ليس هذا وحسب، بل إن تركيا بقيادة السلطان العثماني أردوغان لن تستطيع حتى أن تُظهر طائراتها في أراضيها نفسها الفريبة من الحدود السورية، حيث سيعتبرها الروسي هدفاً معادياً يشكل خطراً على طائراته ويدمرها كما أكد ذلك!!! والأخطر من هذا كله السؤال الكبير حول إمكانية سيطرة أردوغان على الدواعش والنصرة الفارين من وجه الجيش العربي السوري إلى الأرض التركية، وإمكانية ضبطهم أو منعهم من تنفيذ أعمالاً إرهابية ضد الشعب التركي، خاصة إذا أرادت أمريكا الضغط على تركيا لأي سبب كان!!!

إن من يدمر الأرض السورية والعراقية تحت شعار الديمقراطية الزائف، جالباً كل حثالات الأرض من الشيشان والأفغان والقوقاز والقرغيز وبعض القبائل الصينية المسلمة، كما حثالات آل سعود وبقية حثالات الإخوان المسلمين العرب والأوروبيون ، ماذا كان سيفعل هو نفسه لو كانت بلاده تعرضت لمثل هؤلاء الحثالات وتحت نفس الشعار “الديمقراطي”؟!!! وما المطلوب من “الروسي” ليفعله أمام الآلاف من المواطنين الروس الإرهابيين إذا ما رجعت لتدمر وتقتل في الجمهوريات الإسلامية الروسية ، والتي يحتضنها أردوغان ويدربها ويسلحها وينقلها بغطاء أمريكي؟!!!

إن من يلعب بالنار سيكتوي بها ياسيد أردوغان، والسلاح بيد “الخرى” يجرح “كما يقول المأثور الشعبي الفلسطيني، لكنه يجرح صاحبه نفسه أيضاً، وهكذا فعلت أنت!!! فهل تدرك ذلك؟ أم أننا أمام حالة غرور غبي استشرى ولن ينتهي دون تدمير الذات!!!

محمد النجار

فكّرنا الملك ملكا…

يبدو أن أسرة آل سعود ظلت تعيش في بدايات القرن الماضي وإن كانت “بلباس” حالي، العقلية ذاتها والذهنية نفسها وكذلك آلية التفكير، فهم كانوا وما زالوا مرعوبين من التطورات التي تتم في العالم، خائفين أن يصل اليهم رذاذها، لذلك يريدون وقف العالم وحركته على أبواب مملكتهم، والمضحك المبكي أنهم وبكل الطرق يحاولون تجميل وجه مملكتهم الفاسدة المفسدة بكل الطرق، من ذبح وقتل وخطف وشراء ذمم ودول وأقلام ومنابر صحفية وكتابية…. وقد نجحوا ألى حدٍ كبيرٍ في ذلك، إذا إستثنينا بعض من هم على شاكلتي أو أنا على شاكلتهم، الذين يعتبرون مال الشعب الذي استولى عليه آل سعود “جربا”معدياً فتاكاً يجب الإبتعاد عنه وتفاديه وتجنبه وإن كانت مفاتنه كبيرة وتعمي البصر والبصيرة، وهم يقفون على أبواب الجوع، لكن بعفة وشرف ونقاء نفس، وفوق ذلك كله بثبات وحزم وإصرار على مواجهة المجهول وتغليب مصلحة الوطن على أي شيء سواه.

ففي كل محطات القضية الوطنية الفلسطينية المهمة، كنا نسمع أن حاشية الملك لا تخبره بما يجري، وأن الملك” طال عمره “لا يدري، وكأن حاشيته ليست من الأسرة المالكة، أو أن الملك إن كان يدري أو لا يدري فيمكنه أن يؤثر في الأحداث ويخرج عن “طوع” اسياده الإمبريالييين، ورغم بيت شعر “ابن القيم” الذي يقول:

إن كنت لا تدري فتلك مصيبة                                  وإن كنت تدري فالمصيبة أكبر

لكن الأهم من ذلك أن الكثيرين ما زالوا يعتقدون أن الملك له رأي ومشورة وأنه صاحب حل وربط في الهام من الأمور، وهو في حقيقة الأمر إسم إشارة لا أكثر ولا أقل، و إنه “مثل الدجاج لا يحكم على بيضه” كما يقول المأثور الشعبي الفلسطيني، وبالتالي وكما يؤكد مأثور آخر     ” فكرنا الملك ملكاً فطلع الملك زلمة”. نعم إنه مجرد رجلاً يبصم بحافره على ما يطلب منه أعداء الأمة العربية ومشروعها النهضوي ، وهو “لا في الهدة ولا في الردة ولا في عثرات الزمان”، وأدلتنا على ذلك كثيرة جداً وقد أوردناها في غير مكان وأقلها :

” * دعم عصابات الكونترس في نيكاراغوا التي شكلتها الإمبريالية الأمريكية ضد الثورة الساندينية، فآل سعود يدفعون والمستفيد أمريكا.”

*”دعم القوى والأحزاب اليمينية والفاشية في فرنسا وإيطاليا ضد الحزبين الشيوعييين الذين فازا في البلدين هناك في الإنتخبات، ومنعهما من تشكيل الحكومة، وآل سعود يدفعون والمستفيد الأمريكي.”

“* تشكيل تنظيم القاعدة لمحاربة الإتحاد السوفيتي في أفغانستان، وآل سعود يدفعون والأمريكي المستفيد”

“* محاولة تدمير العراق وإيران بدعم الحرب بينهما، والتي استمرت لثماني سنوات دون انقطاع، مولها آل سعود وجنى الأمريكيون الحصاد بغزو العراق وتفتيت جيشه وتقسيم قواه السياسية على أسس طائفية.”

“* محاولة تدمير ايران وروسيا وفنزويلا من خلال محاولة ضرب إقتصادها من خلال تنزيل سعر النفط بأكثر من 65%وإغراق الأسواق بالنفط بدفع منهم ولصالح نفس الإمبريالية ، يعني “جكر في الطهارة شخ في لباسه”… كما قال المأثور الشعبي…”

“*والآن دعم تنظيم القاعدة وداعش وأخواتهما في العراق وسوريا واليمن وليبيا ومصر والجزائر وتونس لتحطيم الجيوش العربية وضرب وحدتها الإقليمية وتفتيتها لحساب الإمبريالية الأمريكية والكيان الصهيوني وبدفع وتمويل سعودي.”

“* دعم بناء المستوطنات الإسرائلية ب1.5مليار دولار، والمستفيد الصهاينة.”

يعني تتعامل معهم الإمبريالية على أساس المثل القائل”إخدمني وأنا سيدك “.

 وبالمناسبة فسياسة “فرق تسد ” الإستعمارية كانت متلازمة مع كل أشكال الإستعمار وعلى مدى حياته، فما فعلته أمريكا وتفعله الآن من محاولات تقسيم له مذهبياً وطائفياً وخاصة “سني ـ شيعي”،  فعلته فرنسا وبريطانيا والدول الإستعمارية الأخرى، فالأمر ليس جديداً عندها ولن يتوقف ما دام مثل نظام آل سعود الرجعي المتصهين قائم وموجود. وكما يخبرنا الزعيم الهندي العظيم غاندي” أنه كلما اتحدنا مع إخواننا المسلمين لمحاربة الأنجليز كلما قام الأنجليز بذبح بقرة في طريق الهندوس ليبدأوا صراعا بين الهندوس والمسلمين!!!”، ثم عندما شعروا بقرب هزيمتهم  سلخوا جزءً من الهند” المناطق ذات الأغلبية المسلمة وأسموها الباكستان!!! أليس الأمر مشابه لما يحصل الآن في وطننا من محاولات تقسيمات دينية ومذهبية وطائفية وخاصة بين سني وشيعي؟!!! “.

لكن وبعد حكم الإعدام الذي أصدرته محاكم آل سعود على الشاعر والفنان التشكيلي الفلسطيني أشرف فياض، بحجة أنه أصدر ديواني شعر “يتحرش فيهما بالذات الإلهية” فإن الموضوع قد استفزني أشد الإستفزاز كون هؤلاء الجهلة لا يقيمون وزناً لحياة البشر، وشهداء حجاج منى ماثلة أمامنا،  والأخطر بانسبة لهم من يستخدم عقله فتلك الطامة الكبرى، أما المعارضين حتى لو كان المعارش منهم معارضاً لقرار صادر عن مجلس بلدي عندهم، فحكم الإعدام سيلاحقه لا محالة، بل ويحكموا بالإعدام على شبيبة وأطفال لمجرد ابداء رأي أو نشر مظلمة على التواصل الإجتماعي، وهي نفس العقلية التي أصدرت حكماً بالإعدام على قناة الميادين كونها تحمل رأياً مغايراً لآراءهم، فهم من أنصارالقول ” إن لم تكن معي فأنت ضدي ويجب قتلك”  وهو ذات شعار داعش والنصرة وأخواتهما، لأنهما أبناءهم الشرعيين، والخلاصة، لا توجد دولة في التاريخ الحديث تنفذ حكم الإعدام بشكل شبه يومي، وتصدر أحكاماً بالإعدام بهذه الطريقة المشينة مثل دولة آل سعود، في العام الماضي فقط تم تنفيذ حكم الإعدام ب151 شخصاً، يعني انساناً في كل 48 ساعة!!! ثم  يقولون أن الشاعر يتحرش بالذات الإلهية، وكأن الذات الإلهية”مومسا” تعرض مفاتنها على قارعة الطريق،!!! فكلمة التحرش لا تعني سوى التحرش الجنسي أكثر من أي معنى آخر، وكوني أعترف أنني لم أقرأ شيئا للشاعر قبل حكم الإعدام عليه، فإنه وبغض النظر عما يكتب وبأي أسلوب فني يرتأيه، فهذا من شأنه فقط، ولا يحق لأي كان وخاصة لجهلة آل سعود وأداتهم، هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر  ، الذين لا يعرفون “الألف من كوز الذرة”، وفي أغلبيتم الساحقة أميين لا يعرفون حتى القراءة ولا الكتابة، يعني لا يعرفون أن” يفكوا الحرف.” والأدهى أن هؤلاء الجهلة يعتبرون أنفسهم وصيون على الدين وأنهم وكلاء الله على الأرض، وبالتالي يعطون أنفسهم حق التدخل في أكثر أمور الإنسان شخصية وهي علاقته مع ربه، ولا يدركون أن هذه العلاقة تخص الله وعبده مباشرة دون وسطاء فما بالك بببهائم مثلهم.  هذا الأمر وما يجري في المنطقة دفعاني لأقلب صفحات “أفعال” آل سعود، كي أعرف شيئاً عن هذه العقلية السائدة، ووسائل التجهيل المتبعة، غير وسيلة القمع الفاشية المعروفة للجميع، مدركاً أو متوقعاً أن تكون الأزمة ـ أزمة التجهيل ـ معكوسة على كل نواحي الحياة، وإليك أبرز ما وجدت :

*ان نسبة الأمية في مملكة آل سعود تتجاوز 40% وهي عند النساء أضعاف نسبتها عند الرجال.

*أن هناك أكثر من 3 مليون سعودي يعيشون تحت خط الفقر خاصة في المناطق الشرقية التي تتواجد فيها أكبر كمية من النفط المستخرج من آل سعود.

* أن التمييز الطائفي موجود وبكثرة ويُحرض عليه بشكل رسمي من آل سعود وأجهزتهم، وأن نسبة التحريض الطائفي تتزايد وتتسارع، وأنهم يوظفون الطوائف ضد بعضها البعض وخاصة تحريض السنة على الشيعة.

* أن نسبة البطالية عالية جداً عند شباب نجد والحجاز رغم ما يقرب من 3 تريليون دولار غير مستثمرة ومخزنة في بنوك امريكا تستفيد منها أمريكا ولا تعود بأي فائدة على مملكة آل سعود. حتى أنهم لا يملكون إمكانية صرفها دون قرار أمريكي.

* أن نسبة التحرش الجنسي عالية وفي تزايد، وأن نظام آل سعود نادراً ما عاقب عليها، كي تظل المرأة حبيسة البيت، ولا تكون لها نشاطات سياسية واجتماعية،قد تسبب له “وجع رأس”، وبالتالي فهو يكون قد أِمَن”شر” نصف المجتمع.

* أن نسبة الزواج من الفتيات القاصرات نسبة مرتفعة جدا وتكاد تطغى عل نسبة الزواج الطبيعي.

*يعتبر آل سعود أن عدم تنفيذ أوامرهم “وليس رفضها” هو خروج على الدين من خلال عدم الإمتثال لطاعة “أولي الأمر” وعقوبة الإعدام “مستحقة وواجبة” في هذا الإطار، فما بالك برفض الأمر أو التمرد عليه!!!

وكي يكون التجهيل ممنهجا ودائماً فلننظر إلى بعض فتاوى آأئمة آلا سعود:

* تكفير من يقول بكروية الأرض

* غسل اللحم قبل طبخه بدعة، وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.

* تحريم لعبة الشطرنج.

* تحريم تجمل المرأة.

*تحريم اهداء الزهور.

* تحريم دخول المرأة للإنترنت.

*تحريم دخول الحمام بالقدم الشمال.

*تحريم القراءة أو الحديث في الحمام لأن الأحرف تحمل أسماء الله!!!

* ما زال “علماء” آل سعود مختلفين على جنس الملائكة ذكوراً أم إناثا!!!

* تحريم قيادة المرأة للسيارة،  لأن السيارة ليست “كالراحلة”وفي ركوبها مفاسد كثيرة فتخرج المرأة من تحت سيطرة زوجها، وركوب السيارة “رجس من عمل الشيطان”. لكن أمراء آل سعود الأوباش، لم يكفوا يترددون على معسكرات اللاجئين السوريين ليتزوجوا الفتيات القاصرات، مستغلين ظروفهن وظروف عائلااتهن، ثم يتركونهن وشأنهن وخاصة في حالات الحمل.

* يوصي “علماء آل سعود” شرب بول البعير لأنه يحمي من كل الأمراض، والبعض أخذ يعبئه ويبيعه للمواطنين.

* الدعوة لأسر جنود إسرائليين “حرام لحرام حرام” لأنه اعتداء على اختصاصات أولي ألأمر الذين من حقهم وحدهم هذا الأمر، ولا أحد يتساءل ما دام الأمر كذلك لماذا لم يدع أحد لهذا الأمر حتى الآن؟!!!

* تكسير الآلات الموسيقية بين وقت وآخر وسط طقوس التهليل والتكبير وكأنهم يقاتلون العدو الإسرائيلي.

*التركيز على الحياة الآخرة لإبعاد الناس عن التفكير بواقعهم المرير، وبالتالي الإبتعاد عن الثورة ضدهم، ” من نمط” أن لكل رجل مؤمن في الجنة سبعون زوجة ولكل زوجة سبعون وصيفة ولكل وصيفة سبعون خادمة وكلهن ملك الرجل، وكل مجامعة مع الواحدة منهن تستمر سبعين سنة” !!! وحصر كل ما يتعلق بالمرأة بالجنس وحده، فهؤلاء الأنجاس ليست المرأة عندهم إلا كومة من الجنس!!!

وبعض هؤلاء يجعل زوجته تقوم بالدعوة لزواجه، كونه رجل ديمقراطي!!!، ولا يدري أنه يقدم أبشع الصور عن المجتمع الذكوري الفج، الذي يجرد المرأة من انسانيتها.

* أحد شيوخ آل سعود يعتذر لمستمعيه عن تأخره، لأن “فئتين من الملائكة اقتتلوا فيما بينهم مختلفين هل يجاهدوا في سوريا أم في فلسطين، وذهب هو ليصلح بينهم!!! ووفقه الله وأقنعهم بضرورة الحرب في سوريا وليس في فلسطين”!!!

هذه هي عقلية التجهيل وتدمير العقول السائدة في “مملكة آل سعود”، وكون الثورة تحتاج أول ما تحتاج إلى الوعي، فآل سعود يقضون على أي معارض بأجهزة الدولة من جيش  وشرطة وهيئات مختلفة قمعية، وفي نفس الوقت توظف  العمامات المنافقة المشتراة، وشيوخ الردة لتغييب العقل وإلغائه،كي لا يعي ظروفه يوما ويظل جاهلاً جهولاً متخلفاً مريضاً تائهاً بين لقمة الخبز والحلم بالجنة والحواري والغلمان.

وما الملك عندهم سوى واجهة فارغة لكن بألوان زاهية، فما بالك عندما يكون الملك يتمتع بمرض الزهايمر، وبقية الأسرة الحاكمة تحت أقدام العرّافات غارقين في مؤامرات على بعضهم بعضاً، خاضعين لكل مخابرات الأرض وغارقين  في احضان العاهرات مبذرين أموال الشعب التي لم يتعب أي منهم في جمعها يوما!!!.

محمد النجار

الإسلام الأمريكي وأدواته في المنطقة

لم يكن تفجير الضاحية الجنوبية بالأمس، إلا مجرد هروب للأمام للتغطية على ما يدور في المنطقة كاملة من هزائم للمحور الرجعي العربي ، بقيادة آل سعود، وفي نفس الوقت محاولة يائسة للفتنة والتفتيت للتحالف اللبناني الفلسطيني، ، الأمر الذي يجعل حق العودة في مهب الريح، . وإذا أردنا الدخول في بعض التفاصيل نورد التالي:

* ما يدور على الجبهة السورية من انتصارات متتالية وسريعة في كامل الجبهات، الشمال والوسط والجنوب والقلمون و”الحبل على الجرار”، ما يعني أن الجبهة الرئيسية المستهدفة تخرج من بين أيدي هؤلاء الحثالات والدول الرجعية المتصهينة التي تقف خلفهم بقيادة آل سعود، الأداة الأكثر طاعة للصهاينة والإمبريالية الأمريكية، لذلك نرى كل هذا الإستكلاب الأمريكي وقصفه المتتالي للبنى التحتية السورية وتدمير لمنشآت النفط السورية، الأمر الذي لم يفعله وهي تحت سيطرة داعش والنصرة وأخواتهما، ونفطها يُسرق ويهرب عبر تركيا ويُباع للكيان العبري. والأمر كذلك بالنسبة لقاعدة الإمبريالية المتقدمة في المنطقة. الكيان الصهيوني المستفيد الأكبر من هذه الحرب الكونية على سوريا، والمنطقة عموماً سواء في العراق أو اليمن او مصر والجزائر وليبيا، فدوره في العراق من خلال أعماله الإرهابية الممولة من آل سعود وتقتيله لعلماء العراق، وتهديمه لبنيتة الأساسية (الإنسان العراقي والجيش العراقي) لم  ننساها بعد. وكذلك الحال لحكومة “الإخوان المسلمين” (العثمانية الجديدة)، الذين يريدون قضم الأراضي السورية، والذين يشكلون الذراع المتقدمة لحلف الناتو بعد اسرائيل، وكلهم بقيادة الإمبريالية الأمريكية.

* كذلك الحال في العراق، حيث الحشد الشعبي والجيش العراقي يتقدم ، لكن تقدماً بطيئاً لأنه يصطدم بالعرقلة الأمريكية دائما وأبداً، حيث لم يكتفِ الأمريكي بعدم إعطاء الجيش العراقي الأسلحة التي دفع ثمنها مسبقا، بعد أن فتّت جيشه وأضعفه وجرده من سلاحه، وفرض على العراق دستور بليمر الطائفي، ويرفضون السماح بتغيير الدستور الى دستور حداثي بعيدا عن الطائفية، فإن طائراتهم  أيضاً تقوم بإلقاء الأسلحة لحثالات الأرض من الدواعش والنصرة وخلف خطوطهم، وتعرقل الحشد وتقدمه لتنقذ قادة داعش وتنقلهم الى أماكن أكثر أمنا (كما حصل في تكريت، ليكونوا احتياطاً لهم في مشروعهم التدميري للوطن العربي والذي لم ينهزم بعد)،  وتم بعث المئات منهم في طائرات تركية وقطرية الى الجنوب اليمني ، وكما تم في ما أسموه عملية تحرير الاسرى  الأكراد من سجن عراقي، وكذلك من خلال طائرات الشحن العملاقة التي نقلت السلاح لتلك الحثالات في “تلعفر” في الموصل، وما زالت تعرقل قوات الحشد الشعبي وتحاربه بكل قوة وتحرض عليه طائفياً ومذهبياً وإعلامياً من خلال إعلام آل سعود و الشيخة “موزة” في حارة قطر، التي موّل أولادها وأحفادها حثالات الأرض الدواعش ب 32 الف سيارة تيوتا رباعية الدفع في سوريا فقط ، عدا السلاح والأموال، وما زالت، هذا عدا ملوك الرمال في مملكة آل سعود، والتركي الذي فتح أبواب بلاده لعشرات الآلف من الإرهابيين بأموال سعودية قطرية، وبأوامر أمريكية اسرائيلية.

*كذلك الأمر في اليمن، حيث يتم دك مواقع آل سعود وتحالفهم وكل مرتزقتهم سواء في باب المندب أو تعز أو المدن اليمنية المحتلة من آل سعود، والذي يتوج كل يوم بإحراق عشرات الاليات والجنود، من جنود آل سعود ومرتزقتهم، والغريب الطريف في ذات الوقت فإن الأمريكي وأتباعه لا يريدون أن يروا تمدد داعش والقاعدة في حضرموت وعدن وبقية مدن الجنوب، فأولئك رغم كونهم قاعدة لكنهم ليسوا ارهابيين ولا يجب محاربتهم، لأنهم في المكان الصحيح!!! واليمن الذي يعوم على ما يقارب ال35% من النفط العالمي والمحروم من استثماره بسبب آل سعود وتأثيراتهم المتتالية على حكومات اليمن، حد التبعية المطلقة، كما الحال في المعادن المختلفة والكثير من المواد الخام مطلوب أن يبقى مطية لآل سعود وأسيادهم من الكيان العبري الذي يدك المدن اليمنية بطائراته مع الإمبريالية لأمريكية ، ليبقى اليمن فقيراً هزيلاً تابعاً لا يستطيع التحكم لا بخيراته ولا بموقعه الإستراتيجي.

* والأمر يتكررفي فلسطين، كون القضية الفلسطينية هي المستهدف الرئيس مما جرى ومن كل ما يجري، وكون الكيان الصهيوني هو المستفيد الأول من كل ما يجري.، لذلك فانطلاق الإنتفاضة الفلسطينية من جديد رغم كل محاولت إيقافها وقمعها وطمس فاشية المحتل في التعامل  معها، ورغم ضغوط الرجعيات العربية المتصهينة على قيادة السلطة، هذه القيادات التي تقود الجامعة العربية المخصية والتي ما قدمته على مدار عمر القضية الفلسطينية كلها في القرن الأخير لم يصل إلى عُشر ما قدمته للحثالات البشرية في سنة واحدة، الأمر الذي يتطلب حرف وابعاد التركيز العربي والدولي عنها مادام ليس مقدور ايقاف فعالياتها. لذلك كله يجب التفجير والقتل ما أمكن في محور المقاومة، المحور الذي يقف ببسالة ضد حثالات الأرض وأسيادهم الصهاينة والأمبريالليين وتوابعهما من رجعيات عربية متهالكة متصهينة، وليكن في المكان الذي لم يستطيعوا تدميره، لبنان، وتحديدا ضاحيته الجنوبية حيث حزب الله، قائد حركة التحرر الوطني العربية بامتياز، والترويج أن من قام بذلك هم فلسطينيون، ليشتبك المخيم مع المقاومة اللبنانية ويصبح حق العودة نفسه مهدداً وبأيدي الثوار أنفسهم من لبنانيين وفلسطينيين. وأمام تحقيق أهدافهم في تفتيت الأوطان كان لا بد من استخدام ذخيرتهم الرئيسية في ذلك ، وهم “الإخوان المسلمين” ومرجعيتهم الأساسية أردوغان وحزبه العثماني الجديد، فكانوا هم خميرة تدمير سوريا، وهم خميرة تدمير اليمن من خلال حزب الإصلاح، وكذلك في تونس ومحاولات الفتنة الداخلية من خلال سياسة الأغتيالات ضد اليسار التونسي والذي اتهم فيها حزب النهضة الإخواني، وكذلك الأمر في مصر ومحاولة تدمير الدولة هناك ،رغم موقفنا الواضح من نظام السيسي، لكن هذا لا يبرر تدمير الجيش وتقتيل الوطن، والأمر نفسه كان قد تم في الجزائر من خلال جماعة عباس مدني، وما أوصلوا إليها ليبيا باسم ديمقراطية الناتو التي لم يؤمنوا بها يوماً لكنهم يدمرون باسمها الأوطان، وكيف قسموا السودان باسم الدين الأمر الذي لم يقم به أي نظام ديكتاتوري بما في ذلك نظامي عبود ونميري. وهاهم باسم الدين أيضاً برسلون جنود السودان الفقراء ليَقتلوا ويُقتَلوا في اليمن تحت أوامر آل سعود الذي يعتبر نفسه قد استأجر بضعة عجول لا أكثر، في الوقت الذي ينهار فيه السودان كوطن ومواطن تحت ذات القيادة التي تتاجر بالوطن والمواطن وأوصلت السودان الى الحضيض على كافة المستويات. وفي فلسطين حيث تحاول بعض قياداتهم توقيع هدنة طويلة مع الكيان الصهيزني من خلف ظهر الشعب كما فعلت تماماً قيادات أوسلو، فداعش ليس هدفاً أمريكياً، والقاعدة كذلك، وإن كان يضرب هذا القائد الميداني أم ذاك بين وقت وآخر لذر الرماد في العيون، فالسيدة كلنتون تعلن مجاهرة في الكونغرس “أنهم كانوا مضطرين لدعم  القاعدة”، ويعلن توني بلير “أن بلاده وأمريكا خلف ظهور داعش” ويعلن أوباما بكل صفاقة “أن داعش خرجت عن السيطرة” الأمر الذي يدلل على طبيعة العلاقة التي تربطهما، رغم كل ما يحاولون ترويجه من أكاذيب حول محاربتهم للإرهاب…  وفي النهاية، فهذا جزء من ضريبة النضال والمقاومة، فعلى الشهداء الرحمة والشفاء للجرحى والصبر لأههاليهم ولكل جمهور المقاومة.

محمد النجار

كفاكم كفراً… للبيت رب يحميه!

الجُبير يكاد لا ينام الليل، غاضب على ما تتقوله عنه صحف “الفرنجة”، بأنه رجل كل من يريد أن يشتري من المخابرات العالمية، وليس العربية، لأنه خجول لكونه عربي، وأنه ولد المقاهي غالية الثمن، وأنه إذ يؤكد أنه رجلا للمخابرات الأمريكية فقط، لأنها بألف مخابرات ومخابرات، والدليل أنه لولا أمرها المباشر لآل سعود، لما حلم يوما بأن يكون وزير خارجية طوال عمره، خاصة وأنه للأسف ليس من العائلة المالكة، وكما قال المتنبي ذات يوم “ومن قصد البحر استقل السواقيا”، لذلك فهو على علاقات محبة ومودة وتبادل معلومات فقط وليس شيئا آخر، مع بقية أصناف المخابرات، وإن تميزت مع “أبناء العم “من الموساد.

كما أنه يتردد على المقاهي غالية الثمن كونه يؤمن بالمثل القائل” قل لي على أي المقاهي والبارات تتردد، أقول لك مَنْ أنت”، وأن عدم زواجه ليس كونه يُحب العزوبية ولا لأنه يكره النساء، كما أن الأمر لا يتعلق بكونه أحلساً أملساً، حيث “بارك الله في الرجل الشعور والمرأة الحلساء الملساء”، كما يحاول تصويره المغرضون وكأنه لا يحمل إلّا الصفات الأنثوية، و ليس به من الرجولة شيئاً إلا الشبهة. وأنه إذ يأخذ هذا النقد منهم بقلب منفتح وبصدر واسع، فهو لن يرد عليه ، كونه يعلم أن “قوم الفرنجة” هؤلاء لا يقصدون به سوءا، وربما وبمشيئة الله أن تثبت لهم الأيام ما كان خافياً…

لكن ما يُغضبه ولا يترك له مجالاً للنوم ليس هذا كله، بل هو “إيران”، نعم ايران وتدخلها في الدول العربية وشؤونها، واستفزازها المستمر في الفترة الأخيرة لمملكة أسياده آل سعود، وآخر هذه الإستفزازات في موضوعة حجاج “منى”، وهو لا يقبل هذا التهديد والإستفزاز أبداً، لأن أمرهم واضحاً، فالموت بالأساس مكتوب على الناس أجمعين، وما حصل ببساطة أن الله أخذ أمانته، أراد سبحانه ونفذ، فلماذا الإعتراض على أحكام الله؟!!! كما أن ما حصل يقع في باب القضاء والقدر، فكيف لا يُسلّمون بذلك ويدّعون أنهم مسلمون؟!!! والأخطر من هذا وذاك أنهم يطالبون بجثث مواطنيهم، بدلاً من أن يتركوا المملكة تقوم بدفنهم في مقبرة جماعية كما فعلت في كل مرة وقعت بها حوادث حتى الآن؟ ولماذا هذا الطلب التعجيزي؟خاصة وأن أسياده قاموا بجرف الجثث بالجرافات وتكويمها في أماكن مخصصة تمهيدا لدفنها، فليتركونهم إذن ليدفنوا في أطهر أرض كما فعلت بقية الدول، فمصر والسودان والمغرب والباكستان واندونيسيا وغيرها الكثير غضت الطرف وسكتت، وهم يعملون من الحبة “قبة”، فالموضوع لا يتعدى بضع مئات من القتلى، كما أن أسياد المملكة لن تنساهم من خيرها!!! وستنثر على عائلاتهم بعض المال فيرضونهم وينتهي الأمر، و”يادار ما دخلك شر”… أما الأخطر والأكثر استفزازاً أنهم يُحملّون المملكة وقادتها فداهم الله المسؤولية!! ويريدون تشكيل لجنة تحقيق يشاركون بها،  ويطالبون بأفلام “الفيديو” المصورة في الموقع ، فهذا والله استفزاز ما بعده استفزاز، الأمر الذي يتطلب أن تقوم المملكه حماها الله بغزوة ايران الشيعية الرافضة غزوة لا ينسوها أبداً، ولا تقوم لها بعدها قائمة، لكن قلوب آل سعود طيبة وصدورهم واسعة ويمتازون بالرأفة على البلاد والعباد، وبالعفو عند المقدرة، لذلك فالتسامح من شيمها والحكمة من صفاتها والحلم من أخلاقها والمحافظة على الجيرة والجيران من “سلو” قادتها، الأمر الذي جعلهم يغضون الطرف عما تقوله وتهدد به إيران، ولا تنزل الى ما نزلوا اليه، وتبقى مترفعة ثقيلة في مكانها، ف”الكيلو في مكانه قنطار”، و”الوعاء الواسع يتسع للوعاء الضيق” .

ولعل أكثر الدول العربية التي تتدخل بها إيران هي فلسطين، فسلحت شعبها وحرضته وورطته في حرب معروفة النتائج سلفاً، في محاولة يائسة لضرب دولة اليهود، الدولة اليهودية الوحيدة في العالم، الصغيرة والمسامحة والمتسامحة والساعية دوماً للسلام، وذلك لتخريب علاقات المملكة بها، وكي تخسر مملكة الخير نتائج ما تبرعت به لبناء وتطوير بناء المستوطنات في القدس والضفة، والتي وصلت الى أكثر من 2,5 مليار دولار، أو كشف الأمر للرعاع من العامة، ليشوهوا وجه مملكة الخير الناصع ويجعلوه مظلماً، ويجعلوها على لسان الناس بالقال والقيل، الأمر الذي لا يُرضي الله ولا رسوله ولا أُلي الأمر. وأن إدعاءاتهم وأمثالهم من عملائهم الذين يسيرون على خطاهم من ميليشيات حزب الله الرافضي اللبناني، والمنظمات المدعية انها سنية في فلسطين وهي على وفاق مع الميليشيات الملحدة هناك، وتدّعي أنها تدافع عن “بيت المقدس”، فإن السيد الجُبير يُفنّد أقوالهم وينقضها وبصوت عال، صارخاً بأعلى صوته، “أنه ليس مطلوب منكم الدفاع عن بيت المقدس، كما ليس مطلوب من أحدٍ أيضاً القيام  بذلك، لأن “للبيت رب يحميه”، نعم أيها الكفرة الزنادقة المرتدون، “للبيت رب يحميه”، وأن أي تدخل أو محاولة لتحريره أو الذود عنه، ما هو إلّا كفر وإلحاد وخروج عن الشرع والدين، وإعتداء على صلاحيات الله، فكفوا عن محاولاتكم الخبيثة، واتركوا بيت المقدس على حاله ولحاله الى يومٍ يحدده رب العباد إذا أراد ذلك.

كما أنهم يتدخلون في سوريا ويسلحون نظامها العلوي الكافر ، المغلف بغلاف مدني، يزودونه بالأسلحة ليقتل ويدمر “ملائكة الرحمة” من داعش والنصرة وأخواتهما من أجناد الشام وكتائب الفاروق وتجمع الفتح. والأمر نفسه يكررونه في العراق، فيدعمون ميليشيات الحشد الشعبي المعادي للأمريكان، وأعاد الوزير مستغرباً، نعم كما سمعتم، المعادون للأمريكان، ونحن في المملكة والحمدلله ” والله” بكسر الهاء ، لو “لطونا” الأمريكان ب”الوطا”، أو الحذاء كما يقول المثقفون على رؤوسنا و”خشومنا” فوالله لما رفعنا رؤوسنا أمامهم أو عيناً في عيونهم ولا حتى حاجباً يثير عندهم شبهة التذمر، ورغم ذلك لما أوفيناهم حقهم، وأكد أن المملكة مهما فعلت من أجلهم فهو من باب رد الجميل ولن ترده.

لف العباءة حول جسده، ففي ليل الصحراء يتسلل البرد من تحت هذ “الشراشف” كما يحب أن يسميها الوزير غير الأمير، وكاد أن يطلق ضحكة احتجاج مجلجلة في المكان، وقال بكل ما أوتي من غضب، يريدون تعليمنا الديمقراطية!!! يريدون تعليم الشعوب أشياء تخالف الشرع والدين والأعراف والأخلاق، عندما يقولون أن الشعب السوري وحده الذي يحق له انتخاب رئيسه وقيادته، وهو الوحيد الذي يقرر مصيره بنفسه!!!ما هذا الهراء؟ ما هذا الكفر والإلحاد؟ إذا كنتم تعتقدون أن الرعاع وحدهم من يحق لهم تقرير مصيرهم بأيديهم وأنفسهم، فماذا تركتم لألي الأمر أيها الزنادقة؟!!! وأين ذهبتم بمسؤولية الملوك والأمراء أطال الله في عمرهم أيها المرتدون؟!!! وماذا فعلتم بالشرع والدين أيها الملحدون؟  ألم تعلموا أن الديمقراطية بدعة كما أكد مفتي المملكة رعاه الله؟ نعم” بدعة، وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة بالنار”؟وإذا سكتنا عن ذلك الكفر والإلحاد في سوريا والعراق واليمن، فماذا سنفعل وكيف سنُسكت الرعاع في بلاد المملكة الممتدة؟ أو كما يسمونها في بلاد نجد والحجاز؟ وماذا سيحصل في موارد البلاد وخيراتها إذا “أمّمها” الملاحدة باسم الرعاع؟!!!، وكيف سيظل الأمراء أمراء والملوك ملوكاً بدون هذه الثروة؟ ومن أين سينفقون ويبذخون ويبذرون ويبنون القصور،  ويشترون السلاح الذي يدافعون به عن الأمة في وجه الفرس والمجوس؟ وكيف سيدعمون ويسلحون “ملائكة الرحمة” الذين يحاربون أعداء الله في سوريا والعراق واليمن ومُدّّعي الإسلام في فلسطين، كفاكم كفراً وضلالاً وعودوا عن غِيِّكم وجحودكم وضلالكم، ليغفر لكم آل سعود هذا الذنب العظيم، وتصبحوا على دخول الجنة بإذنهم وبإذن الله قادرين…

ولم يدر لماذا فكر الوزير أنه لو لم يكن وزيراً للخارجية لطالب بوساطة الأمريكان عند الملك وولده طال عمرهما، ليكون مفتي المملكة!!!.

مد الوزير يده متحسساً رأسه الأقرع، وكاد ينسى كل شيء عندما تذكر صفعات ولي ولي العهد المتتالية على رقبته مازحاً، وكاد يقول بصوت عال “ضرب الحبيب كأكل الزبيب” ، وأنزل كفه الى فمه وقبلّها متمتعاً برائحةٍ منبقيةٍ من “أثر” كف الأمير.

محمد النجار

الجيش الذي لا يُقهر…….صفات ومميزات

*عندما ترى هذا الجيش المدجج بالسلاح، كيف يهاجم الأطفال العزّل ـ بطبيعة الحال ـ ويستكلب في ضربهم وإيذائهم، خاصة والأطفال فُرادى وهم تكتل كبير من الجيش أشبه بقطيع كلاب برية جائعة، تعرف أنك أمام جيش لا يُقهر.

*عندما ترى هذا الجيش المدجج بالسلاح وهم مُتكتلين مع بعضهم البعض كيف يهاجم الفتيات والنساء اللواتي لا يحملن حتى حجر في أيديهن ، تدرك أنك أمام جيش لا يُقهر.

*عندما ترى هذا الجيش المدجج بالسلاح كيف يهاجم رجلاً مُسنا بالكاد يستطيع السير وكيف يتفنن الجنود بضربه ببنادقهم وعصيهم، تدرك أنك أمام جيش لا يقهر.

*عندما ترى هذا الجيش كيف يقنص الأطفال بقناصات بنادقه، وكيف يشعر بزهو الإنتصار أمام هذا الإنجاز الدموي، تدرك أنك امام جيش لا يُقهر.

*عندما ترى كيف يعذب هذا الجيش المدجج بالسلاح ضحاياه العزل أنفسهم، ويعتقلهم ويقتلهم ويهدم بيوتهم  تدرك أنك أمام جيش لايقهر.

*عندما ترى هذا الجيش كيف يفر من أمام أطفال الإنتفاضة وشبابها الذين لا يملكون سوى حجارة الطريق بأيديهم ، تدرك أنك أمام جيش لا يُقهر.

*عندما ترى هذا الجيش كيف يقصف بطائراته ودباباته وصواريخه المحرمة دولياً، النساء والأطفال والعجز والمدارس والمستشفيات ورياض الأطفال والبيوت ويدمرها فوق رؤوس ساكنيها، والمساجد والكنائس ومحطات الكهرباء والورش الصناعية والسيارات، ولا يجرؤ أن يتقدم مترا واحداً مُترجلاً تدرك أنك أمام جيش لا يقهر.

*عندما ترى هذا الجيش المدجج بالسلاح كيف يحاصر 2 مليون إنسان مانعاً عنهم الماء والدواء والطعام،  والعلاج والتعليم والسفر وعيادة أم لأبنتها وحرمان أم من رؤية أبنها، ومنع شمل عائلاتهم تدرك أنك أمام جيش لا يقهر.

*عندما ترى هذا الجيش المدجج بالسلاح يُقطّع أوصال بقية وطن، ويملأه بالحواجز والمستوطنات، وكيف تتناثر عنصريته وتقتيله بهم، وبمن تبقى من سكان فلسطين في الداخل الفلسطيني، وهم عزل من السلاح، تدرك أنك أمام جيش لا يقهر.

*عندما ترى نفس الجيش المدجج يالسلاح، يُحرّض مستوطنيه ويقودهم لحرق الأطفال الرضع والفتيان، ويهدم المنازل ويقتلع الأشجار تدرك أنك أمام جبش لا يقهر.

*عندما ترى هذا الجيش المدجج بالسلاح ، وأنت في الزنازين مقيد بالسلاسل، وأيديك خلف ظهرك، يطلب تعزبزات ليقودك من غرفة التحقيق إلى الزنزانة خوفاً من غضب عينيك، رافضاً أمراً مباشراً من المخابرات، تدرك أنك أمام جيش لا يقهر.

*عندما ترى كيف يفر هذا الجيش وقادته ليختبئوا في الملاجئ، هروباً من الصواريخ “العبثية” المصنعة يدوياً، تدرك أنك أمام جيش لا يقهر.

*عندما ترى كيف يهاجر المستوطنون الذين في أغلبيتهم الساحقة إن لم يكونوا كلهم جيشاً، بعشرات الآلاف وبغير عودة، من نفس الصواريخ التي “تتساقط” من الباتريوت، ولا تقع إلّا على أبواب المستوطنات ولا تؤذي أحداً، تدرك أنك أمام جيش لا يقهر.

*عندما تراهم كيف يصرخون ويبكون أمام عمليات المقاومة اللبنانية التي يقودها حزب الله، تدرك أنك أمام جيش لا يقهر.

*عندما ترى كيف يأسر هذا الجيش وقادته الإنسان الفلسطيني “إدارياً” دون محاكمة، على اعتبار ما يفكر به، وعندما يحتجز جثامين الشهداء، وعندما يجعل من تجارة الأعضاء البشرية تجارة رابحة رائجة بعد تصفية الجرحى أحياء، فاعرف أنك أمام جيش لا يقهر.

*عندما ترى كيف كان يدخل هذا الجيش القرى الفلسطينية ، ويطلق النار على الفلاحين متنقلاً من بيت إلى بيت، قاتلاً الشيوخ والشباب والنساء والأطفال، باقراً بطون الحوامل، كما في دير ياسين، و على المصلين في المساجد والكنائس كما في مدينة اللد، أو على العمال العزل العائدين من عملهم كما في دير ياسين، يصفهم إلى الحائط ويطلث النار عليهم حتى الموت، فاعلم أنك أمام جيش لا يقهر.

والأمثلة على ذلك لا تعد ولا تحصى….. لكن دعنا نعود إلى التاريخ قليلاً، لتدرك معي وتوافقني الرأي، بأننا يجب أن ندرك مرة وإلى الأبد أننا أمام جيش لا يقهر!!!.

*بعد أن أحضر البريطانيون هؤلاء المستوطنون، مستغلين طيبة وسذاجة البسطاء الفلسطينيين، واستقبلهم الناس من باب القناعة بضرورة”نجدة الملهوف” الهارب من نار الحرب العالمية الثانية، قامت نواة هذا الجيش بالتفجيرات في الأسواق والمساجد والأماكن العامة ضد من نجدهم وحماهم وقدم لهم الأكل والشرب والفراش والأمان، كي يثبتوا لنا ويقنعوننا بأننا أمام نواة جيش لا يقهر.

*عندما تدرك أن “مسرحية حرب التحرير” التي يدّعيها، ما هي سوى التطبيق العملي المتفق عليه بين الحركة الصهيونية والأمبريالية الإنجليزية لتطبيق وعد بلفور، تدرك أنك أمام جيش لا يقهر.

*وعندما تدرك أن المشروع الإنجليزي كان يتلخص بإستقدام” أرخص سمسار” وزرعه في المنطقة مدعوماً بالرجال والسلاح للحفاظ على مصالح الإستعمار، وليكون أحد ضمانات التمزق العربي وعدم وحدته، لذلك جلبوهم من كل أقطار العالم ومنعوهم “بديمقراطية لا مثيل لها” من التوجه الى أي بلد آخر في العالم إلّا لفلسطين، وبنوا لهم المستوطنات وأغدقوا عليهم الأموال، وأفرغت بريطانبا العظمى ترسانتها التسليحية بين أيديهم، ودربتهم، وكبلت الإنسان الفلسطيني وسجنت مناضليه ولاحقتهم مع بقية الأنظمة التابعة لها، ولم تسمح له بحمل سكين برتقال صغير في “أرض البرتقال”، وعلقت له المشانق ، ورغم ذلك كان هذا الجيش يجبن ويتراجع ويفر من أمام بضعة ثوار ملاحقين في الجبال، ببنادق قديمة وبضع رصاصات إشتروها بعدما باعوا صيغة نسائهم وأمهاتهم، تدرك أنك أمام جيش لا يقهر.

*عندما تدرك بأن الأنظمة العربية كانت تضغط على الجماهير الفلسطينية مع القيادة الإقطاعية الفلسطينية ـحيث نحن الفلسطينيون على مدار تاريخنا نتمتع بقيادات ثورية لا تساوم!!! ـ ليغادروا البلاد ويفروا من وجه المجازر الصهيونية، ويتعهدون لتلك الجماهير بإرجاعها بعد بضعة أيام وليس أسابيع، ثم تبدأ تعد “الخيل في الليل” وتحشد الجيوش والجِمال والأفيال و”ترسانات” الأسلحة لإعادة تحرير فلسطين، تدرك كم أن جيش الدفاع الإسرائيلي جيشا لا يقهر.

*وعندما تدرك أن حرب التحرير التي شنتها الأنظمةالعربية، جمّعت بها ومن كل الدول العربية ـ انتبه للرقم رجاءً ـ عشرين ألف جندي، بأسلحة هزيلة ضعيفة صدئة، في حين جمع الصهاينة تسعين ألفاً بأكثر أنواع الأسلحة البريطانية والغربية تطوراً، وقاد الجيوش العربية ـ انتبه مجدداً من فضلك ـ الجنرال الإنجليزي”غلوب باشا”، الذي تحتل بلاده فلسطين ومعظم الدول العربية، وسلمت بلده البلاد والعباد للصهاينة إيفاءً بالإلتزام بوعد بلفور، تدرك ماهية الحرب التي انتصر بها جيشهم، وتدرك أنك أمام جيش لا يقهر.

*وإذا علمت ورأيت بأم عينك الآن ماهية القيادات العربية، وما تحضره “لغزوة تحرير فلسطين”، لكن بعد تفكيك جيوش العراق وسوريا وليبيا ومصر واليمن، وبعد تولي داعش والنصرة وأخواتهما القيادة الإسلامية وخلافة المسلمين السنة، “المبشرين وحدهم بالجنة”، وبعد ذبح الكفار والملحدين والزنادقة والمرتدين والروافض والنصارى بإختلاف فرقهم ومذاهبهم، كي يتفرغ “القوم” لإذلال الصهاينة، لأنه بعد كل ذلك لا يوجد مبرر لتحرير فلسطين، لأن الصهاينة سيكونوا خائفين مرعوبين وغير قادرين على الإتيان بأي فعل سيء، عندما ترى ذلك تدرك لماذا هذا الجيش هو جيش لا يقهر.

*وعندما ترى القيادة الفلسطينية مستسلمة مستكينة صامتة مرعوبة معلنة في كل زمان، تخليها عن حقوق شعبها، وأنها لا تستطيع مواجهة إسرائيل، تدرك لماذا ظل هذا الجيش جيش لا يقهر.

*وعندما ترى نفس القيادة تعتقل مَنْ فكّر ورفض وقاوم بالكلمة أو بالحجر أو بالسلاح، وتحمي المستوطنين والجنود بدلاً من حماية شعبها، “كما أوضح شعث اليوم بأن السلطة قامت بمسؤوليتها في حماية المستوطنين “، تدرك لماذا أنت ما زلت أمام جيش لا يقهر.

*لكنك عندما ترى أن هذا الجيش والمستوطنون يفرون من حجارة هذا الشعب، وتُفرغ شوارعهم وأسواقهم عندما يبدأ الشعب بإستخدام “عضلات يديه” فقط ، قبل الرصاص والمدافع والصواريخ، وأنه كف عن سماع تبريرات القيادة المهزومة، تدرك أن الجيش الذي لا يقهر، ما هو إلا “نمر من ورق”، يمكن أن يهزم في أي مواجهة جدية قادمة، وأنك بهزيمته هذه تُخلّص العالم من آخر نظام عنصري إستيطاني، وتدرك أن لعبته الكاذبة إنتهت إلى غير رجعة.

*ملاحظة:

ألم تلحظ معي أن ما يفعله الدواعش والنصرة وأخواتهما ما هو إلّا نسخة كربونية لما فعله الجيش الذي لا يقهر؟ (مضيفًا إليه سبي النساء وإعادة فتح أسواق العبيد)، وبدعم من نفس الرجعيات العربية ومن نفس الدول الإمبريالية مضيفاً إليها الأمريكية!!! ياسبحان الله على هذا التطابق، لكن لله في خلقه شئون!!!

محمد النجار

يحسدون الكلب على فروته

لم يفاجئني أن يتم اختيار مملكة آل سعود لترؤس “لجنة حقوق الإنسان في مجلس الأمن الدولي”، وأنا أسميهم بآل سعود من باب إحقاق الحق وليس غير ذلك، فآل سعود هم من يملكون المكان والزمان، وهم من يملكون البشر والحجر والغنم والبقر، وهم من يملكون الفضاء والسماء والغاز والنفط والرمل والإبل والماء،  وكذلك يملكون الإبل والخراف والماعز والدواء والهواء، وبالتالي هم من يحق لهم البيع والشراء والكر والفر والقتل والذبح وحقن و إراقة الدماء، فكما يقول المأثور الشعبي” من تحكم بماله ما ظلم”، وهم بمالهم يتحكمون، وبه ينعمون، ومن خيرات ربهم عليهم يشترون ويصرفون ويتبرعون ويدعمون ويتاجرون ويقامرون،ويعاهرون وإن كانوا لا يجاهرون، وعلى الفرق الجهادية ينفقون ويغدقون.

أما المسائل الفرعية والتي لا قيمة لها في الحياة العملية، مثل أن يكون للبلاد دستور، ورأي للعباد وانتخابات، فبمثل هذه التفاهات لا يعبأون، وهم “أعني آل سعود” وخاصةعقول الكبار النيرة منهم، ألئك الجهابذة والمفكرين والعلماء، “لا يهمهم في القول لومة لائم” وبالتالي لن ينجرّوا لتطبيق هذه التفاهات المخالفة للشرع والدين الإسلامي الحنيف، فمثل هذه التفاهات هي “بدعة ، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار”، فمعاذ الله أن ينجرّ علماء  آل سعود وحكماؤها وجهابذتها إلى الذين لا يعرفون ولا يعقلون،  الذين يتجاهلون حقائق الأمور، والروافض والمجوس وأبناء فارس، وحزب الله والملحدون ممن يتمسكون بلبنانيتهم و سوريتهم وعراقيتهم، و فلسطينيتهم بدلاً من أن ينصهروا في دولة إسرائيل الكبرى، الحليف الكبير و”الصديج” الوفي للعائلة والدولة جزاها الله كل خير ، ومن يتمسكون بعروبتهم بدلاً من تمسكهم بدينهم وألي أمرهم حرّاس الكعبة الشريفة طال عمرهم ، أولئك الذين ما زالوا في غِيّهم يعمهون ويكابرون ويجادلون ويجاهرون، ومن شابههم من الحُسّاد الذين “يحسدون حتى الكلب على فروته” يحسدون آل سعود أيضاً أكثر على ما أعطاهم الله وأنعم عليهم مما ملكت أيديهم وكسبت من المال الحلال، يحسدونهم اليوم على ترأسهم” لجنة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة”!!!، وهم أنفسهم يحسدون الصديق الصدوق إسرائيل على ترأسها” لجنة التحرر  ومقاومة الإستيطان” في الأمم المتحدة، مدعين على إسرائيل ما ليس فيها من إتهامات باطلة!!! يا سبحان الله، ياسبحان المولى على الكذب والنفاق و الكفر والفجور ، لماذا لا يحسدون حارة الشيخة “موزة” وزوجها وأبناءها، الذين يعلم الله كم دفعوا و”برطلوا” ورشوا من الملايين ليستضيفوا “ألعاب الرياضة” عام 2022، خسئوا أن نكون بهذه التفاهه، أنغدق الملايين على “الألعاب”؟! فعلاً “ولله في خلقه شئون”.

على كل حال، لقد بدأت القصة برمتها ب”حلم” لخادم الحرمين طال عمره، لا، معاذ الله أن يكون ذلك حلماً، لقد كان كابوساً، نعم كابوسٌ، حيث رأى “طال عمره” فيما يرى النائم، “خير اللهم اجعله خير”، أنه يَعُد العدة، ويُجهّز الجيش والخيل، ويشحذ السيوف ويسن حدودها، ليقوم بعاصفة حزم وعزم على بلاد “إسرائيل”،التي يسمونها زوراً وبهتاناً بأرض فلسطين، وأراد أن يبدأ قصفها بالمنجنيق لولا تخوفه من أن يُخطئ الهدف ويصيب المسجد الأقصى، فعدل عن الأمر، وألح عليه الحلم أن يفعل، لكن شيئاً في عقله الباطن نهاه ووبخه وذكّره أن إسم إسرائيل يعني شيئاً مهماً للعائلة كلها، فاستيقظ من حلمه فزعاً صارخاً بائلاً في فراشه، نازفاً عرقاً نتناً مثل بعير قطع الصحراء ركضاً دون توقف، وسرعان ما اجتمعت العائلة كلها، وعلى رأسها ولي ولي العهد وبقية الأبناء والأحفاد، ولم يخبروا أبناء العمومة والأخوال كونهم ثرثارين شامتين، وحملوا طويل العمر مباشرة إلى عرّافة القصر، وأحضروا مفتي المملكة من منامه، والذي ظل شخيره مسموعاً مثل بقرة قد ذُبحت لتوها، وتحاول إلتقاط ذرات هواء تتلاعب امام عينيها دون نجاح.      لم يستطع ولي ولي العهد ان يتمالك أعصابه لخطورة الأمر، وصرخ بوالده طويل العمر قائلاً:

ـ لقد خرّفت تماماً يارجل… كيف تجرؤ على مثل هذا الحلم؟!!! أنسيت أفضال القوم عليك وعلينا؟ فهم كانوا من أكثر المؤيدين على تمليكك ل”ديرتنا”، وهم الذين يقفون معنا في تدمير بلاد الكفرة في سوريا والعراق، وهم ونحن من يحارب دولة الروافض الإيرانية، وهم الذين يشاركوننا في قصف “ملحدي اليمن” وروافضهم… الله أكبر يارجل على مثل هذه الخطيئة، حتى أننا عندما رفضنا استقبال اللاجئين قاموا هم أيضاً ببناء سياج كيلا يدخل منه او يتسلل أحد، نحن وهم الشيء نفسه ياوالدي، والله لولا العيب وشمت الشامتين لإستخسرت فيك، وخجلت من أن أخاطبك بكلمة والدي… كيف تجرأت على ذلك؟!!! كيف استطعت ان تحلم مثل هذا الحلم؟!!!  فوالله لو لم تكن والدي لجعلت هذا”البغل” ـ وأشار إلى مفتي المملكة بإصبع يده ـ يفتي بزندقتك وقتلك رجماً. أهذا حلم تحلمه؟!!! هزُلت ورب الكعبة…

وازداد احتداد الأمير، وتهدد والده وتوعده، وأرغى وأزبد، وهاج وماج، ولولا تدخل الحاضرين والخوف من شماتة أبناء العمومة، لحبسه في غرفة ومنعه من أن يمارس هوايته الوحيدة، بعد أن غزا رأسه مرض الزهايمر، في اللعب على باب القصر ملوحاً بسيفه صارخا ناثراً رمل الصحراء على رأسه ورؤوس الزائرين.

وقال الأمير مخاطباً مفتي المملكة، صارخاً به:

ـ أما زال شخيرك يملأ المكان قاتلك الله؟ قم وافعل شيئا مفيداً، قل كلمة تُرضي الله والرسول وألي الأمر…. أم صدّقت أنك عالم دين جليل؟ قم وافعل شيئاً غير الأكل والنوم قاتلك الله، هل يجب أن أفعل كل شيء بنفسي؟ ألا ترى أنك تقبض آلاف الريالات وأنت في “عزِّ غلاء الرجال” لا تساوي” ملو أذنك نخالة”؟!!! ألم أطلب منك الإجتهاد في الدين؟ ماذا فعلت حتى الآن؟

كان مفتي المملكة ينتفض خوفا، وظن الكثيرون أنه إن استمر غضب الأمير ولي ولي العهد “سيفعلها” على نفسه، لكن الله كرّمه و”انحلت” عقدة لسانه وقال:

ـ لقد فعلت طال عمرك، لقد فعلت…

فقال الأمير وزير الدفاع صارخاً:

ـ هات ما عندك… قل

فقال المفتي وما زال ينتفض متلعثماً في حروف كلماته:

ـ ظننت طال عمرك أنه… أعني أن كل “صيت” المملكة وقوة شكيمتها ظلت مرتبطة بغير” فرعكم” طال عمرك… لذلك أوصيت علماءنا الأجِّلاء أن يُركِّزوا في خطب المساجد على ميزات صاحب الجلالة، وأن يُعدّلوا الآية الكريمة التي وصلتنا عن طريق الخطأ المقصود، والتي تقول”يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا، ولا تنفذوا إلّا ” ب”سلمان” طال عمرك وليس “بسلطان” كما وصلتنا مُشوهة، وظني أن المقصود هو “ذرية سلمان” وولده محمد طال عمرك، ألا وهو جنابك طال عمرك، وهكذا لن يعود لا” لبندر بن سلطان”ولا لأبناء سلطان حقوقاً يطالبونكم بها…

سكت المفتي قليلاً، ثم أكمل:

ـ كما أن الله أنعم علي ووفقني في الوقوف على بعض الأحاديث التي كانت مُغَيّبة، منقولة عن أبي هريرة، تدلل على صحة ما ذهبت إليه…

انتفض الأمير فرحا هذه المرة، وقال:

ـ قل بعض هذه الأحاديث

فقات المفتي:

ـ لم تكتمل في ذهني بعد طال عمرك!!!

فقال الأمير ولي ولي العهد:

ـ هكذا … نعم هكذا تكون مفتي المملكة بحق.

وأخذ من جيبة رزمة من الدولارات، وضعها في يد المفتي وطبطب على يده ليهدئ من روعه.

تمشّى الأمير ذهاباً وإياباً وسط صمت الجميع، وأعطى أمراً واضحاً لا لبس فيه:

ـ تعبيراً عن الأسف الذي يلف مملكة آل سعود كلها، بما لها وما عليها، وتعبيراً عن حالة الحزن التي سببها “الحلم المفاجئ المشين” لطويل العمر قررنا ما يلي:

  • أن يُحرم طويل العمر ثلاثة أيام وليال متتاليات عن اللعب بالسيف على باب القصر نتيجة جُرمه الفاحش، وبعد ذلك يمكن إستيراد الباكستانيين و الهنود ليعاود طويل العمر تدريباته عليهم سواء بطعن السيوف أو ضرب الرماح، وأن لا تنسوا أن “تخصونهم” قبل أن تدخلونهم على “حريمنا”، والإستمرار بإخفاء جثث القتلى منهم بسبب الطعنات، كما كان حتى هذ اللحظة، وإن كُشف الأمر ننكره، ونستعيض عن هاتين الدولتين بدول إفريقية مواطنوها كمواطنينا ليس لهم ثمن، أعني أن لا يزيد سعر الرجل منهم عن سعر بعير

  • دعم “السلاح الشرعي” الذي تُمثله السلطة الفلسطينية، والذي يهدف إلى عرقلة وإيقاف المتطرفين الذين ما زالوا يعملون على وقف عملية السلام الناجحة بين الفلسطينيين والأخوة الإسرائيليين، وفي ذات الوقت الدعم في السر إن تعذر الأمر في العلن، لما تقوم به أختنا وحليفتنا إسرائيل، ضد الإرهابيين الفلسطينيين واللبنانيين من كافة الأعمار والأجناس. والتأكيد على أن السلام ممكن إذا تخلت السلطة عن تعنتها وقامت بواجباتها من أجل السلام.

  • دعم المجاهدين الأبطال في داعش والنصرة وأخواتهما من التنظيمات الجهادية في سوريا والعراق واليمن وليبيا ومصر ولبنان والصومال وأينما وُجدوا، ومحاربة من يحاربهم بما في ذلك الجيش الروسي القادم من وراء البحار ليفشل جهودنا، ونوصي الأخوة المجاهدين أن يواصلوا كل ما كانوا يفعلون بما في ذلك من عمليات الحرق وشواء البشر وقتل الأسرى من جنود ومؤيدوا لأعداء الإسلام، وسبي النساء ورجم المخالفين حتى الموت وأكل أحشاء البشر، وأن يُصوّروا كل ذلك ويبثوه كما فعلوا حتى الآن، وإننا نعلمهم أن التصوير حرامُ من حيث المبدأ، إلّا في حالتهم فهو محللٌ لهم لغايات الإنتصار على الكفرة والروافض.

سكت الأمير قليلًا ليتذكر ما يمكن فعله ليكفر عن جرم أبيه من ذلك الحلم، حين شاهد “عرّافة” القصر قد بدأت تتململ في جلستها، فشعر أنه يجب أن يستمع لما تريد أن تقوله تلك العجوز الشمطاء التي إن غضبت منه فسينعكس الأمر بسوء ما على جسده، فطلب منها بشيء من الخشوع أن تتحدث، فقالت:

ـ لقد نسيت الأهم طال عمرك، نسيت أننا يجب أن نعمل ” لصاحب الجلالة” طويل العمر “حجاباً” كي يحميه ويقلل من نسيانه ويعيده إلى رشده، وأن تكلف أحداً بقراءة سورة الفلق والكرسي كي لا يصيبه مكروه من عيون الحساد، ثم بعد ذلك أن تأمر من يحضره إلي لمعاودة جلسات العلاج بالقرآن التي تَخلَّف عنها في الآونة الأخيرة. كما تخلف عن جلسات دهان جسده بدهن “البعير”.

وهكذا فعل ولي ولي العهد ثم خرج تاركاً خلفه من سيواصل تنفيذ أوامره.

دخل إلى مكتبه، كانت بعض الصحف على طاولته، أبعدها بطرف يده لأنه يكره القراءة والقراء، كما أنه لا يُحسن القراءة بالعربية كثيراً كما حاله في اللغات الأخرى، فتح التلفاز  على محطة تلفزيونية لا تتبع لإمبراطوريتهم على غير عادته، ومن باب الفضول أخذ يستمع لهم، مستغرباً ما يقولونه رغم أنهم ليسوا من الروافض الشيعة، ولذلك كان طويل العمر قد تأكد أنهم كفرة ملحدين……   كان يقول التلفاز:

ـ “ولله في خلقه شئون”، فخلق لنا هذه الكائنات المحسوبة ظلماً وعدواناً على المخلوقات البشرية، أنظروا إلى متخلفي آل سعود، ترون بوضوح أنهم كائنات لا تعرف القراءة ولا “التتبيع”، كائنات غريبة عجيبة بلا أفق ولا كرامة ولا أخلاق ولا إحساس، كائنات بهيمية صرفة، تعتقد أنها تُعوض عن إنسانياتها بأموالها، وأن من حقها شراء الذمم والبشر ونشر الفساد والإفساد وشراء القيادات وتدمير الدول والأوطان والمؤسسات، هذه العائلة التي تقتل البشر وتتعامل معهم وكأنهم كومة من الحشرات، الم ترَ كيف تعاملوا مع الشهداء الحجاج؟ إنهم يخافون أو يجبنون أمام الإعتراف بالأخطاء، ولا يتعلمون منها، هذا الموت المجاني دائم الحضور في معظم مواسم الحج.

إنهم يُميزون أنفسهم لا لشيء إلّا لأنهم يسرقون أموال الأمة ويرهنون ما يتبقى من عهرهم في بنوك الغرب، ليستخدمها في استغلال شعوب الأرض بالديون والفوائد وضرب وتخريب الإقتصاد في تلك البلدان، لتزداد تلك الشعوب فقراً وبحاجة إلى المزيد من الديون، وسرعان ما تربط مصيرها ومستقبل أبنائها وسوقها وسياستها واقتصادها بتلك البلدان، وتبيع مواردها الأولية بأبخس الأثمان، تصور هذه الأموال التي يدمرون بها حضارات بلادنا لو وضعت في خدمة شعوب المنطقة، لن ببقى مجاعات ولا أمية ولاجهل ولا بطالة ولا فقر ، وكان سيكون إقتصاد بلادنا من الإقتصاديات الناجحة في العالم، وكانت هجرة العقول والعمالة نحو بلادنا بدلاً مما هي عليه الآن. هؤلاء الأنذال قمة متعتهم أن يحشوا بطونهم بالفتيت واللحوم، ويعيشوا الدهر  كله يلعبون بخصياتهم ويحلمون بالجنس، نعم بالجنس فقط، فرؤوسهم لا تتسع لامرأة كاملة، هؤلاء يعتقدون أنهم إن إستطاعوا أن يشتروا لجنه حقوق الإنسان ويترأسوا لجنتها، يُغطّون على ما يدور في بلدانهم من منع حق الكلام وحتى التفكير عن البشر، يعتقدون أن ذلك يُغير شيئاً من حقيقة قمعهم لشعبهم، أو يُخفف من الأمية والجهل والبطالة والجوع والقتل والسجن وشطب الحريات، ويعتقدون أن الناس ستنسى أن مرتبة دولة آل سعود في العالم في مجال حقوق الإنسان، رغم الرشاوى والدعم الأمريكي وحلفائه الغربيين، هي 164 من أصل 180 دولة…..

رمى طويل العمر “مُوجه” التلفاز من يده، وكاد كعادته أن يمد يده ليبدأ اللعب بخصيتيه، لكنه تراءى له أن المذيع ينظر إليه ويبتسم، يبتسم ويكاد يضحك منه ساخراً، فقام غاضباً وخرج من مكتبه.

محمد النجار