إستحضر الرئيس التركي أردوغان السيد خالد مشعل لأنقرة، أبلغه بما أتمّه من صفقة مع الكيان الصهيوني، نصحه، كما ذكرت بعض وسائل الإعلام، باللقاء مع رئيس الموساد، ورغم تأكيد البعض بوقوع الإتصال، إلا أن هذا بعيدا عن موضوعنا، فأردوغان الذي لم تنقطع علاقاته يوماً واحداً مع الكيان العبري، ولا مع اللوبي اليهودي في بلاد العم سام، وكان التاجر “الشاطر” والرابح الأكبر لبيع نفط سوريا والعراق للكيان العبري، بشركات أولاده وصهره، وقبض الثمن على كل “رأس” من الإرهابيين الذين ادخلهم لتدمير سوريا والعراق، كما وثمن كل قطعة سلاح أو آلية أدخلها لهما، وتطور في عهده التبادل التجاري مع “إسرائيل”إلى حوالي ثلاث أضعاف ما كان عليه قبل وصوله للسلطة، رغم كل الضجة والضجيج والمزايدات على القضية الفلسطينية، “ورغم أن تدمير سوريا والعراق بالتأكيد ليس في صالح القضية الفلسطينية”، التي طالما تغنى بها أردوغان نفسه.
والإخوان المسلمون ،كعادتهم، لم يحتجوا ولو بكلمة واحدة على محاولات أردوغان، على مدى عمر الأزمة السورية، اقتطاع الشمال السوري ليلحقه بتركيا، ولا لمطالباته الوقحة بالموصل ليصير جزءا من تركيا، وبالمقابل لم يتذكروا يوماً إغتصاب تركيا للواء الإسكندرون السوري، الذي ضموه لتركيا بالإتفاق مع بريطانيا، عند تقاسم “الغنائم” المحتلة سابقاً من الدولة العثمانية… لكن كل هذا بعيد عن موضوعنا.
وما أن عرف جماعة الإخوان المسلمين بأمر الصفقة، حتى قبل أن يعرفوا تفاصيل ملحقاتها السرية، ورغم أن “بطلهم” أردوغان تنازل عن قَسَمِه ووعوده بما يخص رفع الحصار عن قطاع غزة، إلّا أنهم انبروا للدفاع عن “إمامهم” ب”الباع والذراع”، لدرجة شبهه البعض منهم بالرسول الذي قام بصلح الحديبية، وأن صفقته تخدم الإسلام والمسلمين، وتخدم القضية الفلسطينية حتى وإن بدى غير ذلك، ومن جديد وكعادتهم، يوظفون الدين لخدمة تبرير أفعالهم المشينة، بدلاً من سياسة النقد والنقد الذاتي التي يمارسها معظم الأحزاب السياسية بغض النظر عن توجهاتها وعقائدها، لكنهم وكونهم ينظرون لأنفسهم كوكلاء “حصريون” لله على الأرض، لا يحق لأحد منازعتهم عليها، وربما لا يحق للخالق نفسه إلغاء هذه الوكالة! فإن إعترافهم بالأخطاء ينزلهم في نظر معظم “القطيع” الذي يصدقهم، من المنزلة “الربوبية” إلى المنزلة “الطينية” التي يتشكل البشر منها، فيظهروا على حقيقتهم، التي ليس لها علاقة لا بالآلهة، ولا بالبشر في أحيان كثيرة. لكن كل هذا بعيد عن موضوعنا أيضاً.
لم تتوقف نرجسية أردوغان يوماً حتى وهو في قمة ذُله، وبدلاً من أن يفسر أويبرر سبب خضوعه وخنوعه للكيان الصهيوني الغاصب، فأخذ يخاطب، متوعداً، الذين أشرفوا على سفينة مرمرة، صارخاً “مَنْ الذي سمح لكم لتفعلوا ذلك؟ هل أخذتم الإذن لتقوموا بذلك؟”، يعني جعل الضحايا من المناضلين هم المذنبون، حتى لوكانوا أتراكاً ومنهم الشهداء والجرحى !!! ولم نلحظ أيضاً أي تعليق على هذا الأمر من كل جماعة الإخوان المسلمين، وكأن شيئا لم يحصل ولم يُقال، وقبل ذلك، قام أردوغان “صاغراً”، بالإعتذار عن إسقاطه الطائرة الروسية، ووعد بأشياء كثيرة “خصمه” الروسي، رغم كل جعجعته ورفضه الإعتذار طوال الفترة الماضية، وأيضاً لم نسمع لو مجرد نقد أو عتاب من كل زعامات الإخوان المسلمين في كل الأقطار التي يتواجدون فيها، لكن هذا أيضاً بعيد عن جوهر موضوعنا.
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن، ماذا لو جاء “أو سيجيء” في الإنتخابات حزباً آخر بقيادة أخرى غير قيادة الإخوان في تركيا، وقام “أو سيقوم”بما قام به أردوغان، يعني، إعتذر للروس باسم تركيا عن اسقاط طائرتهم وقتل طيارهم، وعقد الصفقة المخزية مع الكيان الصهيوني، وتنازل عن رفع الحصار عن غزة، ورفض تنفيذ سياسة أمريكا وحلف الناتو في المنطقة، من سياسة تقسيم سوريا والعراق، ألا يصبح في نظرهم وإعلامهم وتنظيراتهم أنه دكتاتوراً وفاسداً، ما دام ليس من “قبيلة” الإخوان، وسيتذكرون فجأة لواء الإسكندرون المحتل من تركيا؟!!! تماماً كما يفعلون مع إيران بعد سقوط الشاه الذي كانوا يلعقون قدميه صبحة وأصيلا، وربما لم تكن إيران “شيعية”في عهده؟!!! لكن هذا بعيد عن موضوعنا أيضاً.
صدرت، قبل أيام من توقيع الصفقة الأردوغانية ـ الصهيونية، تصريحات متتالية، لأكثر من مسؤول من قيادة الإخوان المسلمين، فرع فلسطين”حماس”، سواء داخل غزة أو خارجها، بالإطراء على طهران، واصفينها بأنها الداعم الحقيقي للمقاومة، تسليحياً ومالياً، نفس الشخوص الذين طالما امتدحوا قطر وآل سعود والسودان و…إلخ، متجاهلين دور إيران حضورها الدائم بشكل متعمد، منكرين ومستكثرين تصريحات “مناضلي القسام”، حينها، الذين لطالما أعطو إيران حقها في هذا المجال، وتساءلت مثل الكثيرين، مع نفسي، لماذا تأكيد المؤكد هذا، لماذا الآن وفي هذا الوقت بالذات؟ ورأيتني أحيل أسباب ذلك لعدة أسباب منها:
- أن هؤلاء أرادوا الضغط بطريقة فاشلة على قادة الكيان، بأنه إن لم يتنازل بشيء ما لأردوغان، فإنهم سيتجهون إلى إيران، يعني إحفظي يا”إسرائيل” ماء الوجه لقائد العثمانية الجديدة أردوغان، كي نبقى تحت إبطه، وإلا فإنكِ تجبريننا للتوجه إلى عدوك اللدود إيران.
*أمر آخر ربما يكون وراء ذلك، هو أن قيادة الحركة تعرف جيداً أن إيران ، وبعد موقفهم، من سوريا واليمن وتحريضاتهم المذهبية والطائفية في فلسطين، ربما جعل إيران تدعم القوى الأكثر جذرية في الساحة الفلسطينية، على حساب دعمهم، الذي لم ينقطع أبداً ولكنه، ربما، تراجع قليلاً، الأمر الذي قد يطيح بزعامتهم من القطاع، فكما تقول بعض المصادر، أن إيران دعمتهم بثلاثمائة مليون دولار في ثلاث سنين فقط، يعني لو إمتلكها أي حزب أو تنظيم آخر سيجعل لديه جيشاً جراراً، وسيفرض قوته على الأرض دون كثير من الجهد.
- الأمر الآخر الذي يجعلهم يتنافسون في هذا المديح، أنه وبعد الرفض المتزايد لبقاء خالد مشعل في منصبه على رأس المكتب السياسي لحماس، وتتزايد المطالبة في تغييره في مؤتمرهم القادم، فإن الكثيرين يريدون الوصول لهذا المنصب، وكون “القساميون” لهم وزنهم وكلمتهم، فمن يريد تبوء هذا المنصب عليه أن يقدم أوراق إعتماده لهم أولاً وقبل أي شيء آخر، وهؤلاء الذين رفعوا إسم حماس عالياً، ولولاهم لظلت الحركة لا تعدو عن فرع للإخوان المسلمين في أي بلد آخر، لا بل هؤلاء القساميون هم النقطة المضيئة الوحيدة في تاريخ حركة الإخوان المسلمين في العالم كله، وعلى المتبارزين في سباق رئاسة الحركة، تقديم ما يُرضي هؤلاء، مرحلياً على الأقل، لأنهم “الإخوان” كصاحبهم وقائدهم أردوغان، سيفعلون ما يريدون ويتغيرون ويتبدلون ما أن تنتهي الإنتخابات… لكن هذا بعيد عن موضوعنا أيضاً.
إذن ما هو الموضوع، ما دام كل ما سبق بعيداً عنه؟ الأمر بإختصار شديد، أن قيادة الإخوان تعرف أردوغان جيداً، فهو منهم وإليهم، مثلهم تماماً، حرباء تُغير لون جلدها كلما غيرت مكانها، يعني “إذا الريح مالت مال حيث تميل”، كما قال الشاعر الإمام الشافعي، وهم يتناسون الشطر الأول من البيت ” لا خير في ود إمرء متلونٍ”، لأنهم كلهم متلونون بكل ألوان الطيف، وكلهم لو كانوا مكانه لفعلوا الأمر نفسه، فهم لا ذمة ولا ضمير ولا موقف واحد ثابت من شيء، لا موقف مبدئي إلا إذا خدم مصالحهم، والوطن لا يعدو أرضاً من أرض الله لا أكثر ولا أقل، أهميتها في كونها بقرة حلوب لمصالحهم ومشاريعهم، وكله بالطبع بشعارات الدين والقرآن والسنة، ففي اليمن كانوا مع علي عبدالله صالح حتى قامت الثورة، فتحولوا لهادي حتى سقط، وكانوا كلما توصلوا لإتفاق مع أنصار الله وباقي قوى اليمن، ولوح لهم آل سعود بالريال تراجعوا عما وقعوا عليه. وها هم يؤيدون عدوان آل سعود على شعبهم وتاريخ اليمن وحضارته. وفي مصر عقدوا صفقة مع السادات لضرب قوى اليسار، ثم تحالفوا مع مبارك ورفضوا المشاركة في الثورة حتى قبل سقوطه بأيام، ثم عقدوا صفقة الحكم مع العسكر، الذين عادوا لينقلبوا عليهم بمساندة شعبية “قرفت” منهم ومن أفعالهم في مدة لم تتجاوز عام واحد فقط، رغم كل الشعارات الدينية لشعب مؤمن بفطرته و70% منه أمياً وتحت خط الفقر المدقع، فما بالك لو كانت نسبة الجهل تقارب الصفر كما كانت في عهد المرحوم عبد الناصر؟!!! كذلك الحال، شكل لنا خالد مشعل عصابة”أكناف بيت المقدس” في مخيم اليرموك، واستحضر لنا جبهة النصرة التي استحضرت بالمال الدواعش، ليقتلع شعبنا من أكبر تجمع فلسطيني، رمز “حق العودة” ويدمروه على رأس قاطنيه، ليعيدوا تهجير من نجا من سكانه في بلاد العالم باسم الدين، والمخيم الذي ناهز ال180 ألفاً، لم يعد به ثمانية آلاف، بعد ما قدمت لهم، على وجه التحديد، سوريا من دعم غير محدود…. والأمثلة على ذلك كثيرة منذ نشأتهم بقرار من “بريطانيا العظمى”حتى هذه الساعة، فهم لم يكونوا يوماً إلّا في صف الثورة المضادة، لم يكونوا يوماً واحداً في صفوف شعبهم أم معه، وكل ذلك مبررا بالدين والشريعة وبإسمهما. لذا نقولها بالصوت العالي، وب”التركي” الفصيح، ما دام “هيدا العربي ما بفيد”كما قال الفنان الكبير زياد رحباني، أنكم ورغم كل نفاقكم، واستخدامكم الإنتهازي للدين، وبعد تدميركم لأوطاننا ولأوطان غيرنا أيضاً، وبعد تهجيركم مسيحيي شعبنا العربي، ومسلميه خاصة “السنة” منهم ،والذين تدّعون الإنتساب إليهم، وقتلهم في البيوت والطرقات والصحاري، وبعد سبي نسائنا من غير ديانة، واغتصاب “السنيات منهن” بمسمى جهاد نكاحكم، حتى للأب مع إبنته ياقذارات الأرض، ووليتم علينا العثمانية الجديدة دون استشارة من الشعب أو حتى استمتزاجه، رغم أن العثمانية القديمة هي مَنْ أوصتنا إلى أذيال الأمة بعد أن كنا في طليعتها، واُخرجوا من بلادنا تاركين شعبنا أسوأ من الزمن الذي دخلوا به واحتلوه، يعني أسوأ مما كنا عليه قبل أربعمائة عام!!!، هذا بعد أن نهبوا ثروات بلادنا وخيراته، وأخذوا رجالنا وقوداً لحروبهم مع شعوب العالم، وأخذوا أطفالنا كجنود للمستقبل، ودمروا حضارتنا وأقاموا المجازر ضد شعبنا وشعوب الكثير من العالم، وغادرونا بعد أن سلموا بلادنا للإستعمار الجديد، وبعد أربعة قرون لم يبنوا فيها جامعة ولم يقيموا مشفى، ولم يعبدوا طريقاً ولم يحفروا بئراً. وها أنتم ما زلتم تنتجون كل الحثالات البشرية من أكلة لحوم البشر وقلوب الناس، وقاتلي أبناءنا الأسرى ومنكلين بهم، تماماً كما فعل الصهاينة في فلسطين، ووزعتم دماءنا في كل بقاع الأرض، من أفغانستان إلى باريس إلى اليمن والصومال، لكننا لم نسمع عن صولات وجولات لكم مع الصهاينة في فلسطين منذ قرن كامل.
وأخيراً، وليس آخراً، لماذا لم نرَ الإحتفالات بيوم القدس، نعم القدس التي تقع في فلسطين وتحوي المسجد الأقصى إن كنتم ما زلتم تتذكرون، إلا في الدول “الشيعية” ومن ال”الشيعة” عرباً وفرساً، كما في تونس المعادية لمشروعكم الإخواني، وفي سوريا والعراق واليمن الذي تدمرون، ولم نرَ ولو مظاهرة واحدة في بلدانكم “السنية” الداعمة للقتل في بلادنا، من دويلات الخليج أو مملكة آل سعود، أو تركيا قائدة “التدمير” في بلادنا “الكافرة”؟ !!! أم أن القدس والأقصى يتبعون “الشيعة” وليس “السنة”؟!!! كي لا نقول لماذا لم تدعموا الشعب بالمال والسلاح بربع ما دعمتم الحثالات البشرية التي تُقتل بشعبنا وتدمر أوطاننا؟ وكما تدعمون القتلة في سوريا والعراق وتونس والجزائر ومصر واليمن و….و…و….
نقولها بكل وضوح، أن نهايتكم السياسية تلوح في الأفق، فالشعوب لن تسامحكم عما فعلتموه وما زلتم بأموال النفط المنهوبة من قِبل آل سعود، قسمتم بلادنا إلى “سنة وشيعة وعلويين ودروز و…و… من الملل والمذاهب والطوائف، وإلى أديان من “مسيحيين ومسلمين” وقوميات”عرب وأكراد”، وقتلتم الجميع بما فيه من تدعون أنكم إليهم تنتمون، فالقطيع بعد أن بدأت تتضح له الرؤيا لن يظل، على الأقل، كله قطيعاً، فمرحلتكم في أفول ومستقبل شعبنا تبنيه الدماء التي هدرتموها على مدى السنوات الماضية، وبالسواعد التي ما تزال تدافع عن الوطن العربي في وجه حثالاتكم البشرية … إنكم نسيتم أو لا تعلمون، كونكم لا تقرأون ولا تعرفون تاريخ شعبنا العربي، أن طائر الفنيق ،كلما إحترق، يقوم من تحت الرماد، وطائرنا بدأ يتململ ويحرك أجنحته لينطلق محلقاً في السماء من جديد.
محمد النجار