ب”التركي” الفصيح…

إستحضر الرئيس التركي أردوغان السيد خالد مشعل لأنقرة، أبلغه بما أتمّه من صفقة مع الكيان الصهيوني، نصحه، كما ذكرت بعض وسائل الإعلام، باللقاء مع رئيس الموساد، ورغم تأكيد البعض بوقوع الإتصال، إلا أن هذا بعيدا عن موضوعنا، فأردوغان الذي لم تنقطع علاقاته يوماً واحداً مع الكيان العبري، ولا مع اللوبي اليهودي في بلاد العم سام، وكان التاجر “الشاطر” والرابح الأكبر لبيع نفط سوريا والعراق للكيان العبري، بشركات أولاده وصهره، وقبض الثمن على كل “رأس” من الإرهابيين الذين ادخلهم لتدمير سوريا والعراق، كما وثمن كل قطعة سلاح أو آلية أدخلها لهما، وتطور في عهده التبادل التجاري مع “إسرائيل”إلى حوالي ثلاث أضعاف ما كان عليه قبل وصوله للسلطة، رغم كل الضجة والضجيج والمزايدات على القضية الفلسطينية، “ورغم أن تدمير سوريا والعراق بالتأكيد ليس في صالح القضية الفلسطينية”، التي طالما تغنى بها أردوغان نفسه.

والإخوان المسلمون ،كعادتهم، لم يحتجوا ولو بكلمة واحدة على محاولات أردوغان، على مدى عمر الأزمة السورية، اقتطاع الشمال السوري ليلحقه بتركيا، ولا لمطالباته الوقحة بالموصل ليصير جزءا من تركيا، وبالمقابل لم يتذكروا يوماً إغتصاب تركيا للواء الإسكندرون السوري، الذي ضموه لتركيا بالإتفاق مع بريطانيا، عند تقاسم “الغنائم” المحتلة سابقاً من الدولة العثمانية… لكن كل هذا بعيد عن موضوعنا.

وما أن عرف جماعة الإخوان المسلمين بأمر الصفقة، حتى قبل أن يعرفوا تفاصيل ملحقاتها السرية، ورغم أن “بطلهم” أردوغان تنازل عن قَسَمِه ووعوده بما يخص رفع الحصار عن قطاع غزة، إلّا أنهم انبروا للدفاع عن “إمامهم” ب”الباع والذراع”، لدرجة شبهه البعض منهم بالرسول الذي قام بصلح الحديبية، وأن صفقته تخدم الإسلام والمسلمين، وتخدم القضية الفلسطينية حتى وإن بدى غير ذلك، ومن جديد وكعادتهم، يوظفون الدين لخدمة تبرير أفعالهم المشينة، بدلاً من سياسة النقد والنقد الذاتي التي يمارسها معظم الأحزاب السياسية بغض النظر عن توجهاتها وعقائدها، لكنهم وكونهم ينظرون لأنفسهم كوكلاء “حصريون” لله على الأرض، لا يحق لأحد منازعتهم عليها، وربما لا يحق للخالق نفسه إلغاء هذه الوكالة! فإن إعترافهم بالأخطاء ينزلهم في نظر معظم “القطيع” الذي يصدقهم، من المنزلة “الربوبية” إلى المنزلة “الطينية” التي يتشكل البشر منها، فيظهروا على حقيقتهم، التي ليس لها علاقة لا بالآلهة، ولا بالبشر في أحيان كثيرة. لكن كل هذا بعيد عن موضوعنا أيضاً.

لم تتوقف نرجسية أردوغان يوماً حتى وهو في قمة ذُله، وبدلاً من أن يفسر أويبرر سبب خضوعه وخنوعه للكيان الصهيوني الغاصب،  فأخذ يخاطب، متوعداً، الذين أشرفوا على سفينة مرمرة، صارخاً “مَنْ الذي سمح لكم لتفعلوا ذلك؟ هل أخذتم الإذن لتقوموا بذلك؟”، يعني جعل الضحايا من المناضلين هم المذنبون، حتى لوكانوا أتراكاً ومنهم الشهداء والجرحى !!! ولم نلحظ أيضاً أي تعليق على هذا الأمر من كل جماعة الإخوان المسلمين، وكأن شيئا لم يحصل ولم يُقال، وقبل ذلك، قام أردوغان “صاغراً”، بالإعتذار عن إسقاطه الطائرة الروسية، ووعد بأشياء كثيرة “خصمه” الروسي، رغم كل جعجعته ورفضه الإعتذار طوال الفترة الماضية، وأيضاً لم نسمع لو مجرد نقد أو عتاب من كل زعامات الإخوان المسلمين في كل الأقطار التي يتواجدون فيها، لكن هذا أيضاً بعيد عن جوهر موضوعنا.

والسؤال الذي يطرح نفسه الآن، ماذا لو جاء “أو سيجيء” في الإنتخابات حزباً آخر بقيادة أخرى غير قيادة الإخوان في تركيا، وقام “أو سيقوم”بما قام به أردوغان، يعني، إعتذر للروس باسم تركيا عن اسقاط طائرتهم وقتل طيارهم، وعقد الصفقة المخزية مع الكيان الصهيوني، وتنازل عن رفع الحصار عن غزة، ورفض تنفيذ سياسة أمريكا وحلف الناتو في المنطقة، من سياسة تقسيم سوريا والعراق، ألا يصبح في نظرهم وإعلامهم وتنظيراتهم أنه دكتاتوراً وفاسداً، ما دام ليس من “قبيلة” الإخوان، وسيتذكرون فجأة لواء الإسكندرون المحتل من تركيا؟!!! تماماً كما يفعلون مع إيران بعد سقوط الشاه الذي كانوا يلعقون قدميه صبحة وأصيلا، وربما لم تكن إيران “شيعية”في عهده؟!!! لكن هذا بعيد عن موضوعنا أيضاً.

صدرت، قبل أيام من توقيع الصفقة الأردوغانية ـ الصهيونية، تصريحات متتالية، لأكثر من مسؤول من قيادة  الإخوان المسلمين، فرع فلسطين”حماس”، سواء داخل غزة أو خارجها، بالإطراء على طهران، واصفينها بأنها الداعم الحقيقي للمقاومة، تسليحياً ومالياً، نفس الشخوص الذين طالما امتدحوا قطر وآل سعود والسودان و…إلخ، متجاهلين دور إيران حضورها الدائم بشكل متعمد، منكرين ومستكثرين تصريحات “مناضلي القسام”، حينها، الذين لطالما أعطو إيران حقها في هذا المجال، وتساءلت مثل الكثيرين، مع نفسي، لماذا تأكيد المؤكد هذا، لماذا الآن وفي هذا الوقت بالذات؟ ورأيتني أحيل أسباب ذلك لعدة أسباب منها:

  • أن هؤلاء أرادوا الضغط بطريقة فاشلة على قادة الكيان، بأنه إن لم يتنازل بشيء ما لأردوغان، فإنهم سيتجهون إلى إيران، يعني إحفظي يا”إسرائيل” ماء الوجه لقائد العثمانية الجديدة أردوغان، كي نبقى تحت إبطه، وإلا فإنكِ تجبريننا للتوجه إلى عدوك اللدود إيران.

*أمر آخر ربما يكون وراء ذلك، هو أن قيادة الحركة تعرف جيداً أن إيران ، وبعد موقفهم، من سوريا واليمن وتحريضاتهم المذهبية والطائفية في فلسطين، ربما جعل إيران تدعم القوى الأكثر جذرية في الساحة الفلسطينية، على حساب دعمهم، الذي لم ينقطع أبداً ولكنه، ربما، تراجع قليلاً، الأمر الذي قد يطيح بزعامتهم من القطاع، فكما تقول بعض المصادر، أن إيران دعمتهم بثلاثمائة مليون دولار في ثلاث سنين فقط، يعني لو إمتلكها أي حزب أو تنظيم آخر سيجعل لديه جيشاً جراراً، وسيفرض قوته على الأرض دون كثير من الجهد.

  • الأمر الآخر الذي يجعلهم يتنافسون في هذا المديح، أنه وبعد الرفض المتزايد لبقاء خالد مشعل في منصبه على رأس المكتب السياسي لحماس، وتتزايد المطالبة في تغييره في مؤتمرهم القادم، فإن الكثيرين يريدون الوصول لهذا المنصب، وكون “القساميون” لهم وزنهم وكلمتهم، فمن يريد تبوء هذا المنصب عليه أن يقدم أوراق إعتماده لهم أولاً وقبل أي شيء آخر، وهؤلاء الذين رفعوا إسم حماس عالياً، ولولاهم لظلت الحركة لا تعدو عن فرع للإخوان المسلمين في أي بلد آخر، لا بل هؤلاء القساميون هم النقطة المضيئة الوحيدة في تاريخ حركة الإخوان المسلمين في العالم كله، وعلى المتبارزين في سباق رئاسة الحركة، تقديم ما يُرضي هؤلاء، مرحلياً على الأقل، لأنهم “الإخوان” كصاحبهم وقائدهم أردوغان، سيفعلون ما يريدون ويتغيرون ويتبدلون ما أن تنتهي الإنتخابات… لكن هذا بعيد عن موضوعنا أيضاً.

إذن ما هو الموضوع، ما دام كل ما سبق بعيداً عنه؟ الأمر بإختصار شديد، أن قيادة الإخوان تعرف أردوغان جيداً، فهو منهم وإليهم، مثلهم تماماً، حرباء تُغير لون جلدها كلما غيرت مكانها، يعني “إذا الريح مالت مال حيث تميل”، كما قال الشاعر الإمام الشافعي، وهم يتناسون الشطر الأول من البيت ” لا خير في ود إمرء متلونٍ”، لأنهم كلهم متلونون بكل ألوان الطيف، وكلهم لو كانوا مكانه لفعلوا الأمر نفسه، فهم لا ذمة ولا ضمير ولا موقف واحد ثابت من شيء، لا موقف مبدئي إلا إذا خدم مصالحهم، والوطن لا يعدو أرضاً من أرض الله لا أكثر ولا أقل، أهميتها في كونها بقرة حلوب لمصالحهم ومشاريعهم، وكله بالطبع بشعارات الدين والقرآن والسنة، ففي اليمن كانوا مع علي عبدالله صالح حتى قامت الثورة، فتحولوا لهادي حتى سقط، وكانوا كلما توصلوا لإتفاق مع أنصار الله وباقي قوى اليمن، ولوح لهم آل سعود بالريال تراجعوا عما وقعوا عليه. وها هم يؤيدون عدوان آل سعود على شعبهم وتاريخ اليمن وحضارته. وفي مصر عقدوا صفقة مع السادات لضرب قوى اليسار، ثم تحالفوا مع مبارك ورفضوا المشاركة في الثورة حتى قبل سقوطه بأيام، ثم عقدوا صفقة الحكم مع العسكر، الذين عادوا لينقلبوا عليهم بمساندة شعبية “قرفت” منهم ومن أفعالهم في مدة لم تتجاوز عام واحد فقط، رغم كل الشعارات الدينية لشعب مؤمن بفطرته و70% منه أمياً وتحت خط الفقر المدقع، فما بالك لو كانت نسبة الجهل تقارب الصفر كما كانت في عهد المرحوم عبد الناصر؟!!! كذلك الحال، شكل لنا خالد مشعل عصابة”أكناف بيت المقدس” في مخيم اليرموك، واستحضر لنا جبهة النصرة التي استحضرت بالمال الدواعش، ليقتلع شعبنا من أكبر تجمع فلسطيني، رمز “حق العودة” ويدمروه على رأس قاطنيه، ليعيدوا تهجير من نجا من سكانه في بلاد العالم باسم الدين، والمخيم الذي ناهز ال180 ألفاً، لم يعد به ثمانية آلاف، بعد ما قدمت لهم، على وجه التحديد، سوريا من دعم غير محدود…. والأمثلة على ذلك كثيرة منذ نشأتهم بقرار من “بريطانيا العظمى”حتى هذه الساعة، فهم لم يكونوا يوماً إلّا في صف الثورة المضادة، لم يكونوا يوماً واحداً في صفوف شعبهم أم معه، وكل ذلك مبررا بالدين والشريعة وبإسمهما. لذا نقولها بالصوت العالي، وب”التركي” الفصيح، ما دام “هيدا العربي ما بفيد”كما قال الفنان الكبير زياد رحباني، أنكم ورغم كل نفاقكم، واستخدامكم الإنتهازي للدين، وبعد تدميركم لأوطاننا ولأوطان غيرنا أيضاً، وبعد تهجيركم مسيحيي شعبنا العربي، ومسلميه خاصة “السنة” منهم ،والذين تدّعون الإنتساب إليهم، وقتلهم في البيوت والطرقات والصحاري، وبعد سبي نسائنا من غير ديانة، واغتصاب “السنيات منهن” بمسمى جهاد نكاحكم، حتى للأب مع إبنته ياقذارات الأرض، ووليتم علينا العثمانية الجديدة دون استشارة من الشعب أو حتى استمتزاجه، رغم أن العثمانية القديمة هي مَنْ أوصتنا إلى أذيال الأمة بعد أن كنا في طليعتها، واُخرجوا من بلادنا تاركين شعبنا أسوأ من الزمن الذي دخلوا به واحتلوه، يعني أسوأ مما كنا عليه قبل أربعمائة عام!!!، هذا بعد أن نهبوا ثروات بلادنا وخيراته، وأخذوا رجالنا وقوداً لحروبهم مع شعوب العالم، وأخذوا أطفالنا كجنود للمستقبل، ودمروا حضارتنا وأقاموا المجازر ضد شعبنا وشعوب الكثير من العالم، وغادرونا بعد أن سلموا بلادنا للإستعمار الجديد، وبعد أربعة قرون لم يبنوا فيها جامعة ولم يقيموا مشفى، ولم يعبدوا طريقاً ولم يحفروا بئراً. وها أنتم ما زلتم تنتجون كل الحثالات البشرية من أكلة لحوم البشر وقلوب الناس، وقاتلي أبناءنا الأسرى ومنكلين بهم، تماماً كما فعل الصهاينة في فلسطين، ووزعتم دماءنا في كل بقاع الأرض، من أفغانستان إلى باريس إلى اليمن والصومال، لكننا لم نسمع عن صولات وجولات لكم مع الصهاينة في فلسطين منذ قرن كامل.

وأخيراً، وليس آخراً، لماذا لم نرَ الإحتفالات بيوم القدس، نعم القدس التي تقع في فلسطين وتحوي المسجد الأقصى إن كنتم ما زلتم تتذكرون، إلا في الدول “الشيعية” ومن ال”الشيعة” عرباً وفرساً، كما في تونس المعادية لمشروعكم الإخواني، وفي سوريا والعراق واليمن الذي تدمرون، ولم نرَ ولو مظاهرة واحدة في بلدانكم “السنية” الداعمة للقتل في بلادنا، من دويلات الخليج أو مملكة آل سعود، أو تركيا قائدة “التدمير” في بلادنا “الكافرة”؟ !!! أم أن القدس والأقصى يتبعون “الشيعة” وليس “السنة”؟!!! كي لا نقول لماذا لم تدعموا الشعب بالمال والسلاح بربع ما دعمتم الحثالات البشرية التي تُقتل بشعبنا وتدمر أوطاننا؟ وكما تدعمون القتلة في سوريا والعراق وتونس والجزائر ومصر واليمن و….و…و….

نقولها بكل وضوح، أن نهايتكم السياسية تلوح في الأفق، فالشعوب لن تسامحكم عما فعلتموه وما زلتم بأموال النفط المنهوبة من قِبل آل سعود، قسمتم بلادنا إلى “سنة وشيعة وعلويين ودروز و…و… من الملل والمذاهب والطوائف، وإلى أديان من “مسيحيين ومسلمين” وقوميات”عرب وأكراد”، وقتلتم الجميع بما فيه من تدعون أنكم إليهم تنتمون، فالقطيع بعد أن بدأت تتضح له الرؤيا لن يظل، على الأقل، كله قطيعاً، فمرحلتكم في أفول ومستقبل شعبنا تبنيه الدماء التي هدرتموها على مدى السنوات الماضية، وبالسواعد التي ما تزال تدافع عن الوطن العربي في وجه حثالاتكم البشرية … إنكم نسيتم  أو لا تعلمون، كونكم لا تقرأون ولا تعرفون تاريخ شعبنا العربي، أن طائر الفنيق ،كلما إحترق، يقوم من تحت الرماد، وطائرنا بدأ يتململ ويحرك أجنحته لينطلق محلقاً في السماء من جديد.

محمد النجار

ضرب الخناجر ولا حكم النذل فيّا

من كان يعتقد أن السلطة ومؤسساتها يمكن أن تشكل حماية لشعب فلسطين كشعب أو كأشخاص، فقد خابت آماله وربما يكون قد فقد عقله، فهؤلاء وصلوا من الخساسة والمهانة والنذالة وفقدان الكرامة وعزة النفس والعهر السياسي والتبعية للإحتلال وأمريكا والصهاينة العرب الى درجة اللاعودة، ورغم أنني أو بالأصح لأنني فاقد الأمل منهم وبهم منذ سنوات، ورغم أنني مدرك أن “الضرب في الميت حرام”، إلا أنني لم أستطع السكوت امام الجريمة النكراء بإعدام الشهيد عمر النايف الذي قتلوه بتواطؤهم أو بسكينهم مع الصهاينة والسلطة البلغارية المتصهينة، ولهم في ذلك “فخر” السبق، حيث نفذوا بأيديهم وبموافقة الموساد قتل المناضل الكبير ناجي العلي، وسلموا بأيديهم المناضل الكبير ناصر السعيد لآل سعود ليقتلوه رمياً من طائرة مروحية حياً في صحراء الربع الخالي، تماماً كما يسلمون الآن الكثيرين من المناضلين للإحتلال الصهيوني دون أن يرفّ لهم جفن. لذلك سأتطرق للموضوع ـ ربما ـ بطريقة مختلفة عما أثُير حتى الآن:

  • وعليه، من يظن أو يعنقد أن حالة السفارة الفلسطينية في بلغاريا، هي حالة شاذة وسط هذا البحر الهائج من السفارات، فهو قطعاً مخطئ بإمتياز، لأنه من الصحيح القول والتأكيد أن وضع وتشكيلة وتركيبة السفارة الفلسطينية في بلغاريا، وآلية عملها وطبيعته تمثل الشكل العام لسفارات فلسطين، فعادة ما يكون السفير والقنصل والناطق السياسي والثقافي وأمن السفارة والعاملين بمجملهم، ليس لهم أي علاقة بالثورة ولا بالثوار، وإن كانوا مناضلين سابقاً فهم على الأغلب لم يعودوا كذلك، وسرعان ما يتم تدجينهم عبر تسعير الفئوية وتغليب المصالح الذاتية الخاصة على حساب أي شيء آخر، بما في ذلك على حساب الإنسان نفسه، وعلى حساب القضية الوطنية برمتها.

وعادة ما يكون العاملين في السفارة “من الكبير للمقمط في السرير”، إما تجارا يعملون مع أمن البلدان التي تحويهم، أو عملاء مباشرين لمخابرات هذا البلد، أو فاسدين ومفسدين ويعملون مع الصهاينة أنفسهم تحت شعار تمثيل سياسة المنظمة وعدم الخروج عليها، أو تجار على شعبهم نفسه، حيث تكلف أي ورقة يحتاجها الفلسطيني من سفارته مبلغاً لا يُستهان به. وإن صدف وكان السفير مناضلاً كما في بعض الحالات، فتبدأ كتابة التقارير به وتشويه صورته من العاملين معه و”المتبسمين” الدائمين له، للخارجية الفلسطينية حتى يتم تغييره و”يخلو الميدان لحميدان” ويعود الجميع لممارسة “أشغالهم وأعمالهم وتجارتهم”، التي لا يربطها رابط بالقضية الوطنية.

وعليه فالسفير “المذبوح” الذي لاحق الشهيد مع رجالات أمنه في بلغاريا، ورفضوا حمايته وطالبوه بمغادرة السفارة، ورفضوا  وضع حماية له أو حتى تركيب كاميرات في السفارة وحواليها، عليه وعلى زمرته كلها دفع الثمن نتيجة ما فعلت يداه وأيديهم، “حتى لو كان بحسن نية وهذا ما لا أعتقده”، ويجب أن يذوقوا من نفس الكأس الذي أذاقوه للشهيد، وبغض النظر عن أي إعتبار آخر، وخاصة لأصحاب شعار “من أجل الوحدة الوطنية”، فالوحدة تكون وتتعمق عندما يريدها ويعمل لأجلها كل الأطراف ويستفيد منها الشعب كله، وليس طرفاً واحداً كما كان حتى الآن، كما أن الوحدة لا تكون بأي ثمن، كي لا يتحول الشعار للتغطية على العجز الذي ينخر صدور البعض ويتحول لتغطية الجبن والهوان، هذا إذا لم يعتبر هؤلاء من عقود مما سُمي زوراً وبهتاناً بالوحدة الوطنية، التي هيمن فيها فصيل واحد على الثورة ومقدراتها وسلاحها وعلاقاتها وماليتها وقرارها الذي سُمي “مستقلاً”، هذا الإستقلال الوهمي الكاذب وبهذا النوع من القيادات هي التي أوصلتنا إلى “أوسلو”، كون المتغيرات الطبقية التي جرت عليها لا تؤهلها للوصول أبعد من ذلك أصلاً، فما بالكم بقيادة على يمين تلك القيادة وكل طموحها واسترتيجيتها مبنية على رضى المحتل عنها، واستكمال طريق الإستسلام عبر المفاوضات العبثية،  مُضيعة عشرات أخرى من السنين ودون نتيجة طيعاً.

  • وعليه فإن “مشروع المصالحة” إن لم يكن على أساس برنامج عمل مقاوم ، “ينفض” منظمة التحرير ويغربلها ويرمي من يستحقون الرمي على مزابل الشعب، وغربلة مؤسسات المنظمة مؤسسة مؤسسة وفرداً فرداً دون استثناءات، ودون تنازلات أو مجاملات، وإلا فإن كل ما يسقط من شهداء لهذا الشعب العظيم وكل جرحاه وأسراه لن يكونوا إلا لخدمة هذه القيادات وأمثالها ومشروعها الإستسلامي في الداخل أم في الخارج.

  • الأمر الذي يفرض على اليسار القلسطيني، وعلى الفصيل الذي ينتمي اليه الشهيد على وجه الدقة، تعاطياً مختلفاً على كافة الأصعدة، ولأسباب عدة أهمها أنه تاج اليسار الفلسطيني والذي له باع طويل في العمل الوطني المبدئي والتنظيمي والسياسي والعسكري منذ عشرات السنين، وعليه هو مسؤولية تشكيل “جبهة إنقاذ وطني” قبل أن تأخذ السلطة ومن لف لفها القضية والشعب الى الهاوية، التي نحن على أبوابها أو حافتها، الأمر الذي سيلقى معارضة من داخل صف اليسار نفسه من “حملة الحقائب” للسلطة، والمستفيدين منها كقادة في المنظمة أو موظفين أو كعلاقات، هؤلاء الذين يحيون حياة البذخ وأبناؤهم لا يدرسون إلا في المدارس غير الناطقة للعربية ومن ثم في جامعات العم سام وحارتها أو دول أوروبا الغربية وعلى حساب الثورة طبعاً، أما كيف حصلوا على هذه الأموال أو المنح وماذا دفعوا ويدفعون بالمقابل، فلا جواب، هؤلاء الذين يحاولون تغيير الحزب الى منظمة شئون اجتماعية أو الى مؤسسة أو منظمة غير حكومية ممولة من موظفيهم، هؤلاء لو دخل بيتهم انسان عادي سيكفر بالثورة عندما يرى ما لديهم وما يأكلون وما يلبسون، احسبوا فقط ثمن ملابسهم في يوم واحد أو ما يشترون من بضاعة اسرائيلية وأمريكية”وهم يدَّعون المقاطعة”، ستجدونها أضعاف معاشهم الشهري… فلا تنتظروا الّا معارضة شرسة من هؤلاء “اليساريون البرره”، باسم الثورة والشعب والحفاظ على الوحدة الوطنية.

  •  طبعاً لا يفوتنا التنبيه لما يحصل في مؤسسات م ت ف وسفاراتها، أنه ليس إلا شكل من أشكال الفساد الذي ينهش جسد المنظمة ككل، والذي بدونه سيخسر المنتفعين مكانتهم الإقتصادية والمعنوية وقدرتهم على الأمر والنهي داخل المنظمة، وعلى رأسهم الرئيس عباس، فليس صدفة أن يعترض هؤلاء الطفيليين على دعم ايران لعائلات الشهداء ما لم تمر من خلالهم، وإن مرت من خلالهم لن تصل لأسر الشهداء وستتوقف في جيوبهم، فهم اعتادوا على العيش على دم الشهداء ولن “يَزْوَروا” ببضعة آلاف من الدولارات إضافية عن كل شهيد إضافي. والشعار نغسه دائماً وأبداً” القرار الفلسطيني المستقل”، لكن أي قرار وأي مستقل؟ فالسؤال ممنوع.

  • الرئيس عباس يقول لأحد من حاول التوسط للنائب نجاة أبو بكر ابنة حركة فتح، التي كانت خطيئتها الكشف عن فساد مالي والمطالبة بالمحاسبة، يقول له الرئيس:”لو ينزل ربك نجاة ستسجن”، فعباس أولا وأخيرا لن يدقق أو يحقق أو يحاسب أي فاسد، فهو نفسه كرأس للفساد لن يجيب أحداً كيف شكل ثروته وثروة أبنائه وأحفاده وعائلته، وقبله الرئيس المرحوم عرفات، رغم الفارق الشاسع بينهما، أجاب عندما قالوا له أن من حواليه مجموعة لصوص وعليه تغييرهم قائلاً:”هؤلاء سرقوا وشبعوا، ولن أغيرهم لآتي بآخرين يسرقون من البدء من جديد”، العقلية ربما لا تكون بهذا التشايه، لكن النتيجة واحدة، هدر اموال الثورة وشهدائها وجرحاها وأسراها دون حسيب أو رقيب، ألم تصل أموال المنظمة كلها الى أيدي طليقة عرفات؟ أكثر من خمسة مليارات دولار وكأنها ملك شخصي له؟!!! وكذلك انظروا لعائلته أيضاً، ومن لا يعرف فتحي عرفات وموسى عرفات فلا يعرف شيئاً، وعليه قراءة التاريخ الفلسطيني “الحديث جدا”.

  • أما ما يخص نظرة الرئيس عباس الى القضية والشعب فحدث ولا حرج، فهو أبو المقدسات كلها، من التنسيق الأمني الى عدم تقديم أوراق لمحاكمة جرائم الصهاينة، مروراً بالقمع والسجن للمناضلين، ومحاولاته لإسقاط حق العودة ، ومحاولاته كذلك لسحب سلاح غزة وتدجينها، وهو كما يقول لن يسمح لأحد أن يجره لمعركة لا يريدها!!! وكأنه يخوض المعارك التي يريدها هو وما أكثرها، فالرجل يسير من معركة الى أخرى!!!، “الله يعطيه العافيه” ويعمق صموده، فهو لا يريد أن يشغله أحد عن معاركه تلك، وأن يترك له “المزاودون أمر تحديد مواعيدها” بنفسه!!!.

  • ظني أن الجميع عليه أن يدرك أن الدخول في نفق “أوسلو” مهما كان الذي يدخل أو من كان، فهو يدخل نفقاً مظلما، جل ما يفعله هو تنفيذ أوامر الصهاينة والأمريكان. وكي نكون صادقين، ألم يودع الرئيس عرفات المناضل أحمد سعدات بعد أن دعاه لإجتماع فصائلي، في سجن رام الله نزولاً عند أوامر الصهاينة؟ ولم يخرجه رغم كل قرارات المحكمة الفلسطينية العليا التي أمرت بذلك مبطلة قرار الإعتقال؟!!! ورغم ذلك لم يستطع الرئيس عرفات مخالفة أوامرهم وإطلاق سراحه، ليسار الى تسليمه للصهاينة بعد ذلك بمؤامرة خسيسة منحطة من قبل أجهزة السلطة التي نسقت الأمر مع الصهاينة والأنجليز المشرفون على السجن في مدينة أريحا عام 2008، على يد أبطال التنسيق الأمني بقيادة الرئيس عباس، والأمر نفسه يتكرر الآن بذات الطريقة في السفارة البلغارية، فما جرى ليس سوى إمتداد التنسيق الأمني الى ساحاتٍ خارجية بعد أن كان محصوراً في الداخل، فعلام الغرابة في الأمر كله.؟.. ببساطة إنه أوسلو، الذي حول فصائل وقوى وشخصيات إلى قوات لحد الفلسطيني.

  • وها هي السلطة الفلسطينية، تؤيد نظام آل سعود المعادي ليس فقط لقضية فلسطين، بل لكل ما هو انساني، بإعتباره “حزب الله” منظمة ارهابية!!!، باعوا الحزب، باعوا حامل لواء القضية الفلسطينية بحفنة دولارات كما باعوا سوريا لقطر مسلمينها قيادة فلسطين للجامعة العربية، وكما باعو ا الموقف من داعش والنصرة في مخيم اليرموك نزولا عند رغبة آل سعود، فهم مستعدون لبيع اي شيء وكل شيء بأي شيء، وحتى حماس التي دربها وسلحها ودعمها حزب الله بالمال والسلاح، لم تتجرأ على قول “كلمة حق عند سلطان جائر”، ولم تعترض على ما يقوله آل سعود، تغطي موقفها بنذالة وصمت مهينَين من أجل المال، تماماً كما فعلت مع سوريا بعد كل الدعم السوري لها واحتضانه لقادتها، ورفضه المطالب الأمريكية لطردهم، فتُدخل السلاح من خلال حثالات الأرض المتأسلمة لمخيم اليرموك وللعاصمة دمشق، مُنشئةً منظمة “أكناف بيت المقدس” بقيادة مساعدي خالد مشعل الأمنيين، متحالفة مع تنظيم القاعدة في بلاد الشام”جبهة النصرة”، وتشرد ربع مليون فلسطيني ضاربة بذلك حق العودة بعرض الحائط، ذلك الحق الذي تتشدق به صبحاً ومساءً وفي كل الأوقات، ومحاولة تمزيق سوريا.

  • وسرعان ما تعمل على عقد صفقة مع “اسرائيل” من خلال طوني بلير بوساطة “العثماني الجديد” السلطان أردوغان التركي، وبدعم من الحارة القطرية…

  • أيها السادة… أيها القادة… أيها اليسار الذي تبقى… إنه أوسلو … إنه مشروع الموت الفلسطيني… إنه مشروع “قبر” القضية الوطنية، ومشروع الكسب المالي للطبقة السياسية الطفيلية الفاسدة المفسدة الحاكمة، بما فيه من فُتات لأشباه اليسار وأشباه المناضلين وأشباه القادة…فكل من لف حواليه أغرقه، ولا سبيل لإنقاذ من ذهب للمستنقع بقدميه، لكن الحذر الحذر من أن يسحبوا معهم ما تبقى من “يسار” ومن مناضلين الى ذلك المستنقع، وكي لا نصل المستنقع، وكي نحمي القضية الوطنية، وكي نقطع الطريق على كل محاولات الشطب للقضية، على اليسار وجبهته الشعبية على وجه الخصوص، البدء في العمل على تشكيل “جبهة إنقاذ وطنية” بعيدة عن “أوسلو” وقياداته الفاسدة، وقطع الطريق على هذه القيادة كي لا تُحوّل قوى هذا الشعب الى سعد حداد ـ لحد فلسطيني، وينبوأ اليسار فيها موقعه القيادي الفاعل، ضمن إطار قيادة جماعية حقيقية، بعيدة عن هذه القيادة التي حددت خياراتها، وصارت استراتيجيتها واضحة، ولم تعد تصلح لقيادة “قطيع من الغنم” فما بالكم بقيادة شعب كشعب فلسطين العظيم؟!!! فمأثورنا الشعبي وأهازيجنا الوطنيه لطالما رددت :

” يما مويل الهوى يما مويلية                                         ضرب الخناجر ولا حكم النذل فيا”…

فهل من مستمع أو مجيب؟!!!

محمد النجار

الإسلام الأمريكي وأدواته في المنطقة

لم يكن تفجير الضاحية الجنوبية بالأمس، إلا مجرد هروب للأمام للتغطية على ما يدور في المنطقة كاملة من هزائم للمحور الرجعي العربي ، بقيادة آل سعود، وفي نفس الوقت محاولة يائسة للفتنة والتفتيت للتحالف اللبناني الفلسطيني، ، الأمر الذي يجعل حق العودة في مهب الريح، . وإذا أردنا الدخول في بعض التفاصيل نورد التالي:

* ما يدور على الجبهة السورية من انتصارات متتالية وسريعة في كامل الجبهات، الشمال والوسط والجنوب والقلمون و”الحبل على الجرار”، ما يعني أن الجبهة الرئيسية المستهدفة تخرج من بين أيدي هؤلاء الحثالات والدول الرجعية المتصهينة التي تقف خلفهم بقيادة آل سعود، الأداة الأكثر طاعة للصهاينة والإمبريالية الأمريكية، لذلك نرى كل هذا الإستكلاب الأمريكي وقصفه المتتالي للبنى التحتية السورية وتدمير لمنشآت النفط السورية، الأمر الذي لم يفعله وهي تحت سيطرة داعش والنصرة وأخواتهما، ونفطها يُسرق ويهرب عبر تركيا ويُباع للكيان العبري. والأمر كذلك بالنسبة لقاعدة الإمبريالية المتقدمة في المنطقة. الكيان الصهيوني المستفيد الأكبر من هذه الحرب الكونية على سوريا، والمنطقة عموماً سواء في العراق أو اليمن او مصر والجزائر وليبيا، فدوره في العراق من خلال أعماله الإرهابية الممولة من آل سعود وتقتيله لعلماء العراق، وتهديمه لبنيتة الأساسية (الإنسان العراقي والجيش العراقي) لم  ننساها بعد. وكذلك الحال لحكومة “الإخوان المسلمين” (العثمانية الجديدة)، الذين يريدون قضم الأراضي السورية، والذين يشكلون الذراع المتقدمة لحلف الناتو بعد اسرائيل، وكلهم بقيادة الإمبريالية الأمريكية.

* كذلك الحال في العراق، حيث الحشد الشعبي والجيش العراقي يتقدم ، لكن تقدماً بطيئاً لأنه يصطدم بالعرقلة الأمريكية دائما وأبداً، حيث لم يكتفِ الأمريكي بعدم إعطاء الجيش العراقي الأسلحة التي دفع ثمنها مسبقا، بعد أن فتّت جيشه وأضعفه وجرده من سلاحه، وفرض على العراق دستور بليمر الطائفي، ويرفضون السماح بتغيير الدستور الى دستور حداثي بعيدا عن الطائفية، فإن طائراتهم  أيضاً تقوم بإلقاء الأسلحة لحثالات الأرض من الدواعش والنصرة وخلف خطوطهم، وتعرقل الحشد وتقدمه لتنقذ قادة داعش وتنقلهم الى أماكن أكثر أمنا (كما حصل في تكريت، ليكونوا احتياطاً لهم في مشروعهم التدميري للوطن العربي والذي لم ينهزم بعد)،  وتم بعث المئات منهم في طائرات تركية وقطرية الى الجنوب اليمني ، وكما تم في ما أسموه عملية تحرير الاسرى  الأكراد من سجن عراقي، وكذلك من خلال طائرات الشحن العملاقة التي نقلت السلاح لتلك الحثالات في “تلعفر” في الموصل، وما زالت تعرقل قوات الحشد الشعبي وتحاربه بكل قوة وتحرض عليه طائفياً ومذهبياً وإعلامياً من خلال إعلام آل سعود و الشيخة “موزة” في حارة قطر، التي موّل أولادها وأحفادها حثالات الأرض الدواعش ب 32 الف سيارة تيوتا رباعية الدفع في سوريا فقط ، عدا السلاح والأموال، وما زالت، هذا عدا ملوك الرمال في مملكة آل سعود، والتركي الذي فتح أبواب بلاده لعشرات الآلف من الإرهابيين بأموال سعودية قطرية، وبأوامر أمريكية اسرائيلية.

*كذلك الأمر في اليمن، حيث يتم دك مواقع آل سعود وتحالفهم وكل مرتزقتهم سواء في باب المندب أو تعز أو المدن اليمنية المحتلة من آل سعود، والذي يتوج كل يوم بإحراق عشرات الاليات والجنود، من جنود آل سعود ومرتزقتهم، والغريب الطريف في ذات الوقت فإن الأمريكي وأتباعه لا يريدون أن يروا تمدد داعش والقاعدة في حضرموت وعدن وبقية مدن الجنوب، فأولئك رغم كونهم قاعدة لكنهم ليسوا ارهابيين ولا يجب محاربتهم، لأنهم في المكان الصحيح!!! واليمن الذي يعوم على ما يقارب ال35% من النفط العالمي والمحروم من استثماره بسبب آل سعود وتأثيراتهم المتتالية على حكومات اليمن، حد التبعية المطلقة، كما الحال في المعادن المختلفة والكثير من المواد الخام مطلوب أن يبقى مطية لآل سعود وأسيادهم من الكيان العبري الذي يدك المدن اليمنية بطائراته مع الإمبريالية لأمريكية ، ليبقى اليمن فقيراً هزيلاً تابعاً لا يستطيع التحكم لا بخيراته ولا بموقعه الإستراتيجي.

* والأمر يتكررفي فلسطين، كون القضية الفلسطينية هي المستهدف الرئيس مما جرى ومن كل ما يجري، وكون الكيان الصهيوني هو المستفيد الأول من كل ما يجري.، لذلك فانطلاق الإنتفاضة الفلسطينية من جديد رغم كل محاولت إيقافها وقمعها وطمس فاشية المحتل في التعامل  معها، ورغم ضغوط الرجعيات العربية المتصهينة على قيادة السلطة، هذه القيادات التي تقود الجامعة العربية المخصية والتي ما قدمته على مدار عمر القضية الفلسطينية كلها في القرن الأخير لم يصل إلى عُشر ما قدمته للحثالات البشرية في سنة واحدة، الأمر الذي يتطلب حرف وابعاد التركيز العربي والدولي عنها مادام ليس مقدور ايقاف فعالياتها. لذلك كله يجب التفجير والقتل ما أمكن في محور المقاومة، المحور الذي يقف ببسالة ضد حثالات الأرض وأسيادهم الصهاينة والأمبريالليين وتوابعهما من رجعيات عربية متهالكة متصهينة، وليكن في المكان الذي لم يستطيعوا تدميره، لبنان، وتحديدا ضاحيته الجنوبية حيث حزب الله، قائد حركة التحرر الوطني العربية بامتياز، والترويج أن من قام بذلك هم فلسطينيون، ليشتبك المخيم مع المقاومة اللبنانية ويصبح حق العودة نفسه مهدداً وبأيدي الثوار أنفسهم من لبنانيين وفلسطينيين. وأمام تحقيق أهدافهم في تفتيت الأوطان كان لا بد من استخدام ذخيرتهم الرئيسية في ذلك ، وهم “الإخوان المسلمين” ومرجعيتهم الأساسية أردوغان وحزبه العثماني الجديد، فكانوا هم خميرة تدمير سوريا، وهم خميرة تدمير اليمن من خلال حزب الإصلاح، وكذلك في تونس ومحاولات الفتنة الداخلية من خلال سياسة الأغتيالات ضد اليسار التونسي والذي اتهم فيها حزب النهضة الإخواني، وكذلك الأمر في مصر ومحاولة تدمير الدولة هناك ،رغم موقفنا الواضح من نظام السيسي، لكن هذا لا يبرر تدمير الجيش وتقتيل الوطن، والأمر نفسه كان قد تم في الجزائر من خلال جماعة عباس مدني، وما أوصلوا إليها ليبيا باسم ديمقراطية الناتو التي لم يؤمنوا بها يوماً لكنهم يدمرون باسمها الأوطان، وكيف قسموا السودان باسم الدين الأمر الذي لم يقم به أي نظام ديكتاتوري بما في ذلك نظامي عبود ونميري. وهاهم باسم الدين أيضاً برسلون جنود السودان الفقراء ليَقتلوا ويُقتَلوا في اليمن تحت أوامر آل سعود الذي يعتبر نفسه قد استأجر بضعة عجول لا أكثر، في الوقت الذي ينهار فيه السودان كوطن ومواطن تحت ذات القيادة التي تتاجر بالوطن والمواطن وأوصلت السودان الى الحضيض على كافة المستويات. وفي فلسطين حيث تحاول بعض قياداتهم توقيع هدنة طويلة مع الكيان الصهيزني من خلف ظهر الشعب كما فعلت تماماً قيادات أوسلو، فداعش ليس هدفاً أمريكياً، والقاعدة كذلك، وإن كان يضرب هذا القائد الميداني أم ذاك بين وقت وآخر لذر الرماد في العيون، فالسيدة كلنتون تعلن مجاهرة في الكونغرس “أنهم كانوا مضطرين لدعم  القاعدة”، ويعلن توني بلير “أن بلاده وأمريكا خلف ظهور داعش” ويعلن أوباما بكل صفاقة “أن داعش خرجت عن السيطرة” الأمر الذي يدلل على طبيعة العلاقة التي تربطهما، رغم كل ما يحاولون ترويجه من أكاذيب حول محاربتهم للإرهاب…  وفي النهاية، فهذا جزء من ضريبة النضال والمقاومة، فعلى الشهداء الرحمة والشفاء للجرحى والصبر لأههاليهم ولكل جمهور المقاومة.

محمد النجار

حمّلوه عنزة ظرط….

كنت جالساً أتابع التلفاز بمرارة، حين ظهر ذلك الشخص بشكل مفاجىء ليزيد حنقي، وإنني إذ أعترف لك أن مجرد رؤيته تستفزني، وأكاد أبصق عليه من على صفحة التلفاز، كلما نطق حرفاً، إلّا أنني لم أستطع أن أكبح جماح فضولي من الإستماع إليه، فبصقت عليه في سري وأخذت أستمع لما سيقوله عن سؤال وُجه إليه يقول: لماذا لم تستقبل دول الخليج المهاجرين السوريين، بدلاً من هذا العذاب المُميت والمُكلف والمُذل سياسياً ومادياً للوصول إلى الدول الأوروبية؟ فعدّل من وضع حطة رأسه ناصعة البياض والتي تشبه رايات الإستسلام التي يستخدمها الجبناء في الحروب لينقذوا جلودهم، وقال، لا بل “بال”، لا… لا ، لم أخطىء، نعم لقد “بال” من فمه، وأنت تدرك كيف يبول المرء من فمه، فالأمر مختلف عن الذي يسكت” دهراً وينطق كفراً”، فمثل هذا المرء مرده إلى الله ليسامحه أو لا يسامحه على كفره في يوم الدين، وكذلك الأمر مختلف عن الذي يتحدث متناسياً المأثور الشعبي القائل:”إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب”، وأنت تدرك الفرق بين أن يكون الكلام الذي يخرج من فم الشخص فضة أم بولاً كالذي يخرج من فم “صاحبنا”… لذلك أنا أُصرّ على أنه “بال” من فمه رافعاً “رجله” تماماً كما يبول الكلب على قارعة الطريق. وما عليك إلّا أن تحكم بعد أن تستمع لما قال.

قال:

ـ  لا… لا، الخليج مختلف، له عاداته وتقاليدة، لا… لا يستطيع، فهؤلاء المهاجرون لديهم مشاكل نفسية خطيرة. عدّل من وضع حطة رأسه من جديد وتابع بوله:

ـ لا، الخليج مُكْلِف والحياة به غالية وهم لا يستطيعون… لا….

أول ما خطر في رأسي سؤالاً إستنكارياً يقول لهذا التافه: من الذي تسبب في هجرة هؤلاء؟ أليس أكلة قلوب البشر؟ أليسوا “محتكروا” الحقيقة القابضين على”مفاتيح الجنة” كما يدّعون؟ أليست حاميتكم أمريكا؟ وبأموال مَنْ؟ أليست بأموال آل سعود التي لم تطلق يوماً طلقة على أعداء الأمة العربية، بل لم تستخدم أسلحتها وأموالها إلّا لتدمير حركات التحرر العربية والمناضلين العرب وتدمير الأوطان، بل ووظفتها لخدمة ما تطلبه الإمبريالية من أفغانستان إلى دعم الأحزاب اليمينية في بعض الدول الأوروبية كي لا تصل أحزابها الشيوعية للسلطة خلافاً لإرادة شعوب تلك الدول التي إنتخبتهم كما تم في فرنسا وإيطاليا، وكما موّلت حملة الكونتراس في نيكاراغوا كي لا يصل الساندينيون إلى السلطة، تماماً كما موّلت القاعدة وداعش في ليبيا وسوريا والعراق واليمن ومصر” والحبل على الجرّار”… ولا أستغرب أن تكون حكومة آل سعود وحلفائها هي الداعم المالي للعثماني الجديد أردوغان ليتخلص من اللاجئين الذي بنى معسكراتهم قبل أن يبدأوا حربهم الكونية على سوريا، فمن جهة يضغط على الأوروبيين الذين لم يؤيدوا المنطقة العازلة، قائلاً لهم “لا تُريدون منطقة عازلة؟ إذن تلقوا المزيد من المهاجرين”، فمن غير المعقول أن يفر هؤلاء بعشرات الآلاف في نفس اللحظة مارين في دول عدة دون دعم دولي، تماماً كما أنه لا يمكن لتنظيم مهما على شأنه وكبره وتمدده، أن يمتلك دبابات وآليات وأسلحة وأموال ومتفجرات بآلاف الأطنان وجيش بعشرات الآلاف ويحارب في أكثر من مكان، دون أن تكون خلفه دولاً، كما حال داعش والقاعدة، والغريب أنهما رغم إمتلاكهما كل ما سبق وخروجهما أحياناً عن إرادة خالقيهما، إلّا أنهما لم يُخطئا ولو مرة واحدة ولم يخرجا عن الخط الأحمر الأول المرسوم لهما بأن يُطلقا طلقة واحدة باتجاه الكيان الصهيوني، ولو حتى عن طريق الخطأ !!!، ومن جهة ثانية لتفريغ سوريا كما العراق من كنزهما البشري وخاصة أن المهاجرين هم من الشباب في أغلبيتهم الساحقة والكثيرون منهم حملة شهادات وأكاديميون، وأمور أخرى كثيرة لا تتعلق بموضوع حديثنا. لكن أكثر ما استفزني في الأمر أن هذا المتخلف، ماذا؟ نعم المتخلف رغم شهاداته التي يحملها، وهل بالضرورة أن لا يكون كل من حمل شهادة متخلفاً؟ بماذا تفسر لي أن “حارة الشيخة موزة” تحتضن أكبر تجمع للمثقفين الذين لا هم لهم سوى الترويج والتنظير والتبرير لكل ما يضرب حركة التحرر الوطني العربية؟!!! هذه الحارة التي تحكم بالمؤبد على مجرد شخص ينادي بالإنتخابات، تعتقد أن لدى ديمقراطيتها متسعاً للمثقفين لو كانوا مثقفين حقيقيين ولديهم الحد الأدنى من الوطنية أو الثورية لو لم يكونوا تابعين لقوة المال؟… أقول أن هذا التافه لا يعلم ان هؤلاء لو كان لديهم مشاكل عصبية ونفسية كما يدّعي، فهو ومن يموله السبب في ذلك، كما أن هؤلاء ربما يكونون أقل منه ومَنْ هم على شاكلته مرضاً نفسياً، وأن جدود هؤلاء مع جدود الفلسطينيين واللبنانيين هم مَنْ نقلوا الأبجدية إلى تلك الصحاري قبل أن يصلها النفط، واستشهد منهم الكثير من الأفاعي والعقارب، وأن الذباب والبعوض الذي رأوه وحاربوه لم يروا بمثله ولا بحجمه في أصقاع الأرض، نقلوا لهم الأدوية وبنوا لهم المدارس بأيديهم كما المصحات والبيوت بدل الخيام، واستخرجوا لهم المياه وأحضروا لهم الحبوب وعلموهم الزراعة، نعم، هم من علموه وعلموا أجداده الحياة، وها هم الآن لا يحصلون على تأشيرة دخول لهذه البلدان التي لولاهم لماتوا من الظمأ، لا بل كانت مكافأتهم بتدمير أوطانهم وأحلامهم. إنهم نسوا “أن من علمني حرفاً كنت له عبداً”، وفضلوا أن يكونوا عبيدا لراعي البقر الأمريكي وللبريطاني والفرنسي، ويؤمنون بالقول المأثور”… الغريب حلو”.

نسي هؤلاء شيئاً اسمه الكرم، أو إغاثة الملهوف… “الخليج مُكلف”… في الزمن العادي كنتم تتآمرون على الناس وترحلوهم بعد أن تُشاركونهم أموالهم وتسرقونهم لاحقاً باسم ” الكفيل”، أنسيتم؟ الدول تبني حضارات بالمال، وأنتم تُدمرون أوطاناً وتقتلون البشر وتدمرون الحجر وتنشرون الدعارة والبطالة والجهل، نسوا هؤلاء الجهلة أن سوريا هذه، سواء أحببت النظام أم كرهته، هي من استقبلت الشعب الفلسطيني بالأحضان والتضامن  عند مأساته ولا زالت، ولم تُفرّق بينه وبين أبنائها، والسوريون كانوا جنباً إلى جنب يقاتلون الإستعمار في كامل سوريا الكبرى، ومن هو عز الدين القسام سوى مناضلاً سورياً جاء ليستشهد في فلسطين، وأن هؤلاء السوريون هم من احتضن ما يقارب من مليوني عراقي عندما أطلق آل سعود جنونهم تدميراً وتفجيراً في العراق مع الأمريكي، وهم من احتضن نصف مليون لبناني في الحرب على لبنان، وأن هؤلاء السوريون العظام لم يفتحوا لهم معسكرات ولم يطلبوا نقوداً ممن كان السبب في مآسيهم أمثال آل سعود، ولم يتاجروا بقضيتهم لأمم متحدة أو شؤون اللاجئين، تقاسموا معهم لقمة الخبز، وواسوهم وعضّوا على جراحهم مبتسمين، وأن سوريا هذه رغم كل الإنحطاط العربي لم تتنازل عن مجرد بضعة أمتار في “جولانها” المحتل… أم ربما لأنها كذلك يُديرون عليها كل هذه الحرب الكونية؟!!!

نعم هو هذا ذات الشخص الذي كان منذ بضعة أسابيع يدافع عن تدمير اليمن، يدافع عن مجازر آل سعود فيها، ويُهدد ويتوعد شعب عظيم كالشعب اليمني لا لشيء إلّا لأنه شعب فقير بسبب آل سعود أنفسهم الذين يمنعوه من إستثمار خيراته، فهو يعوم على بحر غاز ونفط يفوق ما لدى آل سعود، يتهجم على شعب مقدام جسور كريم، تخيّل!ويتحدث عن أنه وآل سعود سينغصون على إيران والإيرانيون حياتهم من خلال دفع الأموال لإثارة الفتن بين قومياتها ومذاهبها، تخيّل إلى أين وصلت بهم الصفاقة والوقاحة والغطرسة، وهم لم يكونوا قادرين على الصمود لحظة في وجه بلد مثل العراق، ولن يستطيعوا مع سوريا، وسيتمرغ أنفهم في تراب اليمن، والآن يتطاولون على إيران!!! صحيح كما قال المأثور الشعبي” حملوه عنزة ظرط قال هاتوا الثانية”…

ـ مالك تنظر إلي مثل الأبله؟ تحرك رأسك كأعضاء برلمان عربي متخلف جاهل…

ـ فشرت… لا تقل جاهلاً، صحيح أنني لا أمتلك شهادات كشهادة صاحبك، ولا كأولئك في حارة الشيخة موزة، لكني لست مثله ولا مثلهم، وكل ما قلته أنت أعرفه رغم أنني لا أعرف أن أقوله و”أُصفط” كلماته مثلك، واستفزني صاحبك هذا أكثر مما استفزك، بدليل أنني بصقت على وجهه القبيح على شاشة التلفاز بشكل جدي وليس مثلك في سري، شيء آخر سأقوله لك ، لا تُشبّهني بأعضاء البرلمانات العرب إذا أرت أن تراني مرة أخرى في بيتك….

محمد النجار

الطحالب لا تعيش إلّا في المياه الراكدة

قال:

ـ إنها ليست أكثر من مداهمات، بعني “شوية” اعتقالات…بسيطة…

كان هادئاً، يتحدث ويشرب قليلاً من النبيذ بهدوء، ويلعن السجائر التي يمتصها حتى آخرها، ويلعن اليوم الذي تعلم به التدخين، ويتحدث كعادته بطلاقة معروفة، لا تقل عن تلك التي نراها عندما يتحدث في كثير من الأحيان على صفحات التلفاز، وإن كان يحاول جاهدا إظهار تأثره بالأحداث، خاصة بدماء الشهداء، الأمرالذي لم يبرز كثيراً في حديثه معنا في تلك الليلة.

كنا عند صديق مشترك، نتحدث ونتسامر ونشرب النبيذ، كنا نعمل في وزارات مختلفة، عدا ذلك الطبيب الذي لم يكن يعمل في وزارات السلطة، وكان قد رفض احتساء شيئاً من النبيذ، معلناً أنه لا يشرب الخمر، عندما قال له مضيفنا مازحاً:

ـ مسيحي ولا تشرب؟!! أمرك غريب يانهاد، ماذا تركت للمسلمين يارجل؟

وضحكنا، وقال هو موضحاً:

ليس للأمر علاقة بالدين، كل ما في الأمر أنني لا استسيغ الخمر ولا أحبذه…

ثم أضاف وكأنه يلوم صديقنا ويعاتبه:

ـ منذ متى تُقسّم تصرفات الناس وسلوكم حسب دياناتهم، أراك قد بدأت تتراجع عما كنت عليه، أم أنك تأثرت بالدواعش والقاعدة؟

ـ متأثر؟!!! هذا ما تبقّى… أعوذ بالله، لكن أتعلم أنك محق، الأمور تبدأ بهذا التقسيم للبشر، تقسيمهم دينيا ومذهبيا وطائفيا وجنسيا ، لقد وضعت يدك على الجرح فعلاً….

فقال رجل التلفاز ممسكاً طرف الحديث من ألسنة البقية:

ـ لا تُفلسفوا الموضوع وتنزعوا “السكرة” من رؤوسنا، اتركوه، إذا أراد الشرب فليشرب، وإن لم يشرب فالخاسر هو وحده، يعني ” على نفسها جنت…. جنت… شو اسمها…”

ـ براقش

أجاب أحد المتحولقين حول الطاولة، حين رد رجل التلفاز قائلاً:

ـ آه، براقش أو مراكش، لم تعد تفرق، المهم الفكرة وليس شيء آخر

كان يحتسي النبيذ وكأنه يشرب الماء، يسكب الخمر في فمه دفعة واحدة كأساً بعد آخر، وكأنه يسابق الزمن ليشرب أكثر ما يمكن، قال البعض لاحقا أنه أصبح كحولياً، ولا يمكنه الإستغناء عن الخمر، بل لا يستطيع الحديث دون شراب، وأنه يبدأ نهاره به وينهيه كذلك، وكلما شرب أكثر كلما ازداد حديثه وكشف أسراراً جديدة، وعندما تساءل أحدنا في اليوم التالي عن أسباب إبقائه في السلطة، أجاب مضيفنا قائلاً وحاسماً،” من منهم ليس مثله… فهو ليس أفضل منه”، هذا ممن كانوا مناضلين ذات يوم، وأنتم لم تتعرفوا غلى بعض القادة الذين كانوا عسكريين، من أبي فلان إلى أبي علان، يفرضون أنفسهم في المقاهي والمطاعم وأسواق الخضار والمحلات… شيء أقرب إلى البلطجة والخاوة، متروكون ليفعلوا ما يريدون….ويُقال أن أحدهم يداوم بشكل دائم أمام مطاعم الشواء، ليستغل هذا و”يتسلبط” على ذاك، حتى أن الناس يتهامسون مازحون، بأنه يضع مكان نياشينه العسكرية على كتفيه، سيخين وفحمة، وقوّلوه بيت شعر كان ذات يوم للمتنبي ، محورينه بطريقة كوميدية لاذعة، وبعضهم كتبه على باب محله بخط بارز، موقع بإسم أبي جلال، وهو الإسم الذي أطلقوه عليه دون علمه، يقول بيت الشعر:

“الهش والنش والكانون يعرفني                                 والشحم واللحم والسلطات والبصل”

لا أعرف من ابتدأ الحديث في موضوع “جنين”، الذي لم يكن مر على مداهمته سوى يومين اثنين، وكان جو التوتر والغضب يلف المدن كلها، والغضب على السلطة ورئيسها وقياداتها في ذروتها، حين قال رجل التلفاز:

ـ لا “توجعوا” رأسنا، “جنين …جنين …جنين…” هو الذي خلقها لم يخلق مثلها ولا غيرها؟! كفى، كل يوم تدخلوننا في مشكلة جديدة، ألا تريدون أن تفهموا أن هذه المرحلة هي مرحلة العمل السياسي، لقد إنتهت مرحلة البندقية، لنعطي المرحلة حقها…

لم يتوقع أن يناقشه أحد كمعظم المرات، كونه يحقد على الآخرين ولا يختلط بهم، لكن وعلى غير توقعه رد الطبيب بهدوئه المعتاد، رغم الإستفزاز الذي كاد يغطي وجهه كاملاً:

ـ لقد أضعتم ربع قرن من التفاوض، وماذا أثمرتم؟ لقد أخذوا منكم حتى مناطق”ا” التي أعطوكموها في أوسلو، وبدل دولتكم الموعودة، وضعتم أنفسكم وشعبكم تحت أحذية الإحتلال.

ـ ربع قرن؟!!! حتى لو نصف قرن ما الذي يزعجك أنت؟

ـ يُزعجني كل شيء، أأتيتم بشيء جيد حتى يعجبني؟ أم تعتقدون أن البلد من حقكم، كونكم “ورثتموها” عن آبائكم وأجدادكم، وربما تعتقدون أن شعبها جزءً من عبيدكم الموروث أيضاً، ثم إن كنت أنت مستفيداً وكل يوم في سهرة في تل أبيب أو في تلفزيونات السلطة أو اسرائيل فالناس ليسوا كذلك.  والأهم عندي من ذلك أن المداهمات تتضاعف يوماً بعد يوم تحت أعينكم ، فبالأمس مخيم جنين واليوم مخيم الأمعري وغداً مخيم بلاطة وبعده مخيمي الدهيشة والعرّوب، ناهيك عن القرى والمدن التي أصبحت مداهمتها بشكل يومي، وأصبحتم حتى لا تحتجون، دجنتم أنفسكم وذواتكم على رغبات الإحتلال، وتريدون ترويض شعبكم ليصبح على شاكلتكم!!!

كانت كلماته مُستفزة، ورجل التلفاز الذي يحمل على أكتافه سنوات من النضال لا يحتمل النقد بأي شكل، بل كان يرى بالنقد جزءً من الهجوم عليه، وانتقاد القيادة تمسه، لأنه يرى نفسه جزءً منها رغم أنه من قيادات الصف الثاني… سكب الكأس في فمه وقال مفتعلاً الهدوء:

ـ إن كنتُ أسهر في أي مكان فبنقودي، أو في مهام نضالية يتطلبها عملي وهذا ليس شأنك

ـ أما زلتم تعتقدون أننا أغبياء؟ صدقناكم عقود وانتهى ، ثم انني لم أعلم أن معارك التحرير انتقلت إلى مطاعم وبيوت وبارات تل أبيب.

شرب من كأس الماء الذي أمامه، وقال وكأنه يدلي بنصيحة:

ـ فكروا بماذا تفعلون، الناس لم تعد تحتملكم، والقمع لم يعد قادراً على تكميم أفواه الناس

رد رجل التلفاز في محاولة بائسة لإستحضار الماضي، فقال:

ـ نحن من أطلق الرصاصة الأولى، نحن من قاد الشعب…..

فرد عليه بصورة حاسمة:

ـ نعم أطلقتم وقدتم وكنتم، و”كان” فعل ماض ناقص لن يكتمل أبداً، عليكم أن تكونوا من جديد وإلّا اتركوا غيركم ليكون ويفعل….

ـ إفعلوا أنتم!! وهل نحن ممسكون بكم؟

ـ نعم أنتم ممسكون بكل من يريد العمل أو حتى يفكر به، أم أنكم مصدقون أن إعتقالاتكم مناضلي شعبنا هي ليتنزهوا أم لحمايتهم كما تُشيعون؟ و”مخيم جنين” هذا الذي تصدع رأسك به لم يترك حلفاءكم الجدد أن يستفردوا به، وبعد فشلكم أنتم في اعتقال المطلوبين للإحتلال، جاؤوا هم بدباباتهم، لكنهم مثلكم لم يحصدوا سو الخيبة، مخيم جنين هذا المكتظ بالمناضلين قزّم دولة الكيان كله لمدة خمسة عشر يوماً، كان القصف ينزل على رؤوس سكانه وهم قابضون على البندقية ويتصيدون الجنود، حتى دباباتهم لم تستطع السير في أزقته، فكانت تسير من بيت إلى بيت فوق البشر أحياء، وفوق جثث الشهداء والجرحى، ولم يستسلم، عض على جراحه وقاوم وصمد، ولم يستطيعوا إعادة إحتلاله إلاّ بعد إنتهاء الرصاص من مقاوميه الذين لم يملكوا سوى بنادق مُشتراة من أثمان ذهب عرس أمهاتهم ونساءهم وأخواتهم، ولم يكن عندهم ما تسمونه سلاحا ثقيلاً أو متوسطاً، فقط مجموعة من البنادق كبد بها “الجيش الذي لا يقهر “خسائر فاقت توقعاته وتوقعات قادتكم،  وها هو الآن يتصدي لأسياد سلطتكم مجدداً، فيتراجعون مستذكرين عام ألفين واثنين، تاركين لكم “شرف” إعتقال المناضلين.

سكت قليلاً وسط استغراب رجل التلفاز، الذي كان مبهوراً بهذه الجرأة التي إعتقد أنهم قد أنهوها في ربع القرن الماضي من قمعهم ومطارداتهم للمناضلين واعتقالاتهم أو تصفيات بعضهم أحياناً، وأكمل الطبيب:

ـ وكما في السابق، حيث لم يجرؤ أحد منكم بما فيه رئيس سلطتكم  السابق على زيارة المخيم والتضامن معه، لم يجرؤ كذلك رئيس سلطتكم الجديد لزيارة المخيم، من يدري فربما رفضوا إعطاءهما تصريحاً للقيام بذلك، كي لا أقول لم يتملكا الجرأة. بل ربما يقايضون على المخيم هذه المرة كما قايضوا على مناضلي كنيسة المهد في مدينة بيت لحم وتم نفيهم لخارج البلاد مقابل رفع الحصار عن رئيس السلطة السابق، أو كما قايضتم على موقفكم من مخيم اليرموك وتراجعتم بعد أن أغراكم بأموالهم آل سعود!!!.، أو كما قايضتم وبعتم رئاسة الجامعة العربية لمشيخة قطر لتتخذ ما تتخذ من إجراءات لتدمير سوريا، مشكلة قيادتكم ياعزيزي أنها تؤمن أن كل شيء قابل للبيع، مادام هناك من يشتري!!! وإن “تدلل” المشتري لا يتراجعون عن قرار البيع، بل يُنزلون بالسعر، المهم أن تنفذ بضاعتهم ولا يعودوا بها خائبين، لكن المعروض الآن هو الوطن، أتفهم؟ الوطن بترابه وسمائه وزيتونه وصخره وشهدائه وجرحاه وأسراه، بهوائه وتراثه وتاريخه وعاداته وتقاليدة، أتفهمون ذلك، إنكم تعملون على اقتلاع التاريخ والجغرافيا أيضاً، الأمر الذي نادراً ما حدث في التاريخ.

كان رجل التلفاز ما زال يشرب المزيد من النبيذ، وقد بدأ يكتسب وجهه اللون الأبيض الشمعي، وكأنه ما زال غير قادر على تصديق ما تسمع أذنيه، في الوقت الذي تابع الدكتور حديثه مُصعداً أكثر وأكثر، قائلاً:

ـ وأخطر ما تقومون به تشويه العقول وتسميمها، إبتدأتموها بالتطبيع، ثم بتعريفكم للمخيم بأنه تجمع سكاني كثيف في بقعة جغرافية صغيرة، وها أنتم تتحفونا وتبشرونا بأن “ثورتنا مش إرهابية، وازرع ليمون ازرع تفاح… ثورتنا سلمية من غير سلاح”، من خلال أغان تافهة من المفروض أن تكون أغانٍ وطنية محرضة على الثورة وعلى مواجهة الإحتلال،  إلى أين تأخذوننا ؟ أتريدون سياقتنا مثل قطيع؟ ومن يدري ربما إن زرعنا برقوق مثلاً أن نعفيكم من كلمة “ثورة” من الأساس، ونمهد لكم الطريق لتستمروا في خياركم البائس….

كان رجل التلفاز ما يزال يستمع، ويبدو انه أقنع نفسه أن “قلة الرد رد” على مثل هؤلاء، وأن من الأفضل أن لا يدخل بحوار قد يُخرجه عن طوره، ويعود ليندم على ذلك، فاستل “سيجارة” من علبة سجائره، أشعلها وظل يستمع، حين قال أحد زملائي العاملين في الوزارة نفسها، محاولاً تخفيف الأمر عن رجل التلفاز:

ـ إن القيادة مشغولة الآن لترتيب البيت الفلسطيني، نرجو أن يهديهم الله ويقومون بتعديل ما يجب تعديله….           يبدو أن الكلام لم يخلق أي أمل عند الطبيب الذي فقد كل الثقة بالقيادة مثل الكثيرين، وكما علمت لاحقاً من قريبه الذي أحضره معه في سهرتنا تلك أنه كان خارجاً لتوه من سجون السلطة، بسبب “أفكاره الهدامة والمحرضة”، فكما قالوا له” بإمكانك أن تُشكل الرأي الذي تريد، ولك كامل الحرية، لن يمنعك أحد من ذلك، هذا حق يكفله لك القانون، لكن ليس من حقك نشره وتحريض الآخرين ليقتنعوا به، يعني رأيك يظل لك، ملكك، لنفسك ولا لأي أحد آخر” …

فرد الطبيب قائلاً:

ـ نعم … ترتيب البيت الفلسطين ليظل خانعاً مُهانا، مثل هذه القيادة ياعزيزي لا تستطيع العيش في جو صحي، لذلك فالمطلوب تدجين المنظمة بشكل كامل، لذلك ستبقى المنظمة ومؤسساتها وقيادتها بنفس السوء ونفس الأمراض إن لم تزد أكثر، فمنظمة فقط بهذه المواصفات تكون قادرة أن تستوعب مثل هذه القيادة، فالطحالب يا عزيزي لا يمكن أن تعيش سوى في المياه الراكدة.

فقال رجل التلفاز مستفَزاً، وكأنه يريد رمي الكرة في مكان آخر:

ـ إن لم تُعجبك هذه القيادة إذهب إلى قيادة حماس!!!

وضحك، لكن الطبيب ظل على جديته، وقال:

ـ لولا ديانتي التي عرفتها لتوك لاتهمتني بأنني من حماس، انتم وقيادة حماس ولا أقول “قساموها” تتشاهبهون حد التطابق، ولإن استمروا بما هم سائرون عليه سيصلون إلى حيث وصلتم، إلى “المستنقع”، فخلافكم معهم أنكم تريدون احتكار الإستسلام وتعميمه وتعميقه، وجر الشعب كله بتضحياته كلها إلى مزبلة التاريخ، والأمر بالنسبة لي بسيط جداً، اذهبوا هانئين غانمين إلى هناك، لكن أتركوا شعبنا ليكمل مسيرته كما يشاء وبالطريقة التي يريد، ولا تحاولوا جرّه معكم مرة بالخداع وأخرى بالقمع.

كان كلامه قاطعاً كحد السيف، ورجل التلفاز الذي أخذت يداه بالإرتجاف، يحاول تغطيتها بتركه لسيجارته لتأكل نفسها في منفضة على الطاولة، وبتركه لكأسه ربع ممتلئ بجانب المنفضة وكأنه شاهداً على ما يدور من حديث.

نظر الطبيب في ساعة يده، استأذن وخرج معتذراً عن الإزعاج الذي سببه، لكنه بصراحة أثلج صدري، كوني لا أستطيع البوح بما في صدري مثله، كي لا يتم فصلي من عملي من الوزارة التي أعمل بها، وأجد نفسي في غياهب سجونهم، تاركاً خلفي طفلين وأمهم….

محمد النجار

شهاب الدين وأخوه

الأمر ليس بجديدٍ على الشعب الفلسطيني، فمشكلته قديمة جديدة، فدائمًا يكون في قمة عطائه وقيادته في قمة مساومتها وتبعيتها وتنازلاتها، والأمر لم يعد محصوراً بعائلات الإقطاع التي قادته في ثوراته وانتفاضاته الفاشلة القديمة، بل والحديثة أيضاً، لذلك ينطبق عليه المأثور الشعبي بأسطع تجلياته،” طول عمرك يازبيبة في …. عود”… وكيلا نتوه في التاريخ ونبتعد عن جوهر موضوعنا، سنركز موضوعنا في قيادات الشعب الفلسطيني التي قادت الثورة الفلسطينية الحديثة، حيث ابتدأت قيادة الثورة البرجوازية الصغيرة، في قمة عنفوانها وعطائها الثوري، فساهمت في رسم الميثاق الوطني وحددت البرنامج الإستراتيجي والتكتيكي، وحملت البندقية وناضلت وقاتلت…لكنها تدريجياً أخذت تتماهى مع الرجعية العربية، وارتضت أن تزرع بها الأنظمة رجالاتُها، وقبلت بالمال المشروط، وأخذت تتذاكى لنراها مرة مع الأنظمة الوطنية ومرات مع الرجعية، وبنت “ترسانة” مالية ضخمة، تجاوزت الميزانية السنوية لبعض الدول العربية، حتى أنها أقرضت بعض الدول العربية أكثر من مرة، لتذهب هذه الترسانة المالية إلى يد أرملة الرئيس وكأنها أمواله الخاصة!!!، وكون المال لم يُستخدم لخدمة القضية الوطنية بشكل صحيح، فقد أضعفتها قوة المال فهانت دماء الشهداء وآهات شعبها، فتراجعت عن شعاراتها نفسها، وبدل المراجعة النقدية تاهت بين هدفها الإستراتيجي والتكتيكي، وغلبت التكتيك على الإستراتيجيا، وتنازلت عن الإستراتيجيا والتكتيك معاً، وأخذت هذه القيادة تتذاكى أكثر، فاتصلت بالصهاينة متجاوبة مع سماسرة الصهاينة ووعودهم فتنازلت عن الميثاق الوطني، وزيادة في التذاكي ساومت من خلف الشعب ودون علمه متنازلة عن كل ثوابته، وجلبت اتفاق أوسلو  بكل مآسيه للشعب الفلسطيني، محملاً بالتنسيق الأمني واعتقال المناضلين، ناشرة الفساد والإفساد، وثقافة البؤس والإستهلاك بدل الثقافة الثورية والوطنية، محاولة تحطيم المعنويات والتجهيل والتعتيم والمضايقة والملاحقة الأمنية، والسجن للوطن والناس، تاركة عملاء الإحتلال يصولون ويجولون دون رادع ولا حتى سؤال. هذا ما حصل مع قيادة حركة فتح ، وهو ما يتكرر ويحصل اليوم مع قيادة حركة حماس، فبعد أن انطلقت مع بداية الإنتفاضة الأولى في قطاع غزة، وبعد عام كامل من بدء الإنتفاضة في الضفة الفلسطينية، جاءتنا بشعارها الأول “حماس هي الأساس”، حتى أنها لم تعتبر نفسها امتداداً لقوى الثورة الفلسطينية كما يفعل حزب الله مثلاُ، بل اعتبرت نفسها بديلاً عن المنظمات جميعها، فمن حيث المبدأ لم تكن هي الأساس ، فهي جاءت بعد أربع عقود تقريبا من عمر الثورة الحديثة بشهدائها وجرحاها وأسراها، وفي الوقت الذي كانت فصائل المقاومة تقدم الشهداء وتثبت القضية الوطنية على “أجندات” العالم، وبغض النظر عن الأخطاء والخطايا التي تمت، فإن حركة الإخوان المسلمين في فلسطين، كانت ترفع شعار” لا يُكلف الله نفساً إلا وسعها” وفي محاولات الهروب للأمام كانت تطرح”تحرير الأندلس قبل فلسطين”، ولم تقدم على مدى عمر الثورة حتى الإنتفاضة أسيراً واحداً فما بالك بالشهداء !!! وهي بذلك لم تختلف عن حركة الإخوان المسلمين العامة التي لم تقم يوما بتأييد أي حركة ثورية في العالم العربي، بل كانت دائماً وأبداً مع الثورة المضادة في أي مكان تواجدت به، والمثال الساطع وقوفها في وجه ثورة الشعب المصري التي قادها الزعيم الراحل جمال عبد الناصر في الوقت الذي دعمت به كل الأنظمة الرجعية!!!… والشعار الثاني الذي رفعته كان “الإسلام هو الحل”، الأمر الذي يعني في أحسن صوره تحييد مسيحيوا فلسطين وإبعادهم عن النضال، ثم أنهم بذلك جعلوا من أنفسهم أوصياء على الدين واختزال الدين بمفهومهم له، وفي سياق الإنتفاضة خاصة سنواتها الأولى، لم نر منهم اسلاماً وأكاد أقول ولا مسلمين أيضاً، فهم مثلاً لم يوافقوا يوماً على برامج مشتركة مع القيادة الوطنية الموحدة للإنتفاضة، ولم يوافقوا على بيان مشترك ، ولم يوافقوا على فعالية مشتركة، وكانت بياناتهم مربكة لحركة الشارع كونها كانت وفي معظم الأحيان في تناقض مع بيانات وبرامج القيادة الوطنية الموحدة للإنتفاضة!!! ولم تُجدي كل المحاولات، وفشلت كل الجهود لتوحيد جهودهم مع العمل الإنتفاضي، لدرجة أن الشعور العام الذي كان سائداّ آنئذٍ،  أن هؤلاء جاؤوا للإلتفاف على وحدانية تمثيل م.ت. ف. بدعم أمريكي لخدمة الكيان الصهيوني…

ومع محاولات القيادة المتنفذة في المنظمة، جني ثمار الإنتفاضة قبل نضوجها، بعد مهاجمة العراق من الإمبريالية الأمريكية، وعلى أثر اعتقال الآلاف من مناضلي الإنتفاضة وتحديداً من حركة فتح والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وتحديداً الإعتقال الإداري، وفشل مشروع الجبهة لنقل الإنتفاضة إلى العمل العسكري الذي كانت قد بدأته في أوائل سنوات التسعينات من القرن الماضي لأسباب لم توضحها حتى الآن، ابتدأت حركة حماس الأعمال النوعية المميزة ، والأعمال الإستشهادية التي ازدادت وتنامت بعد رجوع المئات من مبعدي الحركة من الجنوب اللبناني، والتي كانت جهود حزب الله وبصماته واضحة على كل أعمالها تقريبا، في نفس الوقت الذي أخذت تظهر بجلاء مساومات القيادة الفردية وممارساتها وفسادها وما تقوم به من شراء للذمم ودعم البرجوازية التجارية ذات الطابع التكاملي مع الإحتلال، ومع الإعتقالات الهائلة لمناضلي اليسار وقياداته والتي كانت تعمل من تحت الأرض، بعد أن تم اكتشافها بعد عشرات السنين من نضالها، إضافة إلى شعارات حماس التي ركزت على الهدف الإستراتيجي من جديد، وبتحالفاتها مع حزب الله والدعم الإيراني والسوري لها، أخذ جزء مهم من جسمها التنظيمي ينحاز للعمل المسلح ويزيد من قدراتها، وأخذ يزداد إلتفاف الجماهير حولها الأمر الذي مكنها من كسب الإنتخابات لاحقاً وتشكيل حكومتها ، والإنتصار على محاولات” فتح” الإنقلاب عليها في غزة، من خلاال محمد دحلان المدعوم من أكثر من دولة رجعية عربية، ومن فتح نفسها بالطبع، وبعد أن أخذت تتفولذ حركة القسام وتزداد تجربة ومعرفة، وتتعمق تحالفاتها مع حزب الله وإيران وسوريا، كان جزء من القيادة السياسية بقيادة خالد مشعل وموسى أبومرزوق (الذي سرعان ما يلبس ثوب المفتي بعد أن يقلع ثوب المناضل، “أفتى بأن التفاوض مع الكيان الصهيوني لا يخالف الشرع، ومن يدري فربما يفتي لاحقاً بأن من لا يُفاوض الكيان يُخالف الشرع)، والمقيم في مصر (رغم معاداة النظام المصري لبندقية الثورة المنتصرة في غزة والتي تسبب له إحراجاً كبيراً)، والذين”مشعل ـ أبو مرزوق” أهم ما يميزهما “مع آخرين من القيادة السياسية، هو سياسة التذلل المالي والسياسي، وبناء “ترسانة” مالية كما فعلت قيادة فتح واستغلالها في الضغط على حركتهم نفسها لفرض مواقفهم التي ليس لها علاقة بالعمل الثوري، رغم أنهم تسلقوا وبشكل انتهازي على ظهر  إنتصارات “القسام” التي حققها بالدم والجهد والمثابرة، لتحقيق مآربه ومصالحه، مبقين الحركة مرتبطة مع المحور الرجعي العربي، ومع قيادات الإخوان المسلمين الرجعية التي لا تستطيع الحياة سوى في المياه الآسنة، ومع العثماني الجديد أردوغان. ويزداد تذاكيهم من خلاال خالد مشعل، الذي تفوق على قيادة م ت ف في “تبويس” اللحى وفي النفاق، فإيران وحزب الله تدعم وتدرب وتنقل التكنولوجيا في تصنيع الصواريخ، وينتصر الشعب الفلسطيني في القطاع، وخالد مشعل يوزع الشكر على “والي” قطر ووالي السودان وأردوغان وملك آل سعود، مبتعداً وبشكلٍ متعمد عن محور المقاومة، ليصل إلى اللقاءات غير المباشرة من خلال”مُدمر العراق” طوني بلير، واصلاً إلى حيث وصلوا بدعم ما تقدم من دول رجعية لن توصل شعبنا إلّا إلى “أوسلو جديد”، والشعارات نفسها كما كانت مع قيادة المنظمة، فك الحصار وبناء الميناء وإعادة الإعمار، مجمَلاً بشعارات تحرير كل فلسطين من هذا الزعيم أم ذاك، ألا يُذكرنا هذا بنفس أسلوب قيادة م ت ف والتي ما زال بعض قادتها يستعملونه حتى الآن؟!!!

والمهم إذا كان اتفاق أوسلو قد أوصل شعبنا إلى الهاوية، فإن الهدنة المقترحة ستمزق ما تبقى من وطن ومواطن، وواهم من يعتقد أن بمثل هذه المساومات الرخيصة وبموازين القوى هذه، أن يكون هناك أي مرفأ أو مكان دون رقابة إسرائيلية، أو أن يظل السلاح الفلسطيني كما هو وأن يتطور، أو أن لا يسلم مشعل ـ مرزوق السلاح كما فعلت قيادة فتح،  وفي الحالتين تفريغ الوطن من مصادر قوته ومن سلاحه!!! وغزة لن تصبح “سنغافورة” كما أن الضفة لم تصبح “هونغ كونغ” إقتصادية. فقيادة حماس ستصبح صورة مسخ عن قيادة المنظمة، فستعتقل (وهي تفعل)، وستُفسد وترشي وستكون الوساطة هي أساس التعامل ، وستتهم الآخرين بكل شيء وأي شيء لتُنَمّي مصالحها الطبقية، وكما أن “الطاسة ضايعة” لدى السلطة، بين قيادة حركة فتح وقيادة السلطة” عندما يعجبهم ففتح التي فعلت وعندما تكون الرائحة تزكم الأنوف، لا علاقة لفتح والسلطة المذنبة”، وكذلك الحال بين قبادة حماس وحكومة غزة، فالوساطة والبيروقراطية والفساد هي أساس الملك، ولا مَنْ يحاسِب أو يحاسَب ، وستصبح الديمقراطية “بدعة، وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار”، وتداول السلطة خروجاً عن طاعة الله وزندقة وفجور، وحرية الرأي والتعبير وحق الإختيار والتعبير “رجس من عمل الشيطان”، يعني كما هو الحال في الضفة الفلسطينية، وستُبنى الشركات المكملة وستُسوّق بضائع المصانع الإسرائيلية، وستأخذ الحكومة الموقرة حصتها من الضرائب… أليس الأمر مُشجعاً على التفاوض وقبول الإسرائيلي كجار لا بد منه في المنطقة؟!!!

فحركة الإخوان المسلمين كانت في كل أماكن تواجدها حركة منافقة ، مناوئة للثورات، مع الأنظمة الفاسدة، وها نحن نراهم في سوريا، كيف أدخلوا حثالات الأرض الدواعش القاعدة”النصرة”، وكانوا مصنعاً لتفريخهم، ورأيناهم خلال سنة كاملة في مصر وما زلنا، وكيف كان رئيسهم يناشد بيرس ويناغيه ويصفه بالرجل العظيم، وكيف قادوا سياسة التجهيل ورفض الآخر والهجوم على لقمة الشعب والإستدانة من البنك الدولي والصفقات مع العم سام، ورأينا مشعل نفسه يوعز لمرافقيه لتأسيس”أكناف بيت المقدس” التي استجلبت النصرة لمخيم اليرموك وأفرغته من سكانه، كما في الكثير من المخيمات الأخرى، في الوقت الذي كانت الصواريخ السورية تتدفق إلى غزة!!!، ورأيناهم في تونس وحالات الإغتيالات السياسية لليسار وقادته، وأنزلهم الشعب عن العرش كما في مصر، وها هم في السودان حيث قسّموا السودان بمساعدة مشيخة قطر وصحّروه وجوعوا شعبه، وها هم قسّموا ليبيا فعلياً بمساعدة “الأطلسي”، وفي اليمن يؤيدون عدوان أمريكا ـ  آل سعود ويحاربون ثورة الشعب اليمني بقوة السلاح، لكنهم لم يحركوا ساكناً في أي دولة رجعية في المنطقة. النقطة الوحيدة المضيئة لهم “القسّام” يريدون إطفاءها بكل السبل وبدعم عثماني وأموال قطرية سعودية وبإتفاق مع الكيان الصهيوني. وفي النهاية، إن القيادتين متشابهتان حد التطابق، والشعارات لوحدها لا تحرر أوطاناً، وسيظل “شهاب الدين أظرط من أخيه”…

لذلك، وكون محور المقاومة جاداً في دعم قضية فلسطين، فعليه فعل ذلك كما يجب وبشكل مكثف، وأعتقد أنه لا يجب أن يظل أسيراً في تكثيف دعم التيارات الدينية فقط، أو أكثر من اليسارية، فهو خير من يعلم أن “ليس كل ما يلمع ذهباً”، بل إن تكثيف دعم اليسار الفلسطيني وبقوة حاجة ضرورية ومستعجلة وماسة، فلدى رأس اليسار من الخبرة والإستعداد والإرادة ما يجعله ربما الأقدر على القيام بهذه المسؤلية، وهو بالتأكيد الأكثر أصالة ووفاء، بجانب حركة الجهاد الإسلامي، رغم ما أصاب بعض أطراف جسده من ترهل، لأنه يدرك جيداً أن هذا الزمن ” لا كما يتخيلون…. بمشيئة الملّاح تجري الريح… والتيار يغلبه السفين” كما قال الشاعر الكبير محمود درويش ذات يوم، وتاريخه حافل بالإبداع والمبادرات، وهو لم يهن يوماً وعمل وما يزال يعمل على أن ينفض طائر العنقاء “الفلسطيني” الرماد عن نفسه ويُحلّق من جديد ، ممزقاً إتفاقاتهم وراميها في مزابل التاريخ.

محمد النجار

أمي رأت أمك

ـ سيدي، الأمر ليس كذلك، لماذا تصدقوه وتكذّبونني؟ ألسنا متساوين أمام القانون؟ ولماذا أنا في هذه الزنزانة وهو حر طليق ينتقل من قناة تلفزيونية إلى أخرى مثل الإعلانات التلفزينية، أو مثل المسلسلات الهابطة؟ بالطبع لا، لم أقصد إهانته ولا إهانة أحد بكلامي هذا، أقصد… إنك تعرف تماماً ماذا أقصد… ماذا؟ إذا لم يكن هو السبب فمن إذن؟ فأنا منذ تشريفكم إلى “البلد””بَطّلت” السياسة والحديث بها، خلعتها ورميتها بعيداً، طلّقتها ياسيدي، والدليل أنكم لم تعتقلوني قبل الآن ولا مرة واحدة، صحيح أنكم استدعيتموني لكنكم لم … ماذا؟ بلد ديمقراطي؟ نعم …أراه وأحسه على جلدي كما ترى، والله لا أتحدى ولا “أتخوّت” ولا زفت… قل لي ماذا تريد مني!!!

يشعل سيجارة، ينفخ دخانها في سماء غرفة التحقيق ويقول:

ـ  طبعاً كنت معتقلاً قبل دخول سلطتكم، ومَنْ لم يُعتقل؟ فملفي بين يديك كما أرى، نفس اللون وأكاد أجزم أنها صورة عن نفس الأوراق… وما زالت الكلمات العبرية تتصدر معظم صفحاته، وأنا لم أُهدده ولم أهدد أحداً، ثم أنك قلت أنه ليس المقصود، وأنا لا يوجد لدي قصصاً لأحكيها لا لك ولا لغيرك…

يستمع الى المحقق، وما زال يدخن ثم يقول:

ـ ربما، أعتقد أن هناك بعض التغيير، حينها كانت هذه الزنزانة بالذات أكثر نظافة، كنا نغسلها بأيدينا أكثر من مرة في الأسبوع، لكنكم ومنذ أسبوع كامل بالكاد تعطونا مياه للشرب، كما أننا كنا ندخن على حساب الصليب الأحمر والآن أدخن من سجائري، لكن وللحق فالشبح نفسه والضرب نفسه، كل شيء يبدو متشابه من” إحكي القصة حتى … لا أعرف بعد فالأمر لم ينتهِ بعد لأعرف”… وعلى كل حال قصتي الوحيدة هي التالية:

ـ كثيرة كانت الإنتقادات في الفترة الماضية لحركة حماس، بسبب المفاوضات التي تجريها سراً مع الكيان الصهيوني، ماذا؟ لا، أقصد الكيان الصهيوني وليس “إسرائيل”، فأنا مهما جرى لن أعترف بدولة أُقيمت على أرضي وأرض شعبي أسموها “إسرائيل”…  وإن كان أمر المفاوضات صحيحاً، فإنتقادها صحيح أيضاً، الأمر الذي كان سبباً في حوار أخذ أحياناً طابع الحدية مع ذلك السيد، والذي كان كثير النقد لما يجري حسب، و هو من رجالاتكم ومن رجالات الحزب الحاكم أيضاً، وأنا لم أدعوه، لقد لبى دعوة زميلي الذي يشرب الشاي معي ويدخن النرجيلة في مقهى المدينة، جالسنا ليري الناس أنه ما زال رجلاً شعبياً يجالس البسطاء حتى بعد أن كَبُر شأنه. وكي تكون الأمور واضحة، سأقول لك بعض المعلومات عن محاوري هذا، فهو مثلاً كان من أحد أقطاب اليسار الفلسطيني، يعرف عن الماركسية أكثر مما يعرف عن التاريخ العربي الإسلامي، يحفظ فقرات منها ويستشهد بها أكثر من استشهاده بالمأثورات الشعبية، بل أكثر من إستشهاد شيخ بآيات من القرآن والأحاديث، وفجأة أخذ يقلل من إستشهاداته تلك، واستبدلها بإستشهادات بأقوال “الأخ القائد”، فأخذت تظهر صوره ولقاءاته على التلفاز بشكل مفاجيء، ليتبين لي وللجيران الآخرين أن إحدى بنات “قادة الصف الأول”معجبة به أشد الإعجاب، بل إنها أحبته من النظرة الأولى، وكون الحب يصنع المعجزات، فبدأت المعجزة الأولى بتردده على بيتهم معزوماً من أمها، و”كرّت” المسبحة بمعجزات متتالية، والأم كانت قد ورثت عن زوجها المتوفى بضع عشرات من ملايين الدولارات، ف”المغرفة في يد القيادة،” ومن بيده المغرفة لا يجوع”، وما زالت تعمل في القيادة ومعها، ومشهورة بهز الرأس بالإيجاب دائماً، ولا تعرف كلمة “لا” الى لسانها طريق، وقال عارفوها أن بيت الشعر القائل:

ما قال قط لا إلّا في تشهده …… لولا التشهد لكانت لاؤه نعم

ينطبق عليها أشد الطباق، لذلك مازال لها حظوة لدى كل القادة الأكثر تنفذ.

وسرعان ما تزوج عريسنا، وبدلاً من أن تنتهي القصة هنا وعند هذا الحد، فقد كانت البداية من هنا بالذات “لعريسنا الكبير”،  فأُقيمت الأفراح والليالي المِلاح، واستمرت الإحتفالات أياماً بلياليها كما لا بد تعلم إن لم تكن معزوماً، و”للحق” وكي أكون مُنصفاً، لم تدم الأفراح لدينا في المدينة سوى ثلاث ليالٍ، وذلك بسبب أوضاع الضفة، حيث الشهداء والأسرى،كما قال مؤكداً لبعض عارفيه، ومن ثم انتقلت الأفراح لمدينة عمان في الأردن لتكمل أسبوعها ، وبعدها غادر العريسان إلى باريس لتقضية شهر العسل هناك، وبعد عودته إزداد حضوره على الشاشات وبطون الصحف ونشرات المذياع، حتى غدا كما تعرف ويعرف الجميع، من الوجوه الأولى التي يصعب تجاوزها. قال لي حينها مفسراً موضحاً:

ـ إن ما يقومون به من مفاوضات سرية، ما هي إلّا لفصل القطاع عن الضفة، وليُثبِتوا هدنة يستمروا بعدها في الحكم هناك، وهذه والله خيانة عظمى!!!

فقلت:

ـ هل فعلأ يقومون بذلك أم مجرد دعاية؟ ف”الجماعة” ما زالوا متمسكين بالبندقية كما نرى، والحرب الأخيرة لم يمر عليها سوى عام واحد

ـ دعاية؟!!! إننا نعرف ذلك جيداً، فمصادرنا موثوقة… وكل ما تراه ما هو إلّا لذر الرماد في العيون…

ـ مصادركم؟!!! وحرب تدمر القطاع لذر الرماد في العيون؟

سألت مستهجناً مستغربا حين قال:

ـ نعم مصادرنا…

وضحك مكملاً:

ـ محاوريهم أنفسهم أخبرونا بذلك

قلت سائلاً من جديد:

ـ لكنكم قلتم أنكم أوقفتم المفاوضات معهم احتجاجاً على الإستيطان، ألم توقفوها؟

قال :

ـ بلا، لكن يوجد خطوط مفتوحة هنا وهناك كما تعلم

قلت:

ـ لا والله لا أعلم، وكل ما أعلمه أنكم قلتم أنكم أوقفتم كل الخطوط عندما أوقفتم التنسيق الأمني، أكان ذلك كذبة أم مزحة ثقيلة سمجة؟ وما دام الأمر كذلك لماذا تزايدون عليهم إذن؟!!! إنكم تعملون كما يقول المأثور الشعبي”قال له أمي رأت أمك في الكرخانة، فقال له جيد، أمي تعمل هناك ولكن ماذا كانت تفعل أمك؟” وأنتم ماذا كنتم تفعلون مع الصهاينة الذين أخبروكم بالأمر؟!!!

فهب فيّ صارخاً عندما لم يستطع إجابتي، واتهمني أنني أشتم السلطة والقيادة، فأجبته بدوري أنني لا أشتم أحداً، وإن كان مايقوله صحيحاً فهم يستحقون الشتيمة، وتطور الأمر لا أعرف كيف، ولكني أضفت:

ـ “مَنْ بيته من زجاج لا يحذف الناس بالحجارة”، فأنتم أول من إبتدأ المفاوضات، قمتم بها متجاوزين منظمة التحرير وقيادة الفصائل والمنظمات الجماهيرية والإتحادات الشعبية والشعب كله، وجئتم حاملين لنا “إتفاق أوسلو” وشعار غزة وأريحا أولاً، وبغض نظر منكم وتواطئ وموافقة، ملؤوا السجون بالمعتقلين قبل تسليمكم للمدن كي لا تواجهكم أي معارضة، ووقفوا لنا على أبواب المدن بدورياتهم وجنودهم، وفاوضتم من جديد، فأخذوا المدن التي أعطوكموها حتى بعد أن كنتم مثل الطفل المؤدب، وقمتم بكل ما طلبوه منكم، إعتقلتم وسلمتم أسلحتكم وأسلحة المطاردين، وأغمضتم أعينكم عن تضاعف عدد الشهداء والجرحى والمعتقلين، وعن مصادرة الأراضي والمستوطنات والطرق الإلتفافية، واختصرتم القدس بالمسجد الأقصى ووافقتم على عدم دخول مواطنيكم القدس أو ألأراضي المحتلة عام ثمانية وأربعين على إعتبار أنها أراٍ ض إسرائيلية لدولة جارة صديقة، وبصمتم على أراضي ”  bو c” لتكون تحت السطرة العسكرية، واستنكرتم العمل المسلح وتنازلتم عن حق العودة وكأن فلسطين مُلكُ عائلاتكم أو ورثتموها عن السيد الوالد، وها أنتم أعجز من أن تحترموا قراراً اتخذتموه بأنفسكم، وفي المحصلة فإنهم إن كانوا يفعلون ما فعلتم، فهم أيضاً مدانون مثلكم، وشعبنا لن ينسى من يفرط بحقوقه، وإن كان لأحد الحق في الإعتراض والحديث فهو ليس أنتم، فهم إن فتحوا سجوناً فأنتم سبقتموهم في ذلك، وإن إعتقلوا فأنتم السابقون وهم اللاحقون،  ويظلوا هم متميزين عنكم بأنهم ما زالوا قابضين على البندقية، ربما ليس إلى فترة طويلة إن ظلوا وراء إمارة قطر والعثمانيون الجدد، أوحتى خلف مشورة آل سعود، وفي كل الأحوال أنتم وهم مدانون وتستحقون الشفقة…

إشتد غضبه، وبدأت أرى شرراً يتصاعد من بؤبؤي عينيه، وأخذ يرعد ويزبد، فقررت أن استمر بعنادي وأقول رأيي لهذا “الطفيلي” مهما كان الأمر، فتابعت:

ـ إن كل ما تريدونه أن تحكموا غزة أيضاً، أن لا تتركوا بندقية تؤلم الإحتلال وتؤذيه، لتصبح غزة كسيحة مثل الضفة الفلسطينية، وإلا لماذا لا تقوموا بإصلاح المنظمة وتوحيدها على أساس كفاحي؟ على مشروع وطني يقاوم الإحتلال ويؤلمه، لماذا لا تريدون إصلاح مؤسسات المنظمة التي تعفنت وعفى عليها الزمن؟ أم أنكم لم تعودوا قادرين على الحياة في أجواء صحية وهواء نقي؟ إن كنتم تريدون التحرير فطريقه ليست مفروشة بالورود، وإن كان الأمر صعباً ولا تستطيعون القيام به، اتركوا الأمر لمن يستطيع…

أشعل الضابط  سيجارة هذه المرة،وظل المعتقَل يتابع موجهاً كلامه للمحقق الذي أمامه :

ـ وهل يجب أن أكون أخرساً؟ ومنذ متى عدم العمل في السياسة تعني أن لا يكون لدى المرء رأياً؟ لكن دعني أسألك أنت، فربما تستطيع أن تشفي غليلي بإجابة شافية:

ـ هل فعلاً ما زلتم تفاوضون وتنسقون أمنياً من تحت الطاولة؟

وأمام ابتسامة الضابط ونظرات عينيه، وقبل أن يجيبه، رد الضابط المحقق على هاتفه الخيلوي الذي كان في درج مكتبه، وهو ليس الهاتف الذي فوقه وقال:

ـ شالوم… ماشلم خا.. كين…أني….*

وخرج من مكتبه ليكمل الحديث…

  • لغة عبرية تعني: مرحباً… كيف أنت… نعم… أنا…                                                                                                                                                                                                                         محمد النجار

معركة القلمون … بداية النهاية لحثالات الأرض

بدايةً، يجدر التأكيد بأن وصف هؤلاء الأنذال بالحثالات، هو من منطلق إنساني وليس سياسي، فسياسياً هم مجموعات إرهابية تكفيرية، تعمل تحت سقف وبرامج أعداء الأمة العربية من امبريالية وصهيونية ورجعية عربية وإسلامية، في محاولة لتحقيق برامج هؤلاء الأعداء، ولأسباب مختلفة ، منها العقائدي أو الكسب المالي، أو الإرتباط الأمني المخابراتي. لكن البداية الأكيدة كانت بإطلاق سراح المئات منهم من السجون العربية حيث كانوا محكومين بجرائم القتل والإغتصاب والسرقة و…، وتحديداً من سجون آل سعود مقابل القتال في سوريا …..إلخ. أما الجانب الإنساني فيتعلق بالجرائم المقززة من قتل البشر ذبحاً وحرقاً وأكل قلوبهم وأكبادهم بطرق حيوانية بهيمية مقرفة ومقززة، وخاصة الضعفاء منهم من نساء وأطفال وشيوخ وأسرى وجرحى من مخلفات المعارك، كما قتل الآخر المخالف لهم في الرأي أو العقيدة أو التفكير، عدا الصهاينة بالطبع، كون مشروعهم يصب في صميم مصالحه، وامتهان إنسانية البشر من سبي النساء وبيعهن في أسواق نخاستهم، وأخذ الأطفال من أحضان أمهاتهم ليكونوا أدوات قتل وتفجيرات انتحارية ضد الآخر، بعد اللعب بعقولهم القاصرة، وفرض الجزية على منتسبي الديانة المسيحية والذين هم سكان المنطقة الأساس وأصل حضارتها، بما يعني ذلك من امتهان إنسانيتهم ومسخها بهذا اشكل الفج، كما تدميرهم للكنائس والمساجد والمقامات، وتدمير الآثار وحضارات المنطقة، والإتجار بهذه الحضارة بتفكير ملتو ” الآثار حرام لكن التجارة بها مع الإسرائيلي والغربي حلال”، كما التجارة بالأعضاء البشرية على نطاق واسع وفي جزء كبير منها والبشر أحياء، مع الإسرائلي “وغيره”، صاحب الخبرة الأوسع في هذا المجال….

*من الواضح أن من أهم أهداف الحرب الكونية على سوريا، عدا عن ضرب الجيش السوري وإضعافه وتفتيته، كمقدمة لقسيم سوريا إلى دويلات طائفية ومذهبية، لما لهذا الأمر من انعكاسات على محور المقاومة والدور الإيراني الثوري على هذا الصعيد، هو ضرب المقاومة اللبنانية بعد عزلها، كمقدمة ضرورية للقضاء عليها كبداية لا بد منها للقضاء على المحور نفسه. إذن فالموضوع هو عزل وقطع امدادت وتسليح ثم استنزاف مستمر وإضعاف للقضاء على المقاومة نهائيا، كمقدمة للقضاء على المحور نفسه. والأمر لا يتطلب ذكاءً كبيراً ليدرك المرء أن المستفيد الأكبر من الموضوع هو الكيان الصهيوني، المنخرط في الحرب بشكل لوجستي ـ مخابراتي ـ مزود بالأسلحة ـ والمساعدة العسكرية المباشرة أحيانا، لهذه الحثالات البشرية في داعش والنصرة وأخواتهما والتي كان آخر إنجازاتها المُمْتثله لنصائح الصهاينة (ليدخل الصهاينة على الخط كمنقذ للدروز)  هي المجزرة ضد دروز سوريا في الجنوب السوري، ولهذا السبب أولاً كان تسللهم (بمساعدة أقطاب من 14 آذار وبعضهم أعوان وتابعين للكيان الصهيوني) إلى منطقة القلمون كمنطقة حدودية بين لبنان وسوريا، ولولا تواجد حزب الله لدخلوا لبنان كله منذ زمن، ولأخذ اللبنانيون بكافة طوائفهم ومذاهبهم ودياناتهم نصيبهم من “خيرات” داعش والنصرة خاصةً الطائفة السنية كما جرى في غير مكان.

  • بعد ان إتخذت المقاومة والجيش السوري قرار طرد هؤلاء الحثالات من جرود القلمون، تم الهجوم ـ المعركة وبدأ الحثالات هؤلاء بالتراجع والفرار تاركين خلفهم رؤوس الجبال والأسلحة الثقيلة كالجرذان تماماً، الأمر الذي جعل المقاومة والجيش السوري يحققون إنجازات هائلة وفي ظرف قياسي وبأقل الخسائر.

  • في محاولة يائسة قام المحور الأمريكي ـ الصهيوني ـ الرجعي بفتح معارك جديدة،( مُستجلباً الآلاف من هؤلاء الحثالات البشرية القرغيزية والأفغانية وبدعم تركي مباشر، وبتسليح أمريكي بأموال آل سعود وحارات الخليج، بعد أن إستبدلوا لهم المسواك بمعجون الأسنان، وأطلقوا الشوارب واللحى وليس اللحى وحدها، وألبسوهم البنطال بدل الدشداش، فأصبحت داعش والنصرة قوات الفتح، وأضحت معارضة معتدلة)، في كل من الشمال والجنوب السوري، محققاً إنجازاتٍ مهمة، في محاولة لتخفيف الضغط عنهم في القلمون، إن لم يكن من أجل أن يسحب الجيش السوري قواته من تلك المنطقة وإرسالها للدفاع عن تلك المناطق.

  • ذات المواقع التي دخلها الحثالات وبعد أن إنشغل عنها أردوغان قليلاً بعد تراجعه المهم في انتخاباته الأخيرة، يتهاوى بعضها ويهرب “أبطال داعش والنصرة” منها أمام تقدم الجيش السوري. فنتائج الإنتخابات التركية ستنعكس سلباً على جنود أردوغان هؤلاء ومشروعه العثماني الفاشي الجديد في المنطقة.

  • سيحاول النظام الأردني أن يلعب الدور التركي وبصفاقة الآن، فهذا النظام الوظيفي والذي وُجد لأهداف وظيفية مُحددة في خدمة المشروع الصهيوني، وضرب حركة التحرر في كامل بلاد الشام والعراق، لن يستطيع رفض ما يُطلب منه أمريكياً أو صهيونيا أو من مملكة آل سعود وتحالفها الخليجي، فهو لم يوجد ليؤخذ رأيه، بل وُجد لينفذ مشاريع الإمبريالية في المنطقة، وبالتالي فغرفة العمليات “موك” الموجودة هناك” الأمريكية ـ الصهيونية ـ السعودية ـ الأردنية” بدأت دورها من خلال تجنيد بعض أعضاء العشائر السورية وتدريبهم، وبدأت فعلاً في إيصال حثالاتها على الأرض السورية، وبطرق عدة أهمها تقوية عدد وعدة الفتح ـ النصرة (تنظيم القاعدة في بلاد الشام) في المناطق الفاصلة بين الكيان الصهيوني والدولة السورية، لإستمرار إستنزاف سوريا وجيشها وإضعاف دورها في المنطقة، إن كان من الصعب إلغاؤه، ومحاولة تحقيق حلم الصهاينة في خلق حزام أمني يمتد على طول الحدود السورية .

  • إن إمكانية تقليص الدور التركي الأردوغاني في سوريا أمر وارد على ضوء الإنتخابات الأخيرة، وبالتالي فتقليص إستجلاب تلك الحثالات البشرية للأراضي السورية عبر تركيا أمر وارد، الأمر الذي يزيل العقبة الأهم من أمام الجيش السوري وحلفاؤه، ويلغي الطموح العثماني الأردوغاني الفاشي الوقح، ويزيل إمكانية ما يُسمى بالمناطق العازلة والطرق “الإنسانية التي كانت طرق امدادات تسليحية لتلك العصابات كما أظهرت الكثير من الوثائق”، والغاء حتى التفكير في إقتطاع جزءاً من الشمال السوري الذي تم نهب مصانعه ومعامله وتخريب اقتصاده من نظام أردوغان صاحب شعار “صفر مشاكل”، وهذا لن يلغي أن الأمر سيتم بشكل متدرج وليس دفعة واحدة بأي حال، وأيضاً بشكل صعود وهبوط، يعني ربما تحقق هذه العصابات بعض الإنتصارات في هذا الطريق الطويل !!!

  • وعليه، فإنتصارات الجيش والمقاومة في جبال القلمون وجروده، ستكون البداية الحقيقية لبداية التخلص من هذه القاذورات البشرية، وستجعل من المصالحات الوطنية التي تقوم بها الدولة السورية أكثر سهولة وإمكانية، وستزيد من إمكانية الإلتفاف أكثر حول الجيش السوري من خلال اللجان الشعبيةالمقاتلة المحيطة به، وسيجعل إمكانية واقعية للإتفاق على برنامج وطني بين الدولة السورية وكل أطياف المعارضة الوطنية أو معظمها، وبدستور جديد يُشارك به ويتفق عليه الجميع، تُبقي سوريا دولة علمانية مدنية، وتجعلها دولة لكل مواطنيها، وليس دولة هذا الحزب أو ذاك….. فهذا الشعب السوري يستحق ما هو الأفضل، وبناء الدولة بحاجة الى كل الجهود من قوى سياسية ومنظمات مدنية حكومية وغير حكومية وأفراد.

محمد النجار

آل سعود …حكام الأمة الحكماء

من قال أن أمتنا العربية الكبيرة الممتدة من المحيط الى الخليج ، بدون قيادة؟ إن الجهلاء ـ مثلي ـ هم وحدهم من ظنوا ذلك، وهم وحدهم من لا يعلمون، وكون أن بعض الظن إثم، فقد إستغفرت ربي، وصمت يومي إثنين وخميس، وأطعمت مسكينا ، ليتوب الله علي ويغفر لي شر شكوكي وظنوني . وكون عدم المعرفة أو الجهل بالشيء لا يعني نفيه، لذلك فعدتُ واكتشفت ما فاتني حتى ولو متأخراً، أن لهذا الشعب قيادة، هي قيادة الملوك والأمراء من آل سعود، أطال الله عمرهم، ومن حولهم من حارات وزواريب خليجية، ومن لف لفهم من رؤساء وملوك أخرين، وأن لهذه القيادة حِكْمة لا توازيها حكمة، من أي طرف أو أيٍ كان، وللمتشككين في هذا الحديث أسوق الإثباتات التالية لوجه الله غير طالب لا حمداً ولا شكوراً، بعد أن كلفني ما كلفني إكتشافها بحمد الله وفضله، ومنته علي بإكتشافها:
* بعد عاصفة الحزم التي شنها أصحاب الجلالة والسمو على “شيوعيوا وملحدوا” اليمن من جماعة أنصار الله وتحالفاتهم، وبعد أن حققوا كل ما رسموه وخططوا له، بدءاً بإعادة الشرعية وصولااً الى تثبيت الدستور اليمني الديمقراطي مثل ديمقراطية بلادهم المشهود لها في العالم أجمع، قرروا وبدأوا في مرحلة إعادة الأمل، ورغم أن المغرضين قالوا أن إعادة الأمل هذه من أجلهم هم، وليس من أجل الشعب اليمني، إلاّ أنني أأكد عكس ذلك، فما حاجتهم هم للأمل ما داموا دمروا اليمن فوق رؤوس أهله”الكفرة”، ودمروا تراثه وحضارته ومساجده وأضرحته ومدارسه التي تُعلم الكفر والإلحاد والتشيع، “وتركوا المدارس الأخرى دليل دقتهم وعقلهم النيِّر”، كما أنهم ليسوا بحاجة للأمل ما دام الأمل موجود بدعم الحلفاء الأمريكان والإسرائيليين، الأمر الذي يدلل على تحالفات الديانات السماوية الثلاث ضد كفرة اليمن ولبنان وسوريا والعراق وفلسطين أيضاً، التي خُدعوا على مدار عقود بتأييدها، دون أن يعلموا مدى إلحاد شعبها وكفره وعناده أيضاً. كما أنهم مصممون على إعادة عروبة اليمن إلى أهله وشعبه وناسه وأرضه وصخره وكل شيء فيه، ولو بالتضحية بالجنود السنيغاليين إنشاء الله.
* عندما قصفت الطائرات “الإسرائيلية” السودان، وأسقطت السودان طائرة إستطلاع لهم، ورغم أن أحداً لم يسمع أي إعتراضٍ منهم ، إلاّ أنهم عنّفوا وبهدلوا ووبخوا السودان “حكومة ورئاسة”بشدة، كونه أولاً أعلن الخبر، وخصموا عليه جزءاً من أجرته التي وعدوه بها لينضم الى عاصفة الحزم، كونه أسقط طائرة أحد الحلفاء والتي قد تؤدي الى إضعاف الحلف نفسه، غير مدرك لأهمية الحلف ولأهمية أن يُدير خده الأيسر إذا ضربه أحد الحلفاء على خده الأيمن، وأحياناً يُمكن أن يُدير مؤخرته لتستوعب “شلاليط” الحلفاء أيضاً، خاصة إن كان هذا الحليف من علية القوم، أو من شعب الله المختار.
* ان هذه القيادة أكدت مراراً وتكراراً كذب إدِّعاءات المغرضين، الذين قالوا أن الملك الأعظم أو “الشاه الجديد حتى عودة القديم أو من ينوب عنه” ـ وهنا تجدر الملاحظة كي لا يُحوِّر المحرفون والمغرضون كلامنا، أن كلمة الشاه هنا لا تعني العنزة بأي حال من الأحوال، بل تعني ملك الملوك، والله من وراء القصد،بأن ملك آل سعود كلهم لم يذهب لأمريكا نتيجة مرض الزهايمر، أو المشي أثناء النوم، ولا خوفا من أن يضيع في صحراء كامب ديفيد، أو بين غرف القصر، بل كونه لم يُرد أن يُوبخ الرئيس الحليف في بيته وأمام قومه، الأمر الذي تأباه الشهامة العربية، وحكمة طويل العمر.
* إن دخول الكفرة الملحدين من جماعة أنصار الله والمتحالفين معهم إلى المناطق الحدودية السعودية، ما هو إلاّ تكتيك ياجهلة، وأن طويل العمر نائب الملك ونائب نائبه، بعقليهما الراجحين كما مليكهما ومليكنا جميعاً، مدركون أن هذه الأرض هي يمنية، وبالتالي خسئوا أنصار الله من أن يدخلوا مناطق المملكة، فالحرب ما زالت على أرض اليمن، ورغم ذلك سيعرف طويلوا العمر كيف يسترجعون تلك الأرض. أما المحرضون والمغامرون الذين يُطالبون صاحب الجلالة ـ طال عمره ـ بتحرير الجزر التي تحتلها إسرائيل، فيقول لهم وزير الدفاع طال عمره، “أننا لن ننجر الى القتال مع حليفنا من أجل جزيرتين صغيرتين في البحر الأحمر، وأن القول بأن الملك طال عمره نسيهما كلام كاذب، لأنه طال عمره لم يعرف بهما أصلاً، فعقله ليس دفتراً ليتذكر كل مناطق المملكة الواسعة، وعندما عرف بالأمر وقبل أن يمرض ويفقد خمسة أرباع عقله، قرر التصدُق بهما لحليفه اسرائيل، والصدقة يجب أن تبقى سرية ، فلا تعرف اليد اليمنى ما قدمت اليسرى، ولهذا فهو وأبناؤه وعائلته لا يتحدثون بأمرهما أبداً.
* ومن الحِكَم التي يجب تعميمها أن صاحب الجلالة اكتشف أن الحل بين الفلسطينيين والإسرائليين ممكن جداً وبيسر وبساطه، وأنه لتحقيق ذلك يجب كسر تعنت الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وإغداق المال عليه وعلى خالد مشعل، ومن تستطيع شراءه يسهل ترويضه، وأن الحُجج التي يقولها الطرف الفلسطيني واهية جداً، فلا الإستيطان ولا القتل والسجون وهدم البيوت يمكن أن تمنع السلام، وألإكتشاف الأكبر الذي يوازي إكتشاف قانون القيمة الزائدة، أو كروية الأرض، أن المسجد الأقصى يمكن زيارته وهو تحت الحكم الإسرائيلي أيضاً، فلماذا كل هذا الضجيج إذن؟
* إن أصحاب الجلالة إكتشفوا التشابه بين قضايا الكفرة في المنطقة من اليمن الى فلسطين، وعليه قرروا أن يُحاربوا بنفس الأسلوب الذي حارب به حليفهم الإسرائيلي، ولذلك وبعد أن دكوا اليمن كما دُكت غزة وجنوب لبنان قبلها، فإنهم قرروا أيضاً محاصرة اليمن براً وبحراً وجواً، تماماً كما تحاصر “إسرائيل” غزة، ليرى ويعلم شعب اليمن الكافر “أن الله حق” بعد أن يجوع ويعرى ويحفى، الأمر الذي يُؤدي لإستسلامه. وأن أصحاب الجلالة بذلك يُشبهون حليفهم، ومن شابه حليفه ما ظلم…
* يؤكد طويلوا العمر جميعاً، أن المنطقة مترابطة مع بعضها البعض، وأن ما يتم في كل الدول المحيطة يصب في نفس الهدف كما يقولون، وكيف لا يعرفون وهم الذين نظروا ونظموا ومولوا وسلحوا؟ فالأهداف الكبرى تستحق التضحية، وعلى أعضاء الحلف الذي يقودونه أصحاب الجلالة والسمو أن يتعلم من التاريخ ومن حلفائه ومن أعدائه أيضاً،” ليس من الأعداء اللدودين مثل ما يسمونه بمحور المقاومة… ونسميه محور إيران”، وعليه ورغم هروب جبهة النصرة كالجرذان في القلمون ، إلاّ أن الملك سلمان عتب على “ولد الشيخة موزة وتربيته وتربية أبيه من قبله”، فتربية تميم وِلْد حمد الصغير بانت إنها تربية ضعيفة “وعودها طري”، الأمر الذي جعل صاحب الجلالة يصمم على أن يبعث بالدواعش “جماعته وترباته”، ليقومون بالواجب، ويرون حمد وولده أصول التربية، ويُوَرُّون حزب الله العميل الإيراني الذي يرفض الهزيمة والهريبة، ويشكل أحد أذرع الأخطبوط الإيراني، ولا يريد الإستسلام أمام الحليفين الكبيرين “مالة”طويلوا العمر، أميركا وإسرائيل، حتى تصبح المنطقة خالية من “شي إسمه المقاومة والمقاومين في القرن القادم” بعون الله.
* يؤكد أصحاب الجلالة والسمو ، أنهم يستحضرون التاريخ دائما في قتالهم، فكما فعلت الدولة الآسلامية العثمانية العظيمة، ضمن ما فعلت في حروبها، من سلب الأطفال من أحضان أمهاتهم لتجييشهم والمقاتلة بهم، فها هم من قام طويل العمر بتربيتهم مع أصحابه الأمراء ومع العثماني الجديد أردوغان، من دواعش يسلبون الأطفال ويخطفونهم من أمهاتهم، كما فعلوا مع الأزيديين وبعض الديانات والملل والمذاهب الأخرى سائرين على طريق الأسبقين المؤمنين من العثمانيين القدماء في دولة الإسلام، وعلى طريق من سبق هؤلاء أيضاً من الوهابيين…وإلاّ كيف يمكن إنتاج كل هذا العدد الضخم من الإنتحاريين من أجل تحقيق النصر على كل هؤلاء الظَلَمة؟
* كما أن عقل أُلي الأمر واسع وكبير، ولأن المعركة معركة حاسمة بين الإيمان والكفر في المنطقة بأسرها، فإنهم أعطوا للإعلام حقه، فبه يمكن أن تنتصر دون نصر، وتهزم دون جيش أحياناً،وبه تُحرِّض وتُمجد، وبه تشتم وتسب وتقذح وتمدح وتذم، وبه تُحرض كي لا تترك أي من الأعداء يقول ما لا تريد، ويعلم الناس ما لا يجب إعلامهم به، مثل بعض نواب الكويت الذين عارضوا خطط أصحاب الجلالة في اليمن، فسلط عليهم كما على غيرهم طويل العمر الملك ذات نفسه، من يعلمهم الأدب والإحترام وزج بعضهم في المحاكم والسجون.
وبذات الوقت حرّض اإعلام على الرئيس المصري والذي يعتبره طال عمره بوجهين، رافعاً بوجهه الدراهم والريالات مرة، ومرة أخرى نشرة أخبار تقول فيها مثلا : “الحكم بالإعدام على شهداء فلسطين، وإعدامات لأسرى فلسطينيون في سجون الإحتلال منذ عشرين عاما، أو الإعدامات لفلسطينيين لم يدخلوا يوماً مصر”، وكل ذلك كلام حق يُراد به باطل كما هو معروف، وسيبقون يتكتكون فيه حتى تحين لحظة التخلي عنه، “وبعدها الله لا يرده، لأنه هو اللي جابه لحاله”.كما ويعطون الملك وأبناؤه مثالاً بارزاً لما ساقوه لاحقاً، وهو كيف شيطنوا الحشد الشعبي في العراق، وزرعوا اسفيناً بينه وبين الحكومة في العراق، لتستطيع أمريكا أن تُخلي الطريق أمام داعش ليقتحم الأنبار، وهم حاولوا أن يفعلوا الشيء نفسه مع الكفرة من حزب الله في القلمون وتخويفهم ولكنهم فهموا اللعبة قاتلهم الله هؤلاء الأبالسة الزناديق.
* إن أصحاب الجلالة والسمو وعلى رأسهم سارق… أقصد خائن …(عفواً أقصدخادم الحرمين وليس ما سقط سهواً سابقاً)، أقسموا الأيمان الغلاظ على أن يستمروا في أهدافهم المُعلنة ” بتجميع القوى السنية ومواجهة الكفرة والملحدين والشيعة والنصارى وأصحاب الكتاب “ما عدى فريق واحد ليس المجال لذكره الآن”،وأهدافهم السرية أيضاً والتي لا يمكن كشفها والبوح بها الآن وفي هذه المرحلة، بل يجب أن تُترك للتاريخ ليفعل ذلك، رغم عدم تفضيلهم لهذا ولا ذاك، لكن ما باليد حيلة… وعودة على بدء يقول أصحاب السمو أنهم سيدافعون عن الإسلام السني وبعض الديانات الحليفة له، والتي لن يبوحوا بها في هذه المرحلة، أو يهلكوا دونه، وأنهم يُعلمون القاصي والداني، أنهم وإن كانوا ما زالوا يجاهدون بأموالهم وبأيدي الغير حتى الآن وبهذه الشراسة، فكيف بهم إن حلت ساعة الصفر الحقيقية، وتطلب الأمر أن يجاهدوا بأموالهم وأيديهم أيضا؟!!! فقط الله وحده يعلم ماذا سيفعلون!!!
محمد النجار

في ذكرى النكبة الفلسطينية

  • إنها الذكرى السابعة والستين للنكبة الفلسطينية، ذكرى تهجير الشعب الفلسطيني من أرضه بتحالف إمبريالي ـ صهيوني ـ رجعي ـ عربي، وسرقة أرضه وتهجير شعبه وتذبيحه بمجازر إرهابية هائلة متعددة يندى لها الجبين الآدمي…
  • ورغم القوة الباطشة التي يبدو عليها هذا الكيان، إلاّ أنه هش ضعيف من الداخل، أجوف ومفرط في خوائه، ومن يدرسه أو يعرفه عن قرب، وخاصة في المواجهات، (كحروب المقاومة قبل حزب الله وأثناء نهوضه وتقدمه، وكذلك الأمر في الإنتفاضات والهبَّات الجماهيرية المختلفة، رغم خلوها من السلاح)، يستطيع الوصول الى نتائج مذهلة على ضعف هذا الكيان. وحتى استذكار أو إستحضار حرب الخليج والصواريخ العراقية التي دكت الكيان، مُجرد “39” صاروخاً شلت كيانه بشكل كامل تقريباً، كما لاحقاً صواريخ المقاومة اللبنانية، والصواريخ الفلسطينية المنطلقة من غزة رغم بدائيتها، يدلل على صحة ما ذهبنا اليه.

*المشكلة لدى الشعب الفلسطيني بالأساس تكمن في البداية في إقامة جبهة وطنية فلسطينية مقاومة، على أسس برامجية نضالية، وبإسترجاع أسس الميثاق الوطني الفلسطيني (الذي تنازلت عنه القيادة الفردية الفلسطينية) وتحديداً في موضوعة تثبيت الهدف الإستراتيجي بتحرير كامل تراب فلسطين التاريخية، وحق عودة الشعب الفلسطيني المُهجر والمُقتلع من أرضه، وأي تكتيك يجب أن لا يتجاهل هذا الأمر بل ويصب فيه ويخدمه.

*إن الشعب الفلسطيني ما زال “يضرب” بقبضة واحدة، ففي حين تحاول غزة الدفاع عن نفسها من الجرائم الصهيونية، نلحظ أن قيادة السلطة مستمرة في التنازل والتخلي عن حقوق الشعب ومصالحه، وأضحوا جزءاً من أيدي الإحتلال التي تعتقل كادرات الشعب ومناضليه، وبدلاً من أن تكون جزءاً من قوة الشعب أضحت جزءاً من من محاربيه وإن لبست لباساً وطنياً. وبالتالي لم تعد حتى مُحايدة بل جزءاً من قوة الإحتلال وبطشه. كما أن فلسطينيوا الشتات يواجهون محاولات التوطين (أو ـ و) الحرمان، وفي في سوريا تُهاجَم مخيماته جميعها، ونقول جميعها (الأبرز اليرموك)، لضرب رمزيتها في تأكيد حق العودة التي طالما حملته، بالضبط كما تم ضرب فلسطينيو ا العراق من نفس الحثالات البشرية التي تدّعي الإسلام…

  • رغم أن الإحتلال جرّد السلطة من مدنها، ومن نفوذها ومكامن قوتها، متراجعاً حتى عن ما قدمه لها لإغرائها بإتفاقية أوسلو، مضاعفاً مرات ومرات الإستيطان والإعتقالات وهدم البيوت وحالات القتل، ومعلناً أن لا مكان لدولة فلسطينية، إلاّ أنها (السلطة) ما زالت متمسكة بخيارها المستسلم، محافظة بذلك فقط وفقط على مصالحها الطبقية والذاتية الضيقة جداً، ضاربة مصالح الشعب الفلسطيني برمته عرض الحائط.

  • كما أن السلطة ـ الممتدة طبيعياً عن القيادة المتفردة والفردية ـ لعبت الدور الأساس في تراجع المد الثوري، بل الوطني للشعب الفلسطيني، وحاولت سواء بالترهيب والإعتقال أو بالتدجين، إبعاده عن النضال، بل والأخطر لفرض قبوله للإحتلال، الذي أبقته فوق صدر الشعب من خلال مساومتها البائسة التي توجتها في أوسلو.

  • الرجعية العربية لم تكن يوماً إلاّ جزءاً مكملاً لسياسة الإمبريالية والصهيونية لكن بغلاف عربي، فشاركت في مأساة الشعب الفلسطيني وضياع أرضه بشعارات خبيثة، والآن تستمر بسياستها لكن بشكل صلف رجعي مكشوف.

  • إن مبادرات الرجعية العربية كانت على الدوام جزءاً من تخدير الشعب الفلسطيني، كما مبادرة ملك آل سعود التي ما زالت على طاولتهم، لأنها لم تكن يوماً على طاولة الإحتلال، الذي وصفها منذ 12 عاماً بأنها لا تُساوي الحبر الذي كُتبت به، لكنهم متمسكون بها رغم ذلك!!!

*استخدمت الرجعية العربية في البدايات المال السياسي من أجل الإقتتال الفلسطيني الداخلي، ومن أجل الإفساد في الساحة الفلسطينية، وكي تكون مؤثرة في القرار السياسي، الأمر الذي استطاعت ودون جهد كبير الوصول إليه كما هو واضح الآن، وهي ما تزال تحاول الأمر نفسه في غزة الآن، ويبدو أنها قد حققت إنجازات شتى مع الجانب الإخواني في تيار الإسلام السياسي حماس. في الوقت نفسه لم تقدم هذه الرجعية العربية بندقية واحدة للشعب الفلسطيني، على مدار عمر القضية الفلسطينية.

  • إن ما يتم الآن من هجوم على محور المقاومة، ومحاولة حصار حزب الله وعزل سوريا وتقسيمها وتفتيت جيشها، وتقسيم العراق، وإبقاء اليمن تحت هيمنة آل سعود، لهو في جوهره من أجل تصفية القضية الفلسطينية، وإنهائها تماماً وبشكل نهائي وإلى الأبد، وعليه فما يجري في القلمون، وإنتصارات حزب الله والجيش السوري هو إنتصار للشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية، وإن ما تم من نقل لسوريا عمليا من نظام ممانع إلى نظام مقاوم ، على ضوء الهجوم الإمبريالي الصهيوني الرجعي، لهو كفيل لأن يكون حجر الأساس لتمتين قوى الثورة العربية، وتقوية عودها، لتكون بداية مهمة في معركة التحرير القادمة لا محالة، والأمر بالتأكيد بحاجة الى دراسته بطريقة معمقة ومختلفة عن هذه العجالة.

*ضرورة العمل على تعميق التحالف وليس التعاون فقط، بين قوى ودول محور المقاومة، وعلى رأسه إيران التي لم تبخل على قوى المقاومة العربية بمعظم ما يحتاجونه، وعلى هذه القوى أن تضم اليساريين والقوميين والإسلاميين وكل أطياف الوطنيين في جبهة عريضة قومية وطنية إسلامية جامعة، والعمل على إسترجاع الوطن السليب، من خلال استئصال الغدة السرطانية التي إلتصقت بجسده (إسرائيل)، كخطوة أولى على توحيد المنطقة ونموها على كافة الصعد….

  • وفي النهاية ” لا يضيع حق وراءه مُطالب ” … ولا يوجد شعب ثار على مُحتله إلاّ وانتصر….

محمد النجار