إحذروا الإخوان والسلطان… فشيمتهما الغدر

كنت أراه مراراً جالساً على مقعد صغير على باب بيته، بحطته الفلسطينية القديمة وعقاله الأسود، كأنه تمثال حجري قديم لا يتزحزح، يجالس، في أغلب أوقاته، الطريق، هادئاً صامتاً ثابتاً عابساً راسخاً كصخرة جبلية لا تحركها ريح ولا تهزها عاصفة، ولا تستطيع قوة، مهما عظمت، تحريك شفتيه المطبقتين على حفنات من الكلمات، اللواتي يمكنها تفسير حالته وشرح مأساته. نادراً ما ذهب وجاء إلى أي مكان، يغادر مكانه في أوقات معينة فقط، هي على الأغلب أوقات الطعام في بيته، الذي يقذفه خارجه كل صباح ويُجلسه أمامه، حتى يأتي أحد أفراد أسرته، ليأخذ بيده ويدخله لداخل البيت، وكنت أثناء مروري، من ذات الطريق، إلى بيتي، ولا أجده جالساً، أشعر بعرْي المكان، بفراغ الطريق وموته، كأن شيئاً ناقصاً، وكأن الطريق قد فقط سمته وخصوصيته، وإلى حد كبير فقد الحياة، التي طالما ميّزته عن باقي طرقات المخيم وجعلته حيّاً، إذا إستثنينا لعب أطفاله الكثر كما بقية أزقة المخيم وطرقاته المبعثرة، كما وبتاريخه الذي ما يزال حياً بوجود هذا الرجل ـ التمثال، وأمثاله، في وسطه، فرغم صمت هذا الرجل إلا أنك تستطيع تلمس عبق التاريخ وشموخ الوطن، أصله وفصله من تاريخ مكتوب ومحفوظ وصامت، أو مسكوت عنه ومُغيّب، أو حتى تائه بقصد في زحمة الأحداث ومخططات التزوير والتقسيم ومسح الذاكرة.

كان لا يتحدث مع أحد، ولا يُزعج أحداً بمتطلباتٍ مهما كانت صغيرة، يرد التحية على من يلقي بها عليه بما يشبه الصمت، ثم يعود إلى نفسه وأفكاره وهمومه التي لا يعرفها أحد البتَّة في المخيم كله. تراه أحياناً ساكتاً ساكناً مثل صخرة، وأوقاتاً قليلة يتحدث مع نفسه، لكن أحداً لم يظن يوماً أنه مجنون أو معتوه، وفي أكثر المبالغات في وصفه، كان يقول البعض “أنه رجل على باب الله”، لكن ما تبقى من قُدامى من جيله، ممن عاصروه وعرفوا قصته، كانوا في كثير من الأحيان يذهبون بكراسيهم ويجالسوه، رغم سكوته الدائم، متناقشين متحاورين في شتى الأمور، خاصة حول ما يجري في بلداننا التي ما زالت تأكلها النيران، وتحاول تفتيتها “الجراذين” بمختلف المسميات، يُدلي كل منهم بأسهمه، يختلفون ويتفقون، يتناقشون على مسمعه دون أي ردة فعل منه، لا بالأخذ ولا بالرد، حتى تأتي مواعيد مغادرتهم، يسلمون عليه ثم يغادرون، ويظل هو في مكانه على كرسيه نفسه، ثابتاً، مثل صنم حجري، لا يتحرك.

منذ ما يقرب من ربع قرن والرجل ـ التمثال، على حاله هذا، بعد أن كان عَلَماً من أعلام المخيم، منذ أن قيل له: ” جد لك عملاً آخراً… لم يعد لدينا لك مكان…كما أن ميزانيتنا لا تسمح ببقائك متفرغاً”، منذ ذلك التاريخ وجد نفسه دون أي قيمة ولا كيان، رجلاً لا لزوم له ولا مكان، فهو لم يطلب أن يكون متفرغاً، بل هم من طالبوه بذلك قبل عقدين من ذلك الزمن، عندما كان القابض على مبادئه كالقابض على الجمر، حينما عز الرجال في الزمن الصعب، والتزم ووافق تاركاً عمله لمصلحة العمل الوطني، واعتقل مرات لم يعدقادراً على عدّها، ولم يعترف يوماً على أحد رغم وصوله حد الموت مرات ومرات، وأصيب في ذراعه ورفض الذهاب للمشفى، كيلا يمنحهم فرصة الضغط عليه من خلال جرحه، والله وحده الذي ستر ذراعه من البتر، عندما مزقت الرصاصة عضلاته دون العظم، وبعد استبعاده حاول العمل، لكن شبابه كان قد خدعه وغادر، لا يدري هو متى أو أين، وكيف بهذه السرعة وعلى حين غرة، دون إذن أو إعلان، وعمل وعمل بما تبقى لديه من عضلات، من بقايا قوة ظلت متشبثة في العظام، ولما تعذّر الأمر ارتضى بالقليل، وظل أحد أبرز شخوص المخيم الوطنية، ورجل إصلاحها الأول، وكاد يمر فوق الأمر بهدوء لولا ما تم بعد إعتقاله الأخير.

عام كامل ظل في سجنه الإداري، لم يُقدم له رفاقه محامياً ولم يصله منهم مؤونة ولا غذاء، إلاّ من زوجه التي لم تكن قادرة على إطعام أطفاله، ولولا عمل إبنه البكر أحمد، إبن السابعة عشر عاماً تاركاً صفوف دراسته، لما لقيت العائلة ما يسد رمقها، كما ان “جماعته” “كما سمّاهم دائماً بسبب التحبب وشدة القرب”، لم يتفقدوا عائلته يوماً أثناء سجنه ذاك، ورغم كل ذلك تخطى الأمر وتجاوزه، لكن أن يخرج من السجن ويزوره الناس جميعاً إلّا “جماعته”، فكانت الضربة الأكبر له.

كان ينتظر أن يأتوه، أن يفرحوا به، أن يُهنئوه بسلامة خروجه، أن يخجلوا قليلاً ويعتذروا على تقصيرهم معه، وكان سيسامحهم لو فعلوا وينسى كل الإساءات والتقصير، لكنه لم ينتظر إلّا الهواء، فصار يخرج إلى باب داره حاملاً كرسياً من القش، ويجلس على باب بيته منتظراً، لعل وعسى، وظل يفكر لماذا، فهو لم يُقصر يوماً بعمل ولم يتهرب أو يتقاعس، كما لم يخن أحداً لا في حياته ولا سجنه المتكرر، بل بالعكس، فلطالما أوقف إعتراف الآخرين بصموده، فكان الحائط الذي لم يمروا منه أبداً، وظل يحاول إيجاد سبباً مفقوداً لم يجده إلى يومنا هذا، فصار يشعر بإغتراب لم يعشه أبداً، وقال كلمته تلك لولده الذي ظل يتذكرها رغم سنه المبكر، قال ” أن تكون غريباً بين جماعتك… بين أبناء بلدك… هي الطامة الكبرى، الإغتراب يابني أقسى من السجن والزنازين والتعذيب، بل حتى من الغربة نفسها، أقصى بكثير…” وسكت، ولم يتحدث بعد ذلك أبداً، ابتلع كل الصمت الجاثم في فضاء المخيم كله، وتحولت عيناه الى زوج من الكريات الزجاجية، وماتت البسمة التي كانت تميزه، وسرعان ما صار يتحول لون بشرته إلى لون الموت، وصارت تتراجع حركات جسده، فصار يتحول كل الجسد إلى عصب صخري ثقيل، يكاد لا يربطه رابط باللحم والدم الآدميين، وفي تلك المرحلة بالذات، داهم المخيم والمدينة وكل القرى المجاورة، بركان أقسى بكثير من بركان النكبة، بركان اجتث الأخضر واليابس، فأعاد خلط الأوراق والألوان والأقلام، فصار أخ الأمس عدو اليوم وعدو الأمس رفيق اليوم، ورفعت أغصان الزيتون على دوريات الجيش الذي كانت، بقايا دماء النساء والأطفال، عالقة بها مُتشبثة ترفض النزول، كشاهد على جرائم ترفض الإندثار رغم مرورها في دهاليز الزمن وجريانها مع مزاريب التاريخ، ومع تفجر بركان “أوسلو” المدمر ذاك ومرور الأيام، صارت حالة التمثال تتقدم على حالته الإنسانية، فصارت تتراجع روحه، أو ربما الأصح أن روحه صارت تتغطى بالتراكم الصخري وتفقد حياتها شيئاً فشيئاً، ولم يعرف أحد أبداً، أن ما حدث لأبي حاتم كان بسبب البركان أم بسبب الإغتراب، أم بسبب الإثنتين معاً، أو لأسباب أخرى لا يعرفها أحد.

هذه قصة أبو حاتم التي عرفتها في “سجنتي” الإدارية الأخيرة، فسلطتنا لا تستطيع أن تحمي نفسها ناهيك أن تحمي شعبها، وجنود الإحتلال يسرحون ويمرحون ويداهمون ويعتقلون ويُصيبون ويقتلون دون مواجهة أو دفاع ولا حتى رفض أو إعتراض، فداهموا المخيم واعتقلوني وآخرين، وحولوننا للإعتقال الإداري، وهناك التقيت “أبا إبراهيم” الذي حدثني عن “أبي حاتم” ،الذي صارت قصته تتراجع وتتقلص في العقول، وتضمر وتغور بعيداً في النسيان. لذلك وبعد خروجي ذهبت لعنده، جلست مقابله على باب بيته، حاولت محادثته، إغتصاب نظرة، حركة، بسمة، دون نجاح، لكنني، رغم ذلك، بقيت أتردد عليه بين وقت وآخر، ربما من باب الشفقة أو الإحترام أو العرفان لهؤلاء الذين لا يموتون إلّا واقفين، جذورهم مغروسة في قلب الأرض ورؤوسهم عالية في حضن الشمس، وصرت أحدثه عن قصص السجناء ومآسيهم التي خلقت كل هذا العنفوان لديهم، تلك القصص التي ما أن صارت جزءاً من الماضي حتى أصبحت مجالاً لأكثر حالات التندر، مدركاً أنه جزء منها، ممن نحتوا قصصها في فضاء الوطن كله، بعد حفرها عميقاً في خلايا جسده، ثم حدثته عن “أبي إبراهيم”، ونقلت له سلاماته وتحياته، الأمر الذي خلق لدي إنطباعاً بأنه فوجئ لأن هناك مَنْ ما زال يتذكره، وأن تاريخه لم يتم نسيانه، لم يمت بعد، بل ما زال حياً عند جزء من الناس على أقل تقدير، فأكثرت من الحديث عنه، وبالغت في نقل أخباره، لكن دون أن تصدر عنه أي إشارة على أنه يسمعني، بل ظلت عيناه الزجاجيتين زجاجيتان، ولون الموت الأبيض الصخري يغطي وجهه، ولم يلتفت لي أو يُغير من طبيعة جلسته أبداً.

لكنني ولسبب ما واصلت زياراتي ومجالستي له، وصرت أنقل له الأخبار اليومية ورأيي بها، خاصة ما يجري من تدمير لأوطاننا، وللحق لا أعرف حتى الآن لماذا كنت أفعل ذلك، ولطالما كنت أتمنى لو كان والدي مثله، والدي الذي ظل يعتبر نفسه مُحايداً أو حتى غير معني بكل مل يتم في مخيمنا أو خارجه، وأكثر ما فعله في حياته هو الدعاء على “اليهود” والدعاء لأمة المسلمين، كنوع من الهروب من المسؤولية، لكن الله وكأنه لا يريد الإستماع له أو لمن لا “يعقل ويتوكل”.

تردادي المتكرر لاقى استغراب الكثيرين من سكان الشارع، بما في ذلك أبناؤه، لكن أولاده سرعان ما استحسنوا الأمر، وصاروا يأتون لي بكأس شاي أو فنجان من القهوة كلما وقعت قدماي في المكان، وسرعان ما تحول وجودي لعادة أو شئ مألوف فيما تلى ذلك من أيام…

قلت له في مجالساتي المتتالية له، أشياء يعرفها أفضل مما أعرفها، وأشياء ربما لم يسمعها أو يعرفها منذ فترة مرضه أو إغترابه هذا الذي لم يخرج منه، وكان جل هدفي أن أحدثه، أن أرى منه كلمة أو إشارة أو حركة، قلت:    ـ منذ زمن قسّموا القضية، بعد أن رموا بنا خلف العصر ووراء التاريخ، فكان التاريخ العثماني وبال علينا، فبعد محاولات تتريكنا وسلب خيرات بلادنا، سلخوا لهم جزءاً من أرضنا، وأعطوا الباقي “لسايكس وبيكو”،وسرعان ما صار “بلفور” يوزع بلادنا كوطن قومي لللآخرين…

وسكت قليلاً، ثم أضفت:

وها هم أنفسهم، العثمانيون، مع ورثة “سايكس وبيكو” يدمرون بلادنا لتقسيمها واقتسامها، ليجعلوا من أحفاد “بلفور” البلد الأكبر والأقوى والأكثر تماسكاً، وربما الأكبر عدداً كما الأكثر عدة، أتتخيل لو استطاعوا تقسيمنا بين مذاهب وطوائف ماذا كان يمكن أن يحل بنا؟ستكون أكبر دولة أصغر من كيان بني صهيون!!!                             ولم يكن ليتطلع إلي في أي يوم، ورغم كل ما سمعته عنه وعرفته، إلاّ أنني بقيت أنظر له على أنه من الجيل الثائر وليس الجيل المهزوم، وهذا ما يميزه عن والدي الذي ما زال يدعو الله دون نتيجة، دون أن يكل أو يمل، وفي يوم آخر قلت له:

ـ ما زال “الأتراك” لديهم معسكرات “لداعش والنصرة”، يتدربون فيها على فنون قتلنا وتذبيحنا في الشوارع، بقيادة ضباط من “أصحاب الوطن القومي” والأمريكان والأتراك وآل سعود، لذلك عندما احتجزت لهم داعش فريقهم الدبلوماسي في الموصل، أطلقوا سراحهم دون أن يمسوا منهم أحداً “حفظاً للجميل”، تسع وأربعون دبلوماسياً لم يُجرح أو يهان أو يوبخ أو يقتل أحد منهم…. أتتخيل مدى العلاقات…

في كل ترددي ظل موضوع الغزو التركي ومحاولته تقسيم أوطاننا، ما يشغل بالي وما أقوله وأكرره على مسمعه، وصرت كمن يتحدث إلى نفسه دون أن يتلقى جواباً، لكنني أنا الذي ظل والدي يلقبني ب”العجول” على مدار حياتي، كنت طويل البال، وأتحدث مع أبي حاتم وكأنني أتحدث مع إنسان كامل الإنسانية وليس مع رجل تحوّل إلى صنم أو تمثال، رجل تحول اللحم والدم فيه إلى حجارة وصخور، وكنت أجلس بالساعات أحياناً ولا أكف عن الحديث، وقلت في يوم آخر:

ـ “السلطان العثماني الجديد”، يرفض أن يقترب أحد من حدوده، يعتبره مُهَدِدَاً لأمنه القومي، لكنه يتدخل في بلادنا، ويطالب صراحة بإسترجاع ما سلبته دولته العثمانية، يريد حلب والموصل وسنجار وكركوك ودابق وإعزاز، وبكل صفاقة يتدخل بمن يحق له في بلادنا محاربة الإرهاب ومَنْ غير المسموح له بذلك، وبعد أن إنهمكت جيوش سوريا والعراق في حربيهما، صار يرسل الدواعش بطائراته لكركوك ليعيقوا تقدم الجيش العراقي ويبعث بضباطه لتلعفر والموصل ليحاربوا بأنفسهم هناك، وليفتحوا الطريق للدواعش ليهربوا الى الرقة السورية عبر أراضيه، ويفعل كل هذا مُدعياً محاربة الإرهاب.

سكت حينئذٍ قليلاً ثم تابعت شارحاً كي لا أكف عن الكلام، وقلت:

ـ ها هو قد أدخل قواته لجرابلس ودابق، في الشمال السوري، دون أن تُطلق ولو رصاصة واحدة بينه وبين الدواعش، ليس هذا فحسب بل كل ما في الأمر أن الدواعش غيروا أعلامهم بأعلام “الجيش السوري الحر” التابع للأتراك، فصار الأتراك محاربين للإرهاب!!! أتتخيل كيف يمكن أن تستقيم الأمور؟ أن يكون جيشاً سورياً وحراً وهو تابع للأتراك والأمريكان، ويتدرب على يدهم ويد آل سعود وبني صهيون!!! والأمرّ من كل ذلك وأدهى أن هذا “السلطان العثماني الجديد”، يقود دولة علمانية، لكنه يريدنا أن نقتسم إلى طوائف ومذاهب وأديان!!! وهو نفسه، حامل لواء السلطنة والخلافة والإسلام،  أمر أخيراً محاكم بلاده بإسقاط ملاحقتها للصهاينة المجرمين الذين قتلوا أبناء شعبه التركي في سفينة مرمرة!!!!

ظل الأمر على حاله مع أبي حاتم، وبقيت أشرح له، أو الأصح أنقل له آخر الأخبار والتطورات في سوريا والعراق، وآخر أخبار اليمن السعيد الذي يحاول آل سعود أن يحرقوا سعادته، ودور الإخوان المسلمين المتواطئ مع السلطان العثماني، ودورهم في استجلاب كل حثالات البشر لقتل شعبنا العربي ومحاولة تقسيمه في غير مكان، تماماً كما فعلوا بإرسال أبنائنا لحرب الروس في أفغانستان لمصلحة الأمريكان، في قضية لا ناقة لنا فيها ولا جمل، وها أنت ترى أفغانستان بعد عشرات السنين من حكمهم الإسلامي، كإحدى أوائل الدول الفاشلة في العالم، بعد أن كانت على أبواب الحضارة والتقدم، هؤلاء الإخوان أنفسهم لم يستجلبوا ولو فرداً واحداً لمحاربة الإحتلال منذ سبعين عاماً، وحاربوا كل من حاول محاربته وتحالفوا مع من صادقه…

وقدمت له خلاصة الأمر على لسان موشيه آرنس أحد وزراء حرب كيان إسرائيل، وأحد أكبر باحثيه الإستراتيجيين، والذي أكد أخيراً، “أن كيانه فشل في الرهان على تنظيم القاعدة وداعش، لتحقيق ما عجز عنه جيشهم في ضرب المقاومة عام ألفين وستة”، ولم أكن أنتظر أي رد كعادتي، وقبل أن أقوم، وضعت ركبته في باطن يدي، وقلت:

ـ سآتي بعد يومين لأراك، يوم الجمعة يا أبا حاتم…                                                                           وأنا الذي لم أُناده ولا مرة حتى الآن بلقبه هذا، وجدت سيلاً من الدمع يأخذ له مجرى في أخاديد وجهه، أخاديد كان الزمن وسنوات عمره قد تآمرا عليه وخطوهما مثل سكة حراث في أرض بور، دمع متدفق وكأنه نبع قد تفجر لتوه واندلق، ولم يئن أو يتلوى أو يتألم أبو حاتم هذا، أو على الأقل لم أشعر أنا بذلك، وتفادياً للحرج، قمت وخرجت وتركته في مكانه وكأنه تمثال، بقدرة قادر، ينزف دموعاً لا تتوقف، تسير في أخاديدها مثل جدول…

كان حينها الوقت وقت غروب، تتمايل الشمس فيه متثاقلة نحو المبيت، كطفل يقاوم النوم ولا يستطيع رده، جلست على كنبة في صالون بيتي، وفتحت التلفاز دون أن أسمع ما يقول، وكنت ما زلت أفكر في دمعات ذلك الرجل العجوز المنهارة من إرتفاع عينيه إلى ما تحت ذقنه شبه الحليق، وكأنها تريد الإنتحار ولم تستطع، فظلت معلقة في أطراف ذقنه، تتراخى أيديها، غير قادرة على الثبات ولا على الإنهيار، فلا ذقنه شبه الحليق أمتصها، ولا تراخت يديها لدرجة الإنهيار، لكنه سرعان ما إحتضنها بباطن يده، وكأنه يريد أن يخفي جرماً قد إقترفه.

كانت الظلمة قد بدأت تفرد أجنحتها فوق المنزل والمخيم، وربما فوق المدينة نفسها، عندما تسلل إلى أذني صوت طرق هامس على باب بيتي، طرق متراتب هادئ، كأن الطارق يخاف أن يجرح حديد الباب، لكن لرجل سياسي مثلي، عرفت أن القادم أحد رفاقي الذي أراد أن لا يلفت الإنتباه إليه، وقدرت أن في الأمر شيء جلل، وبهدوء قمت وفتحت باب بيتي، لكن المفاجأة جاءتني حادة قاطعة كنصل سكين واضح لا لبس فيه، لقد كان أبو حاتم واقف على بابي متلفتاً ميمنة وميسرة، كأنه يقوم بعمل سري لا يريد أن يلفت الإنتباه إليه، كما في الخوالي من الأيام، رحبت به وأدخلته وأجلسته مكاني وجلست مقابله، وقبل أن أبدأ بالحديث كعادتي قال هو هذه المرة:

ـ ظننت أن من المفيد أن لا أنتظر ليوم الجمعة كي نلتقي، فبعض القضايا لا تحتمل التأجيل ويوم الجمعة ما زال بعيداً، ومن هم في مثل سني لا ضمانة عندهم ليعيشوا أبعد من يومهم، فما بالك بأيام حتى يجيء يوم الجمعة…

فقلت:

ـ خير يا عمي أبا حاتم…أُأْمرني…

فقال:

ـ عليك الذهاب إلى سوريا…

قلت:

ـ لكنني كما تعلم ممنوع من السفر، لكن لماذا؟

سكت قليلاً وكأنه يفكر في حل لهذا اللغز وقال:

ـ إذن إبعث من تثق به لهناك، إبعثه للقيادة السورية ليقل لهم وعلى لساني أنا أبو حاتم المهدي، الذي كان له ماض مشرف، أن لا يثقوا يوماً لا بالسلطان العثماني ولا بالإخوان المسلمين، فالغدر من شيمهما، بل هو ما يميزهما…

وقام من مكانه متوجهاً إلى الباب، وغادر قائلاً:

ـ اللهم اشهد فإني قد بلّغت… سأذهب حتى تستطيع تدبير أمورك بسرعة…

وغادر، وبقيت وحدي، وفكرت في كلماته، وكنت كلما فكرت في الأمر وبأي إتجاهٍ، وجدتني أصل لنفس خلاصته، فالغدر من شيم هؤلاء الناس، كانت الإنتهازية والتجارة بالدين والكذب والنفاق من ميزاتهم، ونادراً ما تجد مبدئياً واحداً في هذه الأوساط، وفكرت بأن القيادة السورية وبعد تجربتها الطويلة الدامية معهم، لا بد أنها توصلت لنفس خلاصة أبو حاتم المهدي…

إنتظرت يوم الجمعة بفارغ الصبر، وما أن إبتدأت الشمس تشق لنفسها طريقاً فوق الغيوم، بين نجوم السماء المتخفية في متاهات الدروب هروباً من عيني النهار، حتى وجدتني أحتضن كرسياً من القش وأتوجه مباشرة إلى الطريق، حيث أبو حاتم يجلس كالعادة على كرسيه، إقتربت منه حاملاً ابتسامتي فوق شفتي، وما أن جلست حتى نظر نحوي وبيده كوباً من الشاي على غير العادة، هززت له رأسي بالإيجاب وكأنني نفذت نصيحته، رأيت محاولة ابتسامة نصر تحاول الولادة المُيسرة من تحت شاربيه، لم يقل أبو حاتم المهدي شيئاً، ولم ينبس ببنت شفة، لكنه نظر إليّ طويلاً ثم ناولني كوب شايه لأشربه.

محمد النجار

لمــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاذا؟!!!

ظلّت الكثير من الأسئلة تدق رأسي دون هوادة، خاصة بعد بعض الحوارات ،المُصرّة على قلب الحقائق، مع البعض، والذين لا يريدون أن يروا ما يدور في منطقتنا، من حرب كونية على مقدراتنا وتاريخنا وبلادنا وشعوبنا ، إلا حرباً طائفية!!! فلا أمريكا تطمع بنا وبخيرات بلادنا، ولا “آل سعود” هم رأس الأفعى في المنطقة، ولا ما يتم لمصلحة الكيان الصهيوني!!! ولا….إلخ، بل إن إيران”الشيعية”، هي فقط السبب وراء الحروب وإدامتها واستدامتها، ومعها حزب الله طبعاً، ولا يمكن أن تنتهي الحرب إلًا بعد الخلاص من إيران “الشيعية”، تاريخاً وطوائف ومذاهب وحتى جغرافيا إن أمكن!!! الأمر الذي يعني طبعاً إدامة الصراع واستمراره إلى آخر إنسان في الجانبين، وبهذا نكون نحن”السنة” قد نظفنا بيتنا من الداخل ونتفرغ لحرب الكيان الصهيوني!!! كلام خالٍ من أي منطق، فلماذا لا يمكننا أن نضع أيدينا مع إيران، ونتخلص من الكيان الصهيوني أولاً، فهذا لا يصح، ولماذا لا نتخلص من الصهاينة وحدنا ثم نرى أمورنا مع إيران فلا يصح أيضاً، فلا يصح معنا نحن “السنة” إلا إستعداء إيران فقط، وتحويل الصهاينة إلى حلفاء محتملين!!!

هكذا قال محاوري في حوارنا الأخير، فازداد طرق السؤال رأسي، لماذا، وازدادت الأسئلة التي تبدأ به أكثر، فتجاهلت “كيف ومتى وأين وهل ومن وإلى متى”، لأنني لو طرحت كل ما يدور في رأسي من أسئلة لما أنهيت مقالتي هذه أبداً، وعليه سأطرح فقط بعض ما يدور في رأسي من أسئلة تتعلق ب”لماذا”، منوهاً أنني لست من أنصار لا الدول الدينية ولا الأحزاب الدينية، وأنني أرى أن العلاقة بين الإنسان وربه علاقة تخصه وحده، ولا يحق لأي كان التدخل بها، لا من قريب ولا بعيد، كما أنني لاحظت أن كل أصحاب النظرة الطائفية والمتمسكين بها، معجبين أشد الإعجاب بالنظام “الغربي”، والذي لا يفرق بين أبنائه لأي بسبب، دين أو لون أو جنس أو معتقد، لكنهم “عندنا” يريدون مجتمعاً بلون واحد فقط، هذا إذا ظل هناك لون بعد الصراع الدائر….

ولنبدأ بالأسئلة، التي أرجوا أن لا يجيب عليها أو يقرأها أحداً من المتعصبين، من أي طرف كان، وهي أسئلة برسم التفكير لكل مَنْ يدعي أن الصراع الدائر في منطقتنا ما هو إلا صراع طائفي، وليس صراعاً سياسياً في جوهره، مغلفاً بغلاف طائفي:

  • لماذا إصرار الدول “السنية” على حرف إتجاه البوصلة، من فلسطين وتحريرها، ومن العداء للصهيونية إلى جعل العداء لإيران؟ وهل صحيح أن “طويل العمر” ملك آل سعود، دعم بناء المستوطنات بعشرات ملايين الدولارات؟ ودعم حملة إنتخابات نتنياهو ب80 مليون دولار، كما نؤكد الصحافة العبرية؟

  • إذا كان الصراع طائفياً لماذا إذن لم تقم “الدول السنية”، وعل رأسها دولة “آل سعود”، بمحاربة إيران أيام الشاه؟ أم أن إيران كانت “سنية”آنذاك؟

  • لماذا تم افتعال حروب متتالية مع إيران بعد إنتصار الثورة مباشرة؟ رغم أن الإنجليز “حلفاء” الدول السنية “وأبرز داعميهم حتى اليوم (هم مَن سلم الأهواز لإيران، تماماً كما سلّم الفرنسيون لواء الإسكندرونة لتركيا والإنجليز  لمناطق نجران وعسير وجيزان لآل سعود أنفسهم)، وكذلك سيطرت إيران على الجزر الإماراتية أثناء حكم الشاه، فلماذا لم تحارب الدول “السنية” وعلى رأسها آل سعود الشاه “الشيعي” ولم نسمع من هذه “الدول السنية” ولو كلمة واحدة بهذا الشأن آنذاك؟. بل إن علاقتهم مع الشاه كانت استراتيجية، وهو من ساعدهم على ضرب القوى الثورية التي نشأت في بلادهم!!! ولم نسمع “بسنة أو شيعة”، ولا عن اي دور “تشييعي” لإيران في المنطقة.!!!

  • لماذا اكتشف حكام الدول “السنية”، “شيعية إيران” بعد أن تم رفع العلم الفلسطيني فوق سفارة”إسرائيل” الموروثة من عهد الشاه، وتحويلها لسفارة “فلسطين”؟ وفي نفس الوقت الذي إبتدأت أمريكا بفرض حصارها على إيران؟

  • وما دام الموضوع هو “سنة وشيعة”، فلماذا تقيم هذه الممالك والدول والحكام “السنة”، أرفع العلاقات وأكثرها تطوراً، مع دولة أذربيجان “الشيعية”، صاحبة العلاقات الأكثر تميزاً بالكيان الصهيوني، وخاصة من الناحية الأمنية، التي تضر أول ما تضر بقضية”العرب السنة” في فلسطين؟!!!

  • لماذا، والأمر كذلك، لم تدعم الدول “السنية”وعلى رأسها بلاد “مملكة الخير” وقيادتها، آل سعود، الفصائل “السنية” في فلسطين، بعُشر ما قدمته لما إستجلبته من حثالات بشرية لتدمير أوطاننا في سوريا والعراق وليبيا واليمن و”الحبل على الجرار”؟ وتركت الأمر لإيران”الشيعية” لدعم فلسطين “السنية” وفصائلها؟ وتركت خلايا “حزب الله الشيعي” يدرب ويعلم وينقل السلاح ويُهربه إلى القطاع المحاصر، وتُعتقل بعض خلاياه في الدولة المصرية “السنية”؟ ولم تقدم أي نوع من الدعم للقضية الفلسطينية “السنية”، على مدار 68 سنة من عمر القضية، ولا حتى فتوى واحدة من شيوخ “السنة” العباقرة في بلاد آل سعود، بل أنها أوقفت حتى التبرعات لهذه القضية…

  • لماذا لم تقم الدول “السنية” بمحاربة محتلي المسجد الأقصى المبارك” أولى القبلتين وثالث الحرمين” رغم مرور 49 عاماً على إحتلاله، وشيوخ فتنتها كما القرضاوي “ينبحون” لمحاربة سوريا لنشر الديموقراطية هناك؟!!! ويستعيذ الله متبرئاً ممن يقولون بمحاربة “إسرائيل” بعد الإنتهاء من سوريا، ويشحذ من أمريكا المزيد من التدمير لبلداننا، ” ضربات لسوريا من أجل الله ياأمريكا”، الغريب أن البلاد والمقدسات محتلة من”اليهود الصهاينة” وهم ينادون بالديمقراطية في بلدان يحكمها “مسلمون”!!! والأغرب أنهم يريدون الديمقراطية التي يمنعونها في بلادهم، والإنتخابات التي لم يجرونها يوماً، والدستور وهم لا يملكون دستوراً… مع ملاحظة أن كاتب هذه السطور من أشد مؤيدي حرية الرأي والفكر والتعبير والإختيار، وضد كل أنواع التمييز الديني أو العرقي أو المذهبي والطائفي، أو اللون أو الجنس أو العرق، ومع تشكيل الأحزاب إلّا الدينية منها، والتبادل السلمي للسلطة.

  • بل لماذا تبرعت “مملكة الخير” أطال الله عمر قادتها آل سعود”، بفلسطين، في رسالة موثقة عبر الحلفاء الإنجليز، إلى “المساكين اليهود” أو حتى “إلى غيرهم “كما ورد في الرسالة؟ أعيد “تبرعت” بفلسطين وكأنها من بقايا موروث آبائهم العملاء الفاسدين المتخلفين الجهلة”!!!

  • لماذا لم تستخدم “مملكة الخير”ودول النفط “السنية”علاقاتها بالغرب، أو بالنفط، أو أموال النفط، لدعم قضيتها الأولى قضية فلسطين”السنية”؟

  • لماذا حارب آل سعود “السنة، الثورة الناصرية”السنية”، متحالفاً مع شاه إيران “الشيعي”؟ وراعيتهما أمريكا، أم أنه لم يكن “شيعياً” وإنما نحن الجهلة  المفتقدين للثقافة نعتقد ذلك؟ ولماذا إستدعت الحرب عليه من إسرائيل في حرب 67، معتبرة في رسالتها أن نظام ناصر إذا إستمر دون تدمير حتى سنة 70 فإن نظام “آل سعود” لن يعيش أبداً ليصل لعام 1970، أم أن الصهاينة هم صهاينة “سنة”؟

  • وما دام الأمر طائفي، لماذا إستُجلبت “القاعدة “من العالم إلى ليبيا لتدمير بناها التحتية، وذبح عشرات الآلاف من البشر “السنة”، وتدمير أول شيء النهر العظيم الذي خضّر حتى الصحراء الليبية؟ وأين الشيعة في ليبيا؟ وأين الشيعة من مصر التي يحاولون تدميرها وتقسيمها ؟

  • لماذا ترتضي الدول “السنية”، قائدة الثورة”السنية” في الوطن العربي، ل”تنظيماتها ومناضليها في جبهة النصرة وداعش وأحرار الشام وجيش الإسلام في سوريا” أن يُعالجوا في المستشفيات”الصهيونية” ويزورهم ويلتقيهم “نتنياهو” نفسه، وكل وسائل إعلامهم، ووسائل إعلام الأنظمة “السنية” تغطي على الأمر وتمنع نشره في وسائل إعلامها، وكأنها بذلك تحجب الحقيقة؟ وكيف ترتضي لقيادة الثورة “السنية” في سوريا بالتبرع بهضبة الجولان لإسرائيل مقابل دعمها بإسقاط الأسد؟ كما وكيف ترتضي للثوار”السنة” بالتدرب على أيدي ضباط الصهاينة، وأن يقود عملياتهم في غرفة عمليات “موك” في الأردن ضباطاً “إسرائيليين” بجانب ضباط من طرف آل سعود وأمريكا والأردن؟ والآن يقوم الصهاينة بإنشاء غرفة عمليات مشتركة مع ” المناضليين الجهاديين السنة” من “جبهة النصرةـ تنظيم القاعدة في بلاد الشام ـ لإقامة شريط عازل في الجولان على غرار ما تم في جنوب لبنان؟

  • لماذا لا يُحارب آل سعود، كقيادة للدول “السنية” أمريكا، التي أسقطت القيادة العراقية السنية “صدام حسين” ، بل إستدعت أمريكا وتحالفاتها لإسقاطه بعد أن رفع شعار”نفط العرب للعرب”؟ وفي الوقت الذي رفضت فيه إيران “الشيعية” أن تفتح أراضيها للغزو الأمريكي للعراق ، رغم محاربته لها 8 سنين طوال، فعلت ذلك دول النفط وغير النفط “السنية”، من مصر إلى دولة آل سعود إلى دولة “النعاج” كما سمّاها رئيس وزرائها آنذاك حمد الصغير، إلخ؟  بعد أن حاصروه وقتلوا من شعب العراق ما يزيد عن مليون طفل فقط بسبب حصارهم…

  • لماذا لا تُحرضون “السنة” في لبنان وتدعمونهم بالصواريخ كما فعلت إيران مع حزب الله، لمحاربة إسرائيل، خاصة وأن لديهم قيادة ثورية مثلكم (من الحريري إلى السنيورة إلى فتفت “شرّيب الشاي” مع الجيش الإسرائيلي، إلى ريفي)؟ ولماذا تحالفاتهم فقط مع جعجع وأمثاله، أحد أهم أبطال مجزرة صبرا وشاتيلا، القاتل المحكوم في المحاكم اللبنانية نفسها؟

  • لماذا دعمتم يا آل سعود، ياقادة “السنة”، إثيوبيا، الدولة التي ـ ربماـ من أكثر الدول الإفريقية تعاوناً مع “إسرائيل”، في بناء سد النهضة الذي يحرم الدول “السنية” العربية”مصر والسودان”من المياه، يعطش شعبهما ويصحر أراضيهما، وبتعاون مباشر مع إسرائيل؟

  • لماذا أصبحت إيران دولة نووية رغم حصاراً أمريكياً ودولياً ومنكم أنتم أنفسكم أيها الدول “السنية”، وآل سعود على رأسكم، وصار عندها ما يقرب من الإكتفاء الذاتي إقتصادياً، وأنتم بدلاً من أن تتعلموا منها، وتثبتوا لها أنكم “السنة” لستم بأقل شأنا، فإنكم ما زلتم تعتمدون في إقتصادكم بنسبة أكثر من 90% على النفط، وبدلاً من طلب مساعدتها تحاربونها، وأنتم أيها الكسالى الخائبين، يا آل سعود، ما زلتم تستوردون خضارا ،فقط خضـــــــــــــار، من مختلف دول العالم بأكثر من 30 مليار دولار، أقول مليار وليس مليون، في العام الواحد، وتستوردون المياه بأعلى من أسعار نفط شعبكم المنهوب…وصارت “سلة غذاء الوطن العربي”، السودان، التي تمتلك 30 مليون رأساً من الأبقار، وخمسين مليون رأساً من الماعز ومياه النيل وعشرات الأنهار الأخرى، صارت صحراء وجائعة وجاهلة ومتخلفة وتبيع أبناؤها لآل سعود ليقتلونهم في حرب اليمن، ويمزقها الفساد والبيروقراطية,… رغم “سنيتها” وتطبيقها للشريعة الإسلامية السنية أيضاً.” في هولندا مجرد مليون رأس من الأبقار، وبدون “سِنّة” ولا “شريعة”، صارت من صفوف الدول الأولى في العالم في تصنيع الأجبان والشوكولاتة، وبدون أمية ولا فساد ولا إفساد. أما السودان الذي  إتبع نصائح “سنة” قطر وآل سعود فتقسمت بلاده إلى قسمين، وبدلاً من الإهتمام بمصالح الوطن والمواطن، يقوم بمحاكمة فتاة تلبس بنطالاً أو أخرى تتزوج مسيحياً، لكنها لم تحاسب فاسداً واحداً أو لصاً واحداً.

  • لماذا تتقدم الدول “السنية” دول العالم في الفشل والجهل وتفشي الأمراض والأمية، مصر والصومال وموريتانيا واليمن والسودان والباكستان وأفغانستان.

  • لماذا لم تستثمر الدول الغنية “السنية” أموال خيرات شعبها، في الدول “السنية” المحتاجة لذلك، بدلاً من إبقائها في بلاد الغرب وبنوكها؟ مثل مصر والسودان واليمن، الأمر الذي يُطور هذه الدول ويقضي على البطالة والفقر، ويجعل الدول المستَثمِرة رابحة في نفس الوقت. أم أنهم يدركون أن أمريكا لن تسمح لهم بذلك، وربما تصادر هذه الأموال شاهرة في وجوههم ملف حقوق الإنسان كما هو متوقع!!!

  • لماذا تصر قيادة الدول “السنية” لمحاربة كل من يحارب أمريكا وإسرائيل، ولشيطنته وملاحقته وتوقبف قنواته الإعلامية؟، وكما دفعت أمريكا بإعترافها، ما يفوق على 500 مليون دولار لتشويه صورة حزب الله، هكذا تفعل الدول “السنية” بقيادة آل سعود مع فصائل المقاومة العراقية التي طردت الأمريكي خارج العراق في 2011، ومن بينها بعض فصائل الحشد الشعبي في العراق، أو مناهضوا سياسة التدمير التي أنتجها آل سعود في اليمن من “أنصار الله” وغيرها من فصائل إسلامية ويسارية…

  • لماذا يُحارب آل سعود”السنة”، أعداء أمريكا وإسرائيل، ليس في المنطقة فقط بل والعالم أيضاً؟ وتكيل لهم كل التهم وتدفع الأموال من جيب شعبها، لتحصد أمريكا الثمار، وهذه مجرد أمثلة على ذلك:

ـ دفع آل سعود “السنة” مبالغ طائلة بعد فوز الحزب الشيوعي الفرنسي، وكذلك الحزب الشيوعي الإيطالي في إنتخابات بلادهم، للأحزاب الأخرى كي لا يدخلوا في تحالفات معهما كي لا يستطيعا تشكيل حكومات كل في بلدهما، هل كان أولئك شيعة؟ وهل إعتدوا على سيادة بلدان العرب أو المسلمين؟ وبأي حق يتدخل آل سعود في شؤونهم الداخلية؟ ولمصلحة مَنْ؟ أليس لمصلحة أمريكا وبأموال العرب؟!!!

ـ دفع الأموال لشراء البشر والسلاح وبشعارات دينية لمحاربة الإتحاد السوفييتي السابق، لتعود أفغانستان للحظيرة الأمريكية وبأموال عربية، هل كان السوفييت شيعة وأمريكا دولة سنية؟!!! وما شأن آل سعود بذلك؟ ولماذا سكتوا عن تحويل أفغانستان “السنية” إلى دولة فاشلة؟

ـ دعم آل سعود أعداء الثورة الساندينية، بالمال والسلاح، الكونتراس، كي لا يصل أعداء أمريكا للحكم آنذاك، وزهقت نتيجة ذلك عشرات آلاف الأرواح، ودمرت البلاد، بأموال العرب ولمصلحة أمريكا، فهل كانت الثورة الساندينية “شيعية”؟ وبماذا أساءت للسعودية لتقف موقفها ذلك؟

ـ أغرق آل سعود السوق بالنفط وأنزلوا سعره من 120 دولاراً للبرميل إلى أقل من 30 لكي يضربوا الإقتصاد الفنزويلي المعادي للأمريكي وكذلك الروسي المنافس له، وليضربوا الإقتصاد الإيراني أيضاً، فإن كان هناك خسارة بيِّنة لإيران في مليون برميل تصدره في اليوم الواحد كبيرة ومؤثرة، فإن خسارة آل سعود كانت أحد عشر ضعف الخسارة الإيرانية، كونها كانت تبيع أحد عشر ضعف المنتج الإيراني، ومن الرابح من جراء ذلك؟ أمريكا بالتأكيد، وآل سعود”جكر في الطهارة يشخون في لباسهم”.

  • ما دام “الدواعش” وجبهة النصرة، وما شابههم من حثالات بشرية “ثواراً”، لماذا يذبحون الناس ويفجرون أنفسهم في المساجد والأسواق الشعبية، ويصرخون”جئناكم بالذبح” هل هذا الإسلام “السني” الذي يريدون حكمنا به؟ وهل لائحة النساء في زواج النكاح اللواتي يُطلقن ويُزوجن بأوامر “سنية شرعية”ما يقرب من عشرين مرة في اليوم الواحد، ويدفع لها ثمن النكاح، هل هذا من الإنسانية في شيء؟ وهل هو من الديانات لا سيما المذهب السني في شيء؟ وهل يختلف عن بيوت الدعارة في شيء؟ولماذا تركت الدول الغربية القتلة للقدوم إلى سوريا والعراق وسهلت مرورهم؟ ولماذا ساعدتهم أمريكا وقطر وآل سعود؟ وإن كانت تريد أمريكا محاربتهم لماذا تركتهم يتدربون تحت سلطتها وبسلاحها وفي معسكراتها في تركيا وليبيا، ولماذا لم تقدم للجيش العراقي حتى الآن السلاح المطلوب، رغم أنه دفع ثمنه منذ سنوات؟ وماداموا يريدون محاربتهم لماذا جلبوهم إلى ليبيا “السنية”، والتي ليس بها من الشيعة أحد؟ وكيف لم يروا الأسطول البحري الذي يزيد عن 3000 صهريج وينقل النفط المسروق من العراق وسوريا ويتوجه الى تركيا واسرائيل؟ وكيف سمحوا لدويلة الشيخة موزة بشراء 3200 عربة تويتا مجهزة للقتال من اليابان ويدخلونها من تركيا إلى سوريا؟ وكيف لم يرَ الأمريكان مئات الآليات والدبابات ومدافع الهاون والصواريخ التي تتنقل في العراق وسوريا وما بينهما على مساحة آلاف الكيلومترات المربعة؟ في الوقت الذي ترى فيه لو مجرد مناضل فلسطيني واحد في قطاع غزة وتقصفه، لكنها لا تقصفهم؟ وكيف لم تر نقلهم بطائرات تركية وقطرية إلى جنوب اليمن؟ ولماذا قام آل سعود “السنة”وكذلك دولة قطر”السنية” بعزل الجنرال “السني” السوداني”الدابي”، الذي بعثته الجامعة العربية للتحقيق في أحداث سوريا منذ بدايات احداثها، عندما إتهموا النظام بقتل المتظاهرين، وعاد ليقول لرئيس وزراء قطر السابق “حمد الأصغر”، إوقفوا دعمكم وتسليحكم للإرهاب، تتوقف الحرب في سوريا، فكان نتاج تقريره عزله ووقف مهمته.
  • لماذا لم نرَ أو نقرأ أو نسمع رغم كل عمليات التفجير في المساجد والكنائس والأسواق، وتدمير الآثار والتاريخ، والتقتيل والذبح في كامل الفسيفساء العربية، من المناضلين “السنة”، عن أي عملية ضد الكيان الصهيوني، ولو عن طريف الخطأ؟ ولماذا يقتلون من “السنة” أكثر ما يقتلون من المذاهب والطوائف الأخرى، لكل من لا يتطابق وآراءهم؟ وفي المقابل لماذا لم نسمع عن “شيعي”يفجر نفسه في مناطق السنة؟بل أن “الشيعة”في الحشد الشعبي، “والذي يضم في صفوفه عشرات آلاف “السنة”، هم مَنْ يُحرر المناطق “السنية”، لاحظ “السنية” من براثن داعش وأخواتها، ولماذا لم يتوجه الدواعش للمناطق الشيعية في وسط العراق وجنوبه ليحتلوه ماداموا يريدون القضاء على “الرافضة”؟ بل داهموا المناطق “السنية” فقط وذبحوا أهلها ودمروا بنيانها واغتصبوا نساءها؟ ولماذا لم نسمع هذا التقسيم الطائفي عن “سنة وشيعة” بين الأكراد؟

  • لماذا، وهذه ال”لماذا”، كان يجب أن تكون في البداية ربما، لماذا يعتقد هؤلاء “المناضلين السنة”، ومن خلفهم داعميهم وأولهم آل سعود، أن الجنة من حقهم ونصيبهم حصراً ودون غيرهم؟ فلا نصاً يؤكد ذلك، ولا منطق أيضاً، فمذاهب الإسلام من”سنية بمذاهبه الأربعة” الشافعي والحنفي والحنبلى والمالكي” وفرقها من السنية والإباضية والشيعية، يتفرع عنها: أهل الحديث والسلفية والأشاعرة والماتريدية والمرحبة والمعتزلة والجهمية والصوفية والإثنا عشرية والزيدية والأصولية والأخبارية والشيخية والإسماعيلية والنزارية والمستعلبة والعلوية والأذارفة والنجدات والأحمدية والقرآنيين والبهرة  …إلخ والتي تصل الى 73 فرقة، كلها تدّعي أنها تمثل الإسلام “الصحيح”، وكيف  يستطيع هؤلاء التفكير أن لهم ميزة على الطوائف الأخرى وعلى الأديان الأخرى بما فيها الديانات الوضعية، عدا أن ليس لهم فضلاً أو ميزة حتى على ما في طائفتهم نفسها، ألم يحن الوقت ليتدينوا كما يريدون لكن بإبعاد الدين عن السياسة، ألا يكفي ما فعله الدين المسيس في البشرية جمعاء؟ تخيلوا 73 فرقة ومذهب إسلامي، ومثلها أو أقل قليلاً من الديانات الأخرى، والجميع بدون إستثناء يدعي أنه الصحيح، وإلا لغير مذهبه لو كان لديه شك فيه، فلو أراد كل طرف فرض رؤيته على الآخر ماذا يمكن أن يتم في عالمنا العربي؟ تخيلوا إلى أين يمكن أن توصلنا التقسيمات الطائفية والدينية، وربما لو تبعنا العرقية والقومية أيضاً، ستصبح أكبر دولة عربية حسب طائفتها ومذهبها أصغر بكثير من ملعب كرة قدم، دولاً متحاربة متذابحة إلى مالا نهاية، هذا إذا لم نفنِ بالحروب بعضنا بعضا!!!

  • لماذا لا يترك هؤلاء الدين لصاحبه، الله، ولماذا يتدخلون بصنع الله بخلقه؟ ومن أعطاهم الحق بذلك؟ فالدين كما ذكرنا لله والوطن للجميع، فلنترك ما لله لله، ولنتضافر لإعلاء صرح الوطن، ولا نترك أحداً ليتدخل في شؤون الله تحت أي إسم أو ذريعة، فهذه العلاقة بين الإنسان وربه من أشد العلاقات شخصية وخصوصية، ولا يحق لكائن من كان أن يتدخل بها، أما شيوخ الفتنة الذين بحرضون على العنف في أوساط فقراء الشعب وبغض النظر من أي ديانة أو طائفة هم، فنسألهم لماذا لا تبعثون أبناءكم ليفجرون أنفسهم ويصعدون ليحجزوا لكم مكاناً في الجنة؟ وإن كانوا “ملوا زوجاتهم”ويريدون الحوريات، فلماذا لا يذهبون هم أنفسهم ليفجروا أنفسهم ويصعدون الى السماء، بدلاً من تحريض الفقراء ؟ ولماذا لا يعطون الفقراء جزءً من جنانهم الأرضية إن كانوا بهذا الإيمان الذي يدّعون؟ولماذا يبعثون أولادهم وبناتهم إلى بلاد الغرب “الكافرة”، ويبعثون أبناء الفقراء لتفجير أنفسهم في خلق الله وعباده؟ وأكرر من أين لهم التأكد من صحة طائفتهم أو مذهبهم؟ ومن أين يعرفون أن لهم الجنة دون غيرهم؟ بل من قال أصلاً أن لهم الجنة؟، فالله ،حتى الله الرؤوف الرحيم، لا يرحم العملاء والمجرمين…

محمد النجار

وما عليّ إذا لم تفهم البقر

أتساءل أحياناً، خاصة بعد قرارات مجلس التعاون الخليجي، وبعد قرارات وزراء داخلية الجامعة العربية ولاحقاً وزراء خارجيتها، بإعتبار حزب الله تنظيماً ارهابياً، أتساءل ما الغريب أن يصدر عنهم مثل هذا الأمر؟ ما الغريب في زمن الردة والخنوع والإستسلام أن توصف طليعة قوة المقاومة في المنطقة العربية بهذا الوصف؟ ومتى لم تصف قوى الإمبريالية وعملاؤها وأتباعها قوى الثورة بغير هذا الوصف؟ فالأمر كان هكذا ويستمر بنفس الطريقة وسيظل عليها، فمنذ ثورة العبيد “سبارتاكوس” وحتى يومنا هذا تُحارب قوى الظلام القوى الثورية بكل الوسائل والطرق، أهمها إخراجها خارج القوانين المفروضة على”القطيع” الصامت،  أي خارج قوانينها الطبقية السائدة ليسهل تجريمها وملاحقتها ومحاربتها.

الأمر الذي كان ضرورياً إعلانه من قِبَل الجامعةالعربية تمهيداً لإعطاء الغطاء للكيان الصهيوني بضرب حزب الله، كون الكيان ما زال يعتقد أن الحزب ومهما كانت قدرته، فهي تظل قوة موزعة على جبهتين أساسيتين، لبنان وسوريا، وبالتالي فهو يضرب في كل منهما بيدٍ واحدة وليس بإثنتين. وهذا التوقيت وفي هذه المرحلة هو أفضل توقيت للإنقضاض على حزب الله، وفي حال تمت الحرب وسحب قواته من سوريا فهذا يضعف حليفته سوريا التي تُعتبر الأخطر على الكيان في كل المحيط العربي أو بالأصح القول الخطر الوحيد باستثناء حركات المقاومة الذي ما زال قائماً رغم الحرب الكونية عليه. إذن فعلى “لاعبي” دول النفط الخليجي، و”لاعبي” الجامعة العربية تهيئة الكرة للمهاجم الصهيوني.

كما أن حزب الله هو المتصدي الأول والأكثر خطراً على أمن التحالف الصهيوني الإمبريالي الرجعي العربي بقيادة آل سعود، وهو الذي درب وساند وسلح المقاومة الفلسطينية التي تحاول “مملكة الخير” السعودية إدخالها النفق الصهيوني وحرف اتجاه بوصلتها كما فعلت مع سلطة أوسلو، من خلال إغرائها بال”علف” النفطي حتى دخلت النفق.

الأمر الذي أوضحه ملك البحرين الحاكم بأمرالله ،طال عمره، الذي يقتل ويسجن ويذل وينفي ويجرد المواطن من الجنسية ويمنح أي مواطن الجنسية، قائلاً: “اسرائيل قادرة على حماية دول الخليج وإرساء الإستقرار في المنطقة، ودعم الدول المعتدلة”!!! كمقدمة للتحالف المعلن مع الكيان الصهيوني.

هذا هو المبدأ العام، أما إذا أردنا الدخول في بعض التفاصيل حول الجامعة العربية ودولها، نكاد نرى وبوضوح كامل، أن هذه الدول والدويلات ليس بإمكانها ولا بإستطاعتها أن تفعل غير الذي فعلته، فلماذا كل هذا الإستغراب إذن؟!!!  فجامعة الدول العربية، هي  التعبير السياسي عن الدول العربية المنضوية تحتها، وأكبر هذه الدول هي الدولة المصرية، التي ما تزال قيادتها مصرة على أن تكون دولة تابعة لأموال النفط الخليجي، عبر سياسة القمع والفهلوة ومد اليد الذليلة لدول النفط، طبعاً نتيجة الإصرار على سياسة التبعية للغرب الأمريكي وصندوق النقد الدولي “الذي لم يدخل بلداً إلا ودمرها” والقيد الصهيوني واتفاقيات “كامب ديفيد” سيئة الذكر، فقيادة هذه الدولة لا تريد التعلم من تجارب الزعيم الكبير جمال عبدالناصر الذي كان يفرض شروط مصر و سياستها بقوة المثال الوطني، وبوضوح الرؤية للصديق والعدو ، وبدعمه لقوى الثورة العربية وخاصة قضية فلسطين، كما ببرامج التصنيع وتأميم الأراضي وكهربة الريف، ورغم كل ما أحاط به من عيوب وأخطاء إلا أنه ظل محاطاً بالجماهير المصرية والعربية التي ظلت ملتفة حوله وترعاه وتدعمه وتحميه حتى في هزيمته عام 1967. لكن نظام الرئيس السيسي، يعتقدأن نظام “الشحدة” هو أنجع من نظام عزة النفس والكرامة، وقيد كامب ديفيد أفضل من نظام الإستقلال السياسي والإقتصادي والوطني، لذلك فهو يريد مهلة حتى سنة 2030 من الشعب المصري كي يعيد مصر الى سكة التاريخ!!! لكن دون أي برنامج اقتصادي، ودون أي خطط عمل، وبتحالف مع الطبقة السياسية الفاسدة من عهدي مبارك ـ مرسي، وبالإعتماد على وعود آل سعود وآل خليفة، والتي لم يُطبق منها سوى أقل القليل، فهذه الدول لا تريد مصر إلا دولة ضعيفة مُهانة تابعة لها، وليس دولة نداً لهم، فيظل الفساد منتشراً، والإفساد التضليلي الديني والسياسي، ونظام التجهيل والتعمية وشراء الذمم والقمع والسجون المفتوحة وتكميم الأفواه، والتركيز على أن المرأة عورة من خلال توظيف الدين، وهي التي تشكل52% من المجتمع المصري، وتطويع القضاء في يد السلطة الحاكمة واستخدامه ضد المنافسين السياسيين، وسياسة “دبّر نفسك” مع انعدام العمل والأفق والأمل من حياة الشباب، لذلك وجدنا هذا النظام يُرشح رجل السياسة الخارجية لنظام مبارك، الرجل الأكثر محبة ومودة من ساسة الكيان الصهيوني، أحمد أبو الغيط، كرئيس للجامعة العربية، وكأن مصر لم تعد تنجب الرجال، وأنه لم يبقَ بها سوى أشباه الرجال والساسة!!! وهنا نترحم على الشاعر الكبير أحمدفؤاد نجم الذي قال:

ما دامت مصر ولادة                                وفيها الطلق والعادة

هتفضل شمسها طالعة                         برغم القلعة والزنازين.

ونستذكر كذلك بيت ا لشعر الذي يقول:

تموت الأسْدُفي الغابات جوعــــــــــــــــــــــــــــــــــــــا          ولحم الضأن تأكله الكلابــــــــــــــــــــــــــــــــــــــا…

أما آل سعود فهم “يُعلّمون” العرب جميعاً الآن كيف تكون “العروبة”، و”يصححون” لنا التاريخ، فقبائل “عدنان وقحطان” لم تكن ولم تعش ولم توجد يوماً في اليمن، لذلك فهم لا يقصفون سوى “أعوان ايران وأدوات الفرس والحوثيين” هناك،  وهم الذين حاربوا “عروبة” المرحوم عبدالناصر “بالإسلام”،حيث كانت العروبة “رجس من عمل الشيطان” وكانت “كفراً وضلالاً مبينا”،مما اضطرهم لللإستعانة بشاه ايران المسلم ” ربما لم يكن شيعياً حينها لا هو ولا ايران” لمحاربة عبد الناصر كما محاربة حركات التحرر العربية خاصة التي نشأت عن حركة القوميين العرب في الخليج، مثل الجبهة الشعبية لتحرير عمان، والجبهة الشعبية لتحرير البحرين، والجبهة الشعبية لتحرير الجزيرة العربية، والحزب الإشتراكي اليمني…إلخ، هم أنفسهم الذين يستحضرون العروبة الآن لمحاربة ثورة إيران “الفارسية” بالعروبة التي لم “تعد رجسا من عمل الشيطان”، وفي محاربة حزب الله “الشيعي”، حيث يحاولون تجنب الحديث عن عروبيته. كما وأن آل سعود من مليك وأولياء عهد وأمراء، بمن فيهم ولي العهد المباشر، صاحب جائزة “جوقة الشرف” التي قلده إياها الرئيس الفرنسي أولاند نزولاُ عند طلبه طال عمره!!!، وولي ولي العهد وزير الدفاع،  عندما يقصفون اليمن، فإن صواريخهم وقنابلهم العنقودية المحرمة دولياً، تُميز بين الشيعة والسنة والزيدية والشافعية، وكذلك بين بقايا رجالات القرامطة في اليمن، كما بين اسواقهم ومساجدهم وصوامعهم وبيوتهم وقمحهم ومياههم وسواقيهم وحضاراتهم وآثارههم خير تمييز، فلا تصيب إلا “أعداء الله” وأعداء آل سعود والمؤمنين.

والأمر نفسه تكرر في العراق وسوريا، لذلك انسحب وفد آل سعود من مؤتمر وزراء الخارجية العرب، دون تعليق عند رد وزير خاجية العراق عليهم ، بأن حزب الله هو من حرر الأرض ورفع رأس العرب عالياً، والإرهابي هو مَنْ يصفه بالإرهاب، فآل سعود يريدون “العنب” ولا يريدون “مقاتلة الناطور”، فغطى الوفد على خيبته وغادر الصالة ليوجهوا دعوة رسمية لوزير الخارجية العراقي لزيارة مملكة الخير، ربما ليخفض من صوته قليلاً، وأصحاب السعادة والسمو كرماء طال عمرهم….

أما في سوريا فلا تراجع عن مطلب آل سعود ـ آل صهيون بتدمير الدولة السورية ورئيسها، الذي يشكل الخطر الأكبر على الكيان الصهيوني كما يؤكدون، لذلك ف”الجبير” عميد السياسة الخارجية لآل سعود طال عمره،  أقسم أغلظ الأيمان وأرفعها، وأطولها وأقصرها، بأن لا يتراجع عن مطلبه هذا أويهلك دونه، “مجبرٌ أخاك لا بطل”، لأنه إن لم يقل ما يُلقنه، سيجعل الأمير ولي ولي العهد يغضب، وربما جاء بوزير آخر من ترشيحات الأخوة الأمريكان، وإن تبدلت السياسة السعودية سيتم التضحية به كخروف العيد، وفي كلا الحالتين، الخازوق راكب، لكن العبد يظل عبداً، حتى ولو حررت رقبته. لذلك ففي سوريا وضعوا “المناضل” الكبير محمد علوش كبير المفاوضين السوريين!!!، فهو لم يفعل أكثر من قصف المدنيين والجامعيين وبعض المدارس، ووضع المدنيين في أقفاص حديدية فوق المعسكرات ومخازن الأسلحة كيلا يتم قصفها، وذبح الأسرى واختطف المدنيين…إلخ ، فهل يُسمى هذا إرهابا؟!!!.

أقول هذا في حالة سوريا، أما في حالةفلسطين، فيا للمفارقة، جاؤوا لنا ب”المناضل” عريقات، كبير المفاوضين الفلسطينيين الذي لا يؤمن إلا بالسلمية والمفاوضات طريقاً وحيداً، أتسمعون؟؟ وحيداً ولا طريق غيره لإسترداد الحقوق الفلسطينية، وكلاهما سعودي الهوى والتمويل. فالنظام السوري نظام قمعي فاشي مذهبي فارسي، وليس كنظام بني صهيون الديمقراطي الدستوري الحر. لذلك في سوريا الدمار وعند الصهاينة الحوار.

لذلك فهم في محاولاتهم تغطية أشعة الشمس، لا يقولون سوى ما هو في مصلحة سياساتهم فقط، فلا يأتون على ذكر كلام الدولة الجزائرية مثلاً الموجه لأمريكا والمتسائل: “من أين لداعش صواريخ ستنغر الأمريكية والموجودة على حدود تونس والجزائر مع ليبيا؟” والتي تحاول نقل التجربة الداعشية الى بلاد المغرب العربي!!!  أما الوثيقة التي كشفتها بالأمس وكالة “وكيليكس” ، الخارجة عن وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلنتون، وإعترافها بأن أمريكا خلقت داعش ودعمتها لإثارة حرب سنية ـ شيعية تمتد سنوات وسنوات في سوريا، لأن ذلك يخدم اسرائيل، فيجب عدم نشره لا في الصحف ولا في قنوات التلفاز الصديقة ولا التابعة لآل سعود، كيلا تتفتح عقول “الأغبياء”، لأن الأقلام المشتراة لا خوف منها وعليها من تغيير اتجاهها، لأن الدولار له قيمة أعلى وأرفع من الشرف والعزة والكرامة لديهم هناك، لكن ما يهم آل سعود التعتيم ليظل القطيع قطيعاً. لذلك فهم لا يأتون على ذكر قصف الدواعش في سوريا والعراق بالقنابل الكيماوية والتي أدخلت العشرات للمستشفيات في سوريا والمئات في العراق، حيث فاقوا الألف جريحاً، لاحظوا لا حديث عن الأمر الذي بسبب كذبة حوله تم تجويع العراق وقتل ما يفوق المليون طفل عراقي، ومن ثم تدمير بشره وحضارته،  وتهجير حوالي خمسة ملايين من شعبه في أصفاع الأرض!!! وتم تفكيك جيشه واستقدام القاعدة وداعش للعراق لتدميره بدعم أمريكي ـ صهيوني ـ رجعي عربي، كما وملاحقة وقتل 30 ألف عالم وأستاذ جامعة عراقي، وسرقة الآثار وتهريبها وتدمير الحضارة والتاريخ ونهب النفط وذهب العراق وتعويم العملة، وما زال التدمير مستمراً حتى هذه اللحظة، وما زالت محاولات تعطيل القوى المحاربة لداعش كالجيش الشعبي مستمرة أمريكياً ورجعياً عربياً. وبسبب نفس الكيماوي كانت سوريا قاب قوسين أو أدنى من التدمير الأمريكي رغم أنها لم تستخدمه!!!.

أما “وبلا صغرة” فالدول صغيرة الحجم كبيرة الفعل في الجامعة العربية، والتي تعرض للبيع أي شيء وكل شيء بأبخس الأثمان فهي دولة فلسطين، نعم فلسطين “الثورة والسلطة والثوار” الميامين، فمن بيع دورها في رئاسة الجامعة لحارة الشيخة موزة وولدها حمد الصغير، كي يديرون معركة تدمير سوريا واستجلاب التدخل الأطلسي، الى بيع الموقف من داعش في مخيم اليرموك لآل سعود، الى الموقف من اليمن والان الموقف من حزب الله، بعد أن سلموا المناضل الحجازي الكبير في تابوت في بيروت لآل سعود قبل هذا وذاك؟!!! نعم هؤلاء قتلة ناجي العلي بالأشتراك مع الصهاينة وقتلة عمر النايف بالإشتراك مع نفس الصهاينة، ومُسَلِّمي المناضل أحمد سعدات للصهاينة كما سلموا المناضلين الفلسطينيين في كنيسة المهد وأبعدوهم بصفقة بائسة مثلهم، كما تسليم المناضلين من سجن بيتونيا والمحتجزين لدى الأمن الوقائي للإحتلال، والحبل على الجرار، هؤلاء مؤيدوا آل سعود في الموقف من حزب الله، ضمن سياسة معاداة أى فصيل أو قوة تحرر معادية للكيان الصهيوني، كونهم أصبحوا يشكلون قوة حداد ـ لحد الفلسطينية الحامية لهذا الكيان. هؤلاء أنفسهم الذين عادوا للمفاوضات السريةمع هذا الكيان، وامتنعوا عن أي ضغط عليه، سواء بوقف التنسيق الأمني أو حتى تقديمه لمحكمة الجنايات الدولية، أو مقاطعة بضاعته في أرض السلطة.

يُصرّح رئيس السلطة بأنه لن يسمح بتطوير الإنتفاضة أو تسليحها!!! ويصرح عزام الأحمد بأن إضراب المعلمين تهديد للأمن القومي الفلسطيني، وليس التنسيق الأمني والقمع والفساد والسرقات والمحاصصات المنهوبة من المال العام، ولا مشاريع السلطة التي توزع على الشركات والمكاتب الهندسية بالوساطة والفساد والمعارف.

هذه مجرد نماذج من الدول العربية التي تخر سجوداً للمال السعودي، ف”فرعون” السعودي “تفرعن” لأنه لم يجد من يوقفه عند حده، ومن يرد أن يرى الدم الجاري الذي يحاول آل سعود وجامعتهم العربية تغطيته، يمكنه رؤيته دون عناء، فالخراب والدمار والتدمير والدماء لا يمكن تغطيتها لا “بريالات” آل سعود ولا “بنفط” الحجازيين المنهوب من عائلة القتل والتقتيل، ومن لا يريد أن يرى ينطبق عليه قول الشاعر:

عليَّ نحت القوافي من معــــــــــــــــــــــــادنها                       وما عليّ إذا لم يفهم البقر

محمد النجار

ضرب الخناجر ولا حكم النذل فيّا

من كان يعتقد أن السلطة ومؤسساتها يمكن أن تشكل حماية لشعب فلسطين كشعب أو كأشخاص، فقد خابت آماله وربما يكون قد فقد عقله، فهؤلاء وصلوا من الخساسة والمهانة والنذالة وفقدان الكرامة وعزة النفس والعهر السياسي والتبعية للإحتلال وأمريكا والصهاينة العرب الى درجة اللاعودة، ورغم أنني أو بالأصح لأنني فاقد الأمل منهم وبهم منذ سنوات، ورغم أنني مدرك أن “الضرب في الميت حرام”، إلا أنني لم أستطع السكوت امام الجريمة النكراء بإعدام الشهيد عمر النايف الذي قتلوه بتواطؤهم أو بسكينهم مع الصهاينة والسلطة البلغارية المتصهينة، ولهم في ذلك “فخر” السبق، حيث نفذوا بأيديهم وبموافقة الموساد قتل المناضل الكبير ناجي العلي، وسلموا بأيديهم المناضل الكبير ناصر السعيد لآل سعود ليقتلوه رمياً من طائرة مروحية حياً في صحراء الربع الخالي، تماماً كما يسلمون الآن الكثيرين من المناضلين للإحتلال الصهيوني دون أن يرفّ لهم جفن. لذلك سأتطرق للموضوع ـ ربما ـ بطريقة مختلفة عما أثُير حتى الآن:

  • وعليه، من يظن أو يعنقد أن حالة السفارة الفلسطينية في بلغاريا، هي حالة شاذة وسط هذا البحر الهائج من السفارات، فهو قطعاً مخطئ بإمتياز، لأنه من الصحيح القول والتأكيد أن وضع وتشكيلة وتركيبة السفارة الفلسطينية في بلغاريا، وآلية عملها وطبيعته تمثل الشكل العام لسفارات فلسطين، فعادة ما يكون السفير والقنصل والناطق السياسي والثقافي وأمن السفارة والعاملين بمجملهم، ليس لهم أي علاقة بالثورة ولا بالثوار، وإن كانوا مناضلين سابقاً فهم على الأغلب لم يعودوا كذلك، وسرعان ما يتم تدجينهم عبر تسعير الفئوية وتغليب المصالح الذاتية الخاصة على حساب أي شيء آخر، بما في ذلك على حساب الإنسان نفسه، وعلى حساب القضية الوطنية برمتها.

وعادة ما يكون العاملين في السفارة “من الكبير للمقمط في السرير”، إما تجارا يعملون مع أمن البلدان التي تحويهم، أو عملاء مباشرين لمخابرات هذا البلد، أو فاسدين ومفسدين ويعملون مع الصهاينة أنفسهم تحت شعار تمثيل سياسة المنظمة وعدم الخروج عليها، أو تجار على شعبهم نفسه، حيث تكلف أي ورقة يحتاجها الفلسطيني من سفارته مبلغاً لا يُستهان به. وإن صدف وكان السفير مناضلاً كما في بعض الحالات، فتبدأ كتابة التقارير به وتشويه صورته من العاملين معه و”المتبسمين” الدائمين له، للخارجية الفلسطينية حتى يتم تغييره و”يخلو الميدان لحميدان” ويعود الجميع لممارسة “أشغالهم وأعمالهم وتجارتهم”، التي لا يربطها رابط بالقضية الوطنية.

وعليه فالسفير “المذبوح” الذي لاحق الشهيد مع رجالات أمنه في بلغاريا، ورفضوا حمايته وطالبوه بمغادرة السفارة، ورفضوا  وضع حماية له أو حتى تركيب كاميرات في السفارة وحواليها، عليه وعلى زمرته كلها دفع الثمن نتيجة ما فعلت يداه وأيديهم، “حتى لو كان بحسن نية وهذا ما لا أعتقده”، ويجب أن يذوقوا من نفس الكأس الذي أذاقوه للشهيد، وبغض النظر عن أي إعتبار آخر، وخاصة لأصحاب شعار “من أجل الوحدة الوطنية”، فالوحدة تكون وتتعمق عندما يريدها ويعمل لأجلها كل الأطراف ويستفيد منها الشعب كله، وليس طرفاً واحداً كما كان حتى الآن، كما أن الوحدة لا تكون بأي ثمن، كي لا يتحول الشعار للتغطية على العجز الذي ينخر صدور البعض ويتحول لتغطية الجبن والهوان، هذا إذا لم يعتبر هؤلاء من عقود مما سُمي زوراً وبهتاناً بالوحدة الوطنية، التي هيمن فيها فصيل واحد على الثورة ومقدراتها وسلاحها وعلاقاتها وماليتها وقرارها الذي سُمي “مستقلاً”، هذا الإستقلال الوهمي الكاذب وبهذا النوع من القيادات هي التي أوصلتنا إلى “أوسلو”، كون المتغيرات الطبقية التي جرت عليها لا تؤهلها للوصول أبعد من ذلك أصلاً، فما بالكم بقيادة على يمين تلك القيادة وكل طموحها واسترتيجيتها مبنية على رضى المحتل عنها، واستكمال طريق الإستسلام عبر المفاوضات العبثية،  مُضيعة عشرات أخرى من السنين ودون نتيجة طيعاً.

  • وعليه فإن “مشروع المصالحة” إن لم يكن على أساس برنامج عمل مقاوم ، “ينفض” منظمة التحرير ويغربلها ويرمي من يستحقون الرمي على مزابل الشعب، وغربلة مؤسسات المنظمة مؤسسة مؤسسة وفرداً فرداً دون استثناءات، ودون تنازلات أو مجاملات، وإلا فإن كل ما يسقط من شهداء لهذا الشعب العظيم وكل جرحاه وأسراه لن يكونوا إلا لخدمة هذه القيادات وأمثالها ومشروعها الإستسلامي في الداخل أم في الخارج.

  • الأمر الذي يفرض على اليسار القلسطيني، وعلى الفصيل الذي ينتمي اليه الشهيد على وجه الدقة، تعاطياً مختلفاً على كافة الأصعدة، ولأسباب عدة أهمها أنه تاج اليسار الفلسطيني والذي له باع طويل في العمل الوطني المبدئي والتنظيمي والسياسي والعسكري منذ عشرات السنين، وعليه هو مسؤولية تشكيل “جبهة إنقاذ وطني” قبل أن تأخذ السلطة ومن لف لفها القضية والشعب الى الهاوية، التي نحن على أبوابها أو حافتها، الأمر الذي سيلقى معارضة من داخل صف اليسار نفسه من “حملة الحقائب” للسلطة، والمستفيدين منها كقادة في المنظمة أو موظفين أو كعلاقات، هؤلاء الذين يحيون حياة البذخ وأبناؤهم لا يدرسون إلا في المدارس غير الناطقة للعربية ومن ثم في جامعات العم سام وحارتها أو دول أوروبا الغربية وعلى حساب الثورة طبعاً، أما كيف حصلوا على هذه الأموال أو المنح وماذا دفعوا ويدفعون بالمقابل، فلا جواب، هؤلاء الذين يحاولون تغيير الحزب الى منظمة شئون اجتماعية أو الى مؤسسة أو منظمة غير حكومية ممولة من موظفيهم، هؤلاء لو دخل بيتهم انسان عادي سيكفر بالثورة عندما يرى ما لديهم وما يأكلون وما يلبسون، احسبوا فقط ثمن ملابسهم في يوم واحد أو ما يشترون من بضاعة اسرائيلية وأمريكية”وهم يدَّعون المقاطعة”، ستجدونها أضعاف معاشهم الشهري… فلا تنتظروا الّا معارضة شرسة من هؤلاء “اليساريون البرره”، باسم الثورة والشعب والحفاظ على الوحدة الوطنية.

  •  طبعاً لا يفوتنا التنبيه لما يحصل في مؤسسات م ت ف وسفاراتها، أنه ليس إلا شكل من أشكال الفساد الذي ينهش جسد المنظمة ككل، والذي بدونه سيخسر المنتفعين مكانتهم الإقتصادية والمعنوية وقدرتهم على الأمر والنهي داخل المنظمة، وعلى رأسهم الرئيس عباس، فليس صدفة أن يعترض هؤلاء الطفيليين على دعم ايران لعائلات الشهداء ما لم تمر من خلالهم، وإن مرت من خلالهم لن تصل لأسر الشهداء وستتوقف في جيوبهم، فهم اعتادوا على العيش على دم الشهداء ولن “يَزْوَروا” ببضعة آلاف من الدولارات إضافية عن كل شهيد إضافي. والشعار نغسه دائماً وأبداً” القرار الفلسطيني المستقل”، لكن أي قرار وأي مستقل؟ فالسؤال ممنوع.

  • الرئيس عباس يقول لأحد من حاول التوسط للنائب نجاة أبو بكر ابنة حركة فتح، التي كانت خطيئتها الكشف عن فساد مالي والمطالبة بالمحاسبة، يقول له الرئيس:”لو ينزل ربك نجاة ستسجن”، فعباس أولا وأخيرا لن يدقق أو يحقق أو يحاسب أي فاسد، فهو نفسه كرأس للفساد لن يجيب أحداً كيف شكل ثروته وثروة أبنائه وأحفاده وعائلته، وقبله الرئيس المرحوم عرفات، رغم الفارق الشاسع بينهما، أجاب عندما قالوا له أن من حواليه مجموعة لصوص وعليه تغييرهم قائلاً:”هؤلاء سرقوا وشبعوا، ولن أغيرهم لآتي بآخرين يسرقون من البدء من جديد”، العقلية ربما لا تكون بهذا التشايه، لكن النتيجة واحدة، هدر اموال الثورة وشهدائها وجرحاها وأسراها دون حسيب أو رقيب، ألم تصل أموال المنظمة كلها الى أيدي طليقة عرفات؟ أكثر من خمسة مليارات دولار وكأنها ملك شخصي له؟!!! وكذلك انظروا لعائلته أيضاً، ومن لا يعرف فتحي عرفات وموسى عرفات فلا يعرف شيئاً، وعليه قراءة التاريخ الفلسطيني “الحديث جدا”.

  • أما ما يخص نظرة الرئيس عباس الى القضية والشعب فحدث ولا حرج، فهو أبو المقدسات كلها، من التنسيق الأمني الى عدم تقديم أوراق لمحاكمة جرائم الصهاينة، مروراً بالقمع والسجن للمناضلين، ومحاولاته لإسقاط حق العودة ، ومحاولاته كذلك لسحب سلاح غزة وتدجينها، وهو كما يقول لن يسمح لأحد أن يجره لمعركة لا يريدها!!! وكأنه يخوض المعارك التي يريدها هو وما أكثرها، فالرجل يسير من معركة الى أخرى!!!، “الله يعطيه العافيه” ويعمق صموده، فهو لا يريد أن يشغله أحد عن معاركه تلك، وأن يترك له “المزاودون أمر تحديد مواعيدها” بنفسه!!!.

  • ظني أن الجميع عليه أن يدرك أن الدخول في نفق “أوسلو” مهما كان الذي يدخل أو من كان، فهو يدخل نفقاً مظلما، جل ما يفعله هو تنفيذ أوامر الصهاينة والأمريكان. وكي نكون صادقين، ألم يودع الرئيس عرفات المناضل أحمد سعدات بعد أن دعاه لإجتماع فصائلي، في سجن رام الله نزولاً عند أوامر الصهاينة؟ ولم يخرجه رغم كل قرارات المحكمة الفلسطينية العليا التي أمرت بذلك مبطلة قرار الإعتقال؟!!! ورغم ذلك لم يستطع الرئيس عرفات مخالفة أوامرهم وإطلاق سراحه، ليسار الى تسليمه للصهاينة بعد ذلك بمؤامرة خسيسة منحطة من قبل أجهزة السلطة التي نسقت الأمر مع الصهاينة والأنجليز المشرفون على السجن في مدينة أريحا عام 2008، على يد أبطال التنسيق الأمني بقيادة الرئيس عباس، والأمر نفسه يتكرر الآن بذات الطريقة في السفارة البلغارية، فما جرى ليس سوى إمتداد التنسيق الأمني الى ساحاتٍ خارجية بعد أن كان محصوراً في الداخل، فعلام الغرابة في الأمر كله.؟.. ببساطة إنه أوسلو، الذي حول فصائل وقوى وشخصيات إلى قوات لحد الفلسطيني.

  • وها هي السلطة الفلسطينية، تؤيد نظام آل سعود المعادي ليس فقط لقضية فلسطين، بل لكل ما هو انساني، بإعتباره “حزب الله” منظمة ارهابية!!!، باعوا الحزب، باعوا حامل لواء القضية الفلسطينية بحفنة دولارات كما باعوا سوريا لقطر مسلمينها قيادة فلسطين للجامعة العربية، وكما باعو ا الموقف من داعش والنصرة في مخيم اليرموك نزولا عند رغبة آل سعود، فهم مستعدون لبيع اي شيء وكل شيء بأي شيء، وحتى حماس التي دربها وسلحها ودعمها حزب الله بالمال والسلاح، لم تتجرأ على قول “كلمة حق عند سلطان جائر”، ولم تعترض على ما يقوله آل سعود، تغطي موقفها بنذالة وصمت مهينَين من أجل المال، تماماً كما فعلت مع سوريا بعد كل الدعم السوري لها واحتضانه لقادتها، ورفضه المطالب الأمريكية لطردهم، فتُدخل السلاح من خلال حثالات الأرض المتأسلمة لمخيم اليرموك وللعاصمة دمشق، مُنشئةً منظمة “أكناف بيت المقدس” بقيادة مساعدي خالد مشعل الأمنيين، متحالفة مع تنظيم القاعدة في بلاد الشام”جبهة النصرة”، وتشرد ربع مليون فلسطيني ضاربة بذلك حق العودة بعرض الحائط، ذلك الحق الذي تتشدق به صبحاً ومساءً وفي كل الأوقات، ومحاولة تمزيق سوريا.

  • وسرعان ما تعمل على عقد صفقة مع “اسرائيل” من خلال طوني بلير بوساطة “العثماني الجديد” السلطان أردوغان التركي، وبدعم من الحارة القطرية…

  • أيها السادة… أيها القادة… أيها اليسار الذي تبقى… إنه أوسلو … إنه مشروع الموت الفلسطيني… إنه مشروع “قبر” القضية الوطنية، ومشروع الكسب المالي للطبقة السياسية الطفيلية الفاسدة المفسدة الحاكمة، بما فيه من فُتات لأشباه اليسار وأشباه المناضلين وأشباه القادة…فكل من لف حواليه أغرقه، ولا سبيل لإنقاذ من ذهب للمستنقع بقدميه، لكن الحذر الحذر من أن يسحبوا معهم ما تبقى من “يسار” ومن مناضلين الى ذلك المستنقع، وكي لا نصل المستنقع، وكي نحمي القضية الوطنية، وكي نقطع الطريق على كل محاولات الشطب للقضية، على اليسار وجبهته الشعبية على وجه الخصوص، البدء في العمل على تشكيل “جبهة إنقاذ وطنية” بعيدة عن “أوسلو” وقياداته الفاسدة، وقطع الطريق على هذه القيادة كي لا تُحوّل قوى هذا الشعب الى سعد حداد ـ لحد فلسطيني، وينبوأ اليسار فيها موقعه القيادي الفاعل، ضمن إطار قيادة جماعية حقيقية، بعيدة عن هذه القيادة التي حددت خياراتها، وصارت استراتيجيتها واضحة، ولم تعد تصلح لقيادة “قطيع من الغنم” فما بالكم بقيادة شعب كشعب فلسطين العظيم؟!!! فمأثورنا الشعبي وأهازيجنا الوطنيه لطالما رددت :

” يما مويل الهوى يما مويلية                                         ضرب الخناجر ولا حكم النذل فيا”…

فهل من مستمع أو مجيب؟!!!

محمد النجار

إلحَقْ البوم يدلك عَ الخراب

كنت أدعو الله “بكرة وأصيلا”، وبعد كل صلاة، عندما كنت لا أقطع فرضاً، وما زلت أدعوه رغم أنني أصبحت أسهو أو أغفل عن بعض صلواتي، رغم معرفتي وحفظي للآية الكريمة التي تقول” ويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون”، وبقيت أدعوه حتى بعد أن إنقطعت عن أداة الصلاة نهائياً أو كِدت بسبب هموم الحياة ومتطلباتها، كنت أدع الله لنصر أمتنا العربية وقضيته المركزية “قضيةفلسطين”، وطالما دعوت الله لنصر قادة الأمة، وخصّيت بالذكر قادة الدول الفاعلة منها، من مصر مروراً بمملكة آل سعود وصولاً الى السودان الشقيق، وأمام تطور الأحداث كنت أحياناً أتوجه لله معاتباً على عدم سماع صوتي وعدم نصرهم، مستغفراً له على تجرؤي هذا، وكثيراً ما وجدت المرحومة أمي تنصحني وسط دعواتي، بأن أكف عن الغباء وأن أستخدم عقلي، وكثيراً ما قالت لي غاضبة معاتبة:

ـ يا بُني خلق الله العقل للإنسان ليستعمله لا ليُحنطه، ومن لا يستخدم عقله يقع في المحرمات، كونه لا يستخدم هبة الله له، تصور مثلاً أن لا يستخدم الطير جناحيه، أو الحيوان عينيه، أو حتى أن لا يستخدم الإنسان يديه أو رجليه؟ أليس هذا من نكران أهمية ما أعطانا الله؟ فما بالك بأن لا يستخدم ما هوأ هم من ذلك، العقل؟      ولم أستمع لنصيحتها تلك، رغم تقاسيم وجهها الذي صار عابساً أو غاضباً وعاتباً في الوقت ذاته.   صحيح أن وجهها لا تلحظ عليه البسمة إلّا عندما تبدأ تتحدث عن قريتها المنسية المتروكة هناك في الشمال الفلسطيني، عن البيت بتفاصيله وعن أصدقائها الصغار وألعابهم الطفولية، وما تبدأ تتمادى في الذكريات وتتعمق، وتتذكر بالتالي ماذا حل بهم من تقتيل وتهجير، يعود وجهها إلى ما كان عليه من حزن وعبوس، وغالباً ما تتوجهه بدمعتين ضالتين في ثنايا أخاديد وجهها المحفورة.

وعليه ومثل معظم الناس، “وليس كوني لم آخذ من التعليم سوى القليل، فأصبحت مساعد كهربائي أحفر الحوائط أمام “مُعلمي”بخدودٍ ممتدة صحيحة مثل “مسطرة”، ليضع بها أسلاكه قبل أن أكمل تغطيتها من جديد”، لم أستمع لنصيحة أمي، إلى أن جاء يوم كانت فيه أمي نزيلة المشفى، كان صدرها يضيق بالهواء غير قادر على أن يملأ رئتيها، وكانت عندما تحاول سحب كمية منه تشعر وكأن جسدهها يتمزق ويكاد يتهاوى أمام ثقل الهواء، الذي يبدو وكأنه يقف مُتربصاً بها،  وكنت أعاودها بعد أن أنهي عملي، حتى جاء يوم وكنت بجانب سريرها، وكانت تقص علي حكاياتها المعهودة، وقالت لي مجدداً:

ـ صدّقني يا بني ليس لي ذنب أبداً،  فالله وحده من يُوزع العقول على خلقه، لكنه يغضب إن لم يستعملونه، وعليك أن تدرك هذا الأمر الآن على الأقل بعد كل هذا التأخير، وأن تبدأ بإستعماله مُتأخراً الآن خير من أن تظل….  ولم تكمل عبارتها بكلمة “حماراً” هذه المرة. وابتسمتْ، نعم، حملت نفس الإبتسامة التي كانت تحملها عادة عندما تتحدث عن قريتها المسروقة وبيتها والعابها الصغيرة هناك، وطالت ابتسامتها الآن أكثر من أي مرة ثانية، دون أن يُعاود وجهها العبوس كالعادة، ودون أن تذرف دمعتيها الضالتين دون إرادة، بل ظلت معلقة إبتسامتها على أبواب فمها على غير عادتها، وكنت أوعدها قائلاً بأنني سوف أفعل، وأنني سوف أبدأ بإستخدام عقلي، لكنها لم ترد، فهززت يدها التي وقعت على حافة السرير لتنبهني أن أمك لم تعد تسمعك ولن تفعل بعد الآن أبداً.

عرفت وقتها أو تنبهت لأهمية إستخدام عقلي، وقررت أن أستخدمه إحتراماً لذكراها ولوعدي لها قبل مغادرتها الدنيا بلحظات.

لم أقل هذا الأمر للمتجمعين في عزاء جارنا “علي الدلاّل” بوفاة أبيه، حيث كنا في اليوم الثالث للعزاء، حيث انتهت أيام العزاء أو كادت، ولم يظل سوى المقربين من عائلة المتوفى، حيث كان الطقس شتوياً بارداً، وكنا في صالون بيته تتوسطنا “صوبة” من الغاز، ناثرة دفأها في ثنايا الغرفة، حين قال الشيخ صالح مؤيداً ما أسماهم بالإسلاميين الذين “يجاهدون” في سوريا، ومعلقاً على تدخل “حزب الله” الذي أوقف “الربيع العربي” وتمدده من خلال تدخله بالحرب مع الجيش هناك، ووجدتني أبدأ الحوار وابتسامة أمي “رحمها الله” أمامي، لأأكد لها أنني على عهدي بأن أستخدم عقلي:

ـ هذا الربيع يا شيخ صالح حولته أمريكا واسرائيل الى شتاء قارص قاحل، وحزب الله لم يفعل سوى الدفاع عن نفسه، لأن دوره كان قادماً بعد تفكيك سوريا.

وختمت بعبارة أمي قائلاً:

ـ علينا أن نستخدم عقولنا وإلاّ حاسبَنا الله يا سيدي الشيخ…

استفزالشيخ كلامي، واستفزه أكثر أنني أخذت مكانه في التحليل والتحريم، فانتفض قائلاً:

ـ إياك والفتوى، الزم حدودك ولا تعتدي على أمور المختصين وشؤونهم، إن هذا فقط من شأن أهل الخبرة والمعرفة والإختصاص، العالمين بشؤون الدين، وهذا شأننا نحن العلماء، أما أنت!!!

قال الشيخ صالح جملته الأخيرة مستفزاً كوني إعتديت على صلاحياته، وأنا الذي لم أقصد ذلك ارتبكت وكست وجهي الحمرة والخجل، لولا أن التقط جارنا أمجد الحديث فقال:

ـ أنتم العلماء؟!!! وما الذي اخترعتموه لتصبحوا علماءاً؟ أم تعتقد أن كل من عرف “أن يفك الخط “ويحفظ بضع آيات من القرآن أصبح عالماً؟

كان ارتباك الشيخ أكثر من ارتباكي، فتلعثم قليلاً قبل أن يُنقذه أمجد ويكمل من جديد:

ـ لنبقى في ما هو الأهم ياشيخ، فالله كما يعلم الجميع لم يوكل أحدا على الأرض، تركنا لشؤوننا وشؤون دنيانا، وهو على كل حال “الغفور الرحيم إن نسينا أو أخطأنا”، أما الربيع العربي الذي تبشرنا به بعد أن أذاقونا ديمقراطيته في العراق بمحاولات تحويله لبلد طائفي، وقتلهم بالجوع مايزيد على مليون عراقي، وبالنار والدم على نصف مليون آخر، سرقوا الربيع ليملؤوه دماً وتفجيراً ودماراً، فأي ربيع هذا الذي يقتل ما يزيد على نصف مليون مواطن ويجرح ما يزيد على 2 مليون آخرين ويشرد عشرة ملايين ويدمر البنية التحتية للبلدان؟!!!

فقلت مُتشجعاً أمام أقوال أمجد التي أعرفها لكني لا أُحسن صياغتها وقولها:

ـ كيف يكون ربيعاً وبوصلته ليست نحو فلسطين؟ فالعدو أصبحت إيران و”إسرائيل” أصبحت دولة صديقة؟ علينا استنخدام عقولنا…

وأكمل أمجد دون أن يُعقب على أقوالي:

ـ ابتدأ الربيع بتونس، فأحضر لنا الإخوان المسلمين، تحالفوا مع أمريكا ووضعوا أيديهم بأيدي نفس الطبقة السياسية التي حكمت وسرقت وقمعت، وبدأوا يغازلون الكيان وينشئون قنوات للتطبيع معه، وها نحن بعدخمس سنوات من الثورة، حيث زاد الفقراء فقراً، وحكومات بلا برامج اقتصادية أو إجتماعية أو حتى كرامة وطنية، بل ابتكروا لنا الإغتيالات السياسية …أما في مصر فالحال ذاته، حكومة العسكر ثم حكومة الإخوان المتحالفة أمريكياً، وتأكيد الإلتزام بإتفاقيات الذل في كامب ديفيد والإرتهان لصندوق النقدالدولي… وبعد خروج ما يقارب من الأربعين مليون في الشارع ضد الإخوان وسياستهم وثقافتهم الطائفية المشبوهة الموبوءة، عاد العسكر للحكم عبر الكذب والدعم الخليجي وسياسة الفهلوة، فرفع الدعم عن المواد الأساسية، وارتهنوا أكثر لدول الخليج وأموالهم وللبنك الدولي، وازداد الفقر وتعمق تهميش الطبقات الشعبية، وعاد تحالف الجيش مع البرجوازية التي حكمت البلاد وأوصلتها إلى الهاوية وأخرج رموزها من السجون وأودع المناضلين والقيادات والكادرات الثوريه التي قادت الثورة مكانهم… وفوق ذلك كله تحاصر القطاع بشعبه ومقاومته لخدمة المشروع الصهيوني بكل بشاعة ووقاحة…

لم يعجبني كثيراً الرجوع للماضي، رغم كونه صحيحاً وأقرب إلى فهمي وتفكيري، وقال أمجد مكملاً:

ـ هل تساءلت يا شيخ ولو مرة واحداً لماذا ليبيا ولماذا سوريا؟ فهناك عشرات الدول العربية والملكيات الأسوأ حالاً على المستويات كافة، فهل يُعقل أن تُحرر قطر ليبيا؟ وآل سعود سوريا؟ فعلاً “لاحق البوم يدلك ع الخراب “، فقد تدخلت قطر في السودان فأصبح السودان الواحد سودانين ، وفي ليبيا فأغرقتها بتنظيم القاعدة ودمروها وأحرقوها وربما إن استطاعوا فسيقسمونها لثلاثة، وربكم يعلم كم ستصبح سوريا بعدكل هذا القتل والتهجير والدمار .

فقلت مؤكداً رأيي ناصحاً:

ـ عليك أن تستخدم عقلك”بلا مؤاخذة” ياشيخنا ولن تضل أبداً …

يبدوا أن كلمة “ولا مؤاخذة” خففت غضب الشيخ الذي ظل يدافع عن “أولي الأمر” وتحريم الخروج عليهم مهما كان السبب، وكأن الأمر لا علاقة له سوى بالدين. فقال فؤاد الشاب الجامعي الذي على أبواب التخرج:

ـ أمعقول ياسيدي الشيخ أن آل سعود يريدون لنا ديقراطية في سوريا؟ طيب ليعملوا دستوراً لبلادهم أولاً . سكت قليلاً وتابع قائلاً:

ـ وهل من يدمر اليمن وشعبه ويحتل البحرين ويقمع ثورتها يريد تطبيقاً للديمقراطية؟ إن من يدمر الإنسان والحضارة والتاريخ لصالح أعداء الأمة هذا وإن امتلك شعارات براقة ما هو إلّا عدو لأمته. فما بالك عندما يكون هو نفسه فاقداً ليس فقط للديمقراطية التي يحاول تسويقها فقط، بل للشرعية أيضاً…

وعلقت أنا على الأمرقائلاُ :

ـ صحيح، يجب أن نستخدم عقولنا، البوصلة يجب أن تظل نحو فلسطين…

وسرعان ما تدخل أبو أسامة أستاذ اللغة العربية ليقول:

ـ تخيلوا لو صرفوا هذه الأموال التي دمروا بها إنساننا وحضارتنا على التصنيع والتعليم والتطبيب في الوطن العربي، ربما ما بقي جاهلاً أو أمياً أو عاطلاً عن العمل، ولأصبح وطننا “جنة الله على الأرض”…

فقلت مجدداً:

ـ نعم البوصلة يجب أن تظل نحو فلسطين، وعلينا أن نستخدم عقولنا

فرد المختار أبو فراس، والذي أخذ لقبه كونه يسارع في حل الإشكالات التي تسوقها الأيام بين الناس، بعد ترأسه للجنة الإصلاح في الحارة:

ـ بل قل لو سلّحوا الثورة الفلسطينية بما سلّحوا به هؤلاء لما بقيت إسرائيل على الخارطة منذ زمن.. والأغرب لهؤلاء الذين يسمونهم ثواراً، قصفهم للمدنيين، قتلهم للأسرى، وحصارهم لشعبهم كما في العديد من المدن والقرى السورية كما كان عليه الوضع في بلدتي “نبل والزهراء” قبل تحريرهما من الجيش السوري، فهل هناك ثوار يفعلون ذلك؟ وهل هناك ثوار يسرقون ويستولون على قوافل طعام الناس ويتاجرون به؟ أو يسرقون أدويتهم ويعودون بيعها بأضعاف ثمنها؟

فقال العجوز ابو أحمد بتهكمه المعهود وبإبتسامة خبيثة من بين شفتيه:

ـ يا عمي هؤلاء الثوار غير كل ما عرفناه أو سمعنا به في حيواتنا، فمعظمهم ثواراً وافدين، ليسوا مرتزقة لا سمح الله، فالقرغيز والشيشان والأفغان والإيغور والأتراك ثوار غيورون على تحرير سوريا، ويتم اختيارهم للمهمات الصعبة، لذلك يكلف الواحد منهم دولة آل سعود المائة ألف دولاراً أمريكياً، وليس مثل ثوارنا الفلسطينيين أو اللبنانيين.

فعاود أمجد الحديث من جديد وكأنه يريد إكمال موضوع لم ينتهِ، وسط ضحكات الناس وابتساماتهم:

ـ وبعد أن أخذت تتوالى إنتصارات الجيش السوري يريد آل سعود محاربة الإرهاب في سوريا، وكأنهم ليسوا من استحضروه وسلحوه ودعموه هناك؟!!! والحقيقة أنهم يريدون مواجهة الإنتصارات السورية وإيقافها …أتعلمون…

قال كلمته الأخيرة ليظل الناس مشدودين لما سيقوله، لكنني قاطعته قائلاً:

ـ نعم، علينا أن نستخدم عقولنا والبوصلة تظل نحو فلسطين…

وتابع هو بعد أن أخذ نفساً عميقاً من هواء الغرفة وكأنه لم يسمع ما قلته:

ـ لا تستغربوا أن تروا الأمريكان أنفسهم يقومون ببضع غارات جوية في الفترة الفادمة على جماعات الإرهاب ليقولوا أنهم لهم الباع الطويل في تحرير سوريا منه، تماماً كما يفعلون الآن في العراق وكما فعلوا في نهاية الحرب العالمية الثانية في أوروبا، حيث أرادوا مشاركة الروس الإنتصارات دون أن يدفعوا ثمناً!!!

وسكت قليلاً وتابع قائلاً:

ـ ورأيي أن أهم ما في الموضوع هو ما قاله الأخ عادل، وأشار بيده نحوي، أن البوصلة يجب أن تظل نحو فلسطين، وأي محاولة لتغيير إتجاهها أو حرفه هي محاولة مشبوهة، وأن نتساءل دائماً مَنْ المستفيد من كل هذا الخراب الذي عصف في الوطن العربي؟ أليست هي إسرائيل؟!!!

كدت أطير فرحاً عندما استشهد بكلماتي هذ الشاب الجامعي، وبطرف عيني كنت أرى الشيخ سالم وهو يمسد لحيته ويهدهدها كمن يُمسِّد على ظهر قطة، ولم أتحدث مجدداً حيث قالت لي أمي ذات يوم” إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب”، وبقيت مستمعا إلى أن غادرنا بيت العزاء بعدأ ن دخل المساء ظلام الليل متدثراً بعباءته، وازددت اصراراً على أن أستخدم عقلي دائماً في كل الأمور المهمة وغير المهمة أيضاً….

محمد النجار

أم محمد تستقبل القنطار على باب الجنة

رسالتي هذه سيدي المناضل الشهيد سمير القنطار، هي رسالة فخر متواضعة، من إنسان بسيط، لم يقم بما قمت به فيي حياتك، ولم ينل درجة الشهادة العليا التي نلتها بمداد دمك، وكلماته ليست كلمات رثاء ممن قرأته من فحول شعراء العرب في حياتك، لكنها مجرد مشاعر خالجتني طويلاً، منذ اللحظات الأولى لاستشهادك، كوني أعرفك مثل الكثيرين ولكنك لا تعرفني، سمعت عنك الكثير مثل الكثيرين قبل أن تنفض غبار سجنك منتصراً محَرراً، عرفتك من خلال عيون أم فلسطينية، كانت تعرف كيف تربي أطفالها على التعلق بقريتهم المحتلة منذ عام ثمانية وأربعين، هدموها كما فعلوا بآلاف القرى الأخرى، ونتيجة هذه التربية “المتطرفة” من وجهة نظر من إحتلوها، أخذت تزورهم لاحقاً في سجون من سجنوك أيضاً، وكوني أحد أبنائها، أصارحك القول أنني لم أدرك هذا المعنى العميق للتشبث بقرية منسية مهدمة، إلا بعدأن أجبت المحقق في مرة من المرات بأنني من تلك القرية، ورأيت الدهشة الممزوجة بالحقد  من خلال صراخه عندما أخذت أوصف له القرى المجاورة لها من باب الشرح الذي سرعان ما تحول الى تحدي، ما أدى لزيادة غضبه وسأل سؤالاً استنكارياً ” ألم تنسها بعد؟!!!  وأمام غضبه أسهبت بالوصف رغم أنني لم أزر المنطقة كلها سوى مرة واحدة حتى ذلك التاريخ.

نعم، عرفتك أكثر من خلال تلك الأم التي كانت تنقل الحجارة لمنتفضي المخيم في طيات ثوبها الفلسطيني الذي طرزته بيدها، والتي كانت تنقل بيانات القيادة الموحدة للإنتفاضة في جيب “عبها” الذي خيطته خصيصا من أجل ذلك، عرفتك من خلال تلك المرأة التي طالما أنقذت الفتيان الفلسطينيين من أيدي الجنود المدججين بالسلاح والذين لم يُبقوا على مكان من جسدها خالياً من الرصاص المطاطي في مرات عدة، والتي كافأها أهل فلسطين بجنازة مهيبة لا تليق إلا بالأبطال، وتخيل وأنت تأخذ العزاء يأتيك معظم قادة الفصائل في المخيم ليقولون لك “أنكم لا تعرفون إلّا القليل عما كانت تفعله أمكم للثورة”…

جاءتك هذه الأم زائرة مع أمك “المتبنية”، أم المناضل جبر وشاح، وعرفتك هناك من خلف القضبان، وانتظرت زيارتي بفارغ الصبر، وكأنها تحمل لي بشارة عظيمة ، وهي كذلك، قالت “لقد نجحت في زيارة سمير القنطار… وسأفعل ذلك ما دامو يسمحون لي بذلك…” وتابعت الأمر وكذلك فعلت مع سجناء عرب آخرين، حتى منعوها من ذلك، قالت أنها زارتك وبكت، بكت كثيرا رأفة بذويك الممنوعين من زيارتك. تلك الأم سيدي المناضل الشهيد توفيت على فراشها وليست في ساحة الوغى، رغم أنها كانت على بعد مسافة أقل من رصاصة، وخاصة من أحد الجنود الذي رمته في مجاري المخيم بعد أن خلصت أحد الفتيان الفلسطينيين من بين يديه، فأمطرها  وبقية زملائه بما يزيد عن ثلاثين رصاصة مطاطية دفعة واحدة.

تلك الأم ستجدها واقفة مع الشهداء منتظرة وصولك على باب الجنة، وستزفك هناك بالزغاريد، وأنت ستعرفها بالتأكيد، وستحاول أن تقص عليك حكايتها الفلسطينية، كيف هجروها وعائلتها، كيف قتلوا كلبها الصغير الذي عاد زاحفاً ليموت بين يديها ولتزرعه تحت شجرة صبار معانقاً لجذورها، وستخبرك عنا، عن أولادها وسجنهم، وعن ابنها آخر العنقود المصاب، والذي سخّروا جرحه لتعذيبه ليعترف، لكنه هزمهم، وربما ستخبرك عن ابنها البكر الذي انتزعوه من صدرها باكياً بحكم قانون العشيرة المتخلف الظالم….فحاول ان تستمع لها ولن تمل، وستعرف الحكاية الفلسطينية كما تعرفها الآن وربما بمزيد من التفاصيل.

سيدي المناضل الشهيد، لقد أيقنا باكراً أنهم كلهم وجها واحداً لنفس العملة، فالقاتل والمحرض والداعم بالسلاح والمال وقافل القنوات وقامع الرأي الآخر كلهم عاملون عند السيد الأمريكي، وكلهم بعد اغتيالك تجمعوا محتفلين  يشربون الخمر وبول البعير. وهؤلاء لا يعرفون ماذا تعني الشهادة التي تأتي لا خوفا ولا طمعا، بل شهامة ونُصرة وعزة وكرامة أولا وقبل أي شيء، ولا يدركون أن النصر لن يكون يوماً للقتلة ولا للمتآمرين وحثالات الأرض، الممولين من ملوك الغاز والرمل والنفط في مملكة آل سعود، وأن النصر لا يليق إلا بالمناضلين، لهم فقط وبهم.

سيدي المناضل الشهيد، لا أخفيك أنه لم يفاجئني موقف قادة الإخوان المسلمين، ومعظم كادراتهم، بما فيهم الجانب الفلسطيني، مستثنياً منهم جانبهم القسامي، لأنهم بكل بساطة هم صانعوا تلك الحثالات عند كل القوى الإرهابية، التي لم تقف يوماً الى جانب القوى الشعبية المناضلة، بل بجانب الثورة المضادة أينما وجدت، فكانوا مع الملك فاروق، وما أن ابتدأت المجازر لتهجير شعب فلسطين، حتى أعلنوا الجهاد في محاولة لتطويق مطالب  شعب مصر للقتال في فبسطين، رأوا الشعب ينتفض في مصر العظيمة ويطالب بالذهاب للقتال في فلسطين، ففتحوا مع حليفهم الملك فاروق باب التسجيل لهم ، فسجل للنضال في فلسطين مليون مواطن مصري، لم يرسلوا فرداً واحداً منهم إلى فلسطين، تخيل ولا فرداً واحداً!!! مجرد تنفيس باسم الدين للمد الثوري، ثم وقفوا ضد عبد الناصر المعادي للرجعية والإستعمار، وضد السلال واغتالوا القيادات التي حاربت الإستعمار الفرنسي في الجزائر تحت شعار الشيوعية والعلمانية كما فعلوا مع المناضل شكري بلعيد وغيره مؤخرا في تونس، وحاربوا بو مدين في الجزائر بعد انتصار الثورة، ووقفوا مع آل سعود وحلف بغداد الإستعماري، وضد كل القوى المناهضة للإمبريالية والرجعية، وهاهم بعد أكثر من ربع قرن على طرد الروس من أفغانستان، والتي كان فيها التصنيع والزراعة وتحرر المرأة في مستوى لم تشهده افغانستان في تاريخها الحديث، حولوها باسم الإسلام الى أكبر بلد متخلف  ومتردم وليس به بنية تحتية ولا صناعة ولا زراعة، وأصبح أكبر بلد منتج للأفيون في العالم، ونسبة الأمية تفوق ال80%، وأودعوه تحت البسطار الأمريكي بعد أن دفعت شعوبنا الدم هناك، وتزايدت نسبة المرضى والأمراض فيه وأصبح مثالاً للبلد الفاشل. وحكموا السودان فقسموه وصحروه ونشروا الفساد والإفساد وكمموا الأفواه، وزادت البطالة والتضخم وأصبح السودان منتجاً للمرتزقة عند آل سعود في اليمن، وبدلا من أن يوجهوا البنادق نحو محتل بيت المقدس يخاطب بعضهم رئيس دولة الكيان ب”صديقي العزيز” ويمتدحه كما لم يفعل المتنبي بسيف الدولة، وانظر ماذا فعلوا بسوريا وليبيا والعراق، كيف دمروا وما زالوا بناها التحتية وشردوا ملايينها وقتلوا وجرحوا ملايين أخرى، وسرقوا متاحفها وتراثها ونفطها، وماذا يحاولون أن يفعلوا بجيش مصر، وماذا فعلوا بالجزائر في تسعينات القرن الماضي قبل ذلك كله، وماذا يفعلون باليمن الآن؟ وكل ذلك لخدمة المشروع الأمريكي الصهيوني في المنطقة، وانظر كيف استجلبوا الإرهابيين من كل بقاع الأرض، ورغم التدمير الذي سيدخل عامه السادس بعد قليل، إلا أن رصاصة واحدة لم تُطلق على الكيان الغاصب ولو بالخطأ، بل إن الكيان من يهاجم معهم ويعالج جرحاهم. كما أنهم من يحاول تسليم شمال سوريا الى العثمانيين الجدد الذين ما زالوا يغتصبون لواء الإسكندرون. أولئك سيدي هم تجار الدين، والتي تُعتبر التجارة الأكثر ربحاً كما قال ابن رشد، في مجتمع عربي تفوق نسبة الأمية فيه أكثر قليلاً من 70%، رغم كل أموال آل سعود المركونة في بنوك الأمريكي، بل المطلوب تجهيل المجتمعات لتحويلها الى قطيع من البهائم، لتسهل قيادتها وتفكيك المجتمعات بها ومن خلالها، لذلك فهم يغلفون بضاعتهم الفاسدة بغلاف ديني ليسهل تسويقها. أتعتقد أن الذي يغير أسم مدرسة من اسم قامة شهيد بحجم وهالة وشموخ المناضل الشهيد غسان كنفاني الى إسم أبو حذيفة كثير عليه أن يشمت باستشهادك ويحاول محو تاريخك الوطني المشرف؟!  أم أن السلطة التي لا تجرؤ على المطالبة بجثامين شهداء شعبها وتقمعه وتعتقله وتنسق أمنياً مع المحتل في وهج انتفاضته ستجرؤ على استنكار اغتيالك؟ هؤلاء جميعهم مع أسيادهم ومموليهم وداعميهم ومنظريهم، مهما كبروا وغنيوا وطالت واستطالت قاماتهم ، فإنهم لن يصلوا يوماً الى سقف نعل حذائك الذي اتسخ من رمل الطريق التي قادتك الى نهاريا.

طوبى لك سيدي المناضل الشهيد، طوبى لك مناضلاً عروبياً، فارساً متنقلاً من لبنان إلى فلسطين إلى لبنان مجددا إلى سوريا لتستشهد هناك، طوبى لك وأنت تصعد نحو السماء، طوبى لك وأنت تُزف من رفاقك الشهداء الذين سبقوك إلى هناك، من المناضلين الذين قضوا برصاصات الأعداء الجبانة أو غيرها، ستجدهم واقفين مستقبلينك بكل الفخر والعزة والإكبار، وسط الأهازيج والمواويل الشعبية، وزغاريد الأمهات. أم تعتقد أن من كان له أمهات عديدات على الأرض لن يكون له أضعافهن في السماء؟!!!

محمد النجار

الجنازة حامية والميت كلب

جلس مقابلي تماماً، أو بالأصح القول أنني أنا من جلست في مقابلة، كعادتي دائماً عندما نلتقي في مناسبات متباعدة، كي يسهل عليّ إستفزازه بأسئلتي وتعليقاتي، ولعلي لا أعرف السبب لذلك تماماً، ورغم كوننا على طرفي نقيض سياساً، لكنه ليس السبب في موقفي هذا، ولا أدري بالضبط لماذا، رغم كوني أعتقد أن للأمر جذور قديمة تمتد إلى الإنتفاضة الفلسطينية الأولى، الأمر الذي لا أبوح به لأحد سوى نفسي، وبشكل خجول أيضاً، ربما كون الأمر طالما جعلني أبدو صغيراً أمامه، فأرفع الصوت كي أغطي على ما تم آنذاك، رغم أنه ومنذ ذلك اليوم الذي مر عليه ما يقرب من ثلاثة عقود، إلّا أنه لم يراجعني به يوماً، ولم أسمع منه همس أو ثرثر به لأي كان، ورغم ذلك فأنا ما زلت أحاول استفزازه في محاولة غبية ـ ربما ـ للتغطية على ما تم.

كان قد مر على الإنتفاضة الأولى أحد عشر شهراً عندما صدر بياننا الأول لتأسيس حركتنا الإسلامية السياسية، وكان  يجب حينها فرض برامجنا ورؤيتنا بأي ثمن، في غزة وفي مدن الضفة الفلسطينية، التي كانت لفصائل منظمة التحرير فيها اليد الطولى، ولليسار جذوره العريقة الممتدة عميقاً في صخور الأرض وأتربتها، وكانت التعليمات لنا واضحة بأن نفرض الحجاب على الفتيات والنساء في المدن والأرياف والمخيمات، ورغم عدم فهمي للعلاقة بين الإنتفاضة والحجابـ، إلّا أنني أخضع داخل الحركة لقانون “نفّذ ولا تناقش”، فكان يجب التنفيذ بالنسبة لي في مدينة رام الله حيث ننتمي إلى قضائها، فكان علينا البدء بالمساجد، بتحريض الأزواج والأخوة للحفاظ على “شرفهم”من خلال تحجيب زوجاتهم وأخواتهم وبناتهم، وبالندوات في النوادي وأينما كان ممكناً، وإن استعصى الأمر علينا، فيجب منعهن بالقوة وإجبارهن على ذلك. على قاعدة “من رأى منكم منكراً فليغيره….. بيده”، على أن لا يرانا أحد، والتنفيذ الذي يطبق حدود الله وشريعته على الأرض، يفرض حضورنا ووجودنا على الساحة الفلسطينية، وسلمونا بعض النقود لنشتري البيض والطماطم .

وفعلاً بدأنا بفرض “شريعة الله” على النساء حاسرات الرؤوس، واللواتي تمتلئ بهن المدينة. وكنت ضمن الأشخاص الذين يطبقون شريعة الله، حيث أخذنا نتوجه يومياً إلى مركز المدينة ، نختبئ بين البحر البشري الذي يغطي مركز المدينة، خاصة في ساعات ما قبل الإغلاق اليومي للمحلات التجارية، حيث يبدأ الإضراب التجاري في تمام الساعة الثانية عشرة ظهراً ويستمر حتى صباح اليوم التالي، وكنا نبدأ بقذف البيض والطماطم على رؤوس النساء الحاسرة، ونختفي كأن ليس لنا بالأمر علاقة، وكن الكثير من النساء والفتيات المنتشرات هن من نشيطات الفصائل الفلسطينية، خرجن لفعاليات أو نشاطات إنتفاضية مختلفة، ونحن كشباب كنا حينها لا نفرق بين نشيطة أو غير نشيطة، بالنسبة لنا كل حاسرة يجب “رجمها” بالبيض الفاسد والطماطم، وبقينا نكرر الأمر بشكل يومي ونمضي، ولم نكن نعرف الكثير عن مدينة رام الله سوى أنها مثلهن جميعاً، تستحق الرجم، فهذه المدينة المُستفزَّة، العاشقة، المتكبرة ، المختالة، التي تزداد جمالً وشباباً وورود، كلما ازدادت كبرا وتعمقاً في دهاليز الزمن وعمق التاريخ، تلك المدينة الساحرة الفاسقة الحاسرة المرتدة، كنا نشعر أن المدينة نفسها تتربص بنا وليس الناس فقط.

ومرت أيام وأيام، ولم نكن نعلم أن الآخرين بدأوا هم أيضا في البحث عمّن يقومون بهذا الأمر، وعيون شبابهم تبحث في كل اتجاه، وبعضهم كان يتخفى في زي الباعة في المحلات والعربات، وما هي إلّا لحظات وكان العديد منا تحت قبضاتهم، وانهالوا علينا بالضرب المبرح، وأخذوا بعضنا ليحققوا معهم، من الذي دفعهم ليفعلوا ذلك، ودور الإحتلال في هذا الأمر، وكان لعناصر اليسار الفلسطيني، الدور الأكبر في هذا الأمر كله.

ولا أدري لحسن حظي أم لسوئه، وقعت أنا بين يديه، فأمسكني من أذني رغم أنه من جيلي، وكان زميلي قبل سنوات في المدرسة والفصل، شدني بقوة، حتى صارت أذني بجانب فمه، وقال هامساً” ما الذي تفعله؟ ما الذي جاء بك إلى هنا؟ كبف استطعت أن تفعل ذلك؟”، وقال وما زال يمسك أذني، ولف رأسي من خلال قبضه على أذني ليُريني إمراة ما زال يسيل البيض الفاسد من شعرها الأجعد على وجهها وملابسها، وتبكي غيظا بصمت متفجر خانق، تحاول مسح البيض الفاسد ذو الرائحة القاتلة فتزداد اتساخاً،وعاد ليسألني” أكنت ترضى هذا لأمك أو لأختك؟”، أتعرف أن الناس أصبحوا يظنون أنهن مرتبطات مع الإحتلال ولذلك يُضربن بالبيض والطماطم؟!!!  أليس لديك ضمير لتخافه إن كنت لا تخاف الله؟!!!

وفي تلك اللحظة بالذات جاء ثلاثة من الشباب نحونا سائلينه:

ـ “أهذا من هؤلاء السفلة؟”

كان شرراً يتناثر من عيونهم، ولا أدري متى تراخت أصابعه من القبض على أذني، وقال على غير توقعي:

ـ ” لا… إنه إبن قريتي، لا ليس منهم”

وكان من الواضح أنهم يعرفونه ويحترمونه ويثقون به، ورغم نظرات الإرتياب التي تركوها تسيل كالمخاط فوق وجهي، فقد تركونا وانصرفوا، وأخذني هو إلى محطة الباصات وقال:                 ـ ” أرجوا أن لا أراك هنا أبداً، إلى القرية فوراً”.

وانصرفت، وصرت أتحاشى أن تلتقي عيوننا، وبعد مرور الزمن صرنا نلتقي في المناسبات المتعددة المختلفة، فنحن أبناء قرية واحدة، ولا بد من أن نلتقي في أي مناسبة… وصرت أهرب للأمام كما يقول جماعته اليساريون، فأحاول التعليق عليه، استفزازه بأسئلتي المختلفة، وكأنني أريد أن أغطي على ذاك الحدث، رغم أنه لم يحاول ولا حتى مرة واحدة أن يعيد ذلك التاريخ ويفرده أمامي ليذكرني بتفاهتي تلك.

أنهينا “مهمتنا”، حيث طلبنا “سميرة”إبنة أبي زكي إلى عاهد ابن أبي محمد، وشربنا قهوتنا، على وقع كلمات أبو زكي:

ـ ” اشربوا قهوتكم يا  جماعة، الله يجيب اللي فيه الخير، الأمر يشرفنا أيضاً، ولن نجد لإبنتنا بأخلاق إبنكم الكريمة، لكننا لا بد أن نأخذ رأي البنت فالأمر يخصها أولاً وأخيراً”.

وجلسنا نتحدث ونتسامر، ووجدت نفسي قبل ذلك أحاول الدفاع عن بعض أفعالي، أمام إستهزاء الكهول قبل الشباب، فقال أبو زكي بين الجد والمزاح:

ـ أرجوك يا أبا مصطفى، لا تبدأ بقراءة “عبس وتولى” كما فعلت في عرس علي قبل أسابيع، فالله خلق الأعراس للفرح، فالعرس ليس ميتماً لتقرأ لنا به القرآن…دعنا نفرح قليلا وسط هذا الزحام من الألم والدم

وقال  الحاج أبو خليل من بعيد ضاحكاً:

ـ “عبس وتولى” يارجل؟ ألم تجد في القرآن كله غير “عبس وتولى”؟ ألا تخاف ربك؟  ثم من أين هذه”الموضة” الجديدة؟ قرآن في الأفراح؟!!!

وسكتنا، ووجدته قبالتي يبتسم، واستفزتني ابتسامته أكثر من ضحكاتهم وقهقهاتهم جميعاً، ووجدتني أقول في طريقة أقرب إلى الإستعراض منها إلى الحديث، وكأن “السعوديين من بقية أهلي”:

ـ لقد فعلتها المملكة… ياسلام!… انتخابات بلدية وتنتخب وتترشح المرأة!!!

لكن الذي أجابني وفاجأني لم يكن سوى الحاج أبو أحمد وليس “غريمي”خالد، فقال:

ـ لا حظ أنك لا تتحدث سوى عن إنتخاب بلدية وليس عن انتخاب حكومة ولا برلمان!!! وأعتقد أن ما يجب أن يثير إستغرابنا، لا كيف شاركت المرأة في انتخابات بلدية لأول مرة في تاريخ المملكة، بل كيف يُحرم الرجال من الترشح أو الإنتخاب في هذا العصر، وفي مجتمع ذكوري كمجتمع المملكة؟!!!

فقلت في محاولة الإلتفاف على نفسي:

ـ إنها البداية… وربما شرُعوا الإنتخابات في قادم السنوات…

فقال الأستاذ حسن، مدرس اللغة العربية في مدرسة القرية:

ـ عشمك بهم مثل”عشم ابليس في الجنة”

رأيت نفسي في مواجهة تتزايد مع معظم الحاضرين، فقلت في محاولة لتعديل الأمر:

ـ يا جماعة إنهم يقودون المعارضة السورية كلها، ألم تسمعوا الجبير كيف يقول بكل الثقة أن الرئيس السوري سيغادر بالسياسة أو بالحرب؟!!!

فقال الأستاذ حسن نفسه شعراً هذه المرة:

ـ زعم الفرزدق أن سيقتل مربعاً            أبشر بطول سلامة يا مربعُ

حين قال أبو عمر من طرف الصالون:

ـ والله يا أخي جماعتك حيرتنا، مرة لا علاقة لكم بما يحدث في سوريا، ومرات تصطفون مع من يحارب سوريا، لا تريدون أن تدخلوا أي “محور”، وتكونون في كل المحاور، من أول “حارة” الشيخة موزة و لمملكة آل سعود وللأتراك!!! أنتم مع من بالضبط؟

ابتدأ المجتمعون بالتهامس حين قال زكي، أخو العروسة ما بين المزاح والجدية:                   ـ مع من يدفع أكثر ، وهل هذه تحتاج الى كثير من الذكاء!!!

فقلت من بين ضحكات الجميع التي لم تؤثر بي جميعها قدر ابتساماته الشامتة، رغم أنه لم بقل أي كلمة حتى هذ اللحظة:

ـ أقصد يا جماعة أن المملكة أصبحت تشكل محوراً أساسياً في المنطقة، ألم ترو محورها ضد الإرهاب؟ أربع وثلاثون دولة والحبل على الجرار….

الغريب في الأمر أن الناس كانت تنتظر أقواله هو، رغم كونه لم يُنهِ سوى الصف العاشر فقط، حيث ترك المدرسة والتحق بصفوف العمال ليعيل أسرته بعد حادثة موت أبيه، أكثر من أقوالي أنا الذي أنهيت “البكالوريوس” في علوم الشريعة والفقه، وكأنه لا ينطق عن الهوى، أو كأن أقواله منزلة من السماء، وظل هو على صمته، عندما قال الشاب النابه عزمي:

ـ وبأي جيشٍ سيحارب آل سعود الإرهاب؟ بجيش “البلاك ووتر”أم بالجيش السوداني أم السنغالي؟ ظني أنهم سيحاربون بجيش ملك آل سعود وولده، ذلك الجيش الذي أثبت في حربه على الشعب اليمني، وبكل جدارة “أنهم في الهريبة كالغزال”، فتحولت “عاصفة الحزم” إلى وبال على آل سعود وجيشهم ومرتزقتهم.                                                    وقال الطفل حازم ابن أبو عدنان الذي حضر ضمن الوفد برفقة أبيه:

ـ بابا …بابا، رئيسنا والسلطه يريدون محاربة الإرهاب معهم…

كانت الحاجة”مرثة” قد أخذت لها مكاناً مع الحاجة وطفة، في صدر الغرفة، جلسن بجانبه وكأنهن يردن الدفاع عنه من عدو محتمل، وبعد أن أشعلت الحاجة مرثة سيجارتها كالعادة، ونفثت دخانها في صدر الغرفة دون أن تبتلع شيئاً منه، قالت بكلماتها السليطة متوجهة بالحديث إليّ، عندما رأت ضحكاتي تتعالى على كلمات الصبي:

ـ وعلى ماذا “تتصهون” وفاتح فمك الذي يتسع لدجاجة بريشها، وهل أنتم أحسن؟ الرئيس وافق وأنتم لم تعترضون!!! خائفون على أن تحرموا من المال؟، متى ستتعلمون أن هؤلاء ـ وأشارت بيدها وكأنها تريني الملك وحاشيته ـ يؤمنون بأن “مَنْ دِيَّتَه مالاً أقتله”، وسوف يقتلونكم في الوقت المناسب كما قتلوا السلطة التي تستهزء بها ولست بأفضل منها.

وسرعان ما أنقذتني الحاجة وطفة من لسانها عندما قالت متحدثة عن السلطة ورئيسها:

ـ وجماعتنا لا يجدون ما يشغلهم؟! ها هو الإرهاب عندنا لماذا لا يحاربونه؟ بل إنهم يقولون عن صواريخ المقاومة… ما هذه الكلمة يابني ياخالد، فقال لها مجيباً:

ـ عبثية ياحاجة، صواريخ عبثية….

لكن الحاجة وطفة لم تعرف كيف تقول الكلمة، فقالت:

ـ آه يابني… الكلمة التي قلتها أنت

فقال أبو زكي متهكماً:

ـ ياعمي رئيسنا رجل مُطيع، مجرد “تلفون” من الأمير وأعطى الموافقة

فقال أبو خليل بعد أن أكمل لف سيجارة الهيشي وأشعلها وسحب أول سحبة منها مع جرعة من كأس شايه، وعلى دون توقع بعد أن أقسم كعادته:

ـ لا والله لم “يُحصِّل” الرئيس حتى المكالمة، بل هزة من “خنصر” الأمير، ياعمي متى يفهم هؤلاء، أنك “إن كنت رخيصاً لن تجد من يشتريك بالغالي”

فردّ عليه أبو هاني متهكما :

ـ لا ياأبا خليل، والله أنا لمّا سمعت بتشكيلهم حلفاً إسلامياً ضد الإرهاب “إرتحت واطمأن قلبي”، وقلت في نفسي “لقد تذكروا الآن وبعد ما يقرب من سبعين عاماً أن لدينا بلداً تفود الإرهاب في العالم، ربما تذكروها بعد أن رأوا على شاشات التلفاز كيف يترك هذا الكيان شبابنا ينزف حتى الموت، مانعين عنهم سيارات الإسعاف، في الوقت الذي يسارعون فيه لإسعاف مقاتلي داعش والنصرة في مشافيهم!!!

فقال زكي مجدداً مصححاً ما قاله أبو هاني:

ـ لا يا أبا هاني إنهم لم يتذكروا بعد، كما أنه ممنوع عليهم التذكر، لقد فقدوا الذاكرة بما يخص قضيتنا، أو بالأصح ربما كنا نحن الإرهابيين الذين يجب محاربتهم!!!

فقال زكي متهكماً مجدداً:

ـ طبعاً وهل هناك إرهابيون غيرنا وغير المقاومة اللبنانية؟!!!

وأكثر ما غاظني أن الجميع سكتوا وأخذوا ينصتون عندما بدأ الحديث، وكأنهم لا يريدون أن تفوتهم كلمة من كلماته، وأخذ مقود الحديث في فمه، وقال:

ـ إن آل سعود هؤلاء “لا ينطقون عن الهوى”، بل عن سيدهم الأمريكي ، لا يخرجون عن طوعه، ولا يخلفون رأياً إلّا بتوجيهاته، فمن يريد محاربة الإرهاب يوقف الدعوة لللإرهاب أولاً، فمحمد بن عبد الوهاب وفكره التفكيري هو حليفهم، وأفكاره ما تزال تُروَّّج عندهم وبتوجيهاتهم، نعم من آل سعود أنفسهم، والمملكة هي الحاضنة والداعية والناشرة لهذه الأفكار، والأمر كما تعلمون ليس له علاقة بالمذاهب والطوائف والأديان، فبالأمس القريب كانت تتحالف مع شاه إيران لتسويق “حلف بغداد” الإستعماري ولضرب ثورة عبد الناصر، وظلت بنفس الحلف لضرب قوى الثورة العربية في العالم العربي والخليج، واليوم مع الإستعمار لضرب إيران التي تدعم قوى الثورة !! هل كانت إيران بالأمس سنية واليوم أصبحت شيعية؟!!! أم أن هذا الشعار للضحك على “لحانا”؟، بل كي نبدأ حرب أمريكا بأيدينا نحن وبدماء أبنائنا كما يتم في سوريا والعراق، ولو كان ما يقولونه صحيحاً، ماذا عن ليبيا ومصر وتونس وقبل الجميع الجزائر؟ أين الشيعة في تلك البلدان؟ لماذا دمروا ليبيا إذن ويريدون تدمير مصر؟  وما داموا حريصون على مقاومة الإرهاب، لماذا تركوا القاعدة وداعش تتمدد في حضرموت وعدن ومدن الجنوب اليمني؟ يعني في المكان الذي هم موجودون فيه، ولم يُطلق عليهم آل سعود ولا طلقة واحدة!!! كي لا أقول أنهم هم آل سعود وحارة الشيخة موزة والعثمانيون الجدد من نقلهم بطائراتهم إلى اليمن بقرار أمريكي، أم أن دولة في حلف الناتو تقوم بمبادرات عسكرية دون اسشارة قيادة حلفها؟ فما بالكم بدول تابعة لم ترقَ إلى مستوى أن تكون في حلف تقوده أمريكا؟ فحجارة الشطرنج تُحَرَّك ولا تُسْتشار.

سكت قليلاً وارتشف شيئاً من كاسة شايه، وسط صمت الجميع واستماعهم، وأكمل من جديد:

ـ لقد قرأت عن مواطن من بلاد الحجاز، إسمه”رائف بدوي”، حائز على جائزة “سخاروف لحرية الفكر”، نفس الأمر الذي حاز جائزته عليه،حاكمه آل سعود بعشر سنوات من السجن وألف جلدة في، هؤلاء الذين يبشروننا “بديمقراطيتهم” في سوريا واليمن والعراق، تخيلوا أناساً يتم جلدهم بأهازيج دينية وعلى مرأى من الجميع وخمسين جلدة عند كل صلاة جمعة؟!!!، وفي القرن الواحد والعشرين!!!، كما حكموا على الشاعر الفلسطيني بالإعدام على كتاب شعر نشره!!! كما الإعدام على الفتيان وعلى الشيوخ لأن لديهم أفكاراً وآراءاً أخرى غير ما لدى آل سعود!!! الأمرالذي يدلل على أن من يحارب الكلمة أو الفكرة أو الرأي الآخر، ويستخف بهذا الشكل بحيوات الناس كما يفعل ضد شعبه أم في اليمن أو سوريا، لا يمكن أن يكون مؤهلاً لمحاربة الإرهاب.

فقالت الحاجة مرثة بصوت عال:

ـ صدقت والله يابني، سلم الله فمك…

وقال أبو خليل وسيجارة “الهيشي” معلقة بين شفتيه:

ـ ليس سوى تحالفاً زائفاً، كله “ظراط ع البلاط” بلا مؤاخذة

فقال أبو زكي سائلاً:

ـ إذن لماذا كل القصص والأخبار عن تحالف آل سعود هذا؟ لم تظل مجلة أو جريدة أو راديو ولا محطة تلفاز “لا تُطبل أو تزمر” لهذا التحالف؟

فقال أبو خليل مجيباً:

ـ يبدو أن “الجنازة حامية والميت كلب” يا أبا زكي

فأكدت الحاجة وطفة من مكانها ضاحكة، فاتحة فاها مظهرة فماً تساقطت معظم أسنانه منذ زمن بعيد قائلة:

ـ صدقت يا أبا خليل، فعلاً” الجنازة حامية والميت كلب”، سلم الله فمك.

وكما هي العادة، خرج منتصراً هذه المرة أيضاً، لكنه على غير عادته، وضع يده على كتفي حين غادرنا منزل أبا زكي، وقال:

ـ هؤلاء الحثالات دمروا البشر والحجر ، ارتكبوا المجازر بحق فقراء اليمن وحضارتهم، قصفوا المدارس والمشافي والمدارس والزرع والضرع، قتلّوا ويتّموا ودمّروا، ورغم ترسانتهم العسكرية  وتحالفهم غير المقدس مع أمريكا وإسرائيل، إلّا أنهم هُزموا من حُفاة اليمن، لأن الشعب اليمني شعب  يدافع عن كرامته وعزته أمام حكام ومرتزقة وبلدان تفتقد للعزة والكرامة.

وامام سكوتي وعدم تعليقي على الأمر، قال منتقلاً بعيداً في الماضي السحيق:

ـ قاتل الله السياسة، أتعلم أنني أحن كثيراً الى سنوات الدراسة، حين كنا نتزاحم على المقعد الأول في الفصل!!! كأن الأمر قد تم بالأمس القريب….

ومشينا … مشينا بين الحقول… بين أشجار الزيتون… ومن طرف السماء البعيد انطلقت بضع شعاعات برق أضاءت لنا الطريق، وابتدأت حبات المطر تتساقط على رؤوسنا وعلى كل الأشياء، وكما كنا نفعل عندما كنا صغاراً، توجهنا إلى شجرة تين عملاقة، واقفة على طرف الطريق لنستظل ببقايا ما ظلت تحمله من أوراق، مختبئين من حبات المطر، ورغم كوننا وحدنا لم يذكر شيئاً عن تلك الحادثة أبداً….

محمد النجار

أردوغان…آية المنافق ثلاث

لعلها صفة ملازمة للدولة التركية، أنها لا تعرف إلّا تدمير الآخر، كما تدمير الحضارات وبإسم الإسلام، فكما فعلوا المجازر مع الأرمن فعلوا الأمر نفسه مع الشركس والعرب، وأينما حطّت أقدامهم في العالم، ودمروا الحضارة الإسلامية بدولتم العثمانية، حيث أنهم بعد أربعمائة عام خرجوا من العالم العربي تاركينه أقل تطوراً بكثير منه عندما دخلوه، فبعد أن كنا دولة عظمى، لم يبقوه مكانه فقط، بل أعادوه متخلفاً فقيراً يائساّ ممزقاً قبلياً، مدمرين حضارته وتراثه، مُشتتين شعوبه ومؤججين الصراعات المذهبية والطائفية بينها، سالبين أطفاله للتجييش، ورجاله للحروب، ناهبين ثرواته، في الوقت الذي كانت شعوب العالم تتطور وتزدهر، كنا نحن نتراجع ونتفهقر بفضل الدولة العثمانية.

وها هم الآن يحاولون إعادة الكرّة مجددا في سوريا والعراق من خلال قيادة العثماني الجديد “السلطان” أردوغان، الذي أكثر ما يلفت الأمر فيه وفي وسياسته في كل الفترة الزمنية التي حكم فيها تركيا، أنه لم يَصْدُق يوماً بشيء قاله، ولم يفِ بوعد قطعه، ولم يكن أهلاً للثقة به يوما، وهذه كما قال الرسول “صلعم”” آية المنافق ثلاث: إذا تحدث كذب وإذا وعدأخلف وإذا أؤتمن خان”، وهذه ليست خصائصه وحده، بل هي أهم ما يميز حركة الإخوان المسلمين بشكل عام، في كافة أماكن تواجدها بعمومية، وبشكل خاص في كل مكان على حده. وكونه جزءاً أساسياً من هذه الحركة، بل قائدها العملي، فهو الأقدر ليعطي دروساً في هذه المجالات، وليكون أكثر من يتمتع بهذه الخصال.  وكونه ابن المدرسة الأمريكية، فهو يعتقد أن تكرار الأكاذيب وزيادة تردادها في وسائل الإعلام يمكنه أن يقلبها إلى حقائق، ويجعل الناس يصدقونها، وهذا الأمر ممكن آنياً، أعني يمكن أن يُضلل الناس إلى فترة وجيزة من الوقت، لكنه لن يُغيّر الحقائق من جهة ولن يستمر طويلاً الى مالا نهاية من جهة ثانية أيضاً.              فأردوغان قام أول ما قام بالإنقلاب على أولياء نعمته والذين أوصلوه وحزبه الى سدة الحكم، ثم بدأ بالتصفيات الداخلية لمعارضيه داخل حزبه نفسه، بل لكل من خالفه الأمر، وبدأ بتصفية قادة الجيش، ووضع جهاز الأمن والمخابرات تحت إبطه، وسرعان ما انقض على المعارضة الشعبية والبرلمانية، ثم على الصحافة، وغير كل القضاء واضعاً قضاة المحكمة العليا وكذلك قضاة المحاكم الفرعية ممن يواليه فقط، وبنى الشركات التي يتمتع ابنه وعائلته بحصة الأسد من نتاجها المالي، وعقد الصفقات مع داعش لإستقبال نفط سوريا والعراق، وشراء مخازن القمح والغذاء المسروقة من سوريا، وشراء المنحوتات الحضارية الأثرية المنهوبة من سوريا والعراق، وبيع وتصدير النفط والآثار للكيان العبري من خلال هذه الشركات العائلية، رغم منع ذلك وتحريمه من مجلس الأمن، وما زال يرفض وقف تهريب أو حتى إعادة ما تم تهريبه من آثار موجودة على الأرض التركية. كما أنه كان من أوائل من حرّض ميليشيات مسعود البرزاني (رجل أمريكا واسرائيل في المنطقة)، وساعدها للتمرد على الحكومة المركزيه في محاولة لتقسيم العراق وسلخ أكراده بعد توسيع مناطق نفوذهم، وطرد العرب منها بمجازر مشابهة لمجازر الكيان الصهيوني والدواعش، وحوّل بترول العراق المسروق الى الكيان الصهيوني، ودوره ودور مسعود البرزاني بتوجيه أمريكي في تسليم الموصل للدواعش.

ورغم الإستفادة الكبيرة التي عادت على تركيا من الإتفاق مع سوريا إقتصادياً إلّا أنه انقلب عليها لتطبيق صفقة أمريكا والإخوان المسلمين لقيادة المنطقة، والتي شملت تونس ومصر وليبيا، وأدخل كل ما أفرزته المدرسة الوهابية لآل سعود مستعينة بحثالات الأرض التى أفرزتها مدرسة الإخوان المسلمين عبر أراضيه ليعيثوا فساداً في سوريا، مدمرين الوطن وبنيته التحتية واقتصاده وفوق كل ذلك شعبه وانسانه، قاتلين علمائه وقيادات شعبه وأساتذته الجامعيين، ومدمرين قدراته العلمية، بأوامر ودعم من أمريكا وإسرائيل ولمصلحتيهما وبتمويل من الدول الصهيو عربية بقيادة مملكة آل سعود وحارة الشيخة موزة وأبنائها، بالضبط كما فعلوا في العراق شعباً وأرضاً، ضارباً بعرض الحائط إتفاقاته وعهوده المعقودة مع الحكومة السورية وقبلها العراقية، مغامراً بمصالح الشعب التركي الإستراتيجية في المنطقة، وكذلك بأمنه ممن يمكن أن “يخرج عن السيطرة” من عصابات الإرهاب التي تتمتع بكل أشكال الدعم المخابراتي التركي، وبعد تقدم الجيش السوري وحلفاؤه وفرار الدواعش والقاعدة وتفريخاتهما  عبر الأراضي التركية التي جاؤوا منها، تم تحميلهم بطائرات تركية وقطرية إلى اليمن لمحاربة الجيش اليمني واللجان الشعبية هناك، بدعم من آل سعود وبغطاء مخابراتي تركي أمريكي.  وبعد خسارته في الإنتخابات في حزيران الماضي، أعاد الإنتخابات دون أن يعطي الأحزاب الأخرى حقها في تشكيل الحكومة، ضارباً دستور البلاد بعرض الحائط، وكان واضحاً محذراً الشعب التركي أنه ما لم بنتخبه مجددا فإنه سيظل يعيد الإنتخابات مرة كل ثلاثة أشهر، بغض النظر عن تكلفة هذه الإنتخابات التي يدفعها الشعب التركي من جيبه وضرائبه، وأكد أن البلاد لن ترى الإستقرار، مرفقاً ذلك بعمليات باسم داعش ضد الأكراد الذين “تجرأوا” وانتخبوا حزب الشعوب الديمقراطي، قاتلاً العشرات، حتى أُعيد انتخاب حزبه من جديد. وبعد أن تم انتخاب حزبه “ديمقراطيا”، في ظل طرد مئات الصحفيين المطرودين من وظائفهم وعشرات منهم محكومن ظلماً في السجون، وإغلاق ومصادرة لمحطات تلفزيونية وصحف ومحطات إذاعية، وضرب لأبسط التعبيرات الديمقراطية وحقوق الإنسان، ومصادرة للرأي الأخر، والمغامرة بحياة عشرات الجنود الأتراك من خلال إفتعال حرباً مع حزب العمال الكردستاني، والتحريض القومي عليهم وعلى العرب.

وعلى عادة الإخوان المسلمين، فالقضية الفلسطينية أكثر قضية ممكن المزاودة بها وعليها، ولذلك نرى أردوغان وفي كل مناسبة يتغنى بها مسرحياً، لدرجة أنه يمكن أن يخدع أي كان، وفي الحقيقة والواقع، فإن علاقات تركيا ازدهرت أكثر ما ازدهرت مع الكيان الصهيوني في عهد حزب الإخوان المسلمين التركي”حزب العدالة والتنمية”وعلى رأسه أردوغان، والطائرات الإسرائلية معظم تدريباتها في السماء التركية، ونسبة التبادل التجاري مع الكيان الصهيوني تضاعفت ست مرات في عهد قيادة أردوغان، وبضغط من أردوغان وابن حمد الصغير والشيخة موزة تميم في حارة قطر، قامت قيادات الإخوان المسلمين السياسية والمالية في العالم، بمحاولات ترويض قيادة حركة حماس السياسية، من خلال اتفاق مع الكيان الصهيوني بواسطة توني بلير، لعقد هدنة طويلة الأمد مع قطاع غزة، حيث يتحقق بذلك فصل غزة عن الضفة، وقتل الفعل الثوري في القطاع ومنه، وتعميم سياسة الإستسلام في فلسطين، وتحويل حماس إلى نسخة كربونية مسخ من السلطة الفلسطينية في الضفة الفلسطينية، وبالتالي تأزيم الوطن الفلسطيني داخلياً، وإرجاع القضية الفلسطينية بضع عشرات السنين إلى الوراء.

وبعد ذلك كله، وبكل وقاحة وازدراء لعقولنا، يريدنا أردوغان أن نصدق أن دولته، عضو الناتو تحت قيادة الولايات المتحدة الأمريكية، والمشاركة بأكبر عدد من الجنود فيه بعد أمريكا، أنها حريصة على القضية الفلسطينية، كما حرصها على الديقراطية في سوربا والعراق ومصر، ” بغض النظر عن طبيعة أنظمتها ورأينا بها”، وليس مثلاً في مملكة آل سعود أو البحرين أو قطر مثلاً، أو أن إسقاطه للطائرة الروسية في الأجواء السورية، وقتله للطيار الروسي من قبل الأتراك أنفسهم العاملين مع حثالات الأرض الدواعش هناك، كان بقرار تركي خالص، وليس بتحريض وأمر وتغطية من أمريكا نفسها، لتتركه وحيداً لاحقاً، كما فعلت بكل الإمعات من أمثاله،”تماماً كمسرحية تدفق اللاجئين من الباب التركي إلى الدول الأوروبية، الذي أراد الإستخفاف بعقولنا لنصدق أنها تمت بدون تخطيط وتنفيذ تركيين، ودعم أمريكي”، وخاصة بعد أن قام الروس بتدمير ما يزيد عن ألف صهريج نفط تركي وسيلة داعش في سرقة نفط العراق وسوريا وبيعه من خلال شركات العائلة الأردوغانية.

لكن حسابات الحقل ليست كحسابات البيدر، فأول من اكتوى بالنتائج هو تركيا، حيث كانت الخاسر الأكبر سياساً واقتصادياً وحتى عسكرياً، حيث أن أردوغان لن يستطيع تحقيق أحلامه العثمانية الجديدة بقضم مناطق سورية بغض النظر عن أسمائها كمنطقة عازلة أو آمنة، ولن يستطيع الدفاع عن ارهابييه أمام تمدد الجبس العربي السوري ولا قصف الطائرات الروسية، ليس هذا وحسب، بل إن تركيا بقيادة السلطان العثماني أردوغان لن تستطيع حتى أن تُظهر طائراتها في أراضيها نفسها الفريبة من الحدود السورية، حيث سيعتبرها الروسي هدفاً معادياً يشكل خطراً على طائراته ويدمرها كما أكد ذلك!!! والأخطر من هذا كله السؤال الكبير حول إمكانية سيطرة أردوغان على الدواعش والنصرة الفارين من وجه الجيش العربي السوري إلى الأرض التركية، وإمكانية ضبطهم أو منعهم من تنفيذ أعمالاً إرهابية ضد الشعب التركي، خاصة إذا أرادت أمريكا الضغط على تركيا لأي سبب كان!!!

إن من يدمر الأرض السورية والعراقية تحت شعار الديمقراطية الزائف، جالباً كل حثالات الأرض من الشيشان والأفغان والقوقاز والقرغيز وبعض القبائل الصينية المسلمة، كما حثالات آل سعود وبقية حثالات الإخوان المسلمين العرب والأوروبيون ، ماذا كان سيفعل هو نفسه لو كانت بلاده تعرضت لمثل هؤلاء الحثالات وتحت نفس الشعار “الديمقراطي”؟!!! وما المطلوب من “الروسي” ليفعله أمام الآلاف من المواطنين الروس الإرهابيين إذا ما رجعت لتدمر وتقتل في الجمهوريات الإسلامية الروسية ، والتي يحتضنها أردوغان ويدربها ويسلحها وينقلها بغطاء أمريكي؟!!!

إن من يلعب بالنار سيكتوي بها ياسيد أردوغان، والسلاح بيد “الخرى” يجرح “كما يقول المأثور الشعبي الفلسطيني، لكنه يجرح صاحبه نفسه أيضاً، وهكذا فعلت أنت!!! فهل تدرك ذلك؟ أم أننا أمام حالة غرور غبي استشرى ولن ينتهي دون تدمير الذات!!!

محمد النجار

فكّرنا الملك ملكا…

يبدو أن أسرة آل سعود ظلت تعيش في بدايات القرن الماضي وإن كانت “بلباس” حالي، العقلية ذاتها والذهنية نفسها وكذلك آلية التفكير، فهم كانوا وما زالوا مرعوبين من التطورات التي تتم في العالم، خائفين أن يصل اليهم رذاذها، لذلك يريدون وقف العالم وحركته على أبواب مملكتهم، والمضحك المبكي أنهم وبكل الطرق يحاولون تجميل وجه مملكتهم الفاسدة المفسدة بكل الطرق، من ذبح وقتل وخطف وشراء ذمم ودول وأقلام ومنابر صحفية وكتابية…. وقد نجحوا ألى حدٍ كبيرٍ في ذلك، إذا إستثنينا بعض من هم على شاكلتي أو أنا على شاكلتهم، الذين يعتبرون مال الشعب الذي استولى عليه آل سعود “جربا”معدياً فتاكاً يجب الإبتعاد عنه وتفاديه وتجنبه وإن كانت مفاتنه كبيرة وتعمي البصر والبصيرة، وهم يقفون على أبواب الجوع، لكن بعفة وشرف ونقاء نفس، وفوق ذلك كله بثبات وحزم وإصرار على مواجهة المجهول وتغليب مصلحة الوطن على أي شيء سواه.

ففي كل محطات القضية الوطنية الفلسطينية المهمة، كنا نسمع أن حاشية الملك لا تخبره بما يجري، وأن الملك” طال عمره “لا يدري، وكأن حاشيته ليست من الأسرة المالكة، أو أن الملك إن كان يدري أو لا يدري فيمكنه أن يؤثر في الأحداث ويخرج عن “طوع” اسياده الإمبريالييين، ورغم بيت شعر “ابن القيم” الذي يقول:

إن كنت لا تدري فتلك مصيبة                                  وإن كنت تدري فالمصيبة أكبر

لكن الأهم من ذلك أن الكثيرين ما زالوا يعتقدون أن الملك له رأي ومشورة وأنه صاحب حل وربط في الهام من الأمور، وهو في حقيقة الأمر إسم إشارة لا أكثر ولا أقل، و إنه “مثل الدجاج لا يحكم على بيضه” كما يقول المأثور الشعبي الفلسطيني، وبالتالي وكما يؤكد مأثور آخر     ” فكرنا الملك ملكاً فطلع الملك زلمة”. نعم إنه مجرد رجلاً يبصم بحافره على ما يطلب منه أعداء الأمة العربية ومشروعها النهضوي ، وهو “لا في الهدة ولا في الردة ولا في عثرات الزمان”، وأدلتنا على ذلك كثيرة جداً وقد أوردناها في غير مكان وأقلها :

” * دعم عصابات الكونترس في نيكاراغوا التي شكلتها الإمبريالية الأمريكية ضد الثورة الساندينية، فآل سعود يدفعون والمستفيد أمريكا.”

*”دعم القوى والأحزاب اليمينية والفاشية في فرنسا وإيطاليا ضد الحزبين الشيوعييين الذين فازا في البلدين هناك في الإنتخبات، ومنعهما من تشكيل الحكومة، وآل سعود يدفعون والمستفيد الأمريكي.”

“* تشكيل تنظيم القاعدة لمحاربة الإتحاد السوفيتي في أفغانستان، وآل سعود يدفعون والأمريكي المستفيد”

“* محاولة تدمير العراق وإيران بدعم الحرب بينهما، والتي استمرت لثماني سنوات دون انقطاع، مولها آل سعود وجنى الأمريكيون الحصاد بغزو العراق وتفتيت جيشه وتقسيم قواه السياسية على أسس طائفية.”

“* محاولة تدمير ايران وروسيا وفنزويلا من خلال محاولة ضرب إقتصادها من خلال تنزيل سعر النفط بأكثر من 65%وإغراق الأسواق بالنفط بدفع منهم ولصالح نفس الإمبريالية ، يعني “جكر في الطهارة شخ في لباسه”… كما قال المأثور الشعبي…”

“*والآن دعم تنظيم القاعدة وداعش وأخواتهما في العراق وسوريا واليمن وليبيا ومصر والجزائر وتونس لتحطيم الجيوش العربية وضرب وحدتها الإقليمية وتفتيتها لحساب الإمبريالية الأمريكية والكيان الصهيوني وبدفع وتمويل سعودي.”

“* دعم بناء المستوطنات الإسرائلية ب1.5مليار دولار، والمستفيد الصهاينة.”

يعني تتعامل معهم الإمبريالية على أساس المثل القائل”إخدمني وأنا سيدك “.

 وبالمناسبة فسياسة “فرق تسد ” الإستعمارية كانت متلازمة مع كل أشكال الإستعمار وعلى مدى حياته، فما فعلته أمريكا وتفعله الآن من محاولات تقسيم له مذهبياً وطائفياً وخاصة “سني ـ شيعي”،  فعلته فرنسا وبريطانيا والدول الإستعمارية الأخرى، فالأمر ليس جديداً عندها ولن يتوقف ما دام مثل نظام آل سعود الرجعي المتصهين قائم وموجود. وكما يخبرنا الزعيم الهندي العظيم غاندي” أنه كلما اتحدنا مع إخواننا المسلمين لمحاربة الأنجليز كلما قام الأنجليز بذبح بقرة في طريق الهندوس ليبدأوا صراعا بين الهندوس والمسلمين!!!”، ثم عندما شعروا بقرب هزيمتهم  سلخوا جزءً من الهند” المناطق ذات الأغلبية المسلمة وأسموها الباكستان!!! أليس الأمر مشابه لما يحصل الآن في وطننا من محاولات تقسيمات دينية ومذهبية وطائفية وخاصة بين سني وشيعي؟!!! “.

لكن وبعد حكم الإعدام الذي أصدرته محاكم آل سعود على الشاعر والفنان التشكيلي الفلسطيني أشرف فياض، بحجة أنه أصدر ديواني شعر “يتحرش فيهما بالذات الإلهية” فإن الموضوع قد استفزني أشد الإستفزاز كون هؤلاء الجهلة لا يقيمون وزناً لحياة البشر، وشهداء حجاج منى ماثلة أمامنا،  والأخطر بانسبة لهم من يستخدم عقله فتلك الطامة الكبرى، أما المعارضين حتى لو كان المعارش منهم معارضاً لقرار صادر عن مجلس بلدي عندهم، فحكم الإعدام سيلاحقه لا محالة، بل ويحكموا بالإعدام على شبيبة وأطفال لمجرد ابداء رأي أو نشر مظلمة على التواصل الإجتماعي، وهي نفس العقلية التي أصدرت حكماً بالإعدام على قناة الميادين كونها تحمل رأياً مغايراً لآراءهم، فهم من أنصارالقول ” إن لم تكن معي فأنت ضدي ويجب قتلك”  وهو ذات شعار داعش والنصرة وأخواتهما، لأنهما أبناءهم الشرعيين، والخلاصة، لا توجد دولة في التاريخ الحديث تنفذ حكم الإعدام بشكل شبه يومي، وتصدر أحكاماً بالإعدام بهذه الطريقة المشينة مثل دولة آل سعود، في العام الماضي فقط تم تنفيذ حكم الإعدام ب151 شخصاً، يعني انساناً في كل 48 ساعة!!! ثم  يقولون أن الشاعر يتحرش بالذات الإلهية، وكأن الذات الإلهية”مومسا” تعرض مفاتنها على قارعة الطريق،!!! فكلمة التحرش لا تعني سوى التحرش الجنسي أكثر من أي معنى آخر، وكوني أعترف أنني لم أقرأ شيئا للشاعر قبل حكم الإعدام عليه، فإنه وبغض النظر عما يكتب وبأي أسلوب فني يرتأيه، فهذا من شأنه فقط، ولا يحق لأي كان وخاصة لجهلة آل سعود وأداتهم، هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر  ، الذين لا يعرفون “الألف من كوز الذرة”، وفي أغلبيتم الساحقة أميين لا يعرفون حتى القراءة ولا الكتابة، يعني لا يعرفون أن” يفكوا الحرف.” والأدهى أن هؤلاء الجهلة يعتبرون أنفسهم وصيون على الدين وأنهم وكلاء الله على الأرض، وبالتالي يعطون أنفسهم حق التدخل في أكثر أمور الإنسان شخصية وهي علاقته مع ربه، ولا يدركون أن هذه العلاقة تخص الله وعبده مباشرة دون وسطاء فما بالك بببهائم مثلهم.  هذا الأمر وما يجري في المنطقة دفعاني لأقلب صفحات “أفعال” آل سعود، كي أعرف شيئاً عن هذه العقلية السائدة، ووسائل التجهيل المتبعة، غير وسيلة القمع الفاشية المعروفة للجميع، مدركاً أو متوقعاً أن تكون الأزمة ـ أزمة التجهيل ـ معكوسة على كل نواحي الحياة، وإليك أبرز ما وجدت :

*ان نسبة الأمية في مملكة آل سعود تتجاوز 40% وهي عند النساء أضعاف نسبتها عند الرجال.

*أن هناك أكثر من 3 مليون سعودي يعيشون تحت خط الفقر خاصة في المناطق الشرقية التي تتواجد فيها أكبر كمية من النفط المستخرج من آل سعود.

* أن التمييز الطائفي موجود وبكثرة ويُحرض عليه بشكل رسمي من آل سعود وأجهزتهم، وأن نسبة التحريض الطائفي تتزايد وتتسارع، وأنهم يوظفون الطوائف ضد بعضها البعض وخاصة تحريض السنة على الشيعة.

* أن نسبة البطالية عالية جداً عند شباب نجد والحجاز رغم ما يقرب من 3 تريليون دولار غير مستثمرة ومخزنة في بنوك امريكا تستفيد منها أمريكا ولا تعود بأي فائدة على مملكة آل سعود. حتى أنهم لا يملكون إمكانية صرفها دون قرار أمريكي.

* أن نسبة التحرش الجنسي عالية وفي تزايد، وأن نظام آل سعود نادراً ما عاقب عليها، كي تظل المرأة حبيسة البيت، ولا تكون لها نشاطات سياسية واجتماعية،قد تسبب له “وجع رأس”، وبالتالي فهو يكون قد أِمَن”شر” نصف المجتمع.

* أن نسبة الزواج من الفتيات القاصرات نسبة مرتفعة جدا وتكاد تطغى عل نسبة الزواج الطبيعي.

*يعتبر آل سعود أن عدم تنفيذ أوامرهم “وليس رفضها” هو خروج على الدين من خلال عدم الإمتثال لطاعة “أولي الأمر” وعقوبة الإعدام “مستحقة وواجبة” في هذا الإطار، فما بالك برفض الأمر أو التمرد عليه!!!

وكي يكون التجهيل ممنهجا ودائماً فلننظر إلى بعض فتاوى آأئمة آلا سعود:

* تكفير من يقول بكروية الأرض

* غسل اللحم قبل طبخه بدعة، وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.

* تحريم لعبة الشطرنج.

* تحريم تجمل المرأة.

*تحريم اهداء الزهور.

* تحريم دخول المرأة للإنترنت.

*تحريم دخول الحمام بالقدم الشمال.

*تحريم القراءة أو الحديث في الحمام لأن الأحرف تحمل أسماء الله!!!

* ما زال “علماء” آل سعود مختلفين على جنس الملائكة ذكوراً أم إناثا!!!

* تحريم قيادة المرأة للسيارة،  لأن السيارة ليست “كالراحلة”وفي ركوبها مفاسد كثيرة فتخرج المرأة من تحت سيطرة زوجها، وركوب السيارة “رجس من عمل الشيطان”. لكن أمراء آل سعود الأوباش، لم يكفوا يترددون على معسكرات اللاجئين السوريين ليتزوجوا الفتيات القاصرات، مستغلين ظروفهن وظروف عائلااتهن، ثم يتركونهن وشأنهن وخاصة في حالات الحمل.

* يوصي “علماء آل سعود” شرب بول البعير لأنه يحمي من كل الأمراض، والبعض أخذ يعبئه ويبيعه للمواطنين.

* الدعوة لأسر جنود إسرائليين “حرام لحرام حرام” لأنه اعتداء على اختصاصات أولي ألأمر الذين من حقهم وحدهم هذا الأمر، ولا أحد يتساءل ما دام الأمر كذلك لماذا لم يدع أحد لهذا الأمر حتى الآن؟!!!

* تكسير الآلات الموسيقية بين وقت وآخر وسط طقوس التهليل والتكبير وكأنهم يقاتلون العدو الإسرائيلي.

*التركيز على الحياة الآخرة لإبعاد الناس عن التفكير بواقعهم المرير، وبالتالي الإبتعاد عن الثورة ضدهم، ” من نمط” أن لكل رجل مؤمن في الجنة سبعون زوجة ولكل زوجة سبعون وصيفة ولكل وصيفة سبعون خادمة وكلهن ملك الرجل، وكل مجامعة مع الواحدة منهن تستمر سبعين سنة” !!! وحصر كل ما يتعلق بالمرأة بالجنس وحده، فهؤلاء الأنجاس ليست المرأة عندهم إلا كومة من الجنس!!!

وبعض هؤلاء يجعل زوجته تقوم بالدعوة لزواجه، كونه رجل ديمقراطي!!!، ولا يدري أنه يقدم أبشع الصور عن المجتمع الذكوري الفج، الذي يجرد المرأة من انسانيتها.

* أحد شيوخ آل سعود يعتذر لمستمعيه عن تأخره، لأن “فئتين من الملائكة اقتتلوا فيما بينهم مختلفين هل يجاهدوا في سوريا أم في فلسطين، وذهب هو ليصلح بينهم!!! ووفقه الله وأقنعهم بضرورة الحرب في سوريا وليس في فلسطين”!!!

هذه هي عقلية التجهيل وتدمير العقول السائدة في “مملكة آل سعود”، وكون الثورة تحتاج أول ما تحتاج إلى الوعي، فآل سعود يقضون على أي معارض بأجهزة الدولة من جيش  وشرطة وهيئات مختلفة قمعية، وفي نفس الوقت توظف  العمامات المنافقة المشتراة، وشيوخ الردة لتغييب العقل وإلغائه،كي لا يعي ظروفه يوما ويظل جاهلاً جهولاً متخلفاً مريضاً تائهاً بين لقمة الخبز والحلم بالجنة والحواري والغلمان.

وما الملك عندهم سوى واجهة فارغة لكن بألوان زاهية، فما بالك عندما يكون الملك يتمتع بمرض الزهايمر، وبقية الأسرة الحاكمة تحت أقدام العرّافات غارقين في مؤامرات على بعضهم بعضاً، خاضعين لكل مخابرات الأرض وغارقين  في احضان العاهرات مبذرين أموال الشعب التي لم يتعب أي منهم في جمعها يوما!!!.

محمد النجار

بأي حال عدت ياعيد؟!!!

لا أدري ما الذي جعلني أحمل نفسي وأذهب إليهما، فزياراتي لهما كانت متباعدة جداً دائماً، ولولا رابطة القرابة البعيدة لما أجهدت نفسي للذهاب، رغم كوني كنت كثيراً ما أشعر بفرح ما عند لقاءهما، وفي مرات كثيرة أظل أتذكر هذين الكهلين لفترة طويلة لاحقه. إنهما الحاج راجح وزوجته، شارفا على الثمانين وظلّا كما لو أنهما في عز شبابهما، فرحين خفيفي الظل، مقبلَين على الحياة، يرميان كلماتهما الناقدة كأبلهين دون أن تشعر بذكائهما إلا إذا كنت تعرفهما جيداً. قلت له ذات يوم بعد أن فشلت قائمة زميلي ناجح عبد القادرفي انتخابات النقابة :

ـ  لقد رسبت القائمة في الإنتخابات ياحاج راجح، لم أكن أتوقع ذلك،كان بينها وبين العضو الأخير بضعة أرقام ليس أكثر, وتم إعلان  الإسم الأول في القائمة كإحتيا ط”ناجح عبد الستار ” إحتياطً.

قال حينها دون حتى أن يبتسم:

ـ يعني “ناجح” كان مجرد اسمٍ وليس نتيجة؟!!!

وأمام اندهاشي من عبارته تلك فإنني حتى لم أقوَ على التعليق، وتحدثنا في أمور عديدة وقضايا مختلفة، وكان بين فترة وأخرى يسألني كالأبله من جديد:

ـ قلت لي أن “ناجحً” هو إسم وليس نتيجة؟!!!

نكون قد غادرنا الموضوع وهو يقترب من أذني وكأنه يريد البوح بسر ما ويعيد:

ـ إذن “ناجح” هو إسم وليس نتيجة.

حتى وجدتني أضحك من كل قلبي في نهاية لقائنا رغم حزني الشديد على نتيجة الإنتخابات.

وها أنا أجد نفسي في زيارته من جديد، كانا متقابلين على مقعدين قديمين من القش مثل كراسي المقهى ، يشرب هو الشاي وهي تقابله، “تمزع” رغيف الخبز وكأنها تشرط ورقة، ثم تأخذ بين أصابعها كسرة طويلة وتغمسها في كاس شايها، وتأكل الخبز بعد أن تغرق في الشاي وتكاد تذوب، تأكلها متمتعة وكأنها تأكل “منسفاً”، رحبا بي كعادتيهما، وجلست على مقعد مجاور كان بينهما، قالت بعد أن سكبت لي كأس شاي دون أن تسألني:

ـ أهلاً وسهلاً… “وجهك ولّا وجه القمر”  ما الذي حذفك علينا؟ ما الذي ذكرك بنا؟

 ـ إنكم في البال دائما ياحاجة لكنها الظروف كم تعلمين، وما أن وجدت نفسي في عطلة رسمية حتى حضرت كما ترين.    قلت مبرراً غياباتي المتباعدة، فقال الحاج راجح متسائلاً:

ـ عطلة ورسمية أيضاً؟ خير وما المناسبة؟

 قلت مستغرباً سؤاله:

ـ كيف ما المناسبة ياحاج؟ إنه عيد الإستقلال…

رفع رأسه إلى الأعلى وقال وكأنه تذكر ما كان ناسياً.

ـ آه …الإستقلال…ومتى استقلينا نحن ياحاجة صبحة؟ لا تؤاخذني يابني، لم يقل لي أحد شيئاً عن ذلك… وربما “الكبر عبر” وبدأت أنسى

عرفت أنه بدأ يسخر مني ومن المناسبة أكثر، وأكمل مخاطباً زوجته:

ـ إنني غاضب على الأولاد ياحاجة صبحة، لا أحد زارنا منهم، أيعقل ذلك؟

 فتساءلت بغباء لم أعهده في نفسي كثيراً من قبل :

ـ ومتى خرجوا من السجن؟ والله لم أعلم أبداً

فقالت الحاجة صبحة عازفة على نفس لحنه:

ـ المفروض أن يكونوا قد خرجوا، ألم تقل أننا أخذنا استقلالنا؟

 فرد هو مجدداً:

ـ  ربما تغيرت الدنيا في مثل هذا الوقت ياحاجة، فأصبح الإستقلال ممكناً وأبناؤنا لا يزالون في السجون!!!، لكني شاهدت بالأمس جنوداً يطلقون النار على الفتيان فيقتلونهم بدم بارد، قالوا لي أنهم إسرائيليون…آه… هذا كان بالأمس ونحن استقلينا اليوم!!!، أم منذ بدأ التنسيق الأمني لم نعد نفرق بينهما؟

فقالت الحاجة صبحة دون أن تترك لي مجالاً لأعرف إن كانت مبتسمة أم مكتئبة:

ـ “الخل أخو الخردل “ياحاج.

قلت في محاولة للمشاركة في الحديث:

ـ يبدو أنهم ندموا على ما فعلوا في “أوسلو” وملحقاته، فها هو عريقات يريد الإستقالة نتيجة تعنت حكومة العدو.

فقال الحاج راجح دون تردد:

ـ وهل هناك من يمسك به ليبقى؟ أم أنه يهددنا بالإستقاله؟ فربما لن نجد مفاوضا متمرساً مثله، حقق لنا بحكمته وجرأته وتفانيه، وبطريق التفاوض ما لم نستطع تحقيقه عن طريق الثورة المسلحة؟!!! وكأننا سنخسر الجنرال جياب؟!!!

   سكت قليلأ ثم أضاف:

ـ حكومتهم هي السبب؟!!! المهم رأيهم فقط، رأي الشعب لدينا لا يهم ، خاصة وأنه وسلطته قاموا بالواجب على أكمل وجه.

قلت من جديد:

ـ الله يصلح حالهم، ربنا يجيب الذي به الخير.

فقالت الحاجة صبحة معلقة على كلماتي:

ـ “ذنب الكلب ما بنعدل حتى لو وضعوه في مائة قالب”.

قلت في محاولة لتصحيح مفاهيمهم:

 ـ يبدو أنهم بدأوا يدركون خطأهم الآن، فهذه المرة ليست كسابقاتها

فقال الحاج بحسم قليلاً ما عهدته عنده من قبل:

ـ انظر يابني، مَنْ يمكن شراءه بالمال لا يمكن الوثوق به، وسلطتهم كلها مشتراة بمال آل سعود ومن لف لفهم، حتى أن لا قيادة السلطة ولا قيادة حماس السياسية لم يجرؤوا على التضامن مع قناة الميادين، ولو من باب حرية الكلمة، أو كما تقولون أنتم المثقفون من باب الحق في حرية التعبير، طبعاً خوفاً من أن يغضب عليهم آل سعود والشيخة موزة وأبناءها. فهل مثل هذه القيادات يمكن ائتمانها على مصير شعب؟ وها هو الرئيس نفسه رغم انحدار شعبيته، ورغم معرفته بأن ما فعلوه في “أوسلو” أوصلنا إلى الحضيض، لكنه لا يأبه بالشعب كله ولا برأيه، وربما لقاء واحد مع “كري” أهم من  الشعب ورأيه. ورغم أن الإحتلال يقتل أبناءنا في الطرقات والمدارس والمستشفيات، إلّا أن لا الرئيس ولا حاشيته لم يدعُ قيادة العمل الوطني ولا حتى مرة واحدة للإجتماع لتدارس الأوضاع واتخاذ ما يناسب المرحلة من قرارات وبرامج، لكنه يريد تدجين غزة وإدخالها بيت الطاعة الأوسلوي، يريد تجريدها من سلاحها، ليسهل إخضاعها له وللإحتلال، يريدون تعميم الإستسلام ، هذه السلطة لا تعرف سوى ذلك وتبريره بكلام وطني لا يغني ولا يسمن من جوع يابني.

فقلت في محاولة للتخفيف من غضبه:

ـ يبدو أنهم تعلموا هذه المرة، فالإحتلال لن يعطيهم شيئاً، وهم قد أصبحوا عراة أمام الناس.

فردت الحاجة صبحة قائلة:

ـ لا تصدقهم يا بني،” علّم في المتبلّم يُصبح ناسي”، هؤلاء لا يتوبون أبداً، مثل العاهرات ـ لا تؤاخذني ـ فأنت مثل أولادي، انهم كالتي “خاطرها بذلك الشيء وخائفة من الحبل”، ليس لديهم مبدأ أو ضمير.و، وها أنت “متعلم” و”ياماشاء الله عليك” وتصدقهم، جاي تقول عيد الأستقلال، إستقلال مرة واحدة؟!!! فعلاً اسم الجمل قتله

     وسكتنا، بالأصح سكت كي لا أثيرهما أكثر، فلهما من الأولاد ثلاثة في سجون الإحتلال، وأطعم الله ابنهما البكر “الشهادة” في انتفاضة الأقصى، وأحد أبنائه المعتقل إدارياً لدى الإحتلال منذ ثمانية عشر شهراً، اعتقلته سلطة أوسلو وحققت معه طويلاً محاولة أخذ ما عجزت عنه اسرائيل من معلومات، ولما عجزت اعتفله الإحتلال إدارياً، إنه عمل متكامل بين جهازي المخابرتين!!!.

كان قد أنهى شرب شايه الذي كان قد برد في الكأس الذي أمامه، وأكمل وكأنه يتابع موضوعاً طال انتظاره لينهيه، فقال:

ـ لقد أضحوا مثل الأنظمة التي تراها أمامك، نظام عربي رجعي تابع، من يدفع أكثر له حصة أكبر فيهم… انظر مثلاً منذ ما يزيد على عام كامل مرت على حرب غزة الأخيرة، ماذا فعلوا لسكان القطاع المحاصر والمدمر والمريض والجائع؟ لماذا لم يطلبوا من نظام مصر أن يفتح المعبر بدلاً من إغراقه الحدود بمياه البحر التي تتداخل مع مياه الشرب وتفسدها؟  وهم مع النظام المصري يطبقون الحصار على غزة ليدخلونها قمقم التسوية ومن ثم الإستسلام. نعم هذا النظام الذي تغرق قرى الصعيد تحت مياه النيل منذ أيام ولا يحرك ساكناً، لم يبعث حتى مساعدة لإستخراج جثث الآلآف من سكان القرى الغارقة تحت الماء، وبدل المساعدة يمنع ذكر أي خبر عن الحادث!!! نظام بهذا الشكل خان ثقة شعبه به منذ اليوم الأول لمجيئه أتعتقد أنه مهتم لسكان قطاع غزة؟ هل سيفتح المعبر دون ضغوط؟ نظام يحكم بالإعدام على الآلآف من شبابه يمكن أن يهتم بغزة أوفلسطين؟نظام ما يزال يعتقل ويعذب ويقتل ويخطف ويغتال ، ورغم انتهاء حالة الحرب إلّا مع شعبه ، فهو ما يزال يحتفظ بما يسميه” المخابرات الحربية”الذي تحول لجهاز قمع وتعذيب لأي معترض أو صاحب فكر أو حتى حتى رأي!!!،هذا النظام يعلمهم ويدربهم على القمع، هؤلاء “المسالمين” مع الإحتلال يتفننون بقمع شعبهم، لقد حدثني “فهد” إبني ـ وضرب بيده على صدره وأكمل ـ عمّا فعلوه معه عند إعتقاله.

وسكت فجأة وكان يجول بعينية في أرجاء الغرفة وكأنه يبحث عن شيء ما، ثم قال وكأنه يدلي بخلاصة حديثه وعصارته:

ـ حجارة فلسطين هذه مقدسة كتينها وزيتونها، ألا تلاحظ أنها تتفوق على آلات قهرهم وترسانتهم التسليحية؟ لو كانت هذه السلطة سلطة شعب بشكل حقيقي، لدعمت حركة هذا الشعب وانتفاضته، لنقلت معركة السكاكين إلى الداخل المحتل، إلى المناطق الأكثر أمناً بالنسبة لهم ، لتجبرهم على إغلاق متاجرهم وشوارعهم وأسواقهم ومدارسم ووسائل نقلهم، لحرّمت عليهم أي نوع من أنواع الحياة ماداموا يحرّمونها على شعبنا، على الأقل لفرضت عليهم التعامل بالمثل، ولأغلقت آذانها كي لا تسمع نصائح المخصيين من ملوك وأمراء ورؤساء هذه الأمة المخصيين .

فقالت الحاجة صبحة قاطعة حبل أفكاره:

ـ لا تتعب يا حاج ” لا حياة لمن تنادي”.

  وسرحت متسللاً من بين كلمات الحاج  راجح وزوجته الحاجة صبحة، ولسبب ما تذكرت قصيدة الشاعر الكبير “أمل دنقل” وهو يقول :

عيد بأي حال عدت ياعيد                          بما مضى أم لأرضي فيك تهويد

                      نامت نواطير مصر “عن عساكرها”          أو حاربت بدلاً منها الأناشيد

       … وقلت في نفسي :إنهم لا يجرؤون على الحرب حتى بالأناشيد

                                                                                     محمد النجار