عبيد آل سعود يشترون لهم سيِّداً

لم أجد أفضل من التلفاز لأجالسه في ذلك اليوم، ولك أن تعرف مدى الألم الذي كان يحيط بي، وأنا، من عادتي مجالسة التلفاز في الأيام العصيبة فقط، ربما كي لا أفكر بأشيائي، بهمومي ومشاغل رأسي، وربما للهروب منها مختبئاً في تفاهات التلفاز من مسلسلات وأفلام وأكاذيب وتلفيقات على مدار الساعة. ولا أدري لأي سبب فتحت على قناة إخبارية على غير عادتي، فعادة ما أتخفى خلف الأفلام والمسلسلات، لكن ماذا دهاني وغير عاداتي في ذلك اليوم، فأنا لم أعد أعلم أو أتذكّر.

كان غضبي في ذلك اليوم منصباً على آل سعود، هؤلاء القوم الذي ما تختفي فضيحة من فضائحهم، وتكاد تنتهي روائحها النتنة، حتى تفوح من جديد، بشكل وطريقة تزكم الأنوف، فضيحة أو فضائح جديدة أو متجددة، فأعود أغضب وأشتم وأتساءل عن عمق النذالة فيهم، وكيفية إحتواء أجسادهم تلك، كل هذا القدر من الذل والمهانة والخصي والتأزم والأمراض النفسية والجهل والتخلف، بطريقة لن تجدها مجتمعة أبداً عند سواهم، لأتأكد من جديد أنني أمام حالة مريض ميؤوس منه، لا شفاء له، ولا مكان لطهارته، وما زال أمامي وأمامك وقتاً، وإن كان ليس طويلاً، حتى يموت ونستطيع دفنه، وعندها فقط تصير رائحة نذالته وعفونته من الماضي، وتأخذ تتبخر في البعيد من الأيام.

طرق بابي ودخل الحاج أبو إبراهيم كعادته في معظم الأيام، فحرمني من وحدتي، وقطع للحظات تواصلي مع التلفاز، وما أن جلس في مكانه المعتاد على الكنبة نفسها، حتى كانت تلك المحطة تعيد لقاءها مع سفير آل سعود في الأمم المتحدة، يرد فيه على سؤال صحفي يسأله:

ـ ” لماذا ما تزال دولتكم تقصف دولة اليمن؟”

فيجيب السفير “الذكي النجيب”:

ـ”إنني أشبه قصف بلادي لليمن بالرجل الذي يضرب زوجته”

ويضحك “سعادته”، يضحك طويلاً، ربما لأنه يَشْتَمّ رائحة دماء اليمنيين بين يديه، من نساء وأطفال وشيوخ، فهو كما قادته تثيرهم وتغريهم وترسم البسمة، بل الضحكة، فوق شفاههم، الدماء، وكلما كانت طاهرة زكية، كلّما أثارتهم أكثر وأكثر، لكن سعادة السفير لا يعرف أو يعلم، وربما، على الأرجح، لا يفهم، أنه لا يوجد في الكون رجلاً “مخصياً” أكثر من رجل يضرب إمرأة، فما بالك بزوجته كما يفعل ويفعلون، وأن من يلجأ لضرب الزوجة، إنما يعبر عن خمول ذهني وجفاف فكري وانحطاط بشري، وهو في كل الأحوال إنما يُعبر عن نقص في الرجولة، الرجولة بمعناها الإنساني بالطبع، فأن تفيض رجولك لضرب زوجك بدلا من الميدان ليس من الرجولة في شي،لأن هذه الثقافة، أينما وُجدت فهي بالأساس ثقافة الجهل والتخلف وإغلاق الأفق والعقل، يعني وبإختصار ثقافة بول البعير.

هكذا علّقت على المشهد الذي أمامي على غير عادتي، مثل مثقف حفظ شيئاً، من كتاب، عن ظهر قلب وصار يردده، وتابعت دون تعليق من الحاج أبو إبراهيم، بعد أن صرت أتوجه بالكلام إليه وكأنني أخاطبه:

ـ وهذه العادة المتوارثة لدى آل سعود، يحاولون توريثها بشتى السبل لكامل حدود المملكة وخارجها أيضاً، ولطالما أظهرت، عادتهم هذه، مدى خصي هذه القيادات البائسة، المريضة نفسياً، المتخلفة، والمتعجرفة المغرورة في الوقت نفسه، فهذه القيادات التي تقصف اليمن بكل جنون العنجهية والغرور، محاولة تقسيمه إلى طوائف ومذاهب وقبائل وأقاليم، رغم التداخل والتزاوج والتسامح بين كل الأ،طياف، هي مَنْ دعمت حثالات الأرض وجمعتهم في سوريا، وعملت جاهدة على تكريس الفتنة في العراق بين مكوناته الطائفية والمذهبية، وقدمت كل الدعم العسكري والمالي ل”سنته”، هي نفسها التي تحارب “سنة” فلسطين وتعرقل مشروعهم الكفاحي، وتعمل جاهدة لتفرض عليهم تسويات تقتل مشروعهم الوطني بكامله، لكنها وفي نفس الوقت تتبرع لرجل “السلم” نتنياهو بثمانين مليون من الدولارات لتساعده في النجاح في الإنتخابات، وتتبرع لكيانه بمائة مليون لبناء الملاجئ التي تحميهم من حرائق الغابات اليوم، ومن صواريخ حزب الله في حرب قادمة، وتدعم “التكاثر” السكاني للمستوطنات ببضعة مئات من الملايين!!!

قال الحاج أبو إبراهيم مُعلقاً، داخلاً كعادته، في صلب الموضوع دون مقدمات، وبدعاباته المعهودة:

ـ لا لا لا، لا تظلم القوم يا أبا علي، يقول البعض أن ذلك تم بالخطأ، تماماً كأخطاء  قيادات “بني أمريكا”، الذين قصفوا الجيش العراقي وقوات الحشد الشعبي والجيش السوري وقتلوا مئات المدنيين بدل أن يقصفوا الدواعش والقاعدة عن طريق الخطأ، وفقط عن طريق الخطأ، وآل سعود أخطأوا أيضاً ظانين أن كل مساعداتهم تلك تذهب الى غزة، لكنها وبقدرة قادر ذهبت في إتجاه غير الإتجاه، وفي نهاية الأمر “جل من لا يُخطئ” يارجل….صححني إن كنت مُخطئاً.

وتابع وقد بدأ يلف سيجارة من علبته المعدنية قائلاً:

ـ كل شيء كان على ما يرام، عندما كان “الجبير” يتصدر شاشات التلفاز!!! لكنهم يبدو أنهم أضاعوه وأضاعوا البوصلة من بعده، فلم يعودوا يتحدثون عن ضرورة “مغادرة الأسد” بالقوة إن لم يغادر بالسياسة، ولم يعودوا يهددوا مصالح روسيا أو رشوتها بعرضهم عليها مائة مليار مقابل التخلي عن سوريا… إن شيئاً ما قد حصل منذ إختفاء الرجل، اللهم اجعل العواقب سليمة، تُرى أتعرف كيف اختفى أو أين ولماذا؟!!!

وأمام وجومي وبلاهتي، وعدم سرعة بديهتي وإدراكي لمزاحه وعبثه، وفي نفس الوقت توهاني بين حروف كلماته دون أن أعلم ماذا يريد بنقلي هذه النقلة، وما علاقة “الجبير” بما أقول، أكمل حتى دون أن ينظر باتجاهي:

ـ على كل حال “حجة الغائب معه”، لكنني سمعت أنهم سيرسلون منادياً يبحث عنه في عمق الصحراء منادياً قائلاً: “ياسامعين الصوت صلّوا على محمد، مَنْ رأى منكن “الجبير” أو من يُشبهه، حياً، ميتاً، أو ما بين بين، عليه ابلاغ السلطات وله “نصفه”، أو بدل “الحسنة” أضعافها”، عملة ورقية أمريكية، واضحة الترقيم جديدة الأوراق لمّاعة، من البنك المركزي تسير الى جيوب الرابح، كزرافات عاريات مختالات، والله على ما نقول شهيد…

وابتسمت رغم امتعاضي وعدم فهمي في أول الأمر، فكلمات الحاج عادة ما تُشعرني بالغبطة والسرور، لكنه المذيع من جديد، وكأنه لا يريدني إلا غاضباً، أو كأنه لا يوجد في الكون سوى آل سعود، فابتدأ في الوصف والتحليل، وكان يُلخص ما قاله:

ـ بعد انتخاب “ترامب”، و”عداؤه” لآل سعود، كونه يريدهم أن يدفعوا أكثر، استجلب هؤلاء رئيسة وزراء بريطانيا لإجتماع مجلس التعاون الخليجي، وعقدوا معها صفقات أسلحة بالمليارات، لتحمي عروشهم، ليسعيضوا عمّن ضربهم بحذاه، وعقدوا معها صفقات تدريب وتعليم لجيشهم…

فقلت معلقاً وكأنني أتحدث مع التلفاز:

ماذا سيعلمونهم؟ على رأي المثل” علّم في المتبلم يُصبح ناسي”، أليس هذا الجيش من يُطالب بالدبابات المُكيَّفة؟!!! أليسوا هؤلاء من يهرب من وجه حفاة اليمن في نجران وعسير وجيزان؟

لكن المذيع لم يتوقف، وعلق الحاج أبو ابراهيم من جديد:

ـ يبدو أنهم يريدون حليفاً جديداً، لأن رئيس أمريكا المنتخب يُلوح لهم بعصاته… لكن ياتُرى أين إختفى الجبير؟!!! منذ فترة طويلة لم نرَ وجهه السمح على شاشات التلفاز.

قلت، ونظرت إلى تقاسيم وجهه العابس، ورأيته يُحاول الأمساك بإبتسامة تتفلت من تحت شاربيه:

ـ كلا ياحاج، كلا، هؤلاء ما تعودوا أن يكونوا حلفاء لأحد، هؤلاء توابع، عبيد، وبعد أن تم تجميد أموالهم من سيدهم الأمريكي، من خلال قانون “جاستا”، صاروا يبحثون عن سيد جديد لهم، دافعين “ما فوقهم وما تحتهم” ليجدوه، فهؤلاء مهما حاولوا التطاول يظلوا مجرد أقزام، ومهما حاولوا التسيد يبقوا عبيداً، لكن ليس أي نوع من العبيد، إنهم من ذلك النوع الذي لا يرى نفسه إلا عبداً، لا يعرف ولا يقبل أن يكون حراً، فبعد طردهم من تحت العباءة الأمريكية مسلوبة ثروتهم، لم يحتجوا أو يُجادلوا أو يغضبوا لفقدان تلك الثروة، بل على فقدان سيدهم، وسرعان ما صاروا يبحثون عن سيد آخر، وبحذاء ثقيل أيضاً، فاهتدوا إلى الحليف المؤسس لمملكتهم، بريطانيا العظمى، دافعين ما تبقى في مملكتهم الظلامية من زيت وغاز، مشترين سيداً جديداً ليتملكهم…أرأيت أكثر من هذا الذل ذلاً!!!

فقال الحاج أبو إبراهيم، وقد ابتلع كومة من الدخان من ذيل سيجارته، وصار ينفثها في الهواء مغيراً من نوع الهواء وتماسكه:

ـ نعم صدقت، إنهم يريدون شراء سيداً جديداً، لكن ليس هذا ما يشغل بالي، إنما أين ذهب الجبير؟ ألم تره هنا أو هناك؟

قفزت ابتسامة من بين شفتي دون رغبة مني، ووجدتني أضحك وتسيل دمعات عيني، وقلت من بين ضحكاتي:

ـ قاتلك الله يا رجل… مالك وما للجبير، أنا أتكلم عن العبيد وليس عن عبيد العبيد!!!

فقال دون أن يغير من طريقة جلوسه، وما زال ينفث الدخان من بين شفتيه:

ـ نعم، إنني أفهم ما تقول، لكن كل الأمر يعتمد على هذا الغلام…إنه غلام الملك الحالي والقادم، لماذا تستخف به ولا تعرف مقدار حجمه؟!!!

قلت بعد أن توقفت عن الضحك:

ـ هذا غلام الملك، و”مشعل” يتمنى أن يكون من حريم “السلطان العثماني”، ما الذي يجري في هذا الزمن؟ ما لي أراهم يميلون نحو “التخنيث”؟ “أيبسطهم” الأمر إلى هذا الحد؟ أم أن الأمر لا يعدو عن صيغة منحطة من صيغ التزلف والتملق وتقبيل الأقدام؟!!!

فقال الحاج معترضاً:

ـ أرأيت؟ عندما لا تعرف أقدار الناس تصل إلى ما وصلت إليه، تدخل في التفاصيل وتبتعد عن الجوهر، ما الذي لا يعجبك في هذا الغلام الأجرد الأحلس الأملس الأعزب؟

فقلت مجارياً الحاج فيما يريد، رغم أن أشد ما يغيظني فيه، أنه يتحكم في ضحكاته، حتى تخاله في قمة جديته، فلا تعد تعرف إن كان جاداً أم هزلاً:

ـ وما هو هذا الجوهر ياحاج؟

فقال بسرعة بديهته وسرعتها:

الجوهر أن على هذا “الغلام” تتوقف مصائر دول ومصائر شعوب، في يده الحرب والسلم والحل والربط… تسأل وكأنك تجهل الأمر، أتستطيع أن تخبرني كيف سنعرف مصير “الرئيس الأسد” إن ظل الجبير مُختفياً؟!!!

وأطلقت ضحكة من جديد، وبدأت إبتسامة الحاج تتفلت من بين شفتيه وتتسع، وتخرج مع دخان سيجارته واضحة ساطعة رغم كثافة الدخان…قلت:

ـ صحيح صحيح، “نسيت أن البعوضة تُدمي مقلة الأسد” ، فكيف إن كانت تلك البعوضة بحجم غلام كالجبير؟!!!   فقال وقد أخذ يستحضر ما تختزنه ذاكرته من أشعار:

ترى الرجل النحيف فتزدريه       وفي أثوابه أسد هصور

فقلت وقد كدت أعانق المصطبة من شدة الضحكات:

ـ آه… نعم…لا تنسى “الأسد” الآخر، وزير خارجية الشيخة موزة “حماها الله”، فكلاهما كاسر مفترس…              فقال الحاج معترضاً:

ـ لا يا أبا علي، هذا من مشيخة “النعاج” حسب فلسفة رئيس وزرائه واعترافه.                                          فقلت موضحاً بدوري:

ـ نعم صدقت، ولك أن تتخيل أن هذه “النعاج” تتطاول على “الأسود”!!!مشيخة موزة تتدخل في سوريا والعراق وليبيا ومصر وتونس، تقسم السودان لقسمين!!! فعلاً المشكلة أن مثل هؤلاء هم من يقودون المرحلة، وبيدهم يتم تدمير الأوطان، مجموعة من “التُفّه” يتحكمون بوطن كامل من المحيط الى الخليج، بترابه وشعبه وخيراته… أتصدق ذلك؟!!!

وتناقشنا وضحكنا ووقفنا أمام تساؤلات الحاج ابو إبراهيم، عن سر غياب الجبير كل هذه المدة، التي ظل يحقق فيها الجيش السوري والجيش والحشد الشعبي العراقيين، وجيش اليمن ولجانه الشعبية، إنتصاراتهم المتتالية،  وتساءلنا إن كان يعتقد جهلاء آل سعود أنهم بتغييبه إنما يُغطون إنتصارات شعوبنا …

محمد النجار

لمــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاذا؟!!!

ظلّت الكثير من الأسئلة تدق رأسي دون هوادة، خاصة بعد بعض الحوارات ،المُصرّة على قلب الحقائق، مع البعض، والذين لا يريدون أن يروا ما يدور في منطقتنا، من حرب كونية على مقدراتنا وتاريخنا وبلادنا وشعوبنا ، إلا حرباً طائفية!!! فلا أمريكا تطمع بنا وبخيرات بلادنا، ولا “آل سعود” هم رأس الأفعى في المنطقة، ولا ما يتم لمصلحة الكيان الصهيوني!!! ولا….إلخ، بل إن إيران”الشيعية”، هي فقط السبب وراء الحروب وإدامتها واستدامتها، ومعها حزب الله طبعاً، ولا يمكن أن تنتهي الحرب إلًا بعد الخلاص من إيران “الشيعية”، تاريخاً وطوائف ومذاهب وحتى جغرافيا إن أمكن!!! الأمر الذي يعني طبعاً إدامة الصراع واستمراره إلى آخر إنسان في الجانبين، وبهذا نكون نحن”السنة” قد نظفنا بيتنا من الداخل ونتفرغ لحرب الكيان الصهيوني!!! كلام خالٍ من أي منطق، فلماذا لا يمكننا أن نضع أيدينا مع إيران، ونتخلص من الكيان الصهيوني أولاً، فهذا لا يصح، ولماذا لا نتخلص من الصهاينة وحدنا ثم نرى أمورنا مع إيران فلا يصح أيضاً، فلا يصح معنا نحن “السنة” إلا إستعداء إيران فقط، وتحويل الصهاينة إلى حلفاء محتملين!!!

هكذا قال محاوري في حوارنا الأخير، فازداد طرق السؤال رأسي، لماذا، وازدادت الأسئلة التي تبدأ به أكثر، فتجاهلت “كيف ومتى وأين وهل ومن وإلى متى”، لأنني لو طرحت كل ما يدور في رأسي من أسئلة لما أنهيت مقالتي هذه أبداً، وعليه سأطرح فقط بعض ما يدور في رأسي من أسئلة تتعلق ب”لماذا”، منوهاً أنني لست من أنصار لا الدول الدينية ولا الأحزاب الدينية، وأنني أرى أن العلاقة بين الإنسان وربه علاقة تخصه وحده، ولا يحق لأي كان التدخل بها، لا من قريب ولا بعيد، كما أنني لاحظت أن كل أصحاب النظرة الطائفية والمتمسكين بها، معجبين أشد الإعجاب بالنظام “الغربي”، والذي لا يفرق بين أبنائه لأي بسبب، دين أو لون أو جنس أو معتقد، لكنهم “عندنا” يريدون مجتمعاً بلون واحد فقط، هذا إذا ظل هناك لون بعد الصراع الدائر….

ولنبدأ بالأسئلة، التي أرجوا أن لا يجيب عليها أو يقرأها أحداً من المتعصبين، من أي طرف كان، وهي أسئلة برسم التفكير لكل مَنْ يدعي أن الصراع الدائر في منطقتنا ما هو إلا صراع طائفي، وليس صراعاً سياسياً في جوهره، مغلفاً بغلاف طائفي:

  • لماذا إصرار الدول “السنية” على حرف إتجاه البوصلة، من فلسطين وتحريرها، ومن العداء للصهيونية إلى جعل العداء لإيران؟ وهل صحيح أن “طويل العمر” ملك آل سعود، دعم بناء المستوطنات بعشرات ملايين الدولارات؟ ودعم حملة إنتخابات نتنياهو ب80 مليون دولار، كما نؤكد الصحافة العبرية؟

  • إذا كان الصراع طائفياً لماذا إذن لم تقم “الدول السنية”، وعل رأسها دولة “آل سعود”، بمحاربة إيران أيام الشاه؟ أم أن إيران كانت “سنية”آنذاك؟

  • لماذا تم افتعال حروب متتالية مع إيران بعد إنتصار الثورة مباشرة؟ رغم أن الإنجليز “حلفاء” الدول السنية “وأبرز داعميهم حتى اليوم (هم مَن سلم الأهواز لإيران، تماماً كما سلّم الفرنسيون لواء الإسكندرونة لتركيا والإنجليز  لمناطق نجران وعسير وجيزان لآل سعود أنفسهم)، وكذلك سيطرت إيران على الجزر الإماراتية أثناء حكم الشاه، فلماذا لم تحارب الدول “السنية” وعلى رأسها آل سعود الشاه “الشيعي” ولم نسمع من هذه “الدول السنية” ولو كلمة واحدة بهذا الشأن آنذاك؟. بل إن علاقتهم مع الشاه كانت استراتيجية، وهو من ساعدهم على ضرب القوى الثورية التي نشأت في بلادهم!!! ولم نسمع “بسنة أو شيعة”، ولا عن اي دور “تشييعي” لإيران في المنطقة.!!!

  • لماذا اكتشف حكام الدول “السنية”، “شيعية إيران” بعد أن تم رفع العلم الفلسطيني فوق سفارة”إسرائيل” الموروثة من عهد الشاه، وتحويلها لسفارة “فلسطين”؟ وفي نفس الوقت الذي إبتدأت أمريكا بفرض حصارها على إيران؟

  • وما دام الموضوع هو “سنة وشيعة”، فلماذا تقيم هذه الممالك والدول والحكام “السنة”، أرفع العلاقات وأكثرها تطوراً، مع دولة أذربيجان “الشيعية”، صاحبة العلاقات الأكثر تميزاً بالكيان الصهيوني، وخاصة من الناحية الأمنية، التي تضر أول ما تضر بقضية”العرب السنة” في فلسطين؟!!!

  • لماذا، والأمر كذلك، لم تدعم الدول “السنية”وعلى رأسها بلاد “مملكة الخير” وقيادتها، آل سعود، الفصائل “السنية” في فلسطين، بعُشر ما قدمته لما إستجلبته من حثالات بشرية لتدمير أوطاننا في سوريا والعراق وليبيا واليمن و”الحبل على الجرار”؟ وتركت الأمر لإيران”الشيعية” لدعم فلسطين “السنية” وفصائلها؟ وتركت خلايا “حزب الله الشيعي” يدرب ويعلم وينقل السلاح ويُهربه إلى القطاع المحاصر، وتُعتقل بعض خلاياه في الدولة المصرية “السنية”؟ ولم تقدم أي نوع من الدعم للقضية الفلسطينية “السنية”، على مدار 68 سنة من عمر القضية، ولا حتى فتوى واحدة من شيوخ “السنة” العباقرة في بلاد آل سعود، بل أنها أوقفت حتى التبرعات لهذه القضية…

  • لماذا لم تقم الدول “السنية” بمحاربة محتلي المسجد الأقصى المبارك” أولى القبلتين وثالث الحرمين” رغم مرور 49 عاماً على إحتلاله، وشيوخ فتنتها كما القرضاوي “ينبحون” لمحاربة سوريا لنشر الديموقراطية هناك؟!!! ويستعيذ الله متبرئاً ممن يقولون بمحاربة “إسرائيل” بعد الإنتهاء من سوريا، ويشحذ من أمريكا المزيد من التدمير لبلداننا، ” ضربات لسوريا من أجل الله ياأمريكا”، الغريب أن البلاد والمقدسات محتلة من”اليهود الصهاينة” وهم ينادون بالديمقراطية في بلدان يحكمها “مسلمون”!!! والأغرب أنهم يريدون الديمقراطية التي يمنعونها في بلادهم، والإنتخابات التي لم يجرونها يوماً، والدستور وهم لا يملكون دستوراً… مع ملاحظة أن كاتب هذه السطور من أشد مؤيدي حرية الرأي والفكر والتعبير والإختيار، وضد كل أنواع التمييز الديني أو العرقي أو المذهبي والطائفي، أو اللون أو الجنس أو العرق، ومع تشكيل الأحزاب إلّا الدينية منها، والتبادل السلمي للسلطة.

  • بل لماذا تبرعت “مملكة الخير” أطال الله عمر قادتها آل سعود”، بفلسطين، في رسالة موثقة عبر الحلفاء الإنجليز، إلى “المساكين اليهود” أو حتى “إلى غيرهم “كما ورد في الرسالة؟ أعيد “تبرعت” بفلسطين وكأنها من بقايا موروث آبائهم العملاء الفاسدين المتخلفين الجهلة”!!!

  • لماذا لم تستخدم “مملكة الخير”ودول النفط “السنية”علاقاتها بالغرب، أو بالنفط، أو أموال النفط، لدعم قضيتها الأولى قضية فلسطين”السنية”؟

  • لماذا حارب آل سعود “السنة، الثورة الناصرية”السنية”، متحالفاً مع شاه إيران “الشيعي”؟ وراعيتهما أمريكا، أم أنه لم يكن “شيعياً” وإنما نحن الجهلة  المفتقدين للثقافة نعتقد ذلك؟ ولماذا إستدعت الحرب عليه من إسرائيل في حرب 67، معتبرة في رسالتها أن نظام ناصر إذا إستمر دون تدمير حتى سنة 70 فإن نظام “آل سعود” لن يعيش أبداً ليصل لعام 1970، أم أن الصهاينة هم صهاينة “سنة”؟

  • وما دام الأمر طائفي، لماذا إستُجلبت “القاعدة “من العالم إلى ليبيا لتدمير بناها التحتية، وذبح عشرات الآلاف من البشر “السنة”، وتدمير أول شيء النهر العظيم الذي خضّر حتى الصحراء الليبية؟ وأين الشيعة في ليبيا؟ وأين الشيعة من مصر التي يحاولون تدميرها وتقسيمها ؟

  • لماذا ترتضي الدول “السنية”، قائدة الثورة”السنية” في الوطن العربي، ل”تنظيماتها ومناضليها في جبهة النصرة وداعش وأحرار الشام وجيش الإسلام في سوريا” أن يُعالجوا في المستشفيات”الصهيونية” ويزورهم ويلتقيهم “نتنياهو” نفسه، وكل وسائل إعلامهم، ووسائل إعلام الأنظمة “السنية” تغطي على الأمر وتمنع نشره في وسائل إعلامها، وكأنها بذلك تحجب الحقيقة؟ وكيف ترتضي لقيادة الثورة “السنية” في سوريا بالتبرع بهضبة الجولان لإسرائيل مقابل دعمها بإسقاط الأسد؟ كما وكيف ترتضي للثوار”السنة” بالتدرب على أيدي ضباط الصهاينة، وأن يقود عملياتهم في غرفة عمليات “موك” في الأردن ضباطاً “إسرائيليين” بجانب ضباط من طرف آل سعود وأمريكا والأردن؟ والآن يقوم الصهاينة بإنشاء غرفة عمليات مشتركة مع ” المناضليين الجهاديين السنة” من “جبهة النصرةـ تنظيم القاعدة في بلاد الشام ـ لإقامة شريط عازل في الجولان على غرار ما تم في جنوب لبنان؟

  • لماذا لا يُحارب آل سعود، كقيادة للدول “السنية” أمريكا، التي أسقطت القيادة العراقية السنية “صدام حسين” ، بل إستدعت أمريكا وتحالفاتها لإسقاطه بعد أن رفع شعار”نفط العرب للعرب”؟ وفي الوقت الذي رفضت فيه إيران “الشيعية” أن تفتح أراضيها للغزو الأمريكي للعراق ، رغم محاربته لها 8 سنين طوال، فعلت ذلك دول النفط وغير النفط “السنية”، من مصر إلى دولة آل سعود إلى دولة “النعاج” كما سمّاها رئيس وزرائها آنذاك حمد الصغير، إلخ؟  بعد أن حاصروه وقتلوا من شعب العراق ما يزيد عن مليون طفل فقط بسبب حصارهم…

  • لماذا لا تُحرضون “السنة” في لبنان وتدعمونهم بالصواريخ كما فعلت إيران مع حزب الله، لمحاربة إسرائيل، خاصة وأن لديهم قيادة ثورية مثلكم (من الحريري إلى السنيورة إلى فتفت “شرّيب الشاي” مع الجيش الإسرائيلي، إلى ريفي)؟ ولماذا تحالفاتهم فقط مع جعجع وأمثاله، أحد أهم أبطال مجزرة صبرا وشاتيلا، القاتل المحكوم في المحاكم اللبنانية نفسها؟

  • لماذا دعمتم يا آل سعود، ياقادة “السنة”، إثيوبيا، الدولة التي ـ ربماـ من أكثر الدول الإفريقية تعاوناً مع “إسرائيل”، في بناء سد النهضة الذي يحرم الدول “السنية” العربية”مصر والسودان”من المياه، يعطش شعبهما ويصحر أراضيهما، وبتعاون مباشر مع إسرائيل؟

  • لماذا أصبحت إيران دولة نووية رغم حصاراً أمريكياً ودولياً ومنكم أنتم أنفسكم أيها الدول “السنية”، وآل سعود على رأسكم، وصار عندها ما يقرب من الإكتفاء الذاتي إقتصادياً، وأنتم بدلاً من أن تتعلموا منها، وتثبتوا لها أنكم “السنة” لستم بأقل شأنا، فإنكم ما زلتم تعتمدون في إقتصادكم بنسبة أكثر من 90% على النفط، وبدلاً من طلب مساعدتها تحاربونها، وأنتم أيها الكسالى الخائبين، يا آل سعود، ما زلتم تستوردون خضارا ،فقط خضـــــــــــــار، من مختلف دول العالم بأكثر من 30 مليار دولار، أقول مليار وليس مليون، في العام الواحد، وتستوردون المياه بأعلى من أسعار نفط شعبكم المنهوب…وصارت “سلة غذاء الوطن العربي”، السودان، التي تمتلك 30 مليون رأساً من الأبقار، وخمسين مليون رأساً من الماعز ومياه النيل وعشرات الأنهار الأخرى، صارت صحراء وجائعة وجاهلة ومتخلفة وتبيع أبناؤها لآل سعود ليقتلونهم في حرب اليمن، ويمزقها الفساد والبيروقراطية,… رغم “سنيتها” وتطبيقها للشريعة الإسلامية السنية أيضاً.” في هولندا مجرد مليون رأس من الأبقار، وبدون “سِنّة” ولا “شريعة”، صارت من صفوف الدول الأولى في العالم في تصنيع الأجبان والشوكولاتة، وبدون أمية ولا فساد ولا إفساد. أما السودان الذي  إتبع نصائح “سنة” قطر وآل سعود فتقسمت بلاده إلى قسمين، وبدلاً من الإهتمام بمصالح الوطن والمواطن، يقوم بمحاكمة فتاة تلبس بنطالاً أو أخرى تتزوج مسيحياً، لكنها لم تحاسب فاسداً واحداً أو لصاً واحداً.

  • لماذا تتقدم الدول “السنية” دول العالم في الفشل والجهل وتفشي الأمراض والأمية، مصر والصومال وموريتانيا واليمن والسودان والباكستان وأفغانستان.

  • لماذا لم تستثمر الدول الغنية “السنية” أموال خيرات شعبها، في الدول “السنية” المحتاجة لذلك، بدلاً من إبقائها في بلاد الغرب وبنوكها؟ مثل مصر والسودان واليمن، الأمر الذي يُطور هذه الدول ويقضي على البطالة والفقر، ويجعل الدول المستَثمِرة رابحة في نفس الوقت. أم أنهم يدركون أن أمريكا لن تسمح لهم بذلك، وربما تصادر هذه الأموال شاهرة في وجوههم ملف حقوق الإنسان كما هو متوقع!!!

  • لماذا تصر قيادة الدول “السنية” لمحاربة كل من يحارب أمريكا وإسرائيل، ولشيطنته وملاحقته وتوقبف قنواته الإعلامية؟، وكما دفعت أمريكا بإعترافها، ما يفوق على 500 مليون دولار لتشويه صورة حزب الله، هكذا تفعل الدول “السنية” بقيادة آل سعود مع فصائل المقاومة العراقية التي طردت الأمريكي خارج العراق في 2011، ومن بينها بعض فصائل الحشد الشعبي في العراق، أو مناهضوا سياسة التدمير التي أنتجها آل سعود في اليمن من “أنصار الله” وغيرها من فصائل إسلامية ويسارية…

  • لماذا يُحارب آل سعود”السنة”، أعداء أمريكا وإسرائيل، ليس في المنطقة فقط بل والعالم أيضاً؟ وتكيل لهم كل التهم وتدفع الأموال من جيب شعبها، لتحصد أمريكا الثمار، وهذه مجرد أمثلة على ذلك:

ـ دفع آل سعود “السنة” مبالغ طائلة بعد فوز الحزب الشيوعي الفرنسي، وكذلك الحزب الشيوعي الإيطالي في إنتخابات بلادهم، للأحزاب الأخرى كي لا يدخلوا في تحالفات معهما كي لا يستطيعا تشكيل حكومات كل في بلدهما، هل كان أولئك شيعة؟ وهل إعتدوا على سيادة بلدان العرب أو المسلمين؟ وبأي حق يتدخل آل سعود في شؤونهم الداخلية؟ ولمصلحة مَنْ؟ أليس لمصلحة أمريكا وبأموال العرب؟!!!

ـ دفع الأموال لشراء البشر والسلاح وبشعارات دينية لمحاربة الإتحاد السوفييتي السابق، لتعود أفغانستان للحظيرة الأمريكية وبأموال عربية، هل كان السوفييت شيعة وأمريكا دولة سنية؟!!! وما شأن آل سعود بذلك؟ ولماذا سكتوا عن تحويل أفغانستان “السنية” إلى دولة فاشلة؟

ـ دعم آل سعود أعداء الثورة الساندينية، بالمال والسلاح، الكونتراس، كي لا يصل أعداء أمريكا للحكم آنذاك، وزهقت نتيجة ذلك عشرات آلاف الأرواح، ودمرت البلاد، بأموال العرب ولمصلحة أمريكا، فهل كانت الثورة الساندينية “شيعية”؟ وبماذا أساءت للسعودية لتقف موقفها ذلك؟

ـ أغرق آل سعود السوق بالنفط وأنزلوا سعره من 120 دولاراً للبرميل إلى أقل من 30 لكي يضربوا الإقتصاد الفنزويلي المعادي للأمريكي وكذلك الروسي المنافس له، وليضربوا الإقتصاد الإيراني أيضاً، فإن كان هناك خسارة بيِّنة لإيران في مليون برميل تصدره في اليوم الواحد كبيرة ومؤثرة، فإن خسارة آل سعود كانت أحد عشر ضعف الخسارة الإيرانية، كونها كانت تبيع أحد عشر ضعف المنتج الإيراني، ومن الرابح من جراء ذلك؟ أمريكا بالتأكيد، وآل سعود”جكر في الطهارة يشخون في لباسهم”.

  • ما دام “الدواعش” وجبهة النصرة، وما شابههم من حثالات بشرية “ثواراً”، لماذا يذبحون الناس ويفجرون أنفسهم في المساجد والأسواق الشعبية، ويصرخون”جئناكم بالذبح” هل هذا الإسلام “السني” الذي يريدون حكمنا به؟ وهل لائحة النساء في زواج النكاح اللواتي يُطلقن ويُزوجن بأوامر “سنية شرعية”ما يقرب من عشرين مرة في اليوم الواحد، ويدفع لها ثمن النكاح، هل هذا من الإنسانية في شيء؟ وهل هو من الديانات لا سيما المذهب السني في شيء؟ وهل يختلف عن بيوت الدعارة في شيء؟ولماذا تركت الدول الغربية القتلة للقدوم إلى سوريا والعراق وسهلت مرورهم؟ ولماذا ساعدتهم أمريكا وقطر وآل سعود؟ وإن كانت تريد أمريكا محاربتهم لماذا تركتهم يتدربون تحت سلطتها وبسلاحها وفي معسكراتها في تركيا وليبيا، ولماذا لم تقدم للجيش العراقي حتى الآن السلاح المطلوب، رغم أنه دفع ثمنه منذ سنوات؟ وماداموا يريدون محاربتهم لماذا جلبوهم إلى ليبيا “السنية”، والتي ليس بها من الشيعة أحد؟ وكيف لم يروا الأسطول البحري الذي يزيد عن 3000 صهريج وينقل النفط المسروق من العراق وسوريا ويتوجه الى تركيا واسرائيل؟ وكيف سمحوا لدويلة الشيخة موزة بشراء 3200 عربة تويتا مجهزة للقتال من اليابان ويدخلونها من تركيا إلى سوريا؟ وكيف لم يرَ الأمريكان مئات الآليات والدبابات ومدافع الهاون والصواريخ التي تتنقل في العراق وسوريا وما بينهما على مساحة آلاف الكيلومترات المربعة؟ في الوقت الذي ترى فيه لو مجرد مناضل فلسطيني واحد في قطاع غزة وتقصفه، لكنها لا تقصفهم؟ وكيف لم تر نقلهم بطائرات تركية وقطرية إلى جنوب اليمن؟ ولماذا قام آل سعود “السنة”وكذلك دولة قطر”السنية” بعزل الجنرال “السني” السوداني”الدابي”، الذي بعثته الجامعة العربية للتحقيق في أحداث سوريا منذ بدايات احداثها، عندما إتهموا النظام بقتل المتظاهرين، وعاد ليقول لرئيس وزراء قطر السابق “حمد الأصغر”، إوقفوا دعمكم وتسليحكم للإرهاب، تتوقف الحرب في سوريا، فكان نتاج تقريره عزله ووقف مهمته.
  • لماذا لم نرَ أو نقرأ أو نسمع رغم كل عمليات التفجير في المساجد والكنائس والأسواق، وتدمير الآثار والتاريخ، والتقتيل والذبح في كامل الفسيفساء العربية، من المناضلين “السنة”، عن أي عملية ضد الكيان الصهيوني، ولو عن طريف الخطأ؟ ولماذا يقتلون من “السنة” أكثر ما يقتلون من المذاهب والطوائف الأخرى، لكل من لا يتطابق وآراءهم؟ وفي المقابل لماذا لم نسمع عن “شيعي”يفجر نفسه في مناطق السنة؟بل أن “الشيعة”في الحشد الشعبي، “والذي يضم في صفوفه عشرات آلاف “السنة”، هم مَنْ يُحرر المناطق “السنية”، لاحظ “السنية” من براثن داعش وأخواتها، ولماذا لم يتوجه الدواعش للمناطق الشيعية في وسط العراق وجنوبه ليحتلوه ماداموا يريدون القضاء على “الرافضة”؟ بل داهموا المناطق “السنية” فقط وذبحوا أهلها ودمروا بنيانها واغتصبوا نساءها؟ ولماذا لم نسمع هذا التقسيم الطائفي عن “سنة وشيعة” بين الأكراد؟

  • لماذا، وهذه ال”لماذا”، كان يجب أن تكون في البداية ربما، لماذا يعتقد هؤلاء “المناضلين السنة”، ومن خلفهم داعميهم وأولهم آل سعود، أن الجنة من حقهم ونصيبهم حصراً ودون غيرهم؟ فلا نصاً يؤكد ذلك، ولا منطق أيضاً، فمذاهب الإسلام من”سنية بمذاهبه الأربعة” الشافعي والحنفي والحنبلى والمالكي” وفرقها من السنية والإباضية والشيعية، يتفرع عنها: أهل الحديث والسلفية والأشاعرة والماتريدية والمرحبة والمعتزلة والجهمية والصوفية والإثنا عشرية والزيدية والأصولية والأخبارية والشيخية والإسماعيلية والنزارية والمستعلبة والعلوية والأذارفة والنجدات والأحمدية والقرآنيين والبهرة  …إلخ والتي تصل الى 73 فرقة، كلها تدّعي أنها تمثل الإسلام “الصحيح”، وكيف  يستطيع هؤلاء التفكير أن لهم ميزة على الطوائف الأخرى وعلى الأديان الأخرى بما فيها الديانات الوضعية، عدا أن ليس لهم فضلاً أو ميزة حتى على ما في طائفتهم نفسها، ألم يحن الوقت ليتدينوا كما يريدون لكن بإبعاد الدين عن السياسة، ألا يكفي ما فعله الدين المسيس في البشرية جمعاء؟ تخيلوا 73 فرقة ومذهب إسلامي، ومثلها أو أقل قليلاً من الديانات الأخرى، والجميع بدون إستثناء يدعي أنه الصحيح، وإلا لغير مذهبه لو كان لديه شك فيه، فلو أراد كل طرف فرض رؤيته على الآخر ماذا يمكن أن يتم في عالمنا العربي؟ تخيلوا إلى أين يمكن أن توصلنا التقسيمات الطائفية والدينية، وربما لو تبعنا العرقية والقومية أيضاً، ستصبح أكبر دولة عربية حسب طائفتها ومذهبها أصغر بكثير من ملعب كرة قدم، دولاً متحاربة متذابحة إلى مالا نهاية، هذا إذا لم نفنِ بالحروب بعضنا بعضا!!!

  • لماذا لا يترك هؤلاء الدين لصاحبه، الله، ولماذا يتدخلون بصنع الله بخلقه؟ ومن أعطاهم الحق بذلك؟ فالدين كما ذكرنا لله والوطن للجميع، فلنترك ما لله لله، ولنتضافر لإعلاء صرح الوطن، ولا نترك أحداً ليتدخل في شؤون الله تحت أي إسم أو ذريعة، فهذه العلاقة بين الإنسان وربه من أشد العلاقات شخصية وخصوصية، ولا يحق لكائن من كان أن يتدخل بها، أما شيوخ الفتنة الذين بحرضون على العنف في أوساط فقراء الشعب وبغض النظر من أي ديانة أو طائفة هم، فنسألهم لماذا لا تبعثون أبناءكم ليفجرون أنفسهم ويصعدون ليحجزوا لكم مكاناً في الجنة؟ وإن كانوا “ملوا زوجاتهم”ويريدون الحوريات، فلماذا لا يذهبون هم أنفسهم ليفجروا أنفسهم ويصعدون الى السماء، بدلاً من تحريض الفقراء ؟ ولماذا لا يعطون الفقراء جزءً من جنانهم الأرضية إن كانوا بهذا الإيمان الذي يدّعون؟ولماذا يبعثون أولادهم وبناتهم إلى بلاد الغرب “الكافرة”، ويبعثون أبناء الفقراء لتفجير أنفسهم في خلق الله وعباده؟ وأكرر من أين لهم التأكد من صحة طائفتهم أو مذهبهم؟ ومن أين يعرفون أن لهم الجنة دون غيرهم؟ بل من قال أصلاً أن لهم الجنة؟، فالله ،حتى الله الرؤوف الرحيم، لا يرحم العملاء والمجرمين…

محمد النجار

الأرنب الشجاع

ما أن إنتهى من قراءته للحكاية، الأمير الشاب محمد بن سلمان “أطال الله عمره”، حتى كسا وجهه الغضب الذي ارتسم على تقاطيعه الشابة، الذي تكسوه لحية خفيفة علائم الرجولة والموضة والثقة بالنفس. وصرخ سائلاً قائلاً:

ـ لا لستُ كالأرنب، من الذي بتجرأ بالكتابة عني بمثل هذه الأشياء؟

وأمام سؤاله المتربص بالحاشية لم يستطع أحد الإجابة، فعاد للصحيفة التي أمامه من جديد، ناظراً بحقد وكره شديدين الى تلك السطور، كادتا أن تمزقا الأوراق وتنثرهما في سماء الغرفة، وأخذ يدقق في تلك الكلمات التي كانت تقول:

ومثل الأمير في هذا، مثل الأرنب الذي كان سائراً جائعاً تائهاً في الغابة على غير هدى، وكلما مشى أكثر كلما تعب أكثر، وكلما زاد تعبه تصاعد جوعه وثقلت رجلاه وأعياهما التعب أكثر، وفجأة، وقبل دخول الليل ليفرد ظلامه في المكان، فإذا بالأرنب يرى في مكان قريب، وبين مجموعة أشجار ضخمة شكلت ما يشبه الدائرة المغلقه، كوم برسيم منثور مثل بساط أو فراش، تتوزع على أطرافه المستديرة مجموعات من الجزر وكأنها باقات ورد، وفي المنتصف زجاجات من الخمر المعتق في مواقع مختلفة، وكأن المكان قد هُيئَ لعروسين شابين أو لعاشقين من القرون الوسطى.

لم يصدق الأرنب ما يرى، وكاد يجزم أنه في حلم وليس علم، لكن التعب ألقى بجسده فوق فرش البرسيم، وألقى الجوع بيده نحو أحد الجزرات المغروسة بين ثنايا فرش البرسيم، الأمر الذي جعله يوقن أن الأمر حقيقة وليس خيالاً، فبدأ يقرض الجزر وينظر للمكان لدراسته، وما أن وقعت عينه على إحدى زجاجات الخمر المعتق حتى قرر أن يحتسي شيئاً منه، و”يمز” على الجزر الذي بين يديه، فالعمر واحد وما عليه سوى التمتع بنعمة الله هذه التي وضعها بين يديه، وهكذا فعل، فشرب من الزجاجة بضع رشفات، وقضم من الجزرة بضع قضمات، وما هي إلّا بضع دقائق لم تكتمل لتصبح ساعة واحدة، حتى ثَقُلَ رأسه، وتآمر عليه تعب يومه وجوعه مع المر المعتق حتى غاب عن وعيه فوق فراش البرسيم.

ومن لا يعرف الغابات يظنها منطقة يسكنها الموت الظاهر على قشرتها، لكن في الغابة حيوات وحيوات، ما أن تدخلها حتى تشعر بها بكل أحاسيسك، تشمها وتلمسها وتراها بالعين المجردة، حتى وإن كان الظلام سيد المكان في تلك العتمة من الليل، وكان في تلك اللحظات ثعلباً شاباً لم تعركه الحياة بعد، مغروراً مزهواً بشبابه، كان ماراً من نفس الطريق الذي سلكه الأرنب، حتى إذا رأى المكان الذي يتوسطه جسد الأرنب النائم فوق فراش البرسيم وبضع زجاجات النبيذ المعتق، والتي كانت إحداها مفتوحة مشروب أقل من ربعها قليلاً، حتى رمى بجسده فوق سرير العشب، ناسياً حذر الثعالب وذكاءها الفطري، وكونه كان قد جاء من وليمة للتو، لم يكن معنياُ بأمر الأرنب كثيراً، فأخذ يحتسي الخمر حتى أنهى الزجاجة كلها، فثَقُل رأسه، ودارت به الغابة، فحاول المغادرة لكن أرجله خانته، فوجد نفسه ملقى فوق فراش البرسيم ثملاً غائباً عن الوعي.

لم يمر طويل وقت على أمر الثعلب، حتى قاد الأسدَ أنفُه إلى مكان الثعلب، أثناء تفقده لمنطقته في تلك الليله، وما أن رأى الثعلب حتى غضب عليه واغتاظ وسخط من معشر الثعالب كلهم، الذين ينتهكون حرمة منطقته وهم يصولون ويجولون بها، الأمر الذي يشجع الحيوانات الأخرى على فعل الأمر نفسه، فزأر زئيراً قوياً طويلاً لكن الثعلب لم يسمعه في ثمالته ونومته العميقتين، فما كان من الأسد إلاّ أن أمسك بالثعلب وفسخه الى فسختين، ورغم أنه لا يحبذ أكل الحيوانات المفترسة، إلا أن شيئاً في رأسه همس في أذنه قائلاً له أن يجرب الأمر، فربما يستحسن ما يأكل ويستطيبه، وخاصة أن زجاجات الخمر المعتق التي أمامه تتطلب “المازة”.                         وفعلاً بدأ الأسد يحتسي الخمر ويأكل من لحم الثعلب، وظل “يُمزمز” على ذات المنوال حتى كاد يداهمه فجر الصباح، وكان قد ارتوى وشبع، وأمام ثمالته كان الأرنب متمدداً أمامه يتقلب على ضفاف سكرة ليلته الماضية، وقرر الأسد أن يتركه في مكانه، فهو قد شبع على أية حال، ولن يقدم الأرنب ولن يؤخر في أمره شيئاً، فتركه مكانه وغادر متوجهاً إلى عرينه.

في الصباح، اخترقت الشمس الحواجز كلها، ودخلت الغابه مسبوقة بابتسامة النهار التي فردها مع ضوء يومه على كامل الغابة، وأرسلت بعضاً من أشعتها على عيني الأرنب لتوقظه، فالنهار الذي ابتدأ نهاره منذ مطلع الفجر كان قد ابتدأ المسير، وعلى الأرنب أن يلحق به ليقوم بما عليه القيام به، فالنهار لن ينتظره ليصحو من غفلته أو سكرته، فهو لم يعتد أن ينتظر أحداً.

أزاح الأرنب عينيه من أمام أشعة الشمس التي إندلقت فيهما أول الأمر، لكنه سرعان ما فركهما بقائمتيه الأماميتين، ونهض جالساً على مؤخرته، ويا لعجب ما رأى، دماء تغطي المكان كله، جلد الثعلب ممزقاً منثوراً، عظامُ مرمية في في الأنحاء كلها، زجاجات الخمر المعتق فارغة متناثرة، فقال مدهوشاً من نفسه:

ـ ياالله…………. ما كنت أعلم أنني إن ثملت أقوم بكل هذا التدمير.

وهذا حال الأمير محمد بن سلطان….

فالأمير يرى بنفسه شجاعة ما بعدها شجاعة، كونه يشن حربا تدميرية على اليمن، رغم أن الحرب من طلقتها الأولى وحتى تنتهي هي حرب أمريكية، حتى لم يتم أخذ رأيه أو رأي عائلته بها، رغم أنه تمويلها من جيب آل سعود، ورغم ذلك، يذكرني ذلك بالجيش الذي لا يُقهر، لا يستطيع لا آل سعود ولا آل صهيون الإنتصار على فقراء اليمن أو فقراء فلسطين، العُزّل أو شبه العزّل من السلاح، وستتسبب حربه إن طالت في إنتهاء حقبة آل سعود، وربما يعودون الى الخيام حفاة تائهين هائمين على وجوههم في صحراء الربع الخالي، جادين من جديد في طلب الكلأ والماء …

توقف الأمير قليلاً عن القراءة ليرتاح، فالقراءة دوماً كانت تتعبه، ورغم تبديل أساتذة القصر الذين أشرفوا على تعليمه، وجلد الكثير منهم لأنهم لم يُحسنوا تعليمه، إلّا أنه ظلّ يقرأ بصعوبة طوال عمره.

وبعد أن أراح عينيه عاود الأمير متابعة قراءته:

والأمير يعتبر نفسه مقداماً وشجاعاً، كونه سعى لتدمير سوريا والعراق، داعماً بالمال والسلاح والفكر التكفيري، ورغم ذلك نذكره بأنه دعم وفجر بأوامر من رُعاته الأمريكان، ودعم صاغراً ذليلاً طائعاً طاعة العبيد، رغم كل الجبروت المالي لآل سعود، الذين لو كانوا بشراً أو لديهم ذرة من كرامة، لبنوا وطناً عصياً قادراً مستقلاً لكل مواطنيه، ولقادوا الوطن العربي بكل قومياته وطوائفه ومذاهبه، ولكانت لهم الشعوب هاتفة مؤيدة طائعة، لكنهم والحال هذه يبحثون عن مرتزقة كولمبيين وأرتيريين وسودانيين و و و … ليرسلونم إلى اليمن لمصلحة أمريكا وبأموالهم هم؟!!! يا لمهازل للأقدار…

والأمير يعتبر نفسه مغامراً، لذا فهو يدرب 150 ألف جندي، دققوا في الرقم قليلاً، ليزج بهم في سوريا لمحاربة داعش!!!، ياإلهي… 150 ألف رجل!!! من أين لك هذا أيها الفاشل؟ فأنت ومنذ عام تشتري دولاً وتستجلب المرتزقة لليمن ولم تُحضر ربعهم، ورغم أننا نعرف أنك تبحث لترضي أسيادك في تل أبيب وواشنطن، إلا أننا نعرف أيضاً أن أموالك ومهما بلغت فلن تستطيع شراء أصحاب الضمائر مهما كانوا فقراء، وعذرك أن أسيادك يعرفون أنك فشلت، كما فشلت في سوريا والعراق، لذلك فنهايتك قد اقتربت، كونهم لا يعيرون وزناً لأمثالك من الفاشلين، وسيستبدلونك بعبد جديد من أسرتك الآيلة للسقوط. ثم هل فعلاً تريد محاربة “داعش”؟ داعش التي إخترعت ورعرعت وكبرت ودعمت واستثمرت وسلحت ودربت؟ هل هناك من يقتل إبنه أيها الأمير؟ أوقف رجال الدين الدواعش في مملكتك أولاً، أم أن غباءك يجعلك تفترض غباء الآخرين قائم وأكيد، وأن استحمار البشر شيء واجب ولا بد منه، وأن استغباء الشعوب ممكن في كل مكان وزمان؟!!!

وها أنت أيها الأمير توقف الهبة للجيش اللبناني، وكأنك قادر على إعطاء الهبات أو وقفها، فالكرم ليس شيمة من شيم آل سعود على أية حال، وهذه الأموال ليست لكم وإن كانت بإسمكم، تتصرفون بما يطلبه منك سيدكم فقط، وأمركم حينئذٍ كي يرفض الجيش الهبة الإيرانية، لا أكثر ولا أقل، كي يظل ضعيفاً ولا يستطيع لا محاربة الإرهاب ولا مقاومة “اسرائيل”، وأطعتم الأمر كما تُطيعونه الآن أيضاً….

نعم أيها الأمير نحن نعترف لك ونقر أمام الملأ أنك :

مقامرٌ من طراز فريد، لكن في الكازينوهات، تسحب الملايين بموافقة أسيادك المحيطين بك كمستشارين أو أصدقاء أو مرافقين، وتلعب حتى تخسرها كلها، وتعود إلى فراشك خائباً وحيداً مرعوباً، ألا تقول لنا يا أيها الأمير لماذا لا تُطفئ الضوء عندما تنام؟!!! ولماذا كل هذا الخوف والجبن الذي جعل من لياليك كوابيساً؟ ولماذا عُدت لتبول على نفسك بعد أن بدأت “عاصفة حزمك” بشهر، وبعد أن صمد حفاة اليمن الذين إعتقدتهم وأسيادك أنهم سيخرون سجوداً، مذعورين منبطحين مستسلمين نادمين. وزاد الأمر بعد الحضور الوسي في سوريا؟ ولماذا لا تصرح أنت بشيء وتترك للجبير القيام بذلك؟ وما دمت بهذه الشجاعة لماذا ما زلت محتفظاً “بالعمل” الذي عملته لك “عرافة القصر” ليحميك من “الجن والإنس” المتربصين بك كما قالت لك؟!!!

نعم أيها الأمير، نقر لك بقدرتك على سجن صاحب رأي أو حتى إعدامه في “مملكة الخير”، أن تقمع وتقتل متظاهرين كما في دولة البحرين “الشقيقة”، أن تحكم بالجلد والسجن والإعدامات على شاعر فلسطيني، أن تسجن مواطناً لبنانياً كان يجلس على صحيفة عليها صورة “ملك الزهايمر” أبوك “طال عمره” لسنوات طوال، أن تمنع بعض الفلسطينيين من أداء مناسك الحج، وكأن الدين ملك أبيك أيها الفاجر المعتوه، أن تقتل آلاف الحجاج بسوء إدارة عائلتك وافتقارها لأي حس آدمي، أن تُبذر بضعة ملايين في فرنسا مع أبيك والحاشية الفاسدة المفسِدة والمفسَدة في فرنسا، وأن تتلصص على النساء “الحاسرات الفاجرات” وهن يُحمرن أجسادهن على شواطئ البحر وشمسه الحارة، لدرجة أن يقمن بمظاهرات ضد وجودك المقرف المخزي، لتفر هارباٌ الى المغرب العربي.

وهناك الكثير الكثير يا أمير العهر والعهر السياسي لنقوله، لكنا سنكتفي الآن بهذا القدر، “فكتاب حياتك” مليء وينزف قرفاً وجبناً وعهراً وخيانةً وخواء، فابق كما أنت، إشرب من بول البعير حتى تثمل، وترى ما رأى الأرنب في يومه التالي، فمثلك من الخائبين لا يتغير، وإن تغير فإلى الأسوأ… إن كان هناك ما هو أسوأ…

كاد الأمير الشاب أن يتفجر غضباً من هذا الذي يقرأه ويراه أمامه، حيث رفضت الحاشية كلها أن تبلغه الأمر على دفعات كما في كل مرة، بل وضعوا له الصفيحة على طاولة مكتبه مفتوحة على المقال، وصرخ الأمير الشاب سائلاً:

ـ كبف حصلوا على هذه المعلومات؟ من الذي سرّبها للصحيفة؟ إنها معلومات من داخل البيت…

وسرعان ما توقف عن الكلام بعد جملته الأخيرة، وأخذ يروح ويجيء داخل مكتبه، وذهب تفكيره كله إلى ولي العهد محمد بن نايف الذي ينافسه على كرسي الملك.

محمد النجار

إلحَقْ البوم يدلك عَ الخراب

كنت أدعو الله “بكرة وأصيلا”، وبعد كل صلاة، عندما كنت لا أقطع فرضاً، وما زلت أدعوه رغم أنني أصبحت أسهو أو أغفل عن بعض صلواتي، رغم معرفتي وحفظي للآية الكريمة التي تقول” ويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون”، وبقيت أدعوه حتى بعد أن إنقطعت عن أداة الصلاة نهائياً أو كِدت بسبب هموم الحياة ومتطلباتها، كنت أدع الله لنصر أمتنا العربية وقضيته المركزية “قضيةفلسطين”، وطالما دعوت الله لنصر قادة الأمة، وخصّيت بالذكر قادة الدول الفاعلة منها، من مصر مروراً بمملكة آل سعود وصولاً الى السودان الشقيق، وأمام تطور الأحداث كنت أحياناً أتوجه لله معاتباً على عدم سماع صوتي وعدم نصرهم، مستغفراً له على تجرؤي هذا، وكثيراً ما وجدت المرحومة أمي تنصحني وسط دعواتي، بأن أكف عن الغباء وأن أستخدم عقلي، وكثيراً ما قالت لي غاضبة معاتبة:

ـ يا بُني خلق الله العقل للإنسان ليستعمله لا ليُحنطه، ومن لا يستخدم عقله يقع في المحرمات، كونه لا يستخدم هبة الله له، تصور مثلاً أن لا يستخدم الطير جناحيه، أو الحيوان عينيه، أو حتى أن لا يستخدم الإنسان يديه أو رجليه؟ أليس هذا من نكران أهمية ما أعطانا الله؟ فما بالك بأن لا يستخدم ما هوأ هم من ذلك، العقل؟      ولم أستمع لنصيحتها تلك، رغم تقاسيم وجهها الذي صار عابساً أو غاضباً وعاتباً في الوقت ذاته.   صحيح أن وجهها لا تلحظ عليه البسمة إلّا عندما تبدأ تتحدث عن قريتها المنسية المتروكة هناك في الشمال الفلسطيني، عن البيت بتفاصيله وعن أصدقائها الصغار وألعابهم الطفولية، وما تبدأ تتمادى في الذكريات وتتعمق، وتتذكر بالتالي ماذا حل بهم من تقتيل وتهجير، يعود وجهها إلى ما كان عليه من حزن وعبوس، وغالباً ما تتوجهه بدمعتين ضالتين في ثنايا أخاديد وجهها المحفورة.

وعليه ومثل معظم الناس، “وليس كوني لم آخذ من التعليم سوى القليل، فأصبحت مساعد كهربائي أحفر الحوائط أمام “مُعلمي”بخدودٍ ممتدة صحيحة مثل “مسطرة”، ليضع بها أسلاكه قبل أن أكمل تغطيتها من جديد”، لم أستمع لنصيحة أمي، إلى أن جاء يوم كانت فيه أمي نزيلة المشفى، كان صدرها يضيق بالهواء غير قادر على أن يملأ رئتيها، وكانت عندما تحاول سحب كمية منه تشعر وكأن جسدهها يتمزق ويكاد يتهاوى أمام ثقل الهواء، الذي يبدو وكأنه يقف مُتربصاً بها،  وكنت أعاودها بعد أن أنهي عملي، حتى جاء يوم وكنت بجانب سريرها، وكانت تقص علي حكاياتها المعهودة، وقالت لي مجدداً:

ـ صدّقني يا بني ليس لي ذنب أبداً،  فالله وحده من يُوزع العقول على خلقه، لكنه يغضب إن لم يستعملونه، وعليك أن تدرك هذا الأمر الآن على الأقل بعد كل هذا التأخير، وأن تبدأ بإستعماله مُتأخراً الآن خير من أن تظل….  ولم تكمل عبارتها بكلمة “حماراً” هذه المرة. وابتسمتْ، نعم، حملت نفس الإبتسامة التي كانت تحملها عادة عندما تتحدث عن قريتها المسروقة وبيتها والعابها الصغيرة هناك، وطالت ابتسامتها الآن أكثر من أي مرة ثانية، دون أن يُعاود وجهها العبوس كالعادة، ودون أن تذرف دمعتيها الضالتين دون إرادة، بل ظلت معلقة إبتسامتها على أبواب فمها على غير عادتها، وكنت أوعدها قائلاً بأنني سوف أفعل، وأنني سوف أبدأ بإستخدام عقلي، لكنها لم ترد، فهززت يدها التي وقعت على حافة السرير لتنبهني أن أمك لم تعد تسمعك ولن تفعل بعد الآن أبداً.

عرفت وقتها أو تنبهت لأهمية إستخدام عقلي، وقررت أن أستخدمه إحتراماً لذكراها ولوعدي لها قبل مغادرتها الدنيا بلحظات.

لم أقل هذا الأمر للمتجمعين في عزاء جارنا “علي الدلاّل” بوفاة أبيه، حيث كنا في اليوم الثالث للعزاء، حيث انتهت أيام العزاء أو كادت، ولم يظل سوى المقربين من عائلة المتوفى، حيث كان الطقس شتوياً بارداً، وكنا في صالون بيته تتوسطنا “صوبة” من الغاز، ناثرة دفأها في ثنايا الغرفة، حين قال الشيخ صالح مؤيداً ما أسماهم بالإسلاميين الذين “يجاهدون” في سوريا، ومعلقاً على تدخل “حزب الله” الذي أوقف “الربيع العربي” وتمدده من خلال تدخله بالحرب مع الجيش هناك، ووجدتني أبدأ الحوار وابتسامة أمي “رحمها الله” أمامي، لأأكد لها أنني على عهدي بأن أستخدم عقلي:

ـ هذا الربيع يا شيخ صالح حولته أمريكا واسرائيل الى شتاء قارص قاحل، وحزب الله لم يفعل سوى الدفاع عن نفسه، لأن دوره كان قادماً بعد تفكيك سوريا.

وختمت بعبارة أمي قائلاً:

ـ علينا أن نستخدم عقولنا وإلاّ حاسبَنا الله يا سيدي الشيخ…

استفزالشيخ كلامي، واستفزه أكثر أنني أخذت مكانه في التحليل والتحريم، فانتفض قائلاً:

ـ إياك والفتوى، الزم حدودك ولا تعتدي على أمور المختصين وشؤونهم، إن هذا فقط من شأن أهل الخبرة والمعرفة والإختصاص، العالمين بشؤون الدين، وهذا شأننا نحن العلماء، أما أنت!!!

قال الشيخ صالح جملته الأخيرة مستفزاً كوني إعتديت على صلاحياته، وأنا الذي لم أقصد ذلك ارتبكت وكست وجهي الحمرة والخجل، لولا أن التقط جارنا أمجد الحديث فقال:

ـ أنتم العلماء؟!!! وما الذي اخترعتموه لتصبحوا علماءاً؟ أم تعتقد أن كل من عرف “أن يفك الخط “ويحفظ بضع آيات من القرآن أصبح عالماً؟

كان ارتباك الشيخ أكثر من ارتباكي، فتلعثم قليلاً قبل أن يُنقذه أمجد ويكمل من جديد:

ـ لنبقى في ما هو الأهم ياشيخ، فالله كما يعلم الجميع لم يوكل أحدا على الأرض، تركنا لشؤوننا وشؤون دنيانا، وهو على كل حال “الغفور الرحيم إن نسينا أو أخطأنا”، أما الربيع العربي الذي تبشرنا به بعد أن أذاقونا ديمقراطيته في العراق بمحاولات تحويله لبلد طائفي، وقتلهم بالجوع مايزيد على مليون عراقي، وبالنار والدم على نصف مليون آخر، سرقوا الربيع ليملؤوه دماً وتفجيراً ودماراً، فأي ربيع هذا الذي يقتل ما يزيد على نصف مليون مواطن ويجرح ما يزيد على 2 مليون آخرين ويشرد عشرة ملايين ويدمر البنية التحتية للبلدان؟!!!

فقلت مُتشجعاً أمام أقوال أمجد التي أعرفها لكني لا أُحسن صياغتها وقولها:

ـ كيف يكون ربيعاً وبوصلته ليست نحو فلسطين؟ فالعدو أصبحت إيران و”إسرائيل” أصبحت دولة صديقة؟ علينا استنخدام عقولنا…

وأكمل أمجد دون أن يُعقب على أقوالي:

ـ ابتدأ الربيع بتونس، فأحضر لنا الإخوان المسلمين، تحالفوا مع أمريكا ووضعوا أيديهم بأيدي نفس الطبقة السياسية التي حكمت وسرقت وقمعت، وبدأوا يغازلون الكيان وينشئون قنوات للتطبيع معه، وها نحن بعدخمس سنوات من الثورة، حيث زاد الفقراء فقراً، وحكومات بلا برامج اقتصادية أو إجتماعية أو حتى كرامة وطنية، بل ابتكروا لنا الإغتيالات السياسية …أما في مصر فالحال ذاته، حكومة العسكر ثم حكومة الإخوان المتحالفة أمريكياً، وتأكيد الإلتزام بإتفاقيات الذل في كامب ديفيد والإرتهان لصندوق النقدالدولي… وبعد خروج ما يقارب من الأربعين مليون في الشارع ضد الإخوان وسياستهم وثقافتهم الطائفية المشبوهة الموبوءة، عاد العسكر للحكم عبر الكذب والدعم الخليجي وسياسة الفهلوة، فرفع الدعم عن المواد الأساسية، وارتهنوا أكثر لدول الخليج وأموالهم وللبنك الدولي، وازداد الفقر وتعمق تهميش الطبقات الشعبية، وعاد تحالف الجيش مع البرجوازية التي حكمت البلاد وأوصلتها إلى الهاوية وأخرج رموزها من السجون وأودع المناضلين والقيادات والكادرات الثوريه التي قادت الثورة مكانهم… وفوق ذلك كله تحاصر القطاع بشعبه ومقاومته لخدمة المشروع الصهيوني بكل بشاعة ووقاحة…

لم يعجبني كثيراً الرجوع للماضي، رغم كونه صحيحاً وأقرب إلى فهمي وتفكيري، وقال أمجد مكملاً:

ـ هل تساءلت يا شيخ ولو مرة واحداً لماذا ليبيا ولماذا سوريا؟ فهناك عشرات الدول العربية والملكيات الأسوأ حالاً على المستويات كافة، فهل يُعقل أن تُحرر قطر ليبيا؟ وآل سعود سوريا؟ فعلاً “لاحق البوم يدلك ع الخراب “، فقد تدخلت قطر في السودان فأصبح السودان الواحد سودانين ، وفي ليبيا فأغرقتها بتنظيم القاعدة ودمروها وأحرقوها وربما إن استطاعوا فسيقسمونها لثلاثة، وربكم يعلم كم ستصبح سوريا بعدكل هذا القتل والتهجير والدمار .

فقلت مؤكداً رأيي ناصحاً:

ـ عليك أن تستخدم عقلك”بلا مؤاخذة” ياشيخنا ولن تضل أبداً …

يبدوا أن كلمة “ولا مؤاخذة” خففت غضب الشيخ الذي ظل يدافع عن “أولي الأمر” وتحريم الخروج عليهم مهما كان السبب، وكأن الأمر لا علاقة له سوى بالدين. فقال فؤاد الشاب الجامعي الذي على أبواب التخرج:

ـ أمعقول ياسيدي الشيخ أن آل سعود يريدون لنا ديقراطية في سوريا؟ طيب ليعملوا دستوراً لبلادهم أولاً . سكت قليلاً وتابع قائلاً:

ـ وهل من يدمر اليمن وشعبه ويحتل البحرين ويقمع ثورتها يريد تطبيقاً للديمقراطية؟ إن من يدمر الإنسان والحضارة والتاريخ لصالح أعداء الأمة هذا وإن امتلك شعارات براقة ما هو إلّا عدو لأمته. فما بالك عندما يكون هو نفسه فاقداً ليس فقط للديمقراطية التي يحاول تسويقها فقط، بل للشرعية أيضاً…

وعلقت أنا على الأمرقائلاُ :

ـ صحيح، يجب أن نستخدم عقولنا، البوصلة يجب أن تظل نحو فلسطين…

وسرعان ما تدخل أبو أسامة أستاذ اللغة العربية ليقول:

ـ تخيلوا لو صرفوا هذه الأموال التي دمروا بها إنساننا وحضارتنا على التصنيع والتعليم والتطبيب في الوطن العربي، ربما ما بقي جاهلاً أو أمياً أو عاطلاً عن العمل، ولأصبح وطننا “جنة الله على الأرض”…

فقلت مجدداً:

ـ نعم البوصلة يجب أن تظل نحو فلسطين، وعلينا أن نستخدم عقولنا

فرد المختار أبو فراس، والذي أخذ لقبه كونه يسارع في حل الإشكالات التي تسوقها الأيام بين الناس، بعد ترأسه للجنة الإصلاح في الحارة:

ـ بل قل لو سلّحوا الثورة الفلسطينية بما سلّحوا به هؤلاء لما بقيت إسرائيل على الخارطة منذ زمن.. والأغرب لهؤلاء الذين يسمونهم ثواراً، قصفهم للمدنيين، قتلهم للأسرى، وحصارهم لشعبهم كما في العديد من المدن والقرى السورية كما كان عليه الوضع في بلدتي “نبل والزهراء” قبل تحريرهما من الجيش السوري، فهل هناك ثوار يفعلون ذلك؟ وهل هناك ثوار يسرقون ويستولون على قوافل طعام الناس ويتاجرون به؟ أو يسرقون أدويتهم ويعودون بيعها بأضعاف ثمنها؟

فقال العجوز ابو أحمد بتهكمه المعهود وبإبتسامة خبيثة من بين شفتيه:

ـ يا عمي هؤلاء الثوار غير كل ما عرفناه أو سمعنا به في حيواتنا، فمعظمهم ثواراً وافدين، ليسوا مرتزقة لا سمح الله، فالقرغيز والشيشان والأفغان والإيغور والأتراك ثوار غيورون على تحرير سوريا، ويتم اختيارهم للمهمات الصعبة، لذلك يكلف الواحد منهم دولة آل سعود المائة ألف دولاراً أمريكياً، وليس مثل ثوارنا الفلسطينيين أو اللبنانيين.

فعاود أمجد الحديث من جديد وكأنه يريد إكمال موضوع لم ينتهِ، وسط ضحكات الناس وابتساماتهم:

ـ وبعد أن أخذت تتوالى إنتصارات الجيش السوري يريد آل سعود محاربة الإرهاب في سوريا، وكأنهم ليسوا من استحضروه وسلحوه ودعموه هناك؟!!! والحقيقة أنهم يريدون مواجهة الإنتصارات السورية وإيقافها …أتعلمون…

قال كلمته الأخيرة ليظل الناس مشدودين لما سيقوله، لكنني قاطعته قائلاً:

ـ نعم، علينا أن نستخدم عقولنا والبوصلة تظل نحو فلسطين…

وتابع هو بعد أن أخذ نفساً عميقاً من هواء الغرفة وكأنه لم يسمع ما قلته:

ـ لا تستغربوا أن تروا الأمريكان أنفسهم يقومون ببضع غارات جوية في الفترة الفادمة على جماعات الإرهاب ليقولوا أنهم لهم الباع الطويل في تحرير سوريا منه، تماماً كما يفعلون الآن في العراق وكما فعلوا في نهاية الحرب العالمية الثانية في أوروبا، حيث أرادوا مشاركة الروس الإنتصارات دون أن يدفعوا ثمناً!!!

وسكت قليلاً وتابع قائلاً:

ـ ورأيي أن أهم ما في الموضوع هو ما قاله الأخ عادل، وأشار بيده نحوي، أن البوصلة يجب أن تظل نحو فلسطين، وأي محاولة لتغيير إتجاهها أو حرفه هي محاولة مشبوهة، وأن نتساءل دائماً مَنْ المستفيد من كل هذا الخراب الذي عصف في الوطن العربي؟ أليست هي إسرائيل؟!!!

كدت أطير فرحاً عندما استشهد بكلماتي هذ الشاب الجامعي، وبطرف عيني كنت أرى الشيخ سالم وهو يمسد لحيته ويهدهدها كمن يُمسِّد على ظهر قطة، ولم أتحدث مجدداً حيث قالت لي أمي ذات يوم” إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب”، وبقيت مستمعا إلى أن غادرنا بيت العزاء بعدأ ن دخل المساء ظلام الليل متدثراً بعباءته، وازددت اصراراً على أن أستخدم عقلي دائماً في كل الأمور المهمة وغير المهمة أيضاً….

محمد النجار

أم محمد تستقبل القنطار على باب الجنة

رسالتي هذه سيدي المناضل الشهيد سمير القنطار، هي رسالة فخر متواضعة، من إنسان بسيط، لم يقم بما قمت به فيي حياتك، ولم ينل درجة الشهادة العليا التي نلتها بمداد دمك، وكلماته ليست كلمات رثاء ممن قرأته من فحول شعراء العرب في حياتك، لكنها مجرد مشاعر خالجتني طويلاً، منذ اللحظات الأولى لاستشهادك، كوني أعرفك مثل الكثيرين ولكنك لا تعرفني، سمعت عنك الكثير مثل الكثيرين قبل أن تنفض غبار سجنك منتصراً محَرراً، عرفتك من خلال عيون أم فلسطينية، كانت تعرف كيف تربي أطفالها على التعلق بقريتهم المحتلة منذ عام ثمانية وأربعين، هدموها كما فعلوا بآلاف القرى الأخرى، ونتيجة هذه التربية “المتطرفة” من وجهة نظر من إحتلوها، أخذت تزورهم لاحقاً في سجون من سجنوك أيضاً، وكوني أحد أبنائها، أصارحك القول أنني لم أدرك هذا المعنى العميق للتشبث بقرية منسية مهدمة، إلا بعدأن أجبت المحقق في مرة من المرات بأنني من تلك القرية، ورأيت الدهشة الممزوجة بالحقد  من خلال صراخه عندما أخذت أوصف له القرى المجاورة لها من باب الشرح الذي سرعان ما تحول الى تحدي، ما أدى لزيادة غضبه وسأل سؤالاً استنكارياً ” ألم تنسها بعد؟!!!  وأمام غضبه أسهبت بالوصف رغم أنني لم أزر المنطقة كلها سوى مرة واحدة حتى ذلك التاريخ.

نعم، عرفتك أكثر من خلال تلك الأم التي كانت تنقل الحجارة لمنتفضي المخيم في طيات ثوبها الفلسطيني الذي طرزته بيدها، والتي كانت تنقل بيانات القيادة الموحدة للإنتفاضة في جيب “عبها” الذي خيطته خصيصا من أجل ذلك، عرفتك من خلال تلك المرأة التي طالما أنقذت الفتيان الفلسطينيين من أيدي الجنود المدججين بالسلاح والذين لم يُبقوا على مكان من جسدها خالياً من الرصاص المطاطي في مرات عدة، والتي كافأها أهل فلسطين بجنازة مهيبة لا تليق إلا بالأبطال، وتخيل وأنت تأخذ العزاء يأتيك معظم قادة الفصائل في المخيم ليقولون لك “أنكم لا تعرفون إلّا القليل عما كانت تفعله أمكم للثورة”…

جاءتك هذه الأم زائرة مع أمك “المتبنية”، أم المناضل جبر وشاح، وعرفتك هناك من خلف القضبان، وانتظرت زيارتي بفارغ الصبر، وكأنها تحمل لي بشارة عظيمة ، وهي كذلك، قالت “لقد نجحت في زيارة سمير القنطار… وسأفعل ذلك ما دامو يسمحون لي بذلك…” وتابعت الأمر وكذلك فعلت مع سجناء عرب آخرين، حتى منعوها من ذلك، قالت أنها زارتك وبكت، بكت كثيرا رأفة بذويك الممنوعين من زيارتك. تلك الأم سيدي المناضل الشهيد توفيت على فراشها وليست في ساحة الوغى، رغم أنها كانت على بعد مسافة أقل من رصاصة، وخاصة من أحد الجنود الذي رمته في مجاري المخيم بعد أن خلصت أحد الفتيان الفلسطينيين من بين يديه، فأمطرها  وبقية زملائه بما يزيد عن ثلاثين رصاصة مطاطية دفعة واحدة.

تلك الأم ستجدها واقفة مع الشهداء منتظرة وصولك على باب الجنة، وستزفك هناك بالزغاريد، وأنت ستعرفها بالتأكيد، وستحاول أن تقص عليك حكايتها الفلسطينية، كيف هجروها وعائلتها، كيف قتلوا كلبها الصغير الذي عاد زاحفاً ليموت بين يديها ولتزرعه تحت شجرة صبار معانقاً لجذورها، وستخبرك عنا، عن أولادها وسجنهم، وعن ابنها آخر العنقود المصاب، والذي سخّروا جرحه لتعذيبه ليعترف، لكنه هزمهم، وربما ستخبرك عن ابنها البكر الذي انتزعوه من صدرها باكياً بحكم قانون العشيرة المتخلف الظالم….فحاول ان تستمع لها ولن تمل، وستعرف الحكاية الفلسطينية كما تعرفها الآن وربما بمزيد من التفاصيل.

سيدي المناضل الشهيد، لقد أيقنا باكراً أنهم كلهم وجها واحداً لنفس العملة، فالقاتل والمحرض والداعم بالسلاح والمال وقافل القنوات وقامع الرأي الآخر كلهم عاملون عند السيد الأمريكي، وكلهم بعد اغتيالك تجمعوا محتفلين  يشربون الخمر وبول البعير. وهؤلاء لا يعرفون ماذا تعني الشهادة التي تأتي لا خوفا ولا طمعا، بل شهامة ونُصرة وعزة وكرامة أولا وقبل أي شيء، ولا يدركون أن النصر لن يكون يوماً للقتلة ولا للمتآمرين وحثالات الأرض، الممولين من ملوك الغاز والرمل والنفط في مملكة آل سعود، وأن النصر لا يليق إلا بالمناضلين، لهم فقط وبهم.

سيدي المناضل الشهيد، لا أخفيك أنه لم يفاجئني موقف قادة الإخوان المسلمين، ومعظم كادراتهم، بما فيهم الجانب الفلسطيني، مستثنياً منهم جانبهم القسامي، لأنهم بكل بساطة هم صانعوا تلك الحثالات عند كل القوى الإرهابية، التي لم تقف يوماً الى جانب القوى الشعبية المناضلة، بل بجانب الثورة المضادة أينما وجدت، فكانوا مع الملك فاروق، وما أن ابتدأت المجازر لتهجير شعب فلسطين، حتى أعلنوا الجهاد في محاولة لتطويق مطالب  شعب مصر للقتال في فبسطين، رأوا الشعب ينتفض في مصر العظيمة ويطالب بالذهاب للقتال في فلسطين، ففتحوا مع حليفهم الملك فاروق باب التسجيل لهم ، فسجل للنضال في فلسطين مليون مواطن مصري، لم يرسلوا فرداً واحداً منهم إلى فلسطين، تخيل ولا فرداً واحداً!!! مجرد تنفيس باسم الدين للمد الثوري، ثم وقفوا ضد عبد الناصر المعادي للرجعية والإستعمار، وضد السلال واغتالوا القيادات التي حاربت الإستعمار الفرنسي في الجزائر تحت شعار الشيوعية والعلمانية كما فعلوا مع المناضل شكري بلعيد وغيره مؤخرا في تونس، وحاربوا بو مدين في الجزائر بعد انتصار الثورة، ووقفوا مع آل سعود وحلف بغداد الإستعماري، وضد كل القوى المناهضة للإمبريالية والرجعية، وهاهم بعد أكثر من ربع قرن على طرد الروس من أفغانستان، والتي كان فيها التصنيع والزراعة وتحرر المرأة في مستوى لم تشهده افغانستان في تاريخها الحديث، حولوها باسم الإسلام الى أكبر بلد متخلف  ومتردم وليس به بنية تحتية ولا صناعة ولا زراعة، وأصبح أكبر بلد منتج للأفيون في العالم، ونسبة الأمية تفوق ال80%، وأودعوه تحت البسطار الأمريكي بعد أن دفعت شعوبنا الدم هناك، وتزايدت نسبة المرضى والأمراض فيه وأصبح مثالاً للبلد الفاشل. وحكموا السودان فقسموه وصحروه ونشروا الفساد والإفساد وكمموا الأفواه، وزادت البطالة والتضخم وأصبح السودان منتجاً للمرتزقة عند آل سعود في اليمن، وبدلا من أن يوجهوا البنادق نحو محتل بيت المقدس يخاطب بعضهم رئيس دولة الكيان ب”صديقي العزيز” ويمتدحه كما لم يفعل المتنبي بسيف الدولة، وانظر ماذا فعلوا بسوريا وليبيا والعراق، كيف دمروا وما زالوا بناها التحتية وشردوا ملايينها وقتلوا وجرحوا ملايين أخرى، وسرقوا متاحفها وتراثها ونفطها، وماذا يحاولون أن يفعلوا بجيش مصر، وماذا فعلوا بالجزائر في تسعينات القرن الماضي قبل ذلك كله، وماذا يفعلون باليمن الآن؟ وكل ذلك لخدمة المشروع الأمريكي الصهيوني في المنطقة، وانظر كيف استجلبوا الإرهابيين من كل بقاع الأرض، ورغم التدمير الذي سيدخل عامه السادس بعد قليل، إلا أن رصاصة واحدة لم تُطلق على الكيان الغاصب ولو بالخطأ، بل إن الكيان من يهاجم معهم ويعالج جرحاهم. كما أنهم من يحاول تسليم شمال سوريا الى العثمانيين الجدد الذين ما زالوا يغتصبون لواء الإسكندرون. أولئك سيدي هم تجار الدين، والتي تُعتبر التجارة الأكثر ربحاً كما قال ابن رشد، في مجتمع عربي تفوق نسبة الأمية فيه أكثر قليلاً من 70%، رغم كل أموال آل سعود المركونة في بنوك الأمريكي، بل المطلوب تجهيل المجتمعات لتحويلها الى قطيع من البهائم، لتسهل قيادتها وتفكيك المجتمعات بها ومن خلالها، لذلك فهم يغلفون بضاعتهم الفاسدة بغلاف ديني ليسهل تسويقها. أتعتقد أن الذي يغير أسم مدرسة من اسم قامة شهيد بحجم وهالة وشموخ المناضل الشهيد غسان كنفاني الى إسم أبو حذيفة كثير عليه أن يشمت باستشهادك ويحاول محو تاريخك الوطني المشرف؟!  أم أن السلطة التي لا تجرؤ على المطالبة بجثامين شهداء شعبها وتقمعه وتعتقله وتنسق أمنياً مع المحتل في وهج انتفاضته ستجرؤ على استنكار اغتيالك؟ هؤلاء جميعهم مع أسيادهم ومموليهم وداعميهم ومنظريهم، مهما كبروا وغنيوا وطالت واستطالت قاماتهم ، فإنهم لن يصلوا يوماً الى سقف نعل حذائك الذي اتسخ من رمل الطريق التي قادتك الى نهاريا.

طوبى لك سيدي المناضل الشهيد، طوبى لك مناضلاً عروبياً، فارساً متنقلاً من لبنان إلى فلسطين إلى لبنان مجددا إلى سوريا لتستشهد هناك، طوبى لك وأنت تصعد نحو السماء، طوبى لك وأنت تُزف من رفاقك الشهداء الذين سبقوك إلى هناك، من المناضلين الذين قضوا برصاصات الأعداء الجبانة أو غيرها، ستجدهم واقفين مستقبلينك بكل الفخر والعزة والإكبار، وسط الأهازيج والمواويل الشعبية، وزغاريد الأمهات. أم تعتقد أن من كان له أمهات عديدات على الأرض لن يكون له أضعافهن في السماء؟!!!

محمد النجار

الجنازة حامية والميت كلب

جلس مقابلي تماماً، أو بالأصح القول أنني أنا من جلست في مقابلة، كعادتي دائماً عندما نلتقي في مناسبات متباعدة، كي يسهل عليّ إستفزازه بأسئلتي وتعليقاتي، ولعلي لا أعرف السبب لذلك تماماً، ورغم كوننا على طرفي نقيض سياساً، لكنه ليس السبب في موقفي هذا، ولا أدري بالضبط لماذا، رغم كوني أعتقد أن للأمر جذور قديمة تمتد إلى الإنتفاضة الفلسطينية الأولى، الأمر الذي لا أبوح به لأحد سوى نفسي، وبشكل خجول أيضاً، ربما كون الأمر طالما جعلني أبدو صغيراً أمامه، فأرفع الصوت كي أغطي على ما تم آنذاك، رغم أنه ومنذ ذلك اليوم الذي مر عليه ما يقرب من ثلاثة عقود، إلّا أنه لم يراجعني به يوماً، ولم أسمع منه همس أو ثرثر به لأي كان، ورغم ذلك فأنا ما زلت أحاول استفزازه في محاولة غبية ـ ربما ـ للتغطية على ما تم.

كان قد مر على الإنتفاضة الأولى أحد عشر شهراً عندما صدر بياننا الأول لتأسيس حركتنا الإسلامية السياسية، وكان  يجب حينها فرض برامجنا ورؤيتنا بأي ثمن، في غزة وفي مدن الضفة الفلسطينية، التي كانت لفصائل منظمة التحرير فيها اليد الطولى، ولليسار جذوره العريقة الممتدة عميقاً في صخور الأرض وأتربتها، وكانت التعليمات لنا واضحة بأن نفرض الحجاب على الفتيات والنساء في المدن والأرياف والمخيمات، ورغم عدم فهمي للعلاقة بين الإنتفاضة والحجابـ، إلّا أنني أخضع داخل الحركة لقانون “نفّذ ولا تناقش”، فكان يجب التنفيذ بالنسبة لي في مدينة رام الله حيث ننتمي إلى قضائها، فكان علينا البدء بالمساجد، بتحريض الأزواج والأخوة للحفاظ على “شرفهم”من خلال تحجيب زوجاتهم وأخواتهم وبناتهم، وبالندوات في النوادي وأينما كان ممكناً، وإن استعصى الأمر علينا، فيجب منعهن بالقوة وإجبارهن على ذلك. على قاعدة “من رأى منكم منكراً فليغيره….. بيده”، على أن لا يرانا أحد، والتنفيذ الذي يطبق حدود الله وشريعته على الأرض، يفرض حضورنا ووجودنا على الساحة الفلسطينية، وسلمونا بعض النقود لنشتري البيض والطماطم .

وفعلاً بدأنا بفرض “شريعة الله” على النساء حاسرات الرؤوس، واللواتي تمتلئ بهن المدينة. وكنت ضمن الأشخاص الذين يطبقون شريعة الله، حيث أخذنا نتوجه يومياً إلى مركز المدينة ، نختبئ بين البحر البشري الذي يغطي مركز المدينة، خاصة في ساعات ما قبل الإغلاق اليومي للمحلات التجارية، حيث يبدأ الإضراب التجاري في تمام الساعة الثانية عشرة ظهراً ويستمر حتى صباح اليوم التالي، وكنا نبدأ بقذف البيض والطماطم على رؤوس النساء الحاسرة، ونختفي كأن ليس لنا بالأمر علاقة، وكن الكثير من النساء والفتيات المنتشرات هن من نشيطات الفصائل الفلسطينية، خرجن لفعاليات أو نشاطات إنتفاضية مختلفة، ونحن كشباب كنا حينها لا نفرق بين نشيطة أو غير نشيطة، بالنسبة لنا كل حاسرة يجب “رجمها” بالبيض الفاسد والطماطم، وبقينا نكرر الأمر بشكل يومي ونمضي، ولم نكن نعرف الكثير عن مدينة رام الله سوى أنها مثلهن جميعاً، تستحق الرجم، فهذه المدينة المُستفزَّة، العاشقة، المتكبرة ، المختالة، التي تزداد جمالً وشباباً وورود، كلما ازدادت كبرا وتعمقاً في دهاليز الزمن وعمق التاريخ، تلك المدينة الساحرة الفاسقة الحاسرة المرتدة، كنا نشعر أن المدينة نفسها تتربص بنا وليس الناس فقط.

ومرت أيام وأيام، ولم نكن نعلم أن الآخرين بدأوا هم أيضا في البحث عمّن يقومون بهذا الأمر، وعيون شبابهم تبحث في كل اتجاه، وبعضهم كان يتخفى في زي الباعة في المحلات والعربات، وما هي إلّا لحظات وكان العديد منا تحت قبضاتهم، وانهالوا علينا بالضرب المبرح، وأخذوا بعضنا ليحققوا معهم، من الذي دفعهم ليفعلوا ذلك، ودور الإحتلال في هذا الأمر، وكان لعناصر اليسار الفلسطيني، الدور الأكبر في هذا الأمر كله.

ولا أدري لحسن حظي أم لسوئه، وقعت أنا بين يديه، فأمسكني من أذني رغم أنه من جيلي، وكان زميلي قبل سنوات في المدرسة والفصل، شدني بقوة، حتى صارت أذني بجانب فمه، وقال هامساً” ما الذي تفعله؟ ما الذي جاء بك إلى هنا؟ كبف استطعت أن تفعل ذلك؟”، وقال وما زال يمسك أذني، ولف رأسي من خلال قبضه على أذني ليُريني إمراة ما زال يسيل البيض الفاسد من شعرها الأجعد على وجهها وملابسها، وتبكي غيظا بصمت متفجر خانق، تحاول مسح البيض الفاسد ذو الرائحة القاتلة فتزداد اتساخاً،وعاد ليسألني” أكنت ترضى هذا لأمك أو لأختك؟”، أتعرف أن الناس أصبحوا يظنون أنهن مرتبطات مع الإحتلال ولذلك يُضربن بالبيض والطماطم؟!!!  أليس لديك ضمير لتخافه إن كنت لا تخاف الله؟!!!

وفي تلك اللحظة بالذات جاء ثلاثة من الشباب نحونا سائلينه:

ـ “أهذا من هؤلاء السفلة؟”

كان شرراً يتناثر من عيونهم، ولا أدري متى تراخت أصابعه من القبض على أذني، وقال على غير توقعي:

ـ ” لا… إنه إبن قريتي، لا ليس منهم”

وكان من الواضح أنهم يعرفونه ويحترمونه ويثقون به، ورغم نظرات الإرتياب التي تركوها تسيل كالمخاط فوق وجهي، فقد تركونا وانصرفوا، وأخذني هو إلى محطة الباصات وقال:                 ـ ” أرجوا أن لا أراك هنا أبداً، إلى القرية فوراً”.

وانصرفت، وصرت أتحاشى أن تلتقي عيوننا، وبعد مرور الزمن صرنا نلتقي في المناسبات المتعددة المختلفة، فنحن أبناء قرية واحدة، ولا بد من أن نلتقي في أي مناسبة… وصرت أهرب للأمام كما يقول جماعته اليساريون، فأحاول التعليق عليه، استفزازه بأسئلتي المختلفة، وكأنني أريد أن أغطي على ذاك الحدث، رغم أنه لم يحاول ولا حتى مرة واحدة أن يعيد ذلك التاريخ ويفرده أمامي ليذكرني بتفاهتي تلك.

أنهينا “مهمتنا”، حيث طلبنا “سميرة”إبنة أبي زكي إلى عاهد ابن أبي محمد، وشربنا قهوتنا، على وقع كلمات أبو زكي:

ـ ” اشربوا قهوتكم يا  جماعة، الله يجيب اللي فيه الخير، الأمر يشرفنا أيضاً، ولن نجد لإبنتنا بأخلاق إبنكم الكريمة، لكننا لا بد أن نأخذ رأي البنت فالأمر يخصها أولاً وأخيراً”.

وجلسنا نتحدث ونتسامر، ووجدت نفسي قبل ذلك أحاول الدفاع عن بعض أفعالي، أمام إستهزاء الكهول قبل الشباب، فقال أبو زكي بين الجد والمزاح:

ـ أرجوك يا أبا مصطفى، لا تبدأ بقراءة “عبس وتولى” كما فعلت في عرس علي قبل أسابيع، فالله خلق الأعراس للفرح، فالعرس ليس ميتماً لتقرأ لنا به القرآن…دعنا نفرح قليلا وسط هذا الزحام من الألم والدم

وقال  الحاج أبو خليل من بعيد ضاحكاً:

ـ “عبس وتولى” يارجل؟ ألم تجد في القرآن كله غير “عبس وتولى”؟ ألا تخاف ربك؟  ثم من أين هذه”الموضة” الجديدة؟ قرآن في الأفراح؟!!!

وسكتنا، ووجدته قبالتي يبتسم، واستفزتني ابتسامته أكثر من ضحكاتهم وقهقهاتهم جميعاً، ووجدتني أقول في طريقة أقرب إلى الإستعراض منها إلى الحديث، وكأن “السعوديين من بقية أهلي”:

ـ لقد فعلتها المملكة… ياسلام!… انتخابات بلدية وتنتخب وتترشح المرأة!!!

لكن الذي أجابني وفاجأني لم يكن سوى الحاج أبو أحمد وليس “غريمي”خالد، فقال:

ـ لا حظ أنك لا تتحدث سوى عن إنتخاب بلدية وليس عن انتخاب حكومة ولا برلمان!!! وأعتقد أن ما يجب أن يثير إستغرابنا، لا كيف شاركت المرأة في انتخابات بلدية لأول مرة في تاريخ المملكة، بل كيف يُحرم الرجال من الترشح أو الإنتخاب في هذا العصر، وفي مجتمع ذكوري كمجتمع المملكة؟!!!

فقلت في محاولة الإلتفاف على نفسي:

ـ إنها البداية… وربما شرُعوا الإنتخابات في قادم السنوات…

فقال الأستاذ حسن، مدرس اللغة العربية في مدرسة القرية:

ـ عشمك بهم مثل”عشم ابليس في الجنة”

رأيت نفسي في مواجهة تتزايد مع معظم الحاضرين، فقلت في محاولة لتعديل الأمر:

ـ يا جماعة إنهم يقودون المعارضة السورية كلها، ألم تسمعوا الجبير كيف يقول بكل الثقة أن الرئيس السوري سيغادر بالسياسة أو بالحرب؟!!!

فقال الأستاذ حسن نفسه شعراً هذه المرة:

ـ زعم الفرزدق أن سيقتل مربعاً            أبشر بطول سلامة يا مربعُ

حين قال أبو عمر من طرف الصالون:

ـ والله يا أخي جماعتك حيرتنا، مرة لا علاقة لكم بما يحدث في سوريا، ومرات تصطفون مع من يحارب سوريا، لا تريدون أن تدخلوا أي “محور”، وتكونون في كل المحاور، من أول “حارة” الشيخة موزة و لمملكة آل سعود وللأتراك!!! أنتم مع من بالضبط؟

ابتدأ المجتمعون بالتهامس حين قال زكي، أخو العروسة ما بين المزاح والجدية:                   ـ مع من يدفع أكثر ، وهل هذه تحتاج الى كثير من الذكاء!!!

فقلت من بين ضحكات الجميع التي لم تؤثر بي جميعها قدر ابتساماته الشامتة، رغم أنه لم بقل أي كلمة حتى هذ اللحظة:

ـ أقصد يا جماعة أن المملكة أصبحت تشكل محوراً أساسياً في المنطقة، ألم ترو محورها ضد الإرهاب؟ أربع وثلاثون دولة والحبل على الجرار….

الغريب في الأمر أن الناس كانت تنتظر أقواله هو، رغم كونه لم يُنهِ سوى الصف العاشر فقط، حيث ترك المدرسة والتحق بصفوف العمال ليعيل أسرته بعد حادثة موت أبيه، أكثر من أقوالي أنا الذي أنهيت “البكالوريوس” في علوم الشريعة والفقه، وكأنه لا ينطق عن الهوى، أو كأن أقواله منزلة من السماء، وظل هو على صمته، عندما قال الشاب النابه عزمي:

ـ وبأي جيشٍ سيحارب آل سعود الإرهاب؟ بجيش “البلاك ووتر”أم بالجيش السوداني أم السنغالي؟ ظني أنهم سيحاربون بجيش ملك آل سعود وولده، ذلك الجيش الذي أثبت في حربه على الشعب اليمني، وبكل جدارة “أنهم في الهريبة كالغزال”، فتحولت “عاصفة الحزم” إلى وبال على آل سعود وجيشهم ومرتزقتهم.                                                    وقال الطفل حازم ابن أبو عدنان الذي حضر ضمن الوفد برفقة أبيه:

ـ بابا …بابا، رئيسنا والسلطه يريدون محاربة الإرهاب معهم…

كانت الحاجة”مرثة” قد أخذت لها مكاناً مع الحاجة وطفة، في صدر الغرفة، جلسن بجانبه وكأنهن يردن الدفاع عنه من عدو محتمل، وبعد أن أشعلت الحاجة مرثة سيجارتها كالعادة، ونفثت دخانها في صدر الغرفة دون أن تبتلع شيئاً منه، قالت بكلماتها السليطة متوجهة بالحديث إليّ، عندما رأت ضحكاتي تتعالى على كلمات الصبي:

ـ وعلى ماذا “تتصهون” وفاتح فمك الذي يتسع لدجاجة بريشها، وهل أنتم أحسن؟ الرئيس وافق وأنتم لم تعترضون!!! خائفون على أن تحرموا من المال؟، متى ستتعلمون أن هؤلاء ـ وأشارت بيدها وكأنها تريني الملك وحاشيته ـ يؤمنون بأن “مَنْ دِيَّتَه مالاً أقتله”، وسوف يقتلونكم في الوقت المناسب كما قتلوا السلطة التي تستهزء بها ولست بأفضل منها.

وسرعان ما أنقذتني الحاجة وطفة من لسانها عندما قالت متحدثة عن السلطة ورئيسها:

ـ وجماعتنا لا يجدون ما يشغلهم؟! ها هو الإرهاب عندنا لماذا لا يحاربونه؟ بل إنهم يقولون عن صواريخ المقاومة… ما هذه الكلمة يابني ياخالد، فقال لها مجيباً:

ـ عبثية ياحاجة، صواريخ عبثية….

لكن الحاجة وطفة لم تعرف كيف تقول الكلمة، فقالت:

ـ آه يابني… الكلمة التي قلتها أنت

فقال أبو زكي متهكماً:

ـ ياعمي رئيسنا رجل مُطيع، مجرد “تلفون” من الأمير وأعطى الموافقة

فقال أبو خليل بعد أن أكمل لف سيجارة الهيشي وأشعلها وسحب أول سحبة منها مع جرعة من كأس شايه، وعلى دون توقع بعد أن أقسم كعادته:

ـ لا والله لم “يُحصِّل” الرئيس حتى المكالمة، بل هزة من “خنصر” الأمير، ياعمي متى يفهم هؤلاء، أنك “إن كنت رخيصاً لن تجد من يشتريك بالغالي”

فردّ عليه أبو هاني متهكما :

ـ لا ياأبا خليل، والله أنا لمّا سمعت بتشكيلهم حلفاً إسلامياً ضد الإرهاب “إرتحت واطمأن قلبي”، وقلت في نفسي “لقد تذكروا الآن وبعد ما يقرب من سبعين عاماً أن لدينا بلداً تفود الإرهاب في العالم، ربما تذكروها بعد أن رأوا على شاشات التلفاز كيف يترك هذا الكيان شبابنا ينزف حتى الموت، مانعين عنهم سيارات الإسعاف، في الوقت الذي يسارعون فيه لإسعاف مقاتلي داعش والنصرة في مشافيهم!!!

فقال زكي مجدداً مصححاً ما قاله أبو هاني:

ـ لا يا أبا هاني إنهم لم يتذكروا بعد، كما أنه ممنوع عليهم التذكر، لقد فقدوا الذاكرة بما يخص قضيتنا، أو بالأصح ربما كنا نحن الإرهابيين الذين يجب محاربتهم!!!

فقال زكي متهكماً مجدداً:

ـ طبعاً وهل هناك إرهابيون غيرنا وغير المقاومة اللبنانية؟!!!

وأكثر ما غاظني أن الجميع سكتوا وأخذوا ينصتون عندما بدأ الحديث، وكأنهم لا يريدون أن تفوتهم كلمة من كلماته، وأخذ مقود الحديث في فمه، وقال:

ـ إن آل سعود هؤلاء “لا ينطقون عن الهوى”، بل عن سيدهم الأمريكي ، لا يخرجون عن طوعه، ولا يخلفون رأياً إلّا بتوجيهاته، فمن يريد محاربة الإرهاب يوقف الدعوة لللإرهاب أولاً، فمحمد بن عبد الوهاب وفكره التفكيري هو حليفهم، وأفكاره ما تزال تُروَّّج عندهم وبتوجيهاتهم، نعم من آل سعود أنفسهم، والمملكة هي الحاضنة والداعية والناشرة لهذه الأفكار، والأمر كما تعلمون ليس له علاقة بالمذاهب والطوائف والأديان، فبالأمس القريب كانت تتحالف مع شاه إيران لتسويق “حلف بغداد” الإستعماري ولضرب ثورة عبد الناصر، وظلت بنفس الحلف لضرب قوى الثورة العربية في العالم العربي والخليج، واليوم مع الإستعمار لضرب إيران التي تدعم قوى الثورة !! هل كانت إيران بالأمس سنية واليوم أصبحت شيعية؟!!! أم أن هذا الشعار للضحك على “لحانا”؟، بل كي نبدأ حرب أمريكا بأيدينا نحن وبدماء أبنائنا كما يتم في سوريا والعراق، ولو كان ما يقولونه صحيحاً، ماذا عن ليبيا ومصر وتونس وقبل الجميع الجزائر؟ أين الشيعة في تلك البلدان؟ لماذا دمروا ليبيا إذن ويريدون تدمير مصر؟  وما داموا حريصون على مقاومة الإرهاب، لماذا تركوا القاعدة وداعش تتمدد في حضرموت وعدن ومدن الجنوب اليمني؟ يعني في المكان الذي هم موجودون فيه، ولم يُطلق عليهم آل سعود ولا طلقة واحدة!!! كي لا أقول أنهم هم آل سعود وحارة الشيخة موزة والعثمانيون الجدد من نقلهم بطائراتهم إلى اليمن بقرار أمريكي، أم أن دولة في حلف الناتو تقوم بمبادرات عسكرية دون اسشارة قيادة حلفها؟ فما بالكم بدول تابعة لم ترقَ إلى مستوى أن تكون في حلف تقوده أمريكا؟ فحجارة الشطرنج تُحَرَّك ولا تُسْتشار.

سكت قليلاً وارتشف شيئاً من كاسة شايه، وسط صمت الجميع واستماعهم، وأكمل من جديد:

ـ لقد قرأت عن مواطن من بلاد الحجاز، إسمه”رائف بدوي”، حائز على جائزة “سخاروف لحرية الفكر”، نفس الأمر الذي حاز جائزته عليه،حاكمه آل سعود بعشر سنوات من السجن وألف جلدة في، هؤلاء الذين يبشروننا “بديمقراطيتهم” في سوريا واليمن والعراق، تخيلوا أناساً يتم جلدهم بأهازيج دينية وعلى مرأى من الجميع وخمسين جلدة عند كل صلاة جمعة؟!!!، وفي القرن الواحد والعشرين!!!، كما حكموا على الشاعر الفلسطيني بالإعدام على كتاب شعر نشره!!! كما الإعدام على الفتيان وعلى الشيوخ لأن لديهم أفكاراً وآراءاً أخرى غير ما لدى آل سعود!!! الأمرالذي يدلل على أن من يحارب الكلمة أو الفكرة أو الرأي الآخر، ويستخف بهذا الشكل بحيوات الناس كما يفعل ضد شعبه أم في اليمن أو سوريا، لا يمكن أن يكون مؤهلاً لمحاربة الإرهاب.

فقالت الحاجة مرثة بصوت عال:

ـ صدقت والله يابني، سلم الله فمك…

وقال أبو خليل وسيجارة “الهيشي” معلقة بين شفتيه:

ـ ليس سوى تحالفاً زائفاً، كله “ظراط ع البلاط” بلا مؤاخذة

فقال أبو زكي سائلاً:

ـ إذن لماذا كل القصص والأخبار عن تحالف آل سعود هذا؟ لم تظل مجلة أو جريدة أو راديو ولا محطة تلفاز “لا تُطبل أو تزمر” لهذا التحالف؟

فقال أبو خليل مجيباً:

ـ يبدو أن “الجنازة حامية والميت كلب” يا أبا زكي

فأكدت الحاجة وطفة من مكانها ضاحكة، فاتحة فاها مظهرة فماً تساقطت معظم أسنانه منذ زمن بعيد قائلة:

ـ صدقت يا أبا خليل، فعلاً” الجنازة حامية والميت كلب”، سلم الله فمك.

وكما هي العادة، خرج منتصراً هذه المرة أيضاً، لكنه على غير عادته، وضع يده على كتفي حين غادرنا منزل أبا زكي، وقال:

ـ هؤلاء الحثالات دمروا البشر والحجر ، ارتكبوا المجازر بحق فقراء اليمن وحضارتهم، قصفوا المدارس والمشافي والمدارس والزرع والضرع، قتلّوا ويتّموا ودمّروا، ورغم ترسانتهم العسكرية  وتحالفهم غير المقدس مع أمريكا وإسرائيل، إلّا أنهم هُزموا من حُفاة اليمن، لأن الشعب اليمني شعب  يدافع عن كرامته وعزته أمام حكام ومرتزقة وبلدان تفتقد للعزة والكرامة.

وامام سكوتي وعدم تعليقي على الأمر، قال منتقلاً بعيداً في الماضي السحيق:

ـ قاتل الله السياسة، أتعلم أنني أحن كثيراً الى سنوات الدراسة، حين كنا نتزاحم على المقعد الأول في الفصل!!! كأن الأمر قد تم بالأمس القريب….

ومشينا … مشينا بين الحقول… بين أشجار الزيتون… ومن طرف السماء البعيد انطلقت بضع شعاعات برق أضاءت لنا الطريق، وابتدأت حبات المطر تتساقط على رؤوسنا وعلى كل الأشياء، وكما كنا نفعل عندما كنا صغاراً، توجهنا إلى شجرة تين عملاقة، واقفة على طرف الطريق لنستظل ببقايا ما ظلت تحمله من أوراق، مختبئين من حبات المطر، ورغم كوننا وحدنا لم يذكر شيئاً عن تلك الحادثة أبداً….

محمد النجار

الإسلام الأمريكي وأدواته في المنطقة

لم يكن تفجير الضاحية الجنوبية بالأمس، إلا مجرد هروب للأمام للتغطية على ما يدور في المنطقة كاملة من هزائم للمحور الرجعي العربي ، بقيادة آل سعود، وفي نفس الوقت محاولة يائسة للفتنة والتفتيت للتحالف اللبناني الفلسطيني، ، الأمر الذي يجعل حق العودة في مهب الريح، . وإذا أردنا الدخول في بعض التفاصيل نورد التالي:

* ما يدور على الجبهة السورية من انتصارات متتالية وسريعة في كامل الجبهات، الشمال والوسط والجنوب والقلمون و”الحبل على الجرار”، ما يعني أن الجبهة الرئيسية المستهدفة تخرج من بين أيدي هؤلاء الحثالات والدول الرجعية المتصهينة التي تقف خلفهم بقيادة آل سعود، الأداة الأكثر طاعة للصهاينة والإمبريالية الأمريكية، لذلك نرى كل هذا الإستكلاب الأمريكي وقصفه المتتالي للبنى التحتية السورية وتدمير لمنشآت النفط السورية، الأمر الذي لم يفعله وهي تحت سيطرة داعش والنصرة وأخواتهما، ونفطها يُسرق ويهرب عبر تركيا ويُباع للكيان العبري. والأمر كذلك بالنسبة لقاعدة الإمبريالية المتقدمة في المنطقة. الكيان الصهيوني المستفيد الأكبر من هذه الحرب الكونية على سوريا، والمنطقة عموماً سواء في العراق أو اليمن او مصر والجزائر وليبيا، فدوره في العراق من خلال أعماله الإرهابية الممولة من آل سعود وتقتيله لعلماء العراق، وتهديمه لبنيتة الأساسية (الإنسان العراقي والجيش العراقي) لم  ننساها بعد. وكذلك الحال لحكومة “الإخوان المسلمين” (العثمانية الجديدة)، الذين يريدون قضم الأراضي السورية، والذين يشكلون الذراع المتقدمة لحلف الناتو بعد اسرائيل، وكلهم بقيادة الإمبريالية الأمريكية.

* كذلك الحال في العراق، حيث الحشد الشعبي والجيش العراقي يتقدم ، لكن تقدماً بطيئاً لأنه يصطدم بالعرقلة الأمريكية دائما وأبداً، حيث لم يكتفِ الأمريكي بعدم إعطاء الجيش العراقي الأسلحة التي دفع ثمنها مسبقا، بعد أن فتّت جيشه وأضعفه وجرده من سلاحه، وفرض على العراق دستور بليمر الطائفي، ويرفضون السماح بتغيير الدستور الى دستور حداثي بعيدا عن الطائفية، فإن طائراتهم  أيضاً تقوم بإلقاء الأسلحة لحثالات الأرض من الدواعش والنصرة وخلف خطوطهم، وتعرقل الحشد وتقدمه لتنقذ قادة داعش وتنقلهم الى أماكن أكثر أمنا (كما حصل في تكريت، ليكونوا احتياطاً لهم في مشروعهم التدميري للوطن العربي والذي لم ينهزم بعد)،  وتم بعث المئات منهم في طائرات تركية وقطرية الى الجنوب اليمني ، وكما تم في ما أسموه عملية تحرير الاسرى  الأكراد من سجن عراقي، وكذلك من خلال طائرات الشحن العملاقة التي نقلت السلاح لتلك الحثالات في “تلعفر” في الموصل، وما زالت تعرقل قوات الحشد الشعبي وتحاربه بكل قوة وتحرض عليه طائفياً ومذهبياً وإعلامياً من خلال إعلام آل سعود و الشيخة “موزة” في حارة قطر، التي موّل أولادها وأحفادها حثالات الأرض الدواعش ب 32 الف سيارة تيوتا رباعية الدفع في سوريا فقط ، عدا السلاح والأموال، وما زالت، هذا عدا ملوك الرمال في مملكة آل سعود، والتركي الذي فتح أبواب بلاده لعشرات الآلف من الإرهابيين بأموال سعودية قطرية، وبأوامر أمريكية اسرائيلية.

*كذلك الأمر في اليمن، حيث يتم دك مواقع آل سعود وتحالفهم وكل مرتزقتهم سواء في باب المندب أو تعز أو المدن اليمنية المحتلة من آل سعود، والذي يتوج كل يوم بإحراق عشرات الاليات والجنود، من جنود آل سعود ومرتزقتهم، والغريب الطريف في ذات الوقت فإن الأمريكي وأتباعه لا يريدون أن يروا تمدد داعش والقاعدة في حضرموت وعدن وبقية مدن الجنوب، فأولئك رغم كونهم قاعدة لكنهم ليسوا ارهابيين ولا يجب محاربتهم، لأنهم في المكان الصحيح!!! واليمن الذي يعوم على ما يقارب ال35% من النفط العالمي والمحروم من استثماره بسبب آل سعود وتأثيراتهم المتتالية على حكومات اليمن، حد التبعية المطلقة، كما الحال في المعادن المختلفة والكثير من المواد الخام مطلوب أن يبقى مطية لآل سعود وأسيادهم من الكيان العبري الذي يدك المدن اليمنية بطائراته مع الإمبريالية لأمريكية ، ليبقى اليمن فقيراً هزيلاً تابعاً لا يستطيع التحكم لا بخيراته ولا بموقعه الإستراتيجي.

* والأمر يتكررفي فلسطين، كون القضية الفلسطينية هي المستهدف الرئيس مما جرى ومن كل ما يجري، وكون الكيان الصهيوني هو المستفيد الأول من كل ما يجري.، لذلك فانطلاق الإنتفاضة الفلسطينية من جديد رغم كل محاولت إيقافها وقمعها وطمس فاشية المحتل في التعامل  معها، ورغم ضغوط الرجعيات العربية المتصهينة على قيادة السلطة، هذه القيادات التي تقود الجامعة العربية المخصية والتي ما قدمته على مدار عمر القضية الفلسطينية كلها في القرن الأخير لم يصل إلى عُشر ما قدمته للحثالات البشرية في سنة واحدة، الأمر الذي يتطلب حرف وابعاد التركيز العربي والدولي عنها مادام ليس مقدور ايقاف فعالياتها. لذلك كله يجب التفجير والقتل ما أمكن في محور المقاومة، المحور الذي يقف ببسالة ضد حثالات الأرض وأسيادهم الصهاينة والأمبريالليين وتوابعهما من رجعيات عربية متهالكة متصهينة، وليكن في المكان الذي لم يستطيعوا تدميره، لبنان، وتحديدا ضاحيته الجنوبية حيث حزب الله، قائد حركة التحرر الوطني العربية بامتياز، والترويج أن من قام بذلك هم فلسطينيون، ليشتبك المخيم مع المقاومة اللبنانية ويصبح حق العودة نفسه مهدداً وبأيدي الثوار أنفسهم من لبنانيين وفلسطينيين. وأمام تحقيق أهدافهم في تفتيت الأوطان كان لا بد من استخدام ذخيرتهم الرئيسية في ذلك ، وهم “الإخوان المسلمين” ومرجعيتهم الأساسية أردوغان وحزبه العثماني الجديد، فكانوا هم خميرة تدمير سوريا، وهم خميرة تدمير اليمن من خلال حزب الإصلاح، وكذلك في تونس ومحاولات الفتنة الداخلية من خلال سياسة الأغتيالات ضد اليسار التونسي والذي اتهم فيها حزب النهضة الإخواني، وكذلك الأمر في مصر ومحاولة تدمير الدولة هناك ،رغم موقفنا الواضح من نظام السيسي، لكن هذا لا يبرر تدمير الجيش وتقتيل الوطن، والأمر نفسه كان قد تم في الجزائر من خلال جماعة عباس مدني، وما أوصلوا إليها ليبيا باسم ديمقراطية الناتو التي لم يؤمنوا بها يوماً لكنهم يدمرون باسمها الأوطان، وكيف قسموا السودان باسم الدين الأمر الذي لم يقم به أي نظام ديكتاتوري بما في ذلك نظامي عبود ونميري. وهاهم باسم الدين أيضاً برسلون جنود السودان الفقراء ليَقتلوا ويُقتَلوا في اليمن تحت أوامر آل سعود الذي يعتبر نفسه قد استأجر بضعة عجول لا أكثر، في الوقت الذي ينهار فيه السودان كوطن ومواطن تحت ذات القيادة التي تتاجر بالوطن والمواطن وأوصلت السودان الى الحضيض على كافة المستويات. وفي فلسطين حيث تحاول بعض قياداتهم توقيع هدنة طويلة مع الكيان الصهيزني من خلف ظهر الشعب كما فعلت تماماً قيادات أوسلو، فداعش ليس هدفاً أمريكياً، والقاعدة كذلك، وإن كان يضرب هذا القائد الميداني أم ذاك بين وقت وآخر لذر الرماد في العيون، فالسيدة كلنتون تعلن مجاهرة في الكونغرس “أنهم كانوا مضطرين لدعم  القاعدة”، ويعلن توني بلير “أن بلاده وأمريكا خلف ظهور داعش” ويعلن أوباما بكل صفاقة “أن داعش خرجت عن السيطرة” الأمر الذي يدلل على طبيعة العلاقة التي تربطهما، رغم كل ما يحاولون ترويجه من أكاذيب حول محاربتهم للإرهاب…  وفي النهاية، فهذا جزء من ضريبة النضال والمقاومة، فعلى الشهداء الرحمة والشفاء للجرحى والصبر لأههاليهم ولكل جمهور المقاومة.

محمد النجار

رسلة مفتوحة لرئيس السلطة الفلسطينية

كثيراً ما تساءلت عن السر الكامن وراء هذا الخنوع القيادي الفلسطيني، أمام حثالات الأرض الصهاينة، الذين لا يفهمون سوى لغة القوة، حتى إذا ارتخت قدمك من فوق رقابهم يتمردون من جديد، كما يُلاحظ من التجارب المختلفة من عمر الثورة الفلسطينية المسلحة وتجارب المقاومة الوطنية اللبنانية المُتوجة بقيادة حزب الله.

أقول أنني أظل مشدوهاً وأكاد لا أصدق ما أسمع، خاصة من جانب رئيس السلطة ورئيس حركة فتح في الوقت نفسه، وحاشية “المطبلين والمزمرين” الملتفة حواليه، والتي لا عمل لها سوى ترديد النباح دون توقف أو إنقطاع، عن رفض العمل المسلح والإنتفاضي الشعبي وحتى الدفاع عن النفس ولو حتى بالحجارة، رغم شلاال الدم اليومي المتدفق، وهم في أغلبهم لا أحد يعرف من هم أو من أين أتوا ولا كيف وصلوا ليصبحوا في هذا المستوى القيادي وصناعة القرار!!!.

كما أنه من أبجديات العمل الثوري أن المُتعَب أو الذي تصدأ أفكاره أو قدرته على الفعل الثوري، يقف جانباً ويترك القوى الثورية والشابة لتكمل المشوار، لكن هؤلاء لا يريدون النضال ولا يريدون لأحد غيرهم أن يناضل، يعني ” لا برحمك ولا بترك رحمة الله تنزل عليك”، وهم حتى لا يقفوا صامتين بل يعرقلون العمل الوطني بكل ما أوتوا من قوة، والأكثر خطورة أنهم يقدمون المعلومات للعدو الصهيوني لإعتقال المناضلين أو تصفيتهم من قبل هذاالعدو، إذا لم يستطيعوا إعتقالهم هم أنفسهم، وإذا صحت المعلومات عن تسليمهم مناضلي عملية نابلس الأخيرة، فيمكن إدراك إلى أي مستوى من الإنحدار وصل الإنحطاط بهم، الأمر الذي يتطلب التعامل معهم كعملاء في أعلى مراحل العمالة والإنحطاط، وتقديمهم لمحاكم ثورية معنية بهذا الأمر. فخديعة أنهم ينفذون اتفاقات أمنية هي خديعة واهية، فلا شيء في الكون يسمح أو يقبل بأن يُقتل أبناء الشعب من أبناء جلدتهم أو أن يعتقلوا لمصلحة المحتل مهما كانت الأسباب والمبررات.

نعم إنني كثيراً ما تساءلت عما يدفع هؤلاء لمثل هذا الفعل المشين، رغم أن قسماً منهم كانوا ذات يوم مناضلين، ولم أجد إلاّ المصالح الذاتية، المعاش وفضلات الأموال المنهوبة من فم الشعب وقوته ودمائه، لكن هذا الأمر يدفع لتساؤل مشروع آخر: أيعقل أن تكون قيادة فلسطينية بهذا الرخص والبؤس والنتانة؟ أيعقل أن تكون بهذا الإنحطاط؟ بهذه السفالة؟ ويبدو أن الأجوبة بالإيجاب كما هو واضح.

وهنا علينا قول الأشياء بأسمائها، وأهمها أن الرئيس عباس عليه إيقاف هذا العبث بشكل فوري وقاطع إذا كان يتمايز عن هؤلاء المرتزقة، عليه اتخاذ الإجراءات لحل السلطة، وعليه الإلتزام بقرار المجلس المركزي ووقف التنسيق الأمني وليس مجرد التهديد بذلك، واعتبار من لا يلتزم بذلك خارج عن الصف الوطني، وعليه وقف الحديث بآرائه الخاصة، لأنه رئيس للسلطة ولحركة فتح، وإبقاء تلك الآراء لنفسه، أو أن يستقيل ومن ثم يقول ما يريد ولمن يريد، وخاصة بما يخص رأيه بحق العودة ورفضه الإنتفاضة والعمل المسلح ، وعلى رأسها مسألة “الصواريخ العبثية”، كما أسميتها ذات يوم وما زلت يا سيادة الرئيس، هذا إذا لم يرد الرئيس أن يتعلم على الأقل من تجارب شعبه و إذا لم يرد أن يتعلم من تجارب الشعوب أيضاً، فليس من صالحه أن نتساءل ماذا كان يمكن أن يحصل مع الشعب الفييتنامي لو كان لا قدر الله رئيسنا عباس بدلاً عن الرئيس هو شي منه، أو لو كان  مكان المناضل دانييل أورتيغا في نيكاراغوا، أو لو كان مكان فيدل كاسترو في كوبا أو ماو في الصين، أو لو كان مكان المناضل حسن نصر الله، فربما كنا نشهد الإستيطان قد وصل إلى وسط بيروت!!! وماذا لو كان ياسر عبد ربه مكان الجنرال جياب أو لو كان رؤساء الحكومة الفلسطينين أمثال الحمدالله أو الإقتصادي فياض بدل إقتصاديوا الإقتصاد الصيني مثلاً، ماذا كان يمكن أن يحصل مع تلك الشعوب؟ ولماذا تُستثنى فعاليات شعبنا وطاقاته ليظل على رأسه “المخصيون” وفي كل المجالات؟!!! فالمرحوم سلفه الرئيس عرفات رغم أخطائه وخطاياه التي توّجها بخطيئة توقيعه على إتفاق “أوسلو”، إلّا أنه رفض  التوقيع على بيع الوطن في كامب ديفيد الفلسطيني، واستخدم السلاح في انتفاضة الأقصى، فنال شرف الشهادة بعد حصاره وتسميمه، لذلك ظل رمزاً رغم كل الأخطاء والخطايا والتي ليس المجال للحديث عنها في هذا المقال وفي هذه العجالة.

أما أنت يا سيادة الرئيس فلا علائم أو دلالات على أنك قد تعلمت من دروس التاريخ ولا الشعوب ولا شعبك ذاته، وكأنك وصلت إلى ناصية العلم والمعرفة التي لم ولن يصل إليها أحد، ومن باب رفع العتب ـ ربماـ عن أنفسنا نذكرك بأن تدرس تجربة أوسلو التي أتيت بها أنت نفسك وأقنعت سلفك بها وبتوقيعها ، وأنظر بنفسك ما الذي فعلته هذه الإتفاقية المشؤومة بالوطن والمواطن، أنظر كم كان عدد المستوطنين وكم من المرات تضاعف بفضل هذه الإتفاقية،”أقل من 100 ألف عام 1993 والآن أكثر من 700 ألف مستوطن”، كم عدد الشهداء على مدار الإنتفاضتين وكم مرة تضاعف في زمن ” السلم الأوسلوي” الذي أحضرته لنا، وكذلك الأمر للجرحى والأسرى وعدد الحواجز المزروعة في الضفة الفلسطينية، وانظر إلى حال المواطن وغلاء المعيشة و كيف تفشت حالات الفساد والإفساد والوساطة، وانظر كيف بعتنا في أسواق النخاسة عند أنذال القوم من الأعراب و”المستعربين”، كيف بعتنا إلى “حارة” الشيخة موزة وأبنائها ببضعة ملايين، فدمروا سوريا وطردوها من الجامعة العربيه وشردوا شعبها ودمروا أرضها في محاولة تقسيمها ، وكل هذا لضرب المشروع الوطني الفلسطيني وتحقيق يهودية الدولة العبرية!!! ثم بعت موقفنا لدولة آل سعود لتدمر اليمن، هذا الشعب الذي لم تمر عليه أي ذكرى لفلسطين دون أن يحتفل بها، والذي كان الأسبق دائماً لدعم قضيتنا التي لم تستطع الحفاظ عليها، هذا الشعب وهذه القضية التي “تُقلق” قادة الكيان الصهيوني!!! أليس في الأمر ريبة هذا إذا أحسنا النوايا؟!!! وكيف سلمت رقاب مليوني فسطيني في غزة للنظام المصري ليتحكم بها  عبر إغلاقه المعبر الوحيد، لخنق الشعب وتجويعه من خلال حصاره الظالم، وها هو الآن يغرق غزة بمياه البحر ليلوث ما تبقى منها من مياه شبه صالحة للشرب، ويقتل ما تبقى من إمكانية لزراعة أرضها بإستشارتك وموافقتك وتحت عينيك، لا لشيء إلّا لخلافك مع حماس!!!

وكي لا نبتعد كثيراً، ألا تعتقد أن التهديد الدائم بتقديم قادة الإحتلال إلى محكمة الجنايات الدولية دون أن تُحرك ساكناً رغم جرائمهم الدائمة والتي فاقت جرائم النازيين، أصبح مثير للريبة والتساؤل إن لم نقل للسخرية أيضاً؟!!! ألا تعتقد أن لإصرارك على عدم إصلاح م ت ف بمجلسها الوطني والمركزي وقيادتاها ،ولإصرارك على نشر ثقافة الإستسلام و”إحتكارها” ” فيبدو أن خالد مشعل وأبو مرزوق قد تنازلا عنها بعد انكشاف أمرهما من حليفتيهما قطر وتركيا، وأبقوك وحيداً لتحتكر الإستسلام”، وتعميمها على حساب ثقافة الثورة والفعل المسلح والإنتفاضي، كل ذلك يؤثر على الوطن والمواطن ويجعل القضية في آخر جداول العالم إن لم يلغها أصلا عن ذلك الجدول؟  كفى عبثاً يا سيادة الرئيس بالوطن والمواطن. كفى إستهتاراً بعقول الناس وحيواتها، كفى لا مبالاة بالدم الفلسطيني، فجداول الدماء هذه وأنهارها ليست ماء.

فعظام القادة يا سيادة الرئيس هم الذين عرفوا أن يتخذوا القرارات الصحيحة في اللحظات الصحيحة، فقم واتخذ القرار الصحيح، فاللحظة ما تزال مناسبة بعد، رغم كل هذا التأخير غير المبرر، لأن البديل أن تتجاوزك اللحظة وأن لا تحصل إلّا على لعنات شعبك الذي لن ينال إلّا مزيدا من الذبح من الإحتلال بفضل سياساتك، فهل تفعل؟!!!

وكي أصدقك القول اقول لك كلمات الشاعر الكبير مظفر النواب” والله أنا في شكٍ من بغداد إلى جدة”.

محمد النجار

حمّلوه عنزة ظرط….

كنت جالساً أتابع التلفاز بمرارة، حين ظهر ذلك الشخص بشكل مفاجىء ليزيد حنقي، وإنني إذ أعترف لك أن مجرد رؤيته تستفزني، وأكاد أبصق عليه من على صفحة التلفاز، كلما نطق حرفاً، إلّا أنني لم أستطع أن أكبح جماح فضولي من الإستماع إليه، فبصقت عليه في سري وأخذت أستمع لما سيقوله عن سؤال وُجه إليه يقول: لماذا لم تستقبل دول الخليج المهاجرين السوريين، بدلاً من هذا العذاب المُميت والمُكلف والمُذل سياسياً ومادياً للوصول إلى الدول الأوروبية؟ فعدّل من وضع حطة رأسه ناصعة البياض والتي تشبه رايات الإستسلام التي يستخدمها الجبناء في الحروب لينقذوا جلودهم، وقال، لا بل “بال”، لا… لا ، لم أخطىء، نعم لقد “بال” من فمه، وأنت تدرك كيف يبول المرء من فمه، فالأمر مختلف عن الذي يسكت” دهراً وينطق كفراً”، فمثل هذا المرء مرده إلى الله ليسامحه أو لا يسامحه على كفره في يوم الدين، وكذلك الأمر مختلف عن الذي يتحدث متناسياً المأثور الشعبي القائل:”إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب”، وأنت تدرك الفرق بين أن يكون الكلام الذي يخرج من فم الشخص فضة أم بولاً كالذي يخرج من فم “صاحبنا”… لذلك أنا أُصرّ على أنه “بال” من فمه رافعاً “رجله” تماماً كما يبول الكلب على قارعة الطريق. وما عليك إلّا أن تحكم بعد أن تستمع لما قال.

قال:

ـ  لا… لا، الخليج مختلف، له عاداته وتقاليدة، لا… لا يستطيع، فهؤلاء المهاجرون لديهم مشاكل نفسية خطيرة. عدّل من وضع حطة رأسه من جديد وتابع بوله:

ـ لا، الخليج مُكْلِف والحياة به غالية وهم لا يستطيعون… لا….

أول ما خطر في رأسي سؤالاً إستنكارياً يقول لهذا التافه: من الذي تسبب في هجرة هؤلاء؟ أليس أكلة قلوب البشر؟ أليسوا “محتكروا” الحقيقة القابضين على”مفاتيح الجنة” كما يدّعون؟ أليست حاميتكم أمريكا؟ وبأموال مَنْ؟ أليست بأموال آل سعود التي لم تطلق يوماً طلقة على أعداء الأمة العربية، بل لم تستخدم أسلحتها وأموالها إلّا لتدمير حركات التحرر العربية والمناضلين العرب وتدمير الأوطان، بل ووظفتها لخدمة ما تطلبه الإمبريالية من أفغانستان إلى دعم الأحزاب اليمينية في بعض الدول الأوروبية كي لا تصل أحزابها الشيوعية للسلطة خلافاً لإرادة شعوب تلك الدول التي إنتخبتهم كما تم في فرنسا وإيطاليا، وكما موّلت حملة الكونتراس في نيكاراغوا كي لا يصل الساندينيون إلى السلطة، تماماً كما موّلت القاعدة وداعش في ليبيا وسوريا والعراق واليمن ومصر” والحبل على الجرّار”… ولا أستغرب أن تكون حكومة آل سعود وحلفائها هي الداعم المالي للعثماني الجديد أردوغان ليتخلص من اللاجئين الذي بنى معسكراتهم قبل أن يبدأوا حربهم الكونية على سوريا، فمن جهة يضغط على الأوروبيين الذين لم يؤيدوا المنطقة العازلة، قائلاً لهم “لا تُريدون منطقة عازلة؟ إذن تلقوا المزيد من المهاجرين”، فمن غير المعقول أن يفر هؤلاء بعشرات الآلاف في نفس اللحظة مارين في دول عدة دون دعم دولي، تماماً كما أنه لا يمكن لتنظيم مهما على شأنه وكبره وتمدده، أن يمتلك دبابات وآليات وأسلحة وأموال ومتفجرات بآلاف الأطنان وجيش بعشرات الآلاف ويحارب في أكثر من مكان، دون أن تكون خلفه دولاً، كما حال داعش والقاعدة، والغريب أنهما رغم إمتلاكهما كل ما سبق وخروجهما أحياناً عن إرادة خالقيهما، إلّا أنهما لم يُخطئا ولو مرة واحدة ولم يخرجا عن الخط الأحمر الأول المرسوم لهما بأن يُطلقا طلقة واحدة باتجاه الكيان الصهيوني، ولو حتى عن طريق الخطأ !!!، ومن جهة ثانية لتفريغ سوريا كما العراق من كنزهما البشري وخاصة أن المهاجرين هم من الشباب في أغلبيتهم الساحقة والكثيرون منهم حملة شهادات وأكاديميون، وأمور أخرى كثيرة لا تتعلق بموضوع حديثنا. لكن أكثر ما استفزني في الأمر أن هذا المتخلف، ماذا؟ نعم المتخلف رغم شهاداته التي يحملها، وهل بالضرورة أن لا يكون كل من حمل شهادة متخلفاً؟ بماذا تفسر لي أن “حارة الشيخة موزة” تحتضن أكبر تجمع للمثقفين الذين لا هم لهم سوى الترويج والتنظير والتبرير لكل ما يضرب حركة التحرر الوطني العربية؟!!! هذه الحارة التي تحكم بالمؤبد على مجرد شخص ينادي بالإنتخابات، تعتقد أن لدى ديمقراطيتها متسعاً للمثقفين لو كانوا مثقفين حقيقيين ولديهم الحد الأدنى من الوطنية أو الثورية لو لم يكونوا تابعين لقوة المال؟… أقول أن هذا التافه لا يعلم ان هؤلاء لو كان لديهم مشاكل عصبية ونفسية كما يدّعي، فهو ومن يموله السبب في ذلك، كما أن هؤلاء ربما يكونون أقل منه ومَنْ هم على شاكلته مرضاً نفسياً، وأن جدود هؤلاء مع جدود الفلسطينيين واللبنانيين هم مَنْ نقلوا الأبجدية إلى تلك الصحاري قبل أن يصلها النفط، واستشهد منهم الكثير من الأفاعي والعقارب، وأن الذباب والبعوض الذي رأوه وحاربوه لم يروا بمثله ولا بحجمه في أصقاع الأرض، نقلوا لهم الأدوية وبنوا لهم المدارس بأيديهم كما المصحات والبيوت بدل الخيام، واستخرجوا لهم المياه وأحضروا لهم الحبوب وعلموهم الزراعة، نعم، هم من علموه وعلموا أجداده الحياة، وها هم الآن لا يحصلون على تأشيرة دخول لهذه البلدان التي لولاهم لماتوا من الظمأ، لا بل كانت مكافأتهم بتدمير أوطانهم وأحلامهم. إنهم نسوا “أن من علمني حرفاً كنت له عبداً”، وفضلوا أن يكونوا عبيدا لراعي البقر الأمريكي وللبريطاني والفرنسي، ويؤمنون بالقول المأثور”… الغريب حلو”.

نسي هؤلاء شيئاً اسمه الكرم، أو إغاثة الملهوف… “الخليج مُكلف”… في الزمن العادي كنتم تتآمرون على الناس وترحلوهم بعد أن تُشاركونهم أموالهم وتسرقونهم لاحقاً باسم ” الكفيل”، أنسيتم؟ الدول تبني حضارات بالمال، وأنتم تُدمرون أوطاناً وتقتلون البشر وتدمرون الحجر وتنشرون الدعارة والبطالة والجهل، نسوا هؤلاء الجهلة أن سوريا هذه، سواء أحببت النظام أم كرهته، هي من استقبلت الشعب الفلسطيني بالأحضان والتضامن  عند مأساته ولا زالت، ولم تُفرّق بينه وبين أبنائها، والسوريون كانوا جنباً إلى جنب يقاتلون الإستعمار في كامل سوريا الكبرى، ومن هو عز الدين القسام سوى مناضلاً سورياً جاء ليستشهد في فلسطين، وأن هؤلاء السوريون هم من احتضن ما يقارب من مليوني عراقي عندما أطلق آل سعود جنونهم تدميراً وتفجيراً في العراق مع الأمريكي، وهم من احتضن نصف مليون لبناني في الحرب على لبنان، وأن هؤلاء السوريون العظام لم يفتحوا لهم معسكرات ولم يطلبوا نقوداً ممن كان السبب في مآسيهم أمثال آل سعود، ولم يتاجروا بقضيتهم لأمم متحدة أو شؤون اللاجئين، تقاسموا معهم لقمة الخبز، وواسوهم وعضّوا على جراحهم مبتسمين، وأن سوريا هذه رغم كل الإنحطاط العربي لم تتنازل عن مجرد بضعة أمتار في “جولانها” المحتل… أم ربما لأنها كذلك يُديرون عليها كل هذه الحرب الكونية؟!!!

نعم هو هذا ذات الشخص الذي كان منذ بضعة أسابيع يدافع عن تدمير اليمن، يدافع عن مجازر آل سعود فيها، ويُهدد ويتوعد شعب عظيم كالشعب اليمني لا لشيء إلّا لأنه شعب فقير بسبب آل سعود أنفسهم الذين يمنعوه من إستثمار خيراته، فهو يعوم على بحر غاز ونفط يفوق ما لدى آل سعود، يتهجم على شعب مقدام جسور كريم، تخيّل!ويتحدث عن أنه وآل سعود سينغصون على إيران والإيرانيون حياتهم من خلال دفع الأموال لإثارة الفتن بين قومياتها ومذاهبها، تخيّل إلى أين وصلت بهم الصفاقة والوقاحة والغطرسة، وهم لم يكونوا قادرين على الصمود لحظة في وجه بلد مثل العراق، ولن يستطيعوا مع سوريا، وسيتمرغ أنفهم في تراب اليمن، والآن يتطاولون على إيران!!! صحيح كما قال المأثور الشعبي” حملوه عنزة ظرط قال هاتوا الثانية”…

ـ مالك تنظر إلي مثل الأبله؟ تحرك رأسك كأعضاء برلمان عربي متخلف جاهل…

ـ فشرت… لا تقل جاهلاً، صحيح أنني لا أمتلك شهادات كشهادة صاحبك، ولا كأولئك في حارة الشيخة موزة، لكني لست مثله ولا مثلهم، وكل ما قلته أنت أعرفه رغم أنني لا أعرف أن أقوله و”أُصفط” كلماته مثلك، واستفزني صاحبك هذا أكثر مما استفزك، بدليل أنني بصقت على وجهه القبيح على شاشة التلفاز بشكل جدي وليس مثلك في سري، شيء آخر سأقوله لك ، لا تُشبّهني بأعضاء البرلمانات العرب إذا أرت أن تراني مرة أخرى في بيتك….

محمد النجار

شهاب الدين وأخوه

الأمر ليس بجديدٍ على الشعب الفلسطيني، فمشكلته قديمة جديدة، فدائمًا يكون في قمة عطائه وقيادته في قمة مساومتها وتبعيتها وتنازلاتها، والأمر لم يعد محصوراً بعائلات الإقطاع التي قادته في ثوراته وانتفاضاته الفاشلة القديمة، بل والحديثة أيضاً، لذلك ينطبق عليه المأثور الشعبي بأسطع تجلياته،” طول عمرك يازبيبة في …. عود”… وكيلا نتوه في التاريخ ونبتعد عن جوهر موضوعنا، سنركز موضوعنا في قيادات الشعب الفلسطيني التي قادت الثورة الفلسطينية الحديثة، حيث ابتدأت قيادة الثورة البرجوازية الصغيرة، في قمة عنفوانها وعطائها الثوري، فساهمت في رسم الميثاق الوطني وحددت البرنامج الإستراتيجي والتكتيكي، وحملت البندقية وناضلت وقاتلت…لكنها تدريجياً أخذت تتماهى مع الرجعية العربية، وارتضت أن تزرع بها الأنظمة رجالاتُها، وقبلت بالمال المشروط، وأخذت تتذاكى لنراها مرة مع الأنظمة الوطنية ومرات مع الرجعية، وبنت “ترسانة” مالية ضخمة، تجاوزت الميزانية السنوية لبعض الدول العربية، حتى أنها أقرضت بعض الدول العربية أكثر من مرة، لتذهب هذه الترسانة المالية إلى يد أرملة الرئيس وكأنها أمواله الخاصة!!!، وكون المال لم يُستخدم لخدمة القضية الوطنية بشكل صحيح، فقد أضعفتها قوة المال فهانت دماء الشهداء وآهات شعبها، فتراجعت عن شعاراتها نفسها، وبدل المراجعة النقدية تاهت بين هدفها الإستراتيجي والتكتيكي، وغلبت التكتيك على الإستراتيجيا، وتنازلت عن الإستراتيجيا والتكتيك معاً، وأخذت هذه القيادة تتذاكى أكثر، فاتصلت بالصهاينة متجاوبة مع سماسرة الصهاينة ووعودهم فتنازلت عن الميثاق الوطني، وزيادة في التذاكي ساومت من خلف الشعب ودون علمه متنازلة عن كل ثوابته، وجلبت اتفاق أوسلو  بكل مآسيه للشعب الفلسطيني، محملاً بالتنسيق الأمني واعتقال المناضلين، ناشرة الفساد والإفساد، وثقافة البؤس والإستهلاك بدل الثقافة الثورية والوطنية، محاولة تحطيم المعنويات والتجهيل والتعتيم والمضايقة والملاحقة الأمنية، والسجن للوطن والناس، تاركة عملاء الإحتلال يصولون ويجولون دون رادع ولا حتى سؤال. هذا ما حصل مع قيادة حركة فتح ، وهو ما يتكرر ويحصل اليوم مع قيادة حركة حماس، فبعد أن انطلقت مع بداية الإنتفاضة الأولى في قطاع غزة، وبعد عام كامل من بدء الإنتفاضة في الضفة الفلسطينية، جاءتنا بشعارها الأول “حماس هي الأساس”، حتى أنها لم تعتبر نفسها امتداداً لقوى الثورة الفلسطينية كما يفعل حزب الله مثلاُ، بل اعتبرت نفسها بديلاً عن المنظمات جميعها، فمن حيث المبدأ لم تكن هي الأساس ، فهي جاءت بعد أربع عقود تقريبا من عمر الثورة الحديثة بشهدائها وجرحاها وأسراها، وفي الوقت الذي كانت فصائل المقاومة تقدم الشهداء وتثبت القضية الوطنية على “أجندات” العالم، وبغض النظر عن الأخطاء والخطايا التي تمت، فإن حركة الإخوان المسلمين في فلسطين، كانت ترفع شعار” لا يُكلف الله نفساً إلا وسعها” وفي محاولات الهروب للأمام كانت تطرح”تحرير الأندلس قبل فلسطين”، ولم تقدم على مدى عمر الثورة حتى الإنتفاضة أسيراً واحداً فما بالك بالشهداء !!! وهي بذلك لم تختلف عن حركة الإخوان المسلمين العامة التي لم تقم يوما بتأييد أي حركة ثورية في العالم العربي، بل كانت دائماً وأبداً مع الثورة المضادة في أي مكان تواجدت به، والمثال الساطع وقوفها في وجه ثورة الشعب المصري التي قادها الزعيم الراحل جمال عبد الناصر في الوقت الذي دعمت به كل الأنظمة الرجعية!!!… والشعار الثاني الذي رفعته كان “الإسلام هو الحل”، الأمر الذي يعني في أحسن صوره تحييد مسيحيوا فلسطين وإبعادهم عن النضال، ثم أنهم بذلك جعلوا من أنفسهم أوصياء على الدين واختزال الدين بمفهومهم له، وفي سياق الإنتفاضة خاصة سنواتها الأولى، لم نر منهم اسلاماً وأكاد أقول ولا مسلمين أيضاً، فهم مثلاً لم يوافقوا يوماً على برامج مشتركة مع القيادة الوطنية الموحدة للإنتفاضة، ولم يوافقوا على بيان مشترك ، ولم يوافقوا على فعالية مشتركة، وكانت بياناتهم مربكة لحركة الشارع كونها كانت وفي معظم الأحيان في تناقض مع بيانات وبرامج القيادة الوطنية الموحدة للإنتفاضة!!! ولم تُجدي كل المحاولات، وفشلت كل الجهود لتوحيد جهودهم مع العمل الإنتفاضي، لدرجة أن الشعور العام الذي كان سائداّ آنئذٍ،  أن هؤلاء جاؤوا للإلتفاف على وحدانية تمثيل م.ت. ف. بدعم أمريكي لخدمة الكيان الصهيوني…

ومع محاولات القيادة المتنفذة في المنظمة، جني ثمار الإنتفاضة قبل نضوجها، بعد مهاجمة العراق من الإمبريالية الأمريكية، وعلى أثر اعتقال الآلاف من مناضلي الإنتفاضة وتحديداً من حركة فتح والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وتحديداً الإعتقال الإداري، وفشل مشروع الجبهة لنقل الإنتفاضة إلى العمل العسكري الذي كانت قد بدأته في أوائل سنوات التسعينات من القرن الماضي لأسباب لم توضحها حتى الآن، ابتدأت حركة حماس الأعمال النوعية المميزة ، والأعمال الإستشهادية التي ازدادت وتنامت بعد رجوع المئات من مبعدي الحركة من الجنوب اللبناني، والتي كانت جهود حزب الله وبصماته واضحة على كل أعمالها تقريبا، في نفس الوقت الذي أخذت تظهر بجلاء مساومات القيادة الفردية وممارساتها وفسادها وما تقوم به من شراء للذمم ودعم البرجوازية التجارية ذات الطابع التكاملي مع الإحتلال، ومع الإعتقالات الهائلة لمناضلي اليسار وقياداته والتي كانت تعمل من تحت الأرض، بعد أن تم اكتشافها بعد عشرات السنين من نضالها، إضافة إلى شعارات حماس التي ركزت على الهدف الإستراتيجي من جديد، وبتحالفاتها مع حزب الله والدعم الإيراني والسوري لها، أخذ جزء مهم من جسمها التنظيمي ينحاز للعمل المسلح ويزيد من قدراتها، وأخذ يزداد إلتفاف الجماهير حولها الأمر الذي مكنها من كسب الإنتخابات لاحقاً وتشكيل حكومتها ، والإنتصار على محاولات” فتح” الإنقلاب عليها في غزة، من خلاال محمد دحلان المدعوم من أكثر من دولة رجعية عربية، ومن فتح نفسها بالطبع، وبعد أن أخذت تتفولذ حركة القسام وتزداد تجربة ومعرفة، وتتعمق تحالفاتها مع حزب الله وإيران وسوريا، كان جزء من القيادة السياسية بقيادة خالد مشعل وموسى أبومرزوق (الذي سرعان ما يلبس ثوب المفتي بعد أن يقلع ثوب المناضل، “أفتى بأن التفاوض مع الكيان الصهيوني لا يخالف الشرع، ومن يدري فربما يفتي لاحقاً بأن من لا يُفاوض الكيان يُخالف الشرع)، والمقيم في مصر (رغم معاداة النظام المصري لبندقية الثورة المنتصرة في غزة والتي تسبب له إحراجاً كبيراً)، والذين”مشعل ـ أبو مرزوق” أهم ما يميزهما “مع آخرين من القيادة السياسية، هو سياسة التذلل المالي والسياسي، وبناء “ترسانة” مالية كما فعلت قيادة فتح واستغلالها في الضغط على حركتهم نفسها لفرض مواقفهم التي ليس لها علاقة بالعمل الثوري، رغم أنهم تسلقوا وبشكل انتهازي على ظهر  إنتصارات “القسام” التي حققها بالدم والجهد والمثابرة، لتحقيق مآربه ومصالحه، مبقين الحركة مرتبطة مع المحور الرجعي العربي، ومع قيادات الإخوان المسلمين الرجعية التي لا تستطيع الحياة سوى في المياه الآسنة، ومع العثماني الجديد أردوغان. ويزداد تذاكيهم من خلاال خالد مشعل، الذي تفوق على قيادة م ت ف في “تبويس” اللحى وفي النفاق، فإيران وحزب الله تدعم وتدرب وتنقل التكنولوجيا في تصنيع الصواريخ، وينتصر الشعب الفلسطيني في القطاع، وخالد مشعل يوزع الشكر على “والي” قطر ووالي السودان وأردوغان وملك آل سعود، مبتعداً وبشكلٍ متعمد عن محور المقاومة، ليصل إلى اللقاءات غير المباشرة من خلال”مُدمر العراق” طوني بلير، واصلاً إلى حيث وصلوا بدعم ما تقدم من دول رجعية لن توصل شعبنا إلّا إلى “أوسلو جديد”، والشعارات نفسها كما كانت مع قيادة المنظمة، فك الحصار وبناء الميناء وإعادة الإعمار، مجمَلاً بشعارات تحرير كل فلسطين من هذا الزعيم أم ذاك، ألا يُذكرنا هذا بنفس أسلوب قيادة م ت ف والتي ما زال بعض قادتها يستعملونه حتى الآن؟!!!

والمهم إذا كان اتفاق أوسلو قد أوصل شعبنا إلى الهاوية، فإن الهدنة المقترحة ستمزق ما تبقى من وطن ومواطن، وواهم من يعتقد أن بمثل هذه المساومات الرخيصة وبموازين القوى هذه، أن يكون هناك أي مرفأ أو مكان دون رقابة إسرائيلية، أو أن يظل السلاح الفلسطيني كما هو وأن يتطور، أو أن لا يسلم مشعل ـ مرزوق السلاح كما فعلت قيادة فتح،  وفي الحالتين تفريغ الوطن من مصادر قوته ومن سلاحه!!! وغزة لن تصبح “سنغافورة” كما أن الضفة لم تصبح “هونغ كونغ” إقتصادية. فقيادة حماس ستصبح صورة مسخ عن قيادة المنظمة، فستعتقل (وهي تفعل)، وستُفسد وترشي وستكون الوساطة هي أساس التعامل ، وستتهم الآخرين بكل شيء وأي شيء لتُنَمّي مصالحها الطبقية، وكما أن “الطاسة ضايعة” لدى السلطة، بين قيادة حركة فتح وقيادة السلطة” عندما يعجبهم ففتح التي فعلت وعندما تكون الرائحة تزكم الأنوف، لا علاقة لفتح والسلطة المذنبة”، وكذلك الحال بين قبادة حماس وحكومة غزة، فالوساطة والبيروقراطية والفساد هي أساس الملك، ولا مَنْ يحاسِب أو يحاسَب ، وستصبح الديمقراطية “بدعة، وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار”، وتداول السلطة خروجاً عن طاعة الله وزندقة وفجور، وحرية الرأي والتعبير وحق الإختيار والتعبير “رجس من عمل الشيطان”، يعني كما هو الحال في الضفة الفلسطينية، وستُبنى الشركات المكملة وستُسوّق بضائع المصانع الإسرائيلية، وستأخذ الحكومة الموقرة حصتها من الضرائب… أليس الأمر مُشجعاً على التفاوض وقبول الإسرائيلي كجار لا بد منه في المنطقة؟!!!

فحركة الإخوان المسلمين كانت في كل أماكن تواجدها حركة منافقة ، مناوئة للثورات، مع الأنظمة الفاسدة، وها نحن نراهم في سوريا، كيف أدخلوا حثالات الأرض الدواعش القاعدة”النصرة”، وكانوا مصنعاً لتفريخهم، ورأيناهم خلال سنة كاملة في مصر وما زلنا، وكيف كان رئيسهم يناشد بيرس ويناغيه ويصفه بالرجل العظيم، وكيف قادوا سياسة التجهيل ورفض الآخر والهجوم على لقمة الشعب والإستدانة من البنك الدولي والصفقات مع العم سام، ورأينا مشعل نفسه يوعز لمرافقيه لتأسيس”أكناف بيت المقدس” التي استجلبت النصرة لمخيم اليرموك وأفرغته من سكانه، كما في الكثير من المخيمات الأخرى، في الوقت الذي كانت الصواريخ السورية تتدفق إلى غزة!!!، ورأيناهم في تونس وحالات الإغتيالات السياسية لليسار وقادته، وأنزلهم الشعب عن العرش كما في مصر، وها هم في السودان حيث قسّموا السودان بمساعدة مشيخة قطر وصحّروه وجوعوا شعبه، وها هم قسّموا ليبيا فعلياً بمساعدة “الأطلسي”، وفي اليمن يؤيدون عدوان أمريكا ـ  آل سعود ويحاربون ثورة الشعب اليمني بقوة السلاح، لكنهم لم يحركوا ساكناً في أي دولة رجعية في المنطقة. النقطة الوحيدة المضيئة لهم “القسّام” يريدون إطفاءها بكل السبل وبدعم عثماني وأموال قطرية سعودية وبإتفاق مع الكيان الصهيوني. وفي النهاية، إن القيادتين متشابهتان حد التطابق، والشعارات لوحدها لا تحرر أوطاناً، وسيظل “شهاب الدين أظرط من أخيه”…

لذلك، وكون محور المقاومة جاداً في دعم قضية فلسطين، فعليه فعل ذلك كما يجب وبشكل مكثف، وأعتقد أنه لا يجب أن يظل أسيراً في تكثيف دعم التيارات الدينية فقط، أو أكثر من اليسارية، فهو خير من يعلم أن “ليس كل ما يلمع ذهباً”، بل إن تكثيف دعم اليسار الفلسطيني وبقوة حاجة ضرورية ومستعجلة وماسة، فلدى رأس اليسار من الخبرة والإستعداد والإرادة ما يجعله ربما الأقدر على القيام بهذه المسؤلية، وهو بالتأكيد الأكثر أصالة ووفاء، بجانب حركة الجهاد الإسلامي، رغم ما أصاب بعض أطراف جسده من ترهل، لأنه يدرك جيداً أن هذا الزمن ” لا كما يتخيلون…. بمشيئة الملّاح تجري الريح… والتيار يغلبه السفين” كما قال الشاعر الكبير محمود درويش ذات يوم، وتاريخه حافل بالإبداع والمبادرات، وهو لم يهن يوماً وعمل وما يزال يعمل على أن ينفض طائر العنقاء “الفلسطيني” الرماد عن نفسه ويُحلّق من جديد ، ممزقاً إتفاقاتهم وراميها في مزابل التاريخ.

محمد النجار