ضرب الخناجر ولا حكم النذل فيّا

من كان يعتقد أن السلطة ومؤسساتها يمكن أن تشكل حماية لشعب فلسطين كشعب أو كأشخاص، فقد خابت آماله وربما يكون قد فقد عقله، فهؤلاء وصلوا من الخساسة والمهانة والنذالة وفقدان الكرامة وعزة النفس والعهر السياسي والتبعية للإحتلال وأمريكا والصهاينة العرب الى درجة اللاعودة، ورغم أنني أو بالأصح لأنني فاقد الأمل منهم وبهم منذ سنوات، ورغم أنني مدرك أن “الضرب في الميت حرام”، إلا أنني لم أستطع السكوت امام الجريمة النكراء بإعدام الشهيد عمر النايف الذي قتلوه بتواطؤهم أو بسكينهم مع الصهاينة والسلطة البلغارية المتصهينة، ولهم في ذلك “فخر” السبق، حيث نفذوا بأيديهم وبموافقة الموساد قتل المناضل الكبير ناجي العلي، وسلموا بأيديهم المناضل الكبير ناصر السعيد لآل سعود ليقتلوه رمياً من طائرة مروحية حياً في صحراء الربع الخالي، تماماً كما يسلمون الآن الكثيرين من المناضلين للإحتلال الصهيوني دون أن يرفّ لهم جفن. لذلك سأتطرق للموضوع ـ ربما ـ بطريقة مختلفة عما أثُير حتى الآن:

  • وعليه، من يظن أو يعنقد أن حالة السفارة الفلسطينية في بلغاريا، هي حالة شاذة وسط هذا البحر الهائج من السفارات، فهو قطعاً مخطئ بإمتياز، لأنه من الصحيح القول والتأكيد أن وضع وتشكيلة وتركيبة السفارة الفلسطينية في بلغاريا، وآلية عملها وطبيعته تمثل الشكل العام لسفارات فلسطين، فعادة ما يكون السفير والقنصل والناطق السياسي والثقافي وأمن السفارة والعاملين بمجملهم، ليس لهم أي علاقة بالثورة ولا بالثوار، وإن كانوا مناضلين سابقاً فهم على الأغلب لم يعودوا كذلك، وسرعان ما يتم تدجينهم عبر تسعير الفئوية وتغليب المصالح الذاتية الخاصة على حساب أي شيء آخر، بما في ذلك على حساب الإنسان نفسه، وعلى حساب القضية الوطنية برمتها.

وعادة ما يكون العاملين في السفارة “من الكبير للمقمط في السرير”، إما تجارا يعملون مع أمن البلدان التي تحويهم، أو عملاء مباشرين لمخابرات هذا البلد، أو فاسدين ومفسدين ويعملون مع الصهاينة أنفسهم تحت شعار تمثيل سياسة المنظمة وعدم الخروج عليها، أو تجار على شعبهم نفسه، حيث تكلف أي ورقة يحتاجها الفلسطيني من سفارته مبلغاً لا يُستهان به. وإن صدف وكان السفير مناضلاً كما في بعض الحالات، فتبدأ كتابة التقارير به وتشويه صورته من العاملين معه و”المتبسمين” الدائمين له، للخارجية الفلسطينية حتى يتم تغييره و”يخلو الميدان لحميدان” ويعود الجميع لممارسة “أشغالهم وأعمالهم وتجارتهم”، التي لا يربطها رابط بالقضية الوطنية.

وعليه فالسفير “المذبوح” الذي لاحق الشهيد مع رجالات أمنه في بلغاريا، ورفضوا حمايته وطالبوه بمغادرة السفارة، ورفضوا  وضع حماية له أو حتى تركيب كاميرات في السفارة وحواليها، عليه وعلى زمرته كلها دفع الثمن نتيجة ما فعلت يداه وأيديهم، “حتى لو كان بحسن نية وهذا ما لا أعتقده”، ويجب أن يذوقوا من نفس الكأس الذي أذاقوه للشهيد، وبغض النظر عن أي إعتبار آخر، وخاصة لأصحاب شعار “من أجل الوحدة الوطنية”، فالوحدة تكون وتتعمق عندما يريدها ويعمل لأجلها كل الأطراف ويستفيد منها الشعب كله، وليس طرفاً واحداً كما كان حتى الآن، كما أن الوحدة لا تكون بأي ثمن، كي لا يتحول الشعار للتغطية على العجز الذي ينخر صدور البعض ويتحول لتغطية الجبن والهوان، هذا إذا لم يعتبر هؤلاء من عقود مما سُمي زوراً وبهتاناً بالوحدة الوطنية، التي هيمن فيها فصيل واحد على الثورة ومقدراتها وسلاحها وعلاقاتها وماليتها وقرارها الذي سُمي “مستقلاً”، هذا الإستقلال الوهمي الكاذب وبهذا النوع من القيادات هي التي أوصلتنا إلى “أوسلو”، كون المتغيرات الطبقية التي جرت عليها لا تؤهلها للوصول أبعد من ذلك أصلاً، فما بالكم بقيادة على يمين تلك القيادة وكل طموحها واسترتيجيتها مبنية على رضى المحتل عنها، واستكمال طريق الإستسلام عبر المفاوضات العبثية،  مُضيعة عشرات أخرى من السنين ودون نتيجة طيعاً.

  • وعليه فإن “مشروع المصالحة” إن لم يكن على أساس برنامج عمل مقاوم ، “ينفض” منظمة التحرير ويغربلها ويرمي من يستحقون الرمي على مزابل الشعب، وغربلة مؤسسات المنظمة مؤسسة مؤسسة وفرداً فرداً دون استثناءات، ودون تنازلات أو مجاملات، وإلا فإن كل ما يسقط من شهداء لهذا الشعب العظيم وكل جرحاه وأسراه لن يكونوا إلا لخدمة هذه القيادات وأمثالها ومشروعها الإستسلامي في الداخل أم في الخارج.

  • الأمر الذي يفرض على اليسار القلسطيني، وعلى الفصيل الذي ينتمي اليه الشهيد على وجه الدقة، تعاطياً مختلفاً على كافة الأصعدة، ولأسباب عدة أهمها أنه تاج اليسار الفلسطيني والذي له باع طويل في العمل الوطني المبدئي والتنظيمي والسياسي والعسكري منذ عشرات السنين، وعليه هو مسؤولية تشكيل “جبهة إنقاذ وطني” قبل أن تأخذ السلطة ومن لف لفها القضية والشعب الى الهاوية، التي نحن على أبوابها أو حافتها، الأمر الذي سيلقى معارضة من داخل صف اليسار نفسه من “حملة الحقائب” للسلطة، والمستفيدين منها كقادة في المنظمة أو موظفين أو كعلاقات، هؤلاء الذين يحيون حياة البذخ وأبناؤهم لا يدرسون إلا في المدارس غير الناطقة للعربية ومن ثم في جامعات العم سام وحارتها أو دول أوروبا الغربية وعلى حساب الثورة طبعاً، أما كيف حصلوا على هذه الأموال أو المنح وماذا دفعوا ويدفعون بالمقابل، فلا جواب، هؤلاء الذين يحاولون تغيير الحزب الى منظمة شئون اجتماعية أو الى مؤسسة أو منظمة غير حكومية ممولة من موظفيهم، هؤلاء لو دخل بيتهم انسان عادي سيكفر بالثورة عندما يرى ما لديهم وما يأكلون وما يلبسون، احسبوا فقط ثمن ملابسهم في يوم واحد أو ما يشترون من بضاعة اسرائيلية وأمريكية”وهم يدَّعون المقاطعة”، ستجدونها أضعاف معاشهم الشهري… فلا تنتظروا الّا معارضة شرسة من هؤلاء “اليساريون البرره”، باسم الثورة والشعب والحفاظ على الوحدة الوطنية.

  •  طبعاً لا يفوتنا التنبيه لما يحصل في مؤسسات م ت ف وسفاراتها، أنه ليس إلا شكل من أشكال الفساد الذي ينهش جسد المنظمة ككل، والذي بدونه سيخسر المنتفعين مكانتهم الإقتصادية والمعنوية وقدرتهم على الأمر والنهي داخل المنظمة، وعلى رأسهم الرئيس عباس، فليس صدفة أن يعترض هؤلاء الطفيليين على دعم ايران لعائلات الشهداء ما لم تمر من خلالهم، وإن مرت من خلالهم لن تصل لأسر الشهداء وستتوقف في جيوبهم، فهم اعتادوا على العيش على دم الشهداء ولن “يَزْوَروا” ببضعة آلاف من الدولارات إضافية عن كل شهيد إضافي. والشعار نغسه دائماً وأبداً” القرار الفلسطيني المستقل”، لكن أي قرار وأي مستقل؟ فالسؤال ممنوع.

  • الرئيس عباس يقول لأحد من حاول التوسط للنائب نجاة أبو بكر ابنة حركة فتح، التي كانت خطيئتها الكشف عن فساد مالي والمطالبة بالمحاسبة، يقول له الرئيس:”لو ينزل ربك نجاة ستسجن”، فعباس أولا وأخيرا لن يدقق أو يحقق أو يحاسب أي فاسد، فهو نفسه كرأس للفساد لن يجيب أحداً كيف شكل ثروته وثروة أبنائه وأحفاده وعائلته، وقبله الرئيس المرحوم عرفات، رغم الفارق الشاسع بينهما، أجاب عندما قالوا له أن من حواليه مجموعة لصوص وعليه تغييرهم قائلاً:”هؤلاء سرقوا وشبعوا، ولن أغيرهم لآتي بآخرين يسرقون من البدء من جديد”، العقلية ربما لا تكون بهذا التشايه، لكن النتيجة واحدة، هدر اموال الثورة وشهدائها وجرحاها وأسراها دون حسيب أو رقيب، ألم تصل أموال المنظمة كلها الى أيدي طليقة عرفات؟ أكثر من خمسة مليارات دولار وكأنها ملك شخصي له؟!!! وكذلك انظروا لعائلته أيضاً، ومن لا يعرف فتحي عرفات وموسى عرفات فلا يعرف شيئاً، وعليه قراءة التاريخ الفلسطيني “الحديث جدا”.

  • أما ما يخص نظرة الرئيس عباس الى القضية والشعب فحدث ولا حرج، فهو أبو المقدسات كلها، من التنسيق الأمني الى عدم تقديم أوراق لمحاكمة جرائم الصهاينة، مروراً بالقمع والسجن للمناضلين، ومحاولاته لإسقاط حق العودة ، ومحاولاته كذلك لسحب سلاح غزة وتدجينها، وهو كما يقول لن يسمح لأحد أن يجره لمعركة لا يريدها!!! وكأنه يخوض المعارك التي يريدها هو وما أكثرها، فالرجل يسير من معركة الى أخرى!!!، “الله يعطيه العافيه” ويعمق صموده، فهو لا يريد أن يشغله أحد عن معاركه تلك، وأن يترك له “المزاودون أمر تحديد مواعيدها” بنفسه!!!.

  • ظني أن الجميع عليه أن يدرك أن الدخول في نفق “أوسلو” مهما كان الذي يدخل أو من كان، فهو يدخل نفقاً مظلما، جل ما يفعله هو تنفيذ أوامر الصهاينة والأمريكان. وكي نكون صادقين، ألم يودع الرئيس عرفات المناضل أحمد سعدات بعد أن دعاه لإجتماع فصائلي، في سجن رام الله نزولاً عند أوامر الصهاينة؟ ولم يخرجه رغم كل قرارات المحكمة الفلسطينية العليا التي أمرت بذلك مبطلة قرار الإعتقال؟!!! ورغم ذلك لم يستطع الرئيس عرفات مخالفة أوامرهم وإطلاق سراحه، ليسار الى تسليمه للصهاينة بعد ذلك بمؤامرة خسيسة منحطة من قبل أجهزة السلطة التي نسقت الأمر مع الصهاينة والأنجليز المشرفون على السجن في مدينة أريحا عام 2008، على يد أبطال التنسيق الأمني بقيادة الرئيس عباس، والأمر نفسه يتكرر الآن بذات الطريقة في السفارة البلغارية، فما جرى ليس سوى إمتداد التنسيق الأمني الى ساحاتٍ خارجية بعد أن كان محصوراً في الداخل، فعلام الغرابة في الأمر كله.؟.. ببساطة إنه أوسلو، الذي حول فصائل وقوى وشخصيات إلى قوات لحد الفلسطيني.

  • وها هي السلطة الفلسطينية، تؤيد نظام آل سعود المعادي ليس فقط لقضية فلسطين، بل لكل ما هو انساني، بإعتباره “حزب الله” منظمة ارهابية!!!، باعوا الحزب، باعوا حامل لواء القضية الفلسطينية بحفنة دولارات كما باعوا سوريا لقطر مسلمينها قيادة فلسطين للجامعة العربية، وكما باعو ا الموقف من داعش والنصرة في مخيم اليرموك نزولا عند رغبة آل سعود، فهم مستعدون لبيع اي شيء وكل شيء بأي شيء، وحتى حماس التي دربها وسلحها ودعمها حزب الله بالمال والسلاح، لم تتجرأ على قول “كلمة حق عند سلطان جائر”، ولم تعترض على ما يقوله آل سعود، تغطي موقفها بنذالة وصمت مهينَين من أجل المال، تماماً كما فعلت مع سوريا بعد كل الدعم السوري لها واحتضانه لقادتها، ورفضه المطالب الأمريكية لطردهم، فتُدخل السلاح من خلال حثالات الأرض المتأسلمة لمخيم اليرموك وللعاصمة دمشق، مُنشئةً منظمة “أكناف بيت المقدس” بقيادة مساعدي خالد مشعل الأمنيين، متحالفة مع تنظيم القاعدة في بلاد الشام”جبهة النصرة”، وتشرد ربع مليون فلسطيني ضاربة بذلك حق العودة بعرض الحائط، ذلك الحق الذي تتشدق به صبحاً ومساءً وفي كل الأوقات، ومحاولة تمزيق سوريا.

  • وسرعان ما تعمل على عقد صفقة مع “اسرائيل” من خلال طوني بلير بوساطة “العثماني الجديد” السلطان أردوغان التركي، وبدعم من الحارة القطرية…

  • أيها السادة… أيها القادة… أيها اليسار الذي تبقى… إنه أوسلو … إنه مشروع الموت الفلسطيني… إنه مشروع “قبر” القضية الوطنية، ومشروع الكسب المالي للطبقة السياسية الطفيلية الفاسدة المفسدة الحاكمة، بما فيه من فُتات لأشباه اليسار وأشباه المناضلين وأشباه القادة…فكل من لف حواليه أغرقه، ولا سبيل لإنقاذ من ذهب للمستنقع بقدميه، لكن الحذر الحذر من أن يسحبوا معهم ما تبقى من “يسار” ومن مناضلين الى ذلك المستنقع، وكي لا نصل المستنقع، وكي نحمي القضية الوطنية، وكي نقطع الطريق على كل محاولات الشطب للقضية، على اليسار وجبهته الشعبية على وجه الخصوص، البدء في العمل على تشكيل “جبهة إنقاذ وطنية” بعيدة عن “أوسلو” وقياداته الفاسدة، وقطع الطريق على هذه القيادة كي لا تُحوّل قوى هذا الشعب الى سعد حداد ـ لحد فلسطيني، وينبوأ اليسار فيها موقعه القيادي الفاعل، ضمن إطار قيادة جماعية حقيقية، بعيدة عن هذه القيادة التي حددت خياراتها، وصارت استراتيجيتها واضحة، ولم تعد تصلح لقيادة “قطيع من الغنم” فما بالكم بقيادة شعب كشعب فلسطين العظيم؟!!! فمأثورنا الشعبي وأهازيجنا الوطنيه لطالما رددت :

” يما مويل الهوى يما مويلية                                         ضرب الخناجر ولا حكم النذل فيا”…

فهل من مستمع أو مجيب؟!!!

محمد النجار

وأمك بنت

كان قد خرج لتوه من السجن، حيث أمضى آخر عامين من حياته، بعد أن تم إعتقاله من بيته في مدينة رام الله، قال لي باسماً عندما إلتقينا في بيته عندما ذهبت لتهنئته، رغم البيت الممتلئ حتى آخره بالزوّار المهنئين:

ـ لم أستمع لكلامك، كنت أعتقد أنك تبالغ في الأمور عند حديثك عن السلطة، وكنت ربما نكاية بك أذهب للنوم في بيتي في معظم الأيام، وكنت أتذكرك في كل صباح عندما أستيقظ، وتكون كلماتي قد بدأت تتلاعب فوق لساني وتدغدغه، فأقول بنوع من الإستهزاء بك” ها أنا لم أُعتقل، فالسلطة تعرف على ماذا وقَّعت”، وأكاد أهتف مع كلماتي هذه، “أنا ابن فتح ما هتفت لغيرها”، كون السلطة هي التعبير الأبرز عن حركة فتح، وحركة فتح هي الشريان الرئيس للسلطة بالبشر، وبقيت أعتقد أن جيش الإحتلال لن يجرؤ على إقتحام المدن، وإنْ فعل فحركة فتح وعلى رأسها الرئيس عباس والناطق باسم جهاز الأمن وجهاز المخابرات والجهاز التنظيمي والجهاز السياسي وكبير المفاوضين وأوسطهم وصغيرهم، سيقلبون الطاولة على رأس الدولة العبرية، وستقوم الدولة ولن تقعد جراء إعتقال أحد كادرات حركة فتح…

وسكت “رفعت”، على اعتبار أنني أعرف بقية القصة، فكوني حذرته من المبيت في البيت، اعتبر أن ذلك يجعل من القصة معروفة عندي، لذلك تفاجأ عندما سألته عما حصل في ذلك المساء، وقال:

ـ أعرف لماذا تريد أن تفرد صفحة ذلك اليوم أمامي، أكيد أنه ليس من باب التشفي، فمثلك لا يعرف التشفي، لكنه من باب العتاب القاسي، الذي يجبر المرء على التفكير في كافة الجوانب، ولعلي أصدقك القول عندما أخبرك أنني لم أصدق الأمر في فترته الأولى، وكنت أعتقد أنني في حلم وليس حقيقة، وعندما أكتشفت العكس صرت أقول لنفسي أن في الأمر خلل ما، فأنا ابن فتح التي وقعت “أوسلو”، والتي أخبرتنا أن “أوسلو” هو جزء من اتفاق مرحلي، وأنه تكتيك كما اسقاط الميثاق الوطني وتفريغه من مضمونه، وكما إسقاط حق العودة في مبادرة “عبدربه ـ بيلين”، أو من مقابلات وتصريحات الرئيس نفسه، وكما قصة “الصواريخ العبثية”، وكما إلقاء القبض على المناضلين وزجهم في السجون، وكما التنسيق الأمني، يعني كلها أمور تكتيكية “لنضحك” بها على “لحية” الإحتلال، بنفس القياس، وتماماً كما كنا “نتكتك” في علاقتنا مع الأنظمة الرجعية العربية وعلى رأسها مملكة آل سعود من أجل موضوعة الدعم المالي!!!.

نظر نحوي مباشرة وقال:

ـ ابتسم كما تريد، أو إضحك بأعلى صوتك، بكل ما فيك من قوة، إضحك لأنني كنت أصدق كل ذلك، كنت أصدق أن هذه القيادة لم تُخْصَ بعد، وأن رائحة الرجولة ما زالت تفوح منها، وأنها لن ترتضي أن تكون قوات لحد جديدة، خاصة أنها ترى بأم عينيها ماذا كان مصير لحد وسعد حداد وكل من اتبعهما بعد أن إن إنتهى دورهم، لكن ماذا تريدني أن أفعل والخصاء ينجب في العقل أولاً، وهؤلاء فقدوا الشجاعة والرجولة منذ الزمن الذي ارتضوا فيه نسج العلاقات مع أمريكا مستمعين لنصائح آل سعود و”مماليك” مصر، منذ أصبحت “الريالات” أكثر أهمية من دماء الشهداء، وأصبحت “المحرمات” وجهة نظر لتنتقلنا إلى أن الخيانة وجة نظر.

قلت لهم حين رأيتهم يحاصرون البيت وكأن “أوسلو” لم يكن:

ـ هذه مناطقنا، مناطق أ، مناطق السلطة الوطنية الفلسطينية ومسؤوليتها الحصرية، بأي حق تقتحمونها؟

قال أحد الضباط بعد أن نظر في عيني طويلاً، والذي شعرت أن سبب حضوره هو لإسماعي هذه الكلمات:

ـ نحن حتى الآن نعمل ضمن القانون، مناطق أ نقتحمها إن كان هناك خطر علينا منها، لنا الحق في متابعة واعتقال أو قتل من يشكل خطراً علينا، هذا ما ينص عليه “أوسلو”، إحمد الله أننا لم نقتلك…

وتابع بعد أن أسكت لساني عن النطق:

ـ ليست مشكلتنا نحن إن كذبت عليكم قيادتكم، ولبست مشكلتنا إن صدقتموها أنتم لأنكم تريدون تصديقها، رغم معرفتكم أكثر من أي شخص كم هي كاذبة.

واقترب مني أكثر وقال وكأنه لا يريد أن يسمع جنوده ما يقول:

ـ فكيف إذا عرفت أننا أبلغنا السلطة عن نيتنا بإعتقالك، وقدموا لنا هم المعلومات عن تحركاتك ليسهلوا لنا إعتقالك؟!!.

وكالعادة ظننت أنه من باب اللعب بالأعصاب، الحرب النفسية ليس أكثر، قلت له:

ـ خسئت أن تُشككني بقيادتي، أعرف أساليبكم منذ سنوات، لا تُحاول…..

قال بثقة:

ـ أعرف أنك ستقول ذلك، إبقَ على ما أنت عليه، هذا ما نريده نحن وقيادتك، لكن أن تبدأ تلعب “بذنبك”، هذا لن نسمح به لا نحن ولا هم كذلك…

وأكمل ناظراً حواليه وكأنه يحتمي من آذان متنصتة:

ـ بالمناسبة، إذا بقيت على ما أنت عليه، واستمريت بهذه الطريقة، سَ”تتبهدل” وستبقى معظم وقتك داخل السجن، وداخل تنظيمك لن تكون يوماً ذا شأن، يعني أنت الخسران في كافة الأحوال والأزمان.

وتابع “رفعت” قائلاً بأسى:

ـ وفي التحقيق وجدت أن “أمعاءنا” أمامهم على الطاولة، كل ما تحدثت به أمام قيادة السلطة كان عندهم… ورغم ذلك ظلت ثقتي بالسلطة قائمة، حتى رأيت أعداد المعتقلين من مناطق أ تتزايد، ووصل الأمر أنهم دخلوا بيت الرئيس مفتشين في حديقته عن مطلوبين!!!

سكت من جديد، عانق أحد القادمين لتهنئته، وأكمل كما فعل حتى هذه اللحظة، وكأنه لم يعد يهمه شبئاً:

ـ ولماذا نستغرب بعد كل ذلك ما تفعله السلطة بالمعلمين؟!!! هل من يعاقب شعبه بالسجن لكونه يريد النضال بمستغرب على أن يضع على رأس المعلمين قيادة تبيع المعلمين ومصالحهم منذ اللحظة الأولى؟ فيتساقطوا تحت أقدام السلطة منذ اللحظات الأولى في محاولة منهم لإفشال هذا النضال المطلبي المحق، إسألوهم كنقابيين من أين لهم ما لديهم من أموال وامتيازات؟ وكيف حصلوا عليها ومن أين؟

إلتفت هذه المرة الى الآخرين وكأنه يريد أن يشرح لهم الأمر:

ـ منذ ثلاثة أعوام وقعوا مع المعلمين على زيادة بعشرة في المائة، لم يعطهم سوى حمسة منها فأين الباقي ؟ولماذا لم تُعطلم بعد سنين ثلاث؟ فالسلطة لا تريد أن يسد المعلمين رمق جوعهم، وإلّا لما جندت كل طاقتها لإفشال إضرابهم، ولما قامت بتجييش “حركة فتح” لتقوم بمظاهرة داعية لحقوق الطلاب !!!، يا لمساخر القدر عندما تُوَظَّف حركة محسوبة على حركات التحرر لتكون حجر عثرة لتمنع قطاع شعبي واسع من أخذ حقوقه؟!!! ليتحول دورها من النضال ضد الإحتلال الى نضال لتثبيت مصالح الطبقة الحاكمة في سلطة “أوسلو” وموظفة عندها. وكأن “شَبَع المعلم” يتعارض مع حقوق الطالب!!!   كذلك تقوم السلطة بإستنفار طاقتها كما لم تفعل من قبل مع الإحتلال، وتنصب الحواجز لتمنع تدفق المعلمين على الإعتصام السلمي!!!، ليأتي أحد أقطاب السلطة كاذباً ليخبرنا أن بعض الضباط قاموا بذلك بشكل فردي وليس بقرار سلطوي مركزي ومن أعلى السلطات، أي من الرئاسة مباشرة، بعد تجييش الإعلام “العاهر” المقروء والمسموع والمرئي على المعلمين أكثر مما جيشوه غلى المحتل في ريع قرن مضى!!! يا سلام كم يستخف هؤلاء بعقولنا!!! كم يعتقدون أنهم أذكياء وأغبياء نحن!!!

سكت قليلاً، وأكمل بإصرار لم أعهده به من قبل:

ـ الغلاء يأكل المعلم كما بقية أفراد الشعب الأخرى، فمعاش المعلم لن يوصله إلى منتصف الشهر بأي شكل من الأشكال، لن يحمله الى أبعد من ذلك، والحل الذي تراه السلطة  لكنها تتعامى عنه هو حل سهل وبسيط، وهو أن”يوقفوا السرقات عندهم في مؤسساتنا التي تحت سيطرتهم، أن يحاربوا الفساد ويتوقفوا عن الإفساد، أن يستعيدوا الأموال المنهوبة، ويوزعونها غلى الشعب ومؤسساته ونقاباته، فينهون بذلك أزمة المعلمين والعمال والأطباء وغيرها من الأزمات الكثيرة أيضاً، فأزمة المعلمين هي جزء من كل، وما يُحيرني ويستفزني أيضاً أنه وفي الوقت الذي يستعملون فيه كل إمكاناتهم لإفشال إضراب المعلمين، فهم لم يوقفوا لصاً واحداً أو يحاسبوا فاسدا واحداً أو حتى يعتقلوا عميلاً  واحداً ومرة واحدة في الربع قرن الماضي، ولم يحاولوا !!!

فقال أحد المتواجدين والقادمين للتهنئة، والذي كان جالساً على أحد كراسي القش الذي وضع مع كراسي مشابهة أخرى، بجانب كنبات البيت القديمة التي لم تتسع لهذا العدد من القادمين، قال على غير توقع:

ـ سيفعلوا…

فسأل رفعت بغضب باحثاً بعينيه عن مكان الصوت:

ـ متــــــــــــــــــــــــــــــــــــى؟!!!

فقال نفس الصوت من ذات المكان:

ـ وأمك بنت………….

أغرقت الكلمات صالون البيت بالضحك الصاخب، وضحك رفعت أيضاً، ولم أدر إن كانت ضحكته تلك خففت عنه همومه أم زادت من أعبائها فوق جسده.

محمد النجار

حذار حذار من غضب الرئيس

منذ أيامٍ طوال، طالب الرئيس الفلسطيني “شركاءه الإسرائليين” بالإفراج عن الأسبر الفلسطيني المضرب عن الطعام منذ ما يزيد عن 86 يوماً، وإلاّ “سيضطر آسفاً” إلى وقف التنسيق الأمني، الأمر الذي أثار ضجة كبيرة لدى أجهزة السلطة والناطقين بإسمها وكتبتها ووسائل إعلامها المسموعة والمرئية والمكتوبة، لكن المفاجأة الكبرى لديهم كلهم أن أحداً لم يصدقه من قادة “اسرائيل”، وبالتالي لم يُطلقوا سراح الأسير، لذلك فالرئيس ورجالاته هاجوا وماجوا وغضبوا واضطربوا، وامتعضوا وانفعلوا وحنقوا وحقدوا، وسخطوا واغتاظوا واحتدوا ونقموا وبرطموا، وسألوا صارخين :

ـ  لماذا لا تصدقون الرئيس؟… لماذا؟!!!

وبعضهم صرخ بال”عربيةالفصحى” بأعلى صوته :

ـ why?!!!

وسرعان ما انتقوا منهم بضعة رجال من رجال المرحلة الأشداء، وعقدوا اجتماعاً موسعاً مع أصدقائهم وزملائهم”الإسرائيليين”، وسألوهم بشكلٍ مباشرٍ وواضح، ودون دبلوماسية أو لف أو دوران أو حتى محاباة:          ـ لماذا لا تُصدقون السيد الرئيس؟

بل ذهب بعضهم إلى أبعد من ذلك وأوضح قائلاً:

ـ لماذا تصدقون السيد حسن نصر الله ولا تصدقون الرئيس عباس، رغم كل ما قدمه لدولتكم العتيدة من أمن وأمان وسلام؟!!!

لكن مفاجأتهم الكبرى كانت عندما نظر أعضاء الوفد “الإسرائيلي”واحدهم إلى الآخر، وبدأت علائم الإستغراب من هكذا سؤال، إستغراب لدرجة إستغباء السؤال والسائلين، فأخذ بعضهم بالإبيتسام، وآخرون بالضحك، وبنات أفكارهم تُجيب صارخة دون كلام:

ـ ألهذا دعوتمونا؟!!! تباً لكم يا أغبياء العصر وطُفيلييه، إذا كانت تجربة سعد حداد لم تُعلِّمكم شيئاً فما الذي يمكن أن يُعلِّمكم؟ فشعب الله المختار تتوجب خدمته من “الأغيار” كلهم، ولا تُلزم دولتنا أو “شعبنا” بشيء…

وتقاطعت نظراتهم مع عيون أعضاء وفد السلطة، وكاد يقول لهم أحدهم:

ـ لكننا نحترم الرجال حتى لو كانوا من ألد أعدائنا، ألم يخبركم سجناؤكم كيف كنا نحترم رجالاتهم المبدأيون غير المعترفين الذين ظلوا يحافظون على أسرارهم الوطنية، بعد إنتهاء التحقيق، رغم كل ما نفعله وفعلناه بهم؟ ورغم كل حقدنا عليهم لكننا كنا نهابهم ونرهبهم ونُجبر على إحترامهم…

لكنهم تذكروا أن قادة السلطة لا يعرفون الكثير عن سجنائهم… وقاموا تاركينهم دون حتى كلمة وداع.

ويُقال أن السلطة ورئيسها ورجالاتها قرروا التعامل بلامبالاة مع موضوعة الأسير المضرب عن الطعام، بنفس درجة اللامبالاة لدماء الأطفال الذين يُعدمون يومياً في وضح النهار على قارعة الطريق.

ويقال أيضاً أن المُغرضين المُتربصين بالقيادة، سرّبوا الأمر وتداولوه ونشروه، لذلك كان لا بد من الذهاب الى مسألة المصالحة الوطنية، وفي دويلة الشيخة موزة على وجه التحديد، معقل الإخوانية العربية وثيقة الإرتباط بالعم سام، للإستفادة من الأمر تكتيكياً، ولمرحلة قد تخدمهم لفترة زمنية قادمة، وخاصة كمورد مالي إضافي، فكما يُقال “فزيادة الخير خيراً”، كما وتلبية الدعوة للإحتفالات بذكرى الثورة الإيرانية لنفس الأسباب وغيرها أيضاً.

فالمصالحة كما يقول الجاهلون غير العارفين بدهاء السياسة ووعورة طرقها، هي أولاً وأخيراً مطلباً شعبياً منذ سنوات عشر، كما أن التطبيل والتزمير لها مفيد، ويظهرهم بمظهر الحريص على استعادة الوحدة الوطنية أيضاً، تماماً مثل حاجة قيادة حركة حماس للأمر نفسه، رغم الفرق بين برنامجيهما، فحماس تتمسك بالبندقية التي تدر عليها الدعم الإيراني، بجانب دعم آل سعود ودعم “حارة” الشيخة موزة المالي، مضافاً لدعم العثمانيين الجدد الذين يحاولون جاهدين لوي عنق حماس لتطبع مع اسرائيل، وتقوم بتسوية ما، أو على الأقل أن لا ترد على خروقات الكيان وضرب عمقه. والسلطة تتمسك ببرنامج التسوية التي تدر عليها الدعم الأمريكي الإسرائيلي الأوروبي بجانب دعم آل سعود.

وأمام إنتهاك السلطة لكل قواعد العمل الوطني، يقول بعض “المجانين” مثل كاتب هذه الكلمات، أن على الفصائل كافة محاربة مطاردة المناضلين، وعلى المناضلين الذين تمردوا على سلطات الإحتلال أن يرفضوا تسليم الذات للسلطة ويتمردوا عليه، وأن تساعدهم قواهم الوطنية، أو رفاقهم وإخوانهم حتى دون قرارات تنظيمية، ودون تعصب أو فئوية، وأن يحاربوه إذا اقتضى الأمر ذلك، وبذلك يبدأ نضالهم ضد مشروع سعد حداد ـ لحد الجديد في فلسطين. فالمستهدف هو المناضل الفلسطيني “بغض النظر عمّن هو ولا لأي فصيل ينتمي”، وكذلك القضية الفلسطينية بكل من فيها من فصائل وشخوص وطنية ومشروع تحرر.

ويضيف نفس “المُغرضين الثرثارين” أن قيادة حركة فتح، التي كانت طوال سنوات عمرها متفردة بالقرار الفلسطيني ، رافضة أن يشاركها به أحد، لن توافق بعد أن امتلكت السلطة و”قطفت ثمارها” المالية، أن يشاركها به أحد الآن، تماماً مثل حماس التي كانت ترفض التوقبع على مجرد بيان مشترك مع القيادة الموحدة للإنتفاضة، وامتلكت السلطة في الفطاع واستفادت منها جماهيرياً ومالياً، فلن تتخلّى عنها الآن أيضاًُ من أجل المصالحة، فالعامل المشترك بين الجانبين هو تملك السلطة والإستفادة منها والتمسك بها، فالطرفان تتملكان القوة ، أحدهما ببندقية مقاتلة والثاني ببندقية مساومة حامية لمشروع الإحتلال، ولن تتخلى أي منهما عن هذه القوة لمصلحة الأخرى، وستبقيان تراوحان أحدهما بقبعة أمريكية أوروبية والثانية بعباءة الإخوان المسلمين.

أما وأمرهما مع إيران، يُضيف “الحاقدون”، أن كلاهما لهما ما لهما وعليهما ما عليهما، فسلطة الرئيس عباس التي تحارب المقاومة المدعومة من إيران عسكرياً على الأقل، ليس لديها ما تطلبه من إيران أو تُبرره لها، فهي لن تتنازل عن سياستها ومقدساتها السياسية،” فالتنسيق الأمني مقدس، والمفاوضات مقدسة، وسياسة القمع للمناضلين والمحتجين والمتظاهرين مقدسة، وإعتقال المحرضين و المقاتلين وأصحاب الرأي الآخر مقدسة… وعدِّد بلا حرج”، ويُضيف الحاقدون على ما قالوه سابقاً، أن ضمن وفد السلطة المشارك في إحتفالات الثورة الإيرانية، أحد القادة الأكثر فئوية وتهريجاً وتبعية لدرجة الذيلية لكل رئيس، والأكثر تعصباً وديماغوجية وسطحية وحقداً على الآخر، وربما آخرون ممن هم مبعوثون خصيصاً لمعرفة ما يدور هناك ونقله بحذافيره لمخابرات السلطة. ويُروجون إلى أن السلطة ربما تُريد معرفة ما يمكن أن تقدمه إيران لفصائل المقاومة ليسهل عليها إحباطه في أرض الوطن “والله أعلم”…  أما قيادة حركة حماس الإخوانية، التي وجهت شكرها لقائد الأمة “ولد” الشيخة موزة “هوشي منه” الجديد لدعمه للمقاومة في غزة في الحرب الأخيرة، وملك آل سعود “جيفارا العصر” ورئيس السودان “الجنرال جياب”، كما معظم الدول الفاشلة غلى الصعد كلها، إلّا إيران الداعم الحقيقي والأوحد لم تذكرها ولو بكلمة شكر واحدة، إلا أنهم وكعادة الإخوان المسلمين المنافقة، وبعد أن أصبح فشل المشروع الأمريكي ـ الإخواني في المنطقة على شفا الهاوية، يحاولون الرجوع للحضن المالي العسكري الإيراني، دون قطع الخطوط لا مع العثمانية الجديدة التي تقايض فلسطين بأبخس الأثمان، ولا مع حارة الشيخة موزة، ولا حتى مع آل سعود!!!

لهذا كله، يؤكد الحاقدون المتربصون الثرثارون المزاودون، أنه وكي لا نُحبَط من جديد، وكي لا نُعلق آمالاً كبيرة كاذبة على ما يُسمى “مشروع المصالحة”، فعلينا أن نرى الأشياء كما هي دون تجميل، رغم ما سمعناه وقرأنا عنه وشاهدنا دلائل “نجاحه” من المصافحات وتبويس اللحى،  ورأينا الإحتفالات به من “أعراس” وهتافات وتمجيد، ففاقد الشيء لا يعطيه، والإتجاهين ليس لهما مصلحة في المصالحة، لذلك يبدو أننا لن نراها قريباً رغم كل دُعاء البسطاء منا وابتهالاتهم الى الله…

محمد النجار

أم محمد تستقبل القنطار على باب الجنة

رسالتي هذه سيدي المناضل الشهيد سمير القنطار، هي رسالة فخر متواضعة، من إنسان بسيط، لم يقم بما قمت به فيي حياتك، ولم ينل درجة الشهادة العليا التي نلتها بمداد دمك، وكلماته ليست كلمات رثاء ممن قرأته من فحول شعراء العرب في حياتك، لكنها مجرد مشاعر خالجتني طويلاً، منذ اللحظات الأولى لاستشهادك، كوني أعرفك مثل الكثيرين ولكنك لا تعرفني، سمعت عنك الكثير مثل الكثيرين قبل أن تنفض غبار سجنك منتصراً محَرراً، عرفتك من خلال عيون أم فلسطينية، كانت تعرف كيف تربي أطفالها على التعلق بقريتهم المحتلة منذ عام ثمانية وأربعين، هدموها كما فعلوا بآلاف القرى الأخرى، ونتيجة هذه التربية “المتطرفة” من وجهة نظر من إحتلوها، أخذت تزورهم لاحقاً في سجون من سجنوك أيضاً، وكوني أحد أبنائها، أصارحك القول أنني لم أدرك هذا المعنى العميق للتشبث بقرية منسية مهدمة، إلا بعدأن أجبت المحقق في مرة من المرات بأنني من تلك القرية، ورأيت الدهشة الممزوجة بالحقد  من خلال صراخه عندما أخذت أوصف له القرى المجاورة لها من باب الشرح الذي سرعان ما تحول الى تحدي، ما أدى لزيادة غضبه وسأل سؤالاً استنكارياً ” ألم تنسها بعد؟!!!  وأمام غضبه أسهبت بالوصف رغم أنني لم أزر المنطقة كلها سوى مرة واحدة حتى ذلك التاريخ.

نعم، عرفتك أكثر من خلال تلك الأم التي كانت تنقل الحجارة لمنتفضي المخيم في طيات ثوبها الفلسطيني الذي طرزته بيدها، والتي كانت تنقل بيانات القيادة الموحدة للإنتفاضة في جيب “عبها” الذي خيطته خصيصا من أجل ذلك، عرفتك من خلال تلك المرأة التي طالما أنقذت الفتيان الفلسطينيين من أيدي الجنود المدججين بالسلاح والذين لم يُبقوا على مكان من جسدها خالياً من الرصاص المطاطي في مرات عدة، والتي كافأها أهل فلسطين بجنازة مهيبة لا تليق إلا بالأبطال، وتخيل وأنت تأخذ العزاء يأتيك معظم قادة الفصائل في المخيم ليقولون لك “أنكم لا تعرفون إلّا القليل عما كانت تفعله أمكم للثورة”…

جاءتك هذه الأم زائرة مع أمك “المتبنية”، أم المناضل جبر وشاح، وعرفتك هناك من خلف القضبان، وانتظرت زيارتي بفارغ الصبر، وكأنها تحمل لي بشارة عظيمة ، وهي كذلك، قالت “لقد نجحت في زيارة سمير القنطار… وسأفعل ذلك ما دامو يسمحون لي بذلك…” وتابعت الأمر وكذلك فعلت مع سجناء عرب آخرين، حتى منعوها من ذلك، قالت أنها زارتك وبكت، بكت كثيرا رأفة بذويك الممنوعين من زيارتك. تلك الأم سيدي المناضل الشهيد توفيت على فراشها وليست في ساحة الوغى، رغم أنها كانت على بعد مسافة أقل من رصاصة، وخاصة من أحد الجنود الذي رمته في مجاري المخيم بعد أن خلصت أحد الفتيان الفلسطينيين من بين يديه، فأمطرها  وبقية زملائه بما يزيد عن ثلاثين رصاصة مطاطية دفعة واحدة.

تلك الأم ستجدها واقفة مع الشهداء منتظرة وصولك على باب الجنة، وستزفك هناك بالزغاريد، وأنت ستعرفها بالتأكيد، وستحاول أن تقص عليك حكايتها الفلسطينية، كيف هجروها وعائلتها، كيف قتلوا كلبها الصغير الذي عاد زاحفاً ليموت بين يديها ولتزرعه تحت شجرة صبار معانقاً لجذورها، وستخبرك عنا، عن أولادها وسجنهم، وعن ابنها آخر العنقود المصاب، والذي سخّروا جرحه لتعذيبه ليعترف، لكنه هزمهم، وربما ستخبرك عن ابنها البكر الذي انتزعوه من صدرها باكياً بحكم قانون العشيرة المتخلف الظالم….فحاول ان تستمع لها ولن تمل، وستعرف الحكاية الفلسطينية كما تعرفها الآن وربما بمزيد من التفاصيل.

سيدي المناضل الشهيد، لقد أيقنا باكراً أنهم كلهم وجها واحداً لنفس العملة، فالقاتل والمحرض والداعم بالسلاح والمال وقافل القنوات وقامع الرأي الآخر كلهم عاملون عند السيد الأمريكي، وكلهم بعد اغتيالك تجمعوا محتفلين  يشربون الخمر وبول البعير. وهؤلاء لا يعرفون ماذا تعني الشهادة التي تأتي لا خوفا ولا طمعا، بل شهامة ونُصرة وعزة وكرامة أولا وقبل أي شيء، ولا يدركون أن النصر لن يكون يوماً للقتلة ولا للمتآمرين وحثالات الأرض، الممولين من ملوك الغاز والرمل والنفط في مملكة آل سعود، وأن النصر لا يليق إلا بالمناضلين، لهم فقط وبهم.

سيدي المناضل الشهيد، لا أخفيك أنه لم يفاجئني موقف قادة الإخوان المسلمين، ومعظم كادراتهم، بما فيهم الجانب الفلسطيني، مستثنياً منهم جانبهم القسامي، لأنهم بكل بساطة هم صانعوا تلك الحثالات عند كل القوى الإرهابية، التي لم تقف يوماً الى جانب القوى الشعبية المناضلة، بل بجانب الثورة المضادة أينما وجدت، فكانوا مع الملك فاروق، وما أن ابتدأت المجازر لتهجير شعب فلسطين، حتى أعلنوا الجهاد في محاولة لتطويق مطالب  شعب مصر للقتال في فبسطين، رأوا الشعب ينتفض في مصر العظيمة ويطالب بالذهاب للقتال في فلسطين، ففتحوا مع حليفهم الملك فاروق باب التسجيل لهم ، فسجل للنضال في فلسطين مليون مواطن مصري، لم يرسلوا فرداً واحداً منهم إلى فلسطين، تخيل ولا فرداً واحداً!!! مجرد تنفيس باسم الدين للمد الثوري، ثم وقفوا ضد عبد الناصر المعادي للرجعية والإستعمار، وضد السلال واغتالوا القيادات التي حاربت الإستعمار الفرنسي في الجزائر تحت شعار الشيوعية والعلمانية كما فعلوا مع المناضل شكري بلعيد وغيره مؤخرا في تونس، وحاربوا بو مدين في الجزائر بعد انتصار الثورة، ووقفوا مع آل سعود وحلف بغداد الإستعماري، وضد كل القوى المناهضة للإمبريالية والرجعية، وهاهم بعد أكثر من ربع قرن على طرد الروس من أفغانستان، والتي كان فيها التصنيع والزراعة وتحرر المرأة في مستوى لم تشهده افغانستان في تاريخها الحديث، حولوها باسم الإسلام الى أكبر بلد متخلف  ومتردم وليس به بنية تحتية ولا صناعة ولا زراعة، وأصبح أكبر بلد منتج للأفيون في العالم، ونسبة الأمية تفوق ال80%، وأودعوه تحت البسطار الأمريكي بعد أن دفعت شعوبنا الدم هناك، وتزايدت نسبة المرضى والأمراض فيه وأصبح مثالاً للبلد الفاشل. وحكموا السودان فقسموه وصحروه ونشروا الفساد والإفساد وكمموا الأفواه، وزادت البطالة والتضخم وأصبح السودان منتجاً للمرتزقة عند آل سعود في اليمن، وبدلا من أن يوجهوا البنادق نحو محتل بيت المقدس يخاطب بعضهم رئيس دولة الكيان ب”صديقي العزيز” ويمتدحه كما لم يفعل المتنبي بسيف الدولة، وانظر ماذا فعلوا بسوريا وليبيا والعراق، كيف دمروا وما زالوا بناها التحتية وشردوا ملايينها وقتلوا وجرحوا ملايين أخرى، وسرقوا متاحفها وتراثها ونفطها، وماذا يحاولون أن يفعلوا بجيش مصر، وماذا فعلوا بالجزائر في تسعينات القرن الماضي قبل ذلك كله، وماذا يفعلون باليمن الآن؟ وكل ذلك لخدمة المشروع الأمريكي الصهيوني في المنطقة، وانظر كيف استجلبوا الإرهابيين من كل بقاع الأرض، ورغم التدمير الذي سيدخل عامه السادس بعد قليل، إلا أن رصاصة واحدة لم تُطلق على الكيان الغاصب ولو بالخطأ، بل إن الكيان من يهاجم معهم ويعالج جرحاهم. كما أنهم من يحاول تسليم شمال سوريا الى العثمانيين الجدد الذين ما زالوا يغتصبون لواء الإسكندرون. أولئك سيدي هم تجار الدين، والتي تُعتبر التجارة الأكثر ربحاً كما قال ابن رشد، في مجتمع عربي تفوق نسبة الأمية فيه أكثر قليلاً من 70%، رغم كل أموال آل سعود المركونة في بنوك الأمريكي، بل المطلوب تجهيل المجتمعات لتحويلها الى قطيع من البهائم، لتسهل قيادتها وتفكيك المجتمعات بها ومن خلالها، لذلك فهم يغلفون بضاعتهم الفاسدة بغلاف ديني ليسهل تسويقها. أتعتقد أن الذي يغير أسم مدرسة من اسم قامة شهيد بحجم وهالة وشموخ المناضل الشهيد غسان كنفاني الى إسم أبو حذيفة كثير عليه أن يشمت باستشهادك ويحاول محو تاريخك الوطني المشرف؟!  أم أن السلطة التي لا تجرؤ على المطالبة بجثامين شهداء شعبها وتقمعه وتعتقله وتنسق أمنياً مع المحتل في وهج انتفاضته ستجرؤ على استنكار اغتيالك؟ هؤلاء جميعهم مع أسيادهم ومموليهم وداعميهم ومنظريهم، مهما كبروا وغنيوا وطالت واستطالت قاماتهم ، فإنهم لن يصلوا يوماً الى سقف نعل حذائك الذي اتسخ من رمل الطريق التي قادتك الى نهاريا.

طوبى لك سيدي المناضل الشهيد، طوبى لك مناضلاً عروبياً، فارساً متنقلاً من لبنان إلى فلسطين إلى لبنان مجددا إلى سوريا لتستشهد هناك، طوبى لك وأنت تصعد نحو السماء، طوبى لك وأنت تُزف من رفاقك الشهداء الذين سبقوك إلى هناك، من المناضلين الذين قضوا برصاصات الأعداء الجبانة أو غيرها، ستجدهم واقفين مستقبلينك بكل الفخر والعزة والإكبار، وسط الأهازيج والمواويل الشعبية، وزغاريد الأمهات. أم تعتقد أن من كان له أمهات عديدات على الأرض لن يكون له أضعافهن في السماء؟!!!

محمد النجار

الجنازة حامية والميت كلب

جلس مقابلي تماماً، أو بالأصح القول أنني أنا من جلست في مقابلة، كعادتي دائماً عندما نلتقي في مناسبات متباعدة، كي يسهل عليّ إستفزازه بأسئلتي وتعليقاتي، ولعلي لا أعرف السبب لذلك تماماً، ورغم كوننا على طرفي نقيض سياساً، لكنه ليس السبب في موقفي هذا، ولا أدري بالضبط لماذا، رغم كوني أعتقد أن للأمر جذور قديمة تمتد إلى الإنتفاضة الفلسطينية الأولى، الأمر الذي لا أبوح به لأحد سوى نفسي، وبشكل خجول أيضاً، ربما كون الأمر طالما جعلني أبدو صغيراً أمامه، فأرفع الصوت كي أغطي على ما تم آنذاك، رغم أنه ومنذ ذلك اليوم الذي مر عليه ما يقرب من ثلاثة عقود، إلّا أنه لم يراجعني به يوماً، ولم أسمع منه همس أو ثرثر به لأي كان، ورغم ذلك فأنا ما زلت أحاول استفزازه في محاولة غبية ـ ربما ـ للتغطية على ما تم.

كان قد مر على الإنتفاضة الأولى أحد عشر شهراً عندما صدر بياننا الأول لتأسيس حركتنا الإسلامية السياسية، وكان  يجب حينها فرض برامجنا ورؤيتنا بأي ثمن، في غزة وفي مدن الضفة الفلسطينية، التي كانت لفصائل منظمة التحرير فيها اليد الطولى، ولليسار جذوره العريقة الممتدة عميقاً في صخور الأرض وأتربتها، وكانت التعليمات لنا واضحة بأن نفرض الحجاب على الفتيات والنساء في المدن والأرياف والمخيمات، ورغم عدم فهمي للعلاقة بين الإنتفاضة والحجابـ، إلّا أنني أخضع داخل الحركة لقانون “نفّذ ولا تناقش”، فكان يجب التنفيذ بالنسبة لي في مدينة رام الله حيث ننتمي إلى قضائها، فكان علينا البدء بالمساجد، بتحريض الأزواج والأخوة للحفاظ على “شرفهم”من خلال تحجيب زوجاتهم وأخواتهم وبناتهم، وبالندوات في النوادي وأينما كان ممكناً، وإن استعصى الأمر علينا، فيجب منعهن بالقوة وإجبارهن على ذلك. على قاعدة “من رأى منكم منكراً فليغيره….. بيده”، على أن لا يرانا أحد، والتنفيذ الذي يطبق حدود الله وشريعته على الأرض، يفرض حضورنا ووجودنا على الساحة الفلسطينية، وسلمونا بعض النقود لنشتري البيض والطماطم .

وفعلاً بدأنا بفرض “شريعة الله” على النساء حاسرات الرؤوس، واللواتي تمتلئ بهن المدينة. وكنت ضمن الأشخاص الذين يطبقون شريعة الله، حيث أخذنا نتوجه يومياً إلى مركز المدينة ، نختبئ بين البحر البشري الذي يغطي مركز المدينة، خاصة في ساعات ما قبل الإغلاق اليومي للمحلات التجارية، حيث يبدأ الإضراب التجاري في تمام الساعة الثانية عشرة ظهراً ويستمر حتى صباح اليوم التالي، وكنا نبدأ بقذف البيض والطماطم على رؤوس النساء الحاسرة، ونختفي كأن ليس لنا بالأمر علاقة، وكن الكثير من النساء والفتيات المنتشرات هن من نشيطات الفصائل الفلسطينية، خرجن لفعاليات أو نشاطات إنتفاضية مختلفة، ونحن كشباب كنا حينها لا نفرق بين نشيطة أو غير نشيطة، بالنسبة لنا كل حاسرة يجب “رجمها” بالبيض الفاسد والطماطم، وبقينا نكرر الأمر بشكل يومي ونمضي، ولم نكن نعرف الكثير عن مدينة رام الله سوى أنها مثلهن جميعاً، تستحق الرجم، فهذه المدينة المُستفزَّة، العاشقة، المتكبرة ، المختالة، التي تزداد جمالً وشباباً وورود، كلما ازدادت كبرا وتعمقاً في دهاليز الزمن وعمق التاريخ، تلك المدينة الساحرة الفاسقة الحاسرة المرتدة، كنا نشعر أن المدينة نفسها تتربص بنا وليس الناس فقط.

ومرت أيام وأيام، ولم نكن نعلم أن الآخرين بدأوا هم أيضا في البحث عمّن يقومون بهذا الأمر، وعيون شبابهم تبحث في كل اتجاه، وبعضهم كان يتخفى في زي الباعة في المحلات والعربات، وما هي إلّا لحظات وكان العديد منا تحت قبضاتهم، وانهالوا علينا بالضرب المبرح، وأخذوا بعضنا ليحققوا معهم، من الذي دفعهم ليفعلوا ذلك، ودور الإحتلال في هذا الأمر، وكان لعناصر اليسار الفلسطيني، الدور الأكبر في هذا الأمر كله.

ولا أدري لحسن حظي أم لسوئه، وقعت أنا بين يديه، فأمسكني من أذني رغم أنه من جيلي، وكان زميلي قبل سنوات في المدرسة والفصل، شدني بقوة، حتى صارت أذني بجانب فمه، وقال هامساً” ما الذي تفعله؟ ما الذي جاء بك إلى هنا؟ كبف استطعت أن تفعل ذلك؟”، وقال وما زال يمسك أذني، ولف رأسي من خلال قبضه على أذني ليُريني إمراة ما زال يسيل البيض الفاسد من شعرها الأجعد على وجهها وملابسها، وتبكي غيظا بصمت متفجر خانق، تحاول مسح البيض الفاسد ذو الرائحة القاتلة فتزداد اتساخاً،وعاد ليسألني” أكنت ترضى هذا لأمك أو لأختك؟”، أتعرف أن الناس أصبحوا يظنون أنهن مرتبطات مع الإحتلال ولذلك يُضربن بالبيض والطماطم؟!!!  أليس لديك ضمير لتخافه إن كنت لا تخاف الله؟!!!

وفي تلك اللحظة بالذات جاء ثلاثة من الشباب نحونا سائلينه:

ـ “أهذا من هؤلاء السفلة؟”

كان شرراً يتناثر من عيونهم، ولا أدري متى تراخت أصابعه من القبض على أذني، وقال على غير توقعي:

ـ ” لا… إنه إبن قريتي، لا ليس منهم”

وكان من الواضح أنهم يعرفونه ويحترمونه ويثقون به، ورغم نظرات الإرتياب التي تركوها تسيل كالمخاط فوق وجهي، فقد تركونا وانصرفوا، وأخذني هو إلى محطة الباصات وقال:                 ـ ” أرجوا أن لا أراك هنا أبداً، إلى القرية فوراً”.

وانصرفت، وصرت أتحاشى أن تلتقي عيوننا، وبعد مرور الزمن صرنا نلتقي في المناسبات المتعددة المختلفة، فنحن أبناء قرية واحدة، ولا بد من أن نلتقي في أي مناسبة… وصرت أهرب للأمام كما يقول جماعته اليساريون، فأحاول التعليق عليه، استفزازه بأسئلتي المختلفة، وكأنني أريد أن أغطي على ذاك الحدث، رغم أنه لم يحاول ولا حتى مرة واحدة أن يعيد ذلك التاريخ ويفرده أمامي ليذكرني بتفاهتي تلك.

أنهينا “مهمتنا”، حيث طلبنا “سميرة”إبنة أبي زكي إلى عاهد ابن أبي محمد، وشربنا قهوتنا، على وقع كلمات أبو زكي:

ـ ” اشربوا قهوتكم يا  جماعة، الله يجيب اللي فيه الخير، الأمر يشرفنا أيضاً، ولن نجد لإبنتنا بأخلاق إبنكم الكريمة، لكننا لا بد أن نأخذ رأي البنت فالأمر يخصها أولاً وأخيراً”.

وجلسنا نتحدث ونتسامر، ووجدت نفسي قبل ذلك أحاول الدفاع عن بعض أفعالي، أمام إستهزاء الكهول قبل الشباب، فقال أبو زكي بين الجد والمزاح:

ـ أرجوك يا أبا مصطفى، لا تبدأ بقراءة “عبس وتولى” كما فعلت في عرس علي قبل أسابيع، فالله خلق الأعراس للفرح، فالعرس ليس ميتماً لتقرأ لنا به القرآن…دعنا نفرح قليلا وسط هذا الزحام من الألم والدم

وقال  الحاج أبو خليل من بعيد ضاحكاً:

ـ “عبس وتولى” يارجل؟ ألم تجد في القرآن كله غير “عبس وتولى”؟ ألا تخاف ربك؟  ثم من أين هذه”الموضة” الجديدة؟ قرآن في الأفراح؟!!!

وسكتنا، ووجدته قبالتي يبتسم، واستفزتني ابتسامته أكثر من ضحكاتهم وقهقهاتهم جميعاً، ووجدتني أقول في طريقة أقرب إلى الإستعراض منها إلى الحديث، وكأن “السعوديين من بقية أهلي”:

ـ لقد فعلتها المملكة… ياسلام!… انتخابات بلدية وتنتخب وتترشح المرأة!!!

لكن الذي أجابني وفاجأني لم يكن سوى الحاج أبو أحمد وليس “غريمي”خالد، فقال:

ـ لا حظ أنك لا تتحدث سوى عن إنتخاب بلدية وليس عن انتخاب حكومة ولا برلمان!!! وأعتقد أن ما يجب أن يثير إستغرابنا، لا كيف شاركت المرأة في انتخابات بلدية لأول مرة في تاريخ المملكة، بل كيف يُحرم الرجال من الترشح أو الإنتخاب في هذا العصر، وفي مجتمع ذكوري كمجتمع المملكة؟!!!

فقلت في محاولة الإلتفاف على نفسي:

ـ إنها البداية… وربما شرُعوا الإنتخابات في قادم السنوات…

فقال الأستاذ حسن، مدرس اللغة العربية في مدرسة القرية:

ـ عشمك بهم مثل”عشم ابليس في الجنة”

رأيت نفسي في مواجهة تتزايد مع معظم الحاضرين، فقلت في محاولة لتعديل الأمر:

ـ يا جماعة إنهم يقودون المعارضة السورية كلها، ألم تسمعوا الجبير كيف يقول بكل الثقة أن الرئيس السوري سيغادر بالسياسة أو بالحرب؟!!!

فقال الأستاذ حسن نفسه شعراً هذه المرة:

ـ زعم الفرزدق أن سيقتل مربعاً            أبشر بطول سلامة يا مربعُ

حين قال أبو عمر من طرف الصالون:

ـ والله يا أخي جماعتك حيرتنا، مرة لا علاقة لكم بما يحدث في سوريا، ومرات تصطفون مع من يحارب سوريا، لا تريدون أن تدخلوا أي “محور”، وتكونون في كل المحاور، من أول “حارة” الشيخة موزة و لمملكة آل سعود وللأتراك!!! أنتم مع من بالضبط؟

ابتدأ المجتمعون بالتهامس حين قال زكي، أخو العروسة ما بين المزاح والجدية:                   ـ مع من يدفع أكثر ، وهل هذه تحتاج الى كثير من الذكاء!!!

فقلت من بين ضحكات الجميع التي لم تؤثر بي جميعها قدر ابتساماته الشامتة، رغم أنه لم بقل أي كلمة حتى هذ اللحظة:

ـ أقصد يا جماعة أن المملكة أصبحت تشكل محوراً أساسياً في المنطقة، ألم ترو محورها ضد الإرهاب؟ أربع وثلاثون دولة والحبل على الجرار….

الغريب في الأمر أن الناس كانت تنتظر أقواله هو، رغم كونه لم يُنهِ سوى الصف العاشر فقط، حيث ترك المدرسة والتحق بصفوف العمال ليعيل أسرته بعد حادثة موت أبيه، أكثر من أقوالي أنا الذي أنهيت “البكالوريوس” في علوم الشريعة والفقه، وكأنه لا ينطق عن الهوى، أو كأن أقواله منزلة من السماء، وظل هو على صمته، عندما قال الشاب النابه عزمي:

ـ وبأي جيشٍ سيحارب آل سعود الإرهاب؟ بجيش “البلاك ووتر”أم بالجيش السوداني أم السنغالي؟ ظني أنهم سيحاربون بجيش ملك آل سعود وولده، ذلك الجيش الذي أثبت في حربه على الشعب اليمني، وبكل جدارة “أنهم في الهريبة كالغزال”، فتحولت “عاصفة الحزم” إلى وبال على آل سعود وجيشهم ومرتزقتهم.                                                    وقال الطفل حازم ابن أبو عدنان الذي حضر ضمن الوفد برفقة أبيه:

ـ بابا …بابا، رئيسنا والسلطه يريدون محاربة الإرهاب معهم…

كانت الحاجة”مرثة” قد أخذت لها مكاناً مع الحاجة وطفة، في صدر الغرفة، جلسن بجانبه وكأنهن يردن الدفاع عنه من عدو محتمل، وبعد أن أشعلت الحاجة مرثة سيجارتها كالعادة، ونفثت دخانها في صدر الغرفة دون أن تبتلع شيئاً منه، قالت بكلماتها السليطة متوجهة بالحديث إليّ، عندما رأت ضحكاتي تتعالى على كلمات الصبي:

ـ وعلى ماذا “تتصهون” وفاتح فمك الذي يتسع لدجاجة بريشها، وهل أنتم أحسن؟ الرئيس وافق وأنتم لم تعترضون!!! خائفون على أن تحرموا من المال؟، متى ستتعلمون أن هؤلاء ـ وأشارت بيدها وكأنها تريني الملك وحاشيته ـ يؤمنون بأن “مَنْ دِيَّتَه مالاً أقتله”، وسوف يقتلونكم في الوقت المناسب كما قتلوا السلطة التي تستهزء بها ولست بأفضل منها.

وسرعان ما أنقذتني الحاجة وطفة من لسانها عندما قالت متحدثة عن السلطة ورئيسها:

ـ وجماعتنا لا يجدون ما يشغلهم؟! ها هو الإرهاب عندنا لماذا لا يحاربونه؟ بل إنهم يقولون عن صواريخ المقاومة… ما هذه الكلمة يابني ياخالد، فقال لها مجيباً:

ـ عبثية ياحاجة، صواريخ عبثية….

لكن الحاجة وطفة لم تعرف كيف تقول الكلمة، فقالت:

ـ آه يابني… الكلمة التي قلتها أنت

فقال أبو زكي متهكماً:

ـ ياعمي رئيسنا رجل مُطيع، مجرد “تلفون” من الأمير وأعطى الموافقة

فقال أبو خليل بعد أن أكمل لف سيجارة الهيشي وأشعلها وسحب أول سحبة منها مع جرعة من كأس شايه، وعلى دون توقع بعد أن أقسم كعادته:

ـ لا والله لم “يُحصِّل” الرئيس حتى المكالمة، بل هزة من “خنصر” الأمير، ياعمي متى يفهم هؤلاء، أنك “إن كنت رخيصاً لن تجد من يشتريك بالغالي”

فردّ عليه أبو هاني متهكما :

ـ لا ياأبا خليل، والله أنا لمّا سمعت بتشكيلهم حلفاً إسلامياً ضد الإرهاب “إرتحت واطمأن قلبي”، وقلت في نفسي “لقد تذكروا الآن وبعد ما يقرب من سبعين عاماً أن لدينا بلداً تفود الإرهاب في العالم، ربما تذكروها بعد أن رأوا على شاشات التلفاز كيف يترك هذا الكيان شبابنا ينزف حتى الموت، مانعين عنهم سيارات الإسعاف، في الوقت الذي يسارعون فيه لإسعاف مقاتلي داعش والنصرة في مشافيهم!!!

فقال زكي مجدداً مصححاً ما قاله أبو هاني:

ـ لا يا أبا هاني إنهم لم يتذكروا بعد، كما أنه ممنوع عليهم التذكر، لقد فقدوا الذاكرة بما يخص قضيتنا، أو بالأصح ربما كنا نحن الإرهابيين الذين يجب محاربتهم!!!

فقال زكي متهكماً مجدداً:

ـ طبعاً وهل هناك إرهابيون غيرنا وغير المقاومة اللبنانية؟!!!

وأكثر ما غاظني أن الجميع سكتوا وأخذوا ينصتون عندما بدأ الحديث، وكأنهم لا يريدون أن تفوتهم كلمة من كلماته، وأخذ مقود الحديث في فمه، وقال:

ـ إن آل سعود هؤلاء “لا ينطقون عن الهوى”، بل عن سيدهم الأمريكي ، لا يخرجون عن طوعه، ولا يخلفون رأياً إلّا بتوجيهاته، فمن يريد محاربة الإرهاب يوقف الدعوة لللإرهاب أولاً، فمحمد بن عبد الوهاب وفكره التفكيري هو حليفهم، وأفكاره ما تزال تُروَّّج عندهم وبتوجيهاتهم، نعم من آل سعود أنفسهم، والمملكة هي الحاضنة والداعية والناشرة لهذه الأفكار، والأمر كما تعلمون ليس له علاقة بالمذاهب والطوائف والأديان، فبالأمس القريب كانت تتحالف مع شاه إيران لتسويق “حلف بغداد” الإستعماري ولضرب ثورة عبد الناصر، وظلت بنفس الحلف لضرب قوى الثورة العربية في العالم العربي والخليج، واليوم مع الإستعمار لضرب إيران التي تدعم قوى الثورة !! هل كانت إيران بالأمس سنية واليوم أصبحت شيعية؟!!! أم أن هذا الشعار للضحك على “لحانا”؟، بل كي نبدأ حرب أمريكا بأيدينا نحن وبدماء أبنائنا كما يتم في سوريا والعراق، ولو كان ما يقولونه صحيحاً، ماذا عن ليبيا ومصر وتونس وقبل الجميع الجزائر؟ أين الشيعة في تلك البلدان؟ لماذا دمروا ليبيا إذن ويريدون تدمير مصر؟  وما داموا حريصون على مقاومة الإرهاب، لماذا تركوا القاعدة وداعش تتمدد في حضرموت وعدن ومدن الجنوب اليمني؟ يعني في المكان الذي هم موجودون فيه، ولم يُطلق عليهم آل سعود ولا طلقة واحدة!!! كي لا أقول أنهم هم آل سعود وحارة الشيخة موزة والعثمانيون الجدد من نقلهم بطائراتهم إلى اليمن بقرار أمريكي، أم أن دولة في حلف الناتو تقوم بمبادرات عسكرية دون اسشارة قيادة حلفها؟ فما بالكم بدول تابعة لم ترقَ إلى مستوى أن تكون في حلف تقوده أمريكا؟ فحجارة الشطرنج تُحَرَّك ولا تُسْتشار.

سكت قليلاً وارتشف شيئاً من كاسة شايه، وسط صمت الجميع واستماعهم، وأكمل من جديد:

ـ لقد قرأت عن مواطن من بلاد الحجاز، إسمه”رائف بدوي”، حائز على جائزة “سخاروف لحرية الفكر”، نفس الأمر الذي حاز جائزته عليه،حاكمه آل سعود بعشر سنوات من السجن وألف جلدة في، هؤلاء الذين يبشروننا “بديمقراطيتهم” في سوريا واليمن والعراق، تخيلوا أناساً يتم جلدهم بأهازيج دينية وعلى مرأى من الجميع وخمسين جلدة عند كل صلاة جمعة؟!!!، وفي القرن الواحد والعشرين!!!، كما حكموا على الشاعر الفلسطيني بالإعدام على كتاب شعر نشره!!! كما الإعدام على الفتيان وعلى الشيوخ لأن لديهم أفكاراً وآراءاً أخرى غير ما لدى آل سعود!!! الأمرالذي يدلل على أن من يحارب الكلمة أو الفكرة أو الرأي الآخر، ويستخف بهذا الشكل بحيوات الناس كما يفعل ضد شعبه أم في اليمن أو سوريا، لا يمكن أن يكون مؤهلاً لمحاربة الإرهاب.

فقالت الحاجة مرثة بصوت عال:

ـ صدقت والله يابني، سلم الله فمك…

وقال أبو خليل وسيجارة “الهيشي” معلقة بين شفتيه:

ـ ليس سوى تحالفاً زائفاً، كله “ظراط ع البلاط” بلا مؤاخذة

فقال أبو زكي سائلاً:

ـ إذن لماذا كل القصص والأخبار عن تحالف آل سعود هذا؟ لم تظل مجلة أو جريدة أو راديو ولا محطة تلفاز “لا تُطبل أو تزمر” لهذا التحالف؟

فقال أبو خليل مجيباً:

ـ يبدو أن “الجنازة حامية والميت كلب” يا أبا زكي

فأكدت الحاجة وطفة من مكانها ضاحكة، فاتحة فاها مظهرة فماً تساقطت معظم أسنانه منذ زمن بعيد قائلة:

ـ صدقت يا أبا خليل، فعلاً” الجنازة حامية والميت كلب”، سلم الله فمك.

وكما هي العادة، خرج منتصراً هذه المرة أيضاً، لكنه على غير عادته، وضع يده على كتفي حين غادرنا منزل أبا زكي، وقال:

ـ هؤلاء الحثالات دمروا البشر والحجر ، ارتكبوا المجازر بحق فقراء اليمن وحضارتهم، قصفوا المدارس والمشافي والمدارس والزرع والضرع، قتلّوا ويتّموا ودمّروا، ورغم ترسانتهم العسكرية  وتحالفهم غير المقدس مع أمريكا وإسرائيل، إلّا أنهم هُزموا من حُفاة اليمن، لأن الشعب اليمني شعب  يدافع عن كرامته وعزته أمام حكام ومرتزقة وبلدان تفتقد للعزة والكرامة.

وامام سكوتي وعدم تعليقي على الأمر، قال منتقلاً بعيداً في الماضي السحيق:

ـ قاتل الله السياسة، أتعلم أنني أحن كثيراً الى سنوات الدراسة، حين كنا نتزاحم على المقعد الأول في الفصل!!! كأن الأمر قد تم بالأمس القريب….

ومشينا … مشينا بين الحقول… بين أشجار الزيتون… ومن طرف السماء البعيد انطلقت بضع شعاعات برق أضاءت لنا الطريق، وابتدأت حبات المطر تتساقط على رؤوسنا وعلى كل الأشياء، وكما كنا نفعل عندما كنا صغاراً، توجهنا إلى شجرة تين عملاقة، واقفة على طرف الطريق لنستظل ببقايا ما ظلت تحمله من أوراق، مختبئين من حبات المطر، ورغم كوننا وحدنا لم يذكر شيئاً عن تلك الحادثة أبداً….

محمد النجار

ماذا تبقّى من منظمة التحرير؟!!!

لعله من نافل القول أن إنطلاقة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين لهي من أهم الأحداث الهامة في تاريخ الثورة الوطنية المعاصرة، لما أضافته للثورة الفلسطينية من إضافة فكرية وتقافية ونضالية ونوعية أيضاً، فمنذ إنطلاق الثورة الفلسطينية كانت الجبهة هي الرقم الثاني بعد حركة التحرير الوطني الفلسطيني”فتح”، على الصعد كافة، الجماهيرية منها والنضالية في الخارج وفي الوطن المحتل وفي كامل التواجد الفلسطيني، هذا عدا عن دورها المميز على صعيد علاقاتها مع حركة التحرر الوطني العربية وكذلك علاقاتها النوعية مع حركات التحرر العالمية، “لكن لهذا وذاك بحث آخر أوسع من هذه العجالة بكثير”.

أما ما ميز الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين عن كامل فصائل العمل الوطني الفلسطيني، أنها:

  • أول من أرست الإستراتيجيةالسياسية التي ربطت بين التكتيكي والإستراتيجي، ووضعت الأول في خدمة الثاني، ببرنامج عمل مبني على تبني النظرية العلمية.

  • الحرص الكبير على ارساء أجواء الديمقراطية في الساحةالفلسطينية، وظلت نائية بنفسها عن كل مشاريع الإقتتال الفلسطيني الداخلي الكثيرة والمتعددة.                                   * ظلت قياداتها الأقل تورطاً في الفساد المالي والسرقات التي اشتهرت بها قيادات وفصائل منظمة التحرير الفلسطينية.

  • على مستوى الداخل تميزت بتفردها في “إنتاج” قيادات ثورية سرية العمل والحركة، الأمر الذي أذهل الإحتلال الصهيوني وقياداته، فكلما أعلن عن إعتقال قياداتها تفاجأ بأنهم وفي الكثير من الأحيان لم يكونوا حتى أعضاء في الجبهة ناهيك على أنهم قيادات!!!

  • تفردت أيضاً بخلق تجربة الإختفاء للكثير من القيادات والكادرات الحزبية ولسنوات طوال وصلت حتى سبعة عشر عاماً كما صرّح الإحتلال نفسه، وقيادة العمل الحزبي والجماهيري والنضالي، وأحياناً الوطني العام، ومن أهم أركانه الإنتفاضة الشعبية الأولى.

  • كانت من السباقين أيضاً في رفع شعار”عدم تسليم الذات” كالخراف للإحتلال وجنوده، وبالتالي ظهور ظاهرة “المطاردين” وانتشارها على نطاق شعبي ووطني في المدن والريف والمخيمات، وخاصة في الزمن الصعب، في المفترقات الوطنية الهامة.

  • كذلك تفردت في رفع شعار” الإعتراف خيانة”، وتطبيقة بالدماء والشهداء، وأصبح هو الشعار الجامع لممارسة أعضاؤها وكادراتها داخل زنازين الإحتلال، وأصبح من أهم بنود المحاسبة التنظيمية والتقييم الحزبي الكادري، وأصبح على أبواب “الحزب” حُماة أشداء، تحمي أعضاءه وأسراره وبرامجه.

  • كانت من أشد الحريصين على الوحدة الوطنية الفلسطينية، ولو كانت على حسابها كفصيل، في الكثير من الأحيان. وهذه النقطة بالذات التي أريد نقاشها ولو بشكل سريع ماراً على أهم محطات مسيرة الثورة الفلسطينية الحديثة :

منذ إنطلاق الثورة الفلسطينية، وأثناء تواجد الثورة في الأردن ظلت القيادة الفلسطينية الفردية والمتفردة قابضة على القرار الوطني الفلسطيني، والذي تم تتويجه بعدم دعم الحركة الوطنية الأردنية، وإلغائها والحلول محلها، كما والقرار الأخطر بالخروج من المدن والمخيمات إلى الأحراش حيث تم القضاء على القوة العسكرية الفلسطينية، واستشهاد على ما يزيد عن ثلاثين ألف شهيد. رغم آراء كل الفصائل الأخرى والتي لم تؤخذ بعين الإعتبار.

وبعد إنتقال المنظمة إلى لبنان، ورغم كون الحركة الوطنية اللبنانية متبلورة وذات تاريخ نضالي طويل، إلا أن نفس القيادة الفردية وبنفس الطريقة ألغت دور الحركة الوطنية اللبنانية، بل وحاولت أن تخلق “بالمال” منظمات رديفة سريعة “البصم” وتم فرضها على الحركة الوطنية اللبنانية، تماماً كما تفعل الأنظمة الرجعية العربية في المنطقة.

بعد الأجتياح للبنان ودخول بيروت، ورغم شعار الحركة الوطنية اللبنانية ـ الفلسطينية، الذي نادى بالمقاومة، “جاؤوا لعندنا بأرجلهم”،وبأن ما تم هو فرصة لإيلام الإحتلال، حيث كان الوصول له أمراً صعباً بسبب الحدود والأسلاك الشائكة والألغام، والآن جاؤوا هم بأنفسهم، إلا أن نفس القيادة وبنفس الطريقة وبشكل فردي، ساومت وعقدت الصفقات، واتفقت مع فيليب حبيب، على سحب المقاتلين ودخول الدهليز الأمريكي، ووزعت مقاتليها على بلدان تبعد آلاف الكيلومترات عن حدود فلسطين، حيث تم إغتيال القيادات من الصفوف الأولى في تونس، وتحول الكثيرين الى شؤونهم الخاصة.

وأيضاً وبشكل فردي تم افتعال حرب المخيمات والتي تورطت بها فصائل فلسطينية أخرى.

كما أنه وبشكل فردي تم تفريغ برنامج العمل الوطني الفلسطين من ميزاته من خلال التعامل مع المشاريع التسووية التصفوية في المنطقة، ابتدأت بشعار”لعم” للإعتراف بالكيان الصهيوني، ولاحقاً بالغاء الميثاق الوطني الفلسطيني، وسرعان ما وافقت القيادة الفردية بإلغاء صفة “العنصرية” عن الكيان العبري.

وبعد أن نقلت الإنتفاضة الأولى إمكانية تحرير الأرض وجعل من إقامة الدولة الفلسطينية “إمكانية واقعية”، دخلت نفس القيادة وبفرديتها المعهودة، التفاوض بوفد أردني فلسطيني مشترك، لتفاجئ الجميع بالتوقيع على اتفاق “أوسلو” والذي يبدو أنها حتى لم تقرأه، ناهيك عن بحثه فلسطينياً من متخصصين وأكاديميين وفصائل واستراتيجيين، وكان أبرز ما تم فيه وعلى هامشه، إبقاء ما يزيد عن 12000 أسيراً فلسطينياً في السجون الصهيونية، والذي ما زال بعضهم حتى الآن. كما عدم المس بالعملاء وأدوات الإحتلال بأي شكل من الأشكال بما في ذلك عملاء روابط القرى، كما إعتقال “المحرضين” و”المخربين” وقمع التظاهرات وعدم المس بالمستوطنين لأنهم شأن إسرائيلي.

كما أن القيادة المتنفذة الفردية لم توافق يوماّ على إقرار قانون التمثيل النسبي داخل المؤسسات الفلسطينية، وأغرقت المجالس الوطنية كما اللجنة التنفيذية للمنظمة بمن أسمتهم بالمستقلين والذين لم يكونوا في أغلبيتهم الساحقة سوى مجموعة من المرتزقة، ممثلين لأنظمة الردة، من رجعيات عربية في المنطقة، كل ما يقومون به هو “البصم”، أو رفع الأيدي وهز الرؤوس حسب الطلب.

كما كانت الأغلبية الساحقة من المنح الدراسية والسياسية والعسكرية،هي من نصيب تنظيم القيادة”حركة فتح” وتوزع على المحاسيب والمعارف، ويتم بيع الكثير منها لصالح تجار السفارات.

معظم مدراء المكاتب ولاحقاً السفارات الفلسطينية كانت من نصيب تنظيم فتح، “ونحن هنا لا نتحدث عن مناضلين” بل عن أناس في معظمهم محاسيب وتجار وعملاء أنظمة، ولم يكن للفصائل إلا ما ندر حتى من العاملين داخل هذه السفارات، الوضع الذي ما زال مستمراً حتى وقتنا هذا.

مالية منظمة التحرير لم تكن سوى بأسماء القائد الأعلى بالأساس وما زالت بالطبع، وبعض قيادات الصف الأول بنسب لا تتعدى” بضع ملايين”، وإذا نظرنا الآن لورثة هؤلاء القادة سنجدهم أصحاب ملايين من دماء الشهداء وآلام الجرحى والأسرى، وميزانية المنظمة كلها والتي لم يعرف قيمتها أحد، تجزم بعض المصادر أنها تجاوزت الخمس مليارات بقليل، أصبحت من نصيب أرملة الرئيس السابق، والأمر الآن كما هو ولم يتغير منه شيء. والمفارقة أن تنظيم الجبهة الشعبية كلما كان لديه موقف رافض للقرارات الفردية، كلما قطعت عنه القيادة الرسمية مخصصاته المالية، وكأن هذه الأموال ملك شخصي لهم ورثوها عن آبائهم وليست أموال الشعب الفلسطيني.

وكي لا نضيع في التفاصيل نقول، أن هذه القيادة، قيادة منظمة التحرير ومنذ وجود المنظمة، قد أمسكت بالمنظمة من عنقها حتى قتلتها، وأبقتها منظمة ميتة لا قيمة لها ولا أهمية ولا قرار، وأنها تتذكر المنظمة والوحدة الوطنية إن أرادت تمرير قرار أو مشروع تصفوي ما ويلزمها “ختم” المنظمة.

أنها أفرغت المنظمة ومجلسها الوطني وكافة هيئاتها  ومؤسساتها الشعبية من كل محتوى وطني ورسمي وأبقتها جثة هامدة ميتة، كما فعلت باللجنة التنفيذية والمجلس الوطني والمجلس المركزي، ولاحقا حتى بالمجلس التشريعي.

إن شعار الوحدة الوطنية، هو بالنسبة لها شعار حق يراد به باطل، ترفع لواءه وقتما كانت بحاجة إليه، والمطلوب من الآخرين احترامه دائماً حتى النخاع، ومن الواضح أن معظم “إن لم تكن كل” القرارات المفصلية المهمة لم يتم استشارة القوى الفلسطينية بها، بل وفي مرات كثيرة كانت تتفاجأ بالأمر من وسائل الإعلام.

وعليه، أعتقد أن موضوع الوحدةالوطنية الفلسطينية هو من أهم المواضيع إذا كان الجميع يريدها، ويُحاسَب بموادها، وتكون قيادة المنظمة قيادة جماعية “لكل حسب وزنه الفعلي في الساحة”، لكن أن يريدها البعض والآخر يستغلها ويستفيد منها فقط، إذن عن أي وحده وطنية نتحدث؟!!! بل إنني أرى إن التعايش مع مثل هذا الشكل من” الوحدة الوطنية” إنما يخلق داخل تنظيم الجبهة الشعبية، حفنة من أشباه المناضلين والذين لا يهمهم سوى قدوم آخر الشهر ليقبضوا المعاش، مع ما لهذا الأمر من إنعكاسات خطيرة جداً على مستقبل الجبهة نفسها، كوننا نتحدث عن قبادات من المفروض أن تكون قيادات من الصف الأول. فما قيمة الوحدة الوطنية إن ظلت على حالها الذي كانت عليه منذ البدء حتى الآن؟!!! وما قيمتها إن كانت الجبهة الشعبية رغم ما لها من وزن ونضالات وتاريخ غير فاعلة ولا كلمة لها ولا تأثير داخلها؟!!! وهل هناك وحدة وطنية بمؤسسات منظمة ميتة كما هي الآن؟!!! وهل هناك وحدة وطنية إن كان من يتحكم بالموقف السياسي والمقدرات المالية شخص واحد حتى وإن كان رئيساً للسلطة أو لحركة فتح أو أي كان؟!!! وهل هناك وحدة وطنية داخل ثورة دون برنامج كفاحي ثوري، مستنداً على برنامج سياسي واضح وميثاق وطني جامع؟!!! وهل هناك وحدة وطنية تحت سقف قيادة ما تزال تحاصر القطاع مع نظام مصر لتعميم الإستسلام فيه، بعد أن وصفت أسلحته بالعبثية؟!!! وهل هناك وحدة وطنية مع من ما يزال يضع يده في يد القاتل نتنياهو، ولم يستنكر اقتحام العدو لمناطق ا، ولا لقتله اليومي واعداماته بدم بارد، بل يساعده في الإعتقالات تاركاً له المدن متى أراد ليدخل ويعبث بها وبأبنائها كما يريد ووقتما يريد؟!!! وهل هناك وحدة وطنية مع من لا يلتزم بمقررات هيئة في المنظمة كالمجلس المركزي، تطالبه بوقف التنسيق الأمني، وهو يرفض بإصرار الإلتزام بذلك رغم وعوده المكررة الكاذبة؟

لست أدري كم هو صعب الإجابة على مثل هذه الأسئلة وغيرها الكثير الكثير، وهل يجب أن تظل الجبهة إسمياً داخل المؤسسات الميتة كشاهد زور على كل موبيقات القيادة دون أن تستطيع أن تفعل شيئاً؟ أم أن تبدأ بالعمل على تطوير الذات تنظيمياً، وأنعكاس ذلك كفاحياً ونضالياً على أرض الواقع، لتشكل مركز استقطاب يساري ثوري جامع  لا نقاش فيه ولا منازعة عليه، في قادم الشهور أو السنين القليلة المقبلة، لتشكل قاطرة العمل الوطني الموحد القادم ضد الإحتلال ؟!!!

محمد النجار

أردوغان…آية المنافق ثلاث

لعلها صفة ملازمة للدولة التركية، أنها لا تعرف إلّا تدمير الآخر، كما تدمير الحضارات وبإسم الإسلام، فكما فعلوا المجازر مع الأرمن فعلوا الأمر نفسه مع الشركس والعرب، وأينما حطّت أقدامهم في العالم، ودمروا الحضارة الإسلامية بدولتم العثمانية، حيث أنهم بعد أربعمائة عام خرجوا من العالم العربي تاركينه أقل تطوراً بكثير منه عندما دخلوه، فبعد أن كنا دولة عظمى، لم يبقوه مكانه فقط، بل أعادوه متخلفاً فقيراً يائساّ ممزقاً قبلياً، مدمرين حضارته وتراثه، مُشتتين شعوبه ومؤججين الصراعات المذهبية والطائفية بينها، سالبين أطفاله للتجييش، ورجاله للحروب، ناهبين ثرواته، في الوقت الذي كانت شعوب العالم تتطور وتزدهر، كنا نحن نتراجع ونتفهقر بفضل الدولة العثمانية.

وها هم الآن يحاولون إعادة الكرّة مجددا في سوريا والعراق من خلال قيادة العثماني الجديد “السلطان” أردوغان، الذي أكثر ما يلفت الأمر فيه وفي وسياسته في كل الفترة الزمنية التي حكم فيها تركيا، أنه لم يَصْدُق يوماً بشيء قاله، ولم يفِ بوعد قطعه، ولم يكن أهلاً للثقة به يوما، وهذه كما قال الرسول “صلعم”” آية المنافق ثلاث: إذا تحدث كذب وإذا وعدأخلف وإذا أؤتمن خان”، وهذه ليست خصائصه وحده، بل هي أهم ما يميز حركة الإخوان المسلمين بشكل عام، في كافة أماكن تواجدها بعمومية، وبشكل خاص في كل مكان على حده. وكونه جزءاً أساسياً من هذه الحركة، بل قائدها العملي، فهو الأقدر ليعطي دروساً في هذه المجالات، وليكون أكثر من يتمتع بهذه الخصال.  وكونه ابن المدرسة الأمريكية، فهو يعتقد أن تكرار الأكاذيب وزيادة تردادها في وسائل الإعلام يمكنه أن يقلبها إلى حقائق، ويجعل الناس يصدقونها، وهذا الأمر ممكن آنياً، أعني يمكن أن يُضلل الناس إلى فترة وجيزة من الوقت، لكنه لن يُغيّر الحقائق من جهة ولن يستمر طويلاً الى مالا نهاية من جهة ثانية أيضاً.              فأردوغان قام أول ما قام بالإنقلاب على أولياء نعمته والذين أوصلوه وحزبه الى سدة الحكم، ثم بدأ بالتصفيات الداخلية لمعارضيه داخل حزبه نفسه، بل لكل من خالفه الأمر، وبدأ بتصفية قادة الجيش، ووضع جهاز الأمن والمخابرات تحت إبطه، وسرعان ما انقض على المعارضة الشعبية والبرلمانية، ثم على الصحافة، وغير كل القضاء واضعاً قضاة المحكمة العليا وكذلك قضاة المحاكم الفرعية ممن يواليه فقط، وبنى الشركات التي يتمتع ابنه وعائلته بحصة الأسد من نتاجها المالي، وعقد الصفقات مع داعش لإستقبال نفط سوريا والعراق، وشراء مخازن القمح والغذاء المسروقة من سوريا، وشراء المنحوتات الحضارية الأثرية المنهوبة من سوريا والعراق، وبيع وتصدير النفط والآثار للكيان العبري من خلال هذه الشركات العائلية، رغم منع ذلك وتحريمه من مجلس الأمن، وما زال يرفض وقف تهريب أو حتى إعادة ما تم تهريبه من آثار موجودة على الأرض التركية. كما أنه كان من أوائل من حرّض ميليشيات مسعود البرزاني (رجل أمريكا واسرائيل في المنطقة)، وساعدها للتمرد على الحكومة المركزيه في محاولة لتقسيم العراق وسلخ أكراده بعد توسيع مناطق نفوذهم، وطرد العرب منها بمجازر مشابهة لمجازر الكيان الصهيوني والدواعش، وحوّل بترول العراق المسروق الى الكيان الصهيوني، ودوره ودور مسعود البرزاني بتوجيه أمريكي في تسليم الموصل للدواعش.

ورغم الإستفادة الكبيرة التي عادت على تركيا من الإتفاق مع سوريا إقتصادياً إلّا أنه انقلب عليها لتطبيق صفقة أمريكا والإخوان المسلمين لقيادة المنطقة، والتي شملت تونس ومصر وليبيا، وأدخل كل ما أفرزته المدرسة الوهابية لآل سعود مستعينة بحثالات الأرض التى أفرزتها مدرسة الإخوان المسلمين عبر أراضيه ليعيثوا فساداً في سوريا، مدمرين الوطن وبنيته التحتية واقتصاده وفوق كل ذلك شعبه وانسانه، قاتلين علمائه وقيادات شعبه وأساتذته الجامعيين، ومدمرين قدراته العلمية، بأوامر ودعم من أمريكا وإسرائيل ولمصلحتيهما وبتمويل من الدول الصهيو عربية بقيادة مملكة آل سعود وحارة الشيخة موزة وأبنائها، بالضبط كما فعلوا في العراق شعباً وأرضاً، ضارباً بعرض الحائط إتفاقاته وعهوده المعقودة مع الحكومة السورية وقبلها العراقية، مغامراً بمصالح الشعب التركي الإستراتيجية في المنطقة، وكذلك بأمنه ممن يمكن أن “يخرج عن السيطرة” من عصابات الإرهاب التي تتمتع بكل أشكال الدعم المخابراتي التركي، وبعد تقدم الجيش السوري وحلفاؤه وفرار الدواعش والقاعدة وتفريخاتهما  عبر الأراضي التركية التي جاؤوا منها، تم تحميلهم بطائرات تركية وقطرية إلى اليمن لمحاربة الجيش اليمني واللجان الشعبية هناك، بدعم من آل سعود وبغطاء مخابراتي تركي أمريكي.  وبعد خسارته في الإنتخابات في حزيران الماضي، أعاد الإنتخابات دون أن يعطي الأحزاب الأخرى حقها في تشكيل الحكومة، ضارباً دستور البلاد بعرض الحائط، وكان واضحاً محذراً الشعب التركي أنه ما لم بنتخبه مجددا فإنه سيظل يعيد الإنتخابات مرة كل ثلاثة أشهر، بغض النظر عن تكلفة هذه الإنتخابات التي يدفعها الشعب التركي من جيبه وضرائبه، وأكد أن البلاد لن ترى الإستقرار، مرفقاً ذلك بعمليات باسم داعش ضد الأكراد الذين “تجرأوا” وانتخبوا حزب الشعوب الديمقراطي، قاتلاً العشرات، حتى أُعيد انتخاب حزبه من جديد. وبعد أن تم انتخاب حزبه “ديمقراطيا”، في ظل طرد مئات الصحفيين المطرودين من وظائفهم وعشرات منهم محكومن ظلماً في السجون، وإغلاق ومصادرة لمحطات تلفزيونية وصحف ومحطات إذاعية، وضرب لأبسط التعبيرات الديمقراطية وحقوق الإنسان، ومصادرة للرأي الأخر، والمغامرة بحياة عشرات الجنود الأتراك من خلال إفتعال حرباً مع حزب العمال الكردستاني، والتحريض القومي عليهم وعلى العرب.

وعلى عادة الإخوان المسلمين، فالقضية الفلسطينية أكثر قضية ممكن المزاودة بها وعليها، ولذلك نرى أردوغان وفي كل مناسبة يتغنى بها مسرحياً، لدرجة أنه يمكن أن يخدع أي كان، وفي الحقيقة والواقع، فإن علاقات تركيا ازدهرت أكثر ما ازدهرت مع الكيان الصهيوني في عهد حزب الإخوان المسلمين التركي”حزب العدالة والتنمية”وعلى رأسه أردوغان، والطائرات الإسرائلية معظم تدريباتها في السماء التركية، ونسبة التبادل التجاري مع الكيان الصهيوني تضاعفت ست مرات في عهد قيادة أردوغان، وبضغط من أردوغان وابن حمد الصغير والشيخة موزة تميم في حارة قطر، قامت قيادات الإخوان المسلمين السياسية والمالية في العالم، بمحاولات ترويض قيادة حركة حماس السياسية، من خلال اتفاق مع الكيان الصهيوني بواسطة توني بلير، لعقد هدنة طويلة الأمد مع قطاع غزة، حيث يتحقق بذلك فصل غزة عن الضفة، وقتل الفعل الثوري في القطاع ومنه، وتعميم سياسة الإستسلام في فلسطين، وتحويل حماس إلى نسخة كربونية مسخ من السلطة الفلسطينية في الضفة الفلسطينية، وبالتالي تأزيم الوطن الفلسطيني داخلياً، وإرجاع القضية الفلسطينية بضع عشرات السنين إلى الوراء.

وبعد ذلك كله، وبكل وقاحة وازدراء لعقولنا، يريدنا أردوغان أن نصدق أن دولته، عضو الناتو تحت قيادة الولايات المتحدة الأمريكية، والمشاركة بأكبر عدد من الجنود فيه بعد أمريكا، أنها حريصة على القضية الفلسطينية، كما حرصها على الديقراطية في سوربا والعراق ومصر، ” بغض النظر عن طبيعة أنظمتها ورأينا بها”، وليس مثلاً في مملكة آل سعود أو البحرين أو قطر مثلاً، أو أن إسقاطه للطائرة الروسية في الأجواء السورية، وقتله للطيار الروسي من قبل الأتراك أنفسهم العاملين مع حثالات الأرض الدواعش هناك، كان بقرار تركي خالص، وليس بتحريض وأمر وتغطية من أمريكا نفسها، لتتركه وحيداً لاحقاً، كما فعلت بكل الإمعات من أمثاله،”تماماً كمسرحية تدفق اللاجئين من الباب التركي إلى الدول الأوروبية، الذي أراد الإستخفاف بعقولنا لنصدق أنها تمت بدون تخطيط وتنفيذ تركيين، ودعم أمريكي”، وخاصة بعد أن قام الروس بتدمير ما يزيد عن ألف صهريج نفط تركي وسيلة داعش في سرقة نفط العراق وسوريا وبيعه من خلال شركات العائلة الأردوغانية.

لكن حسابات الحقل ليست كحسابات البيدر، فأول من اكتوى بالنتائج هو تركيا، حيث كانت الخاسر الأكبر سياساً واقتصادياً وحتى عسكرياً، حيث أن أردوغان لن يستطيع تحقيق أحلامه العثمانية الجديدة بقضم مناطق سورية بغض النظر عن أسمائها كمنطقة عازلة أو آمنة، ولن يستطيع الدفاع عن ارهابييه أمام تمدد الجبس العربي السوري ولا قصف الطائرات الروسية، ليس هذا وحسب، بل إن تركيا بقيادة السلطان العثماني أردوغان لن تستطيع حتى أن تُظهر طائراتها في أراضيها نفسها الفريبة من الحدود السورية، حيث سيعتبرها الروسي هدفاً معادياً يشكل خطراً على طائراته ويدمرها كما أكد ذلك!!! والأخطر من هذا كله السؤال الكبير حول إمكانية سيطرة أردوغان على الدواعش والنصرة الفارين من وجه الجيش العربي السوري إلى الأرض التركية، وإمكانية ضبطهم أو منعهم من تنفيذ أعمالاً إرهابية ضد الشعب التركي، خاصة إذا أرادت أمريكا الضغط على تركيا لأي سبب كان!!!

إن من يدمر الأرض السورية والعراقية تحت شعار الديمقراطية الزائف، جالباً كل حثالات الأرض من الشيشان والأفغان والقوقاز والقرغيز وبعض القبائل الصينية المسلمة، كما حثالات آل سعود وبقية حثالات الإخوان المسلمين العرب والأوروبيون ، ماذا كان سيفعل هو نفسه لو كانت بلاده تعرضت لمثل هؤلاء الحثالات وتحت نفس الشعار “الديمقراطي”؟!!! وما المطلوب من “الروسي” ليفعله أمام الآلاف من المواطنين الروس الإرهابيين إذا ما رجعت لتدمر وتقتل في الجمهوريات الإسلامية الروسية ، والتي يحتضنها أردوغان ويدربها ويسلحها وينقلها بغطاء أمريكي؟!!!

إن من يلعب بالنار سيكتوي بها ياسيد أردوغان، والسلاح بيد “الخرى” يجرح “كما يقول المأثور الشعبي الفلسطيني، لكنه يجرح صاحبه نفسه أيضاً، وهكذا فعلت أنت!!! فهل تدرك ذلك؟ أم أننا أمام حالة غرور غبي استشرى ولن ينتهي دون تدمير الذات!!!

محمد النجار

بأي حال عدت ياعيد؟!!!

لا أدري ما الذي جعلني أحمل نفسي وأذهب إليهما، فزياراتي لهما كانت متباعدة جداً دائماً، ولولا رابطة القرابة البعيدة لما أجهدت نفسي للذهاب، رغم كوني كنت كثيراً ما أشعر بفرح ما عند لقاءهما، وفي مرات كثيرة أظل أتذكر هذين الكهلين لفترة طويلة لاحقه. إنهما الحاج راجح وزوجته، شارفا على الثمانين وظلّا كما لو أنهما في عز شبابهما، فرحين خفيفي الظل، مقبلَين على الحياة، يرميان كلماتهما الناقدة كأبلهين دون أن تشعر بذكائهما إلا إذا كنت تعرفهما جيداً. قلت له ذات يوم بعد أن فشلت قائمة زميلي ناجح عبد القادرفي انتخابات النقابة :

ـ  لقد رسبت القائمة في الإنتخابات ياحاج راجح، لم أكن أتوقع ذلك،كان بينها وبين العضو الأخير بضعة أرقام ليس أكثر, وتم إعلان  الإسم الأول في القائمة كإحتيا ط”ناجح عبد الستار ” إحتياطً.

قال حينها دون حتى أن يبتسم:

ـ يعني “ناجح” كان مجرد اسمٍ وليس نتيجة؟!!!

وأمام اندهاشي من عبارته تلك فإنني حتى لم أقوَ على التعليق، وتحدثنا في أمور عديدة وقضايا مختلفة، وكان بين فترة وأخرى يسألني كالأبله من جديد:

ـ قلت لي أن “ناجحً” هو إسم وليس نتيجة؟!!!

نكون قد غادرنا الموضوع وهو يقترب من أذني وكأنه يريد البوح بسر ما ويعيد:

ـ إذن “ناجح” هو إسم وليس نتيجة.

حتى وجدتني أضحك من كل قلبي في نهاية لقائنا رغم حزني الشديد على نتيجة الإنتخابات.

وها أنا أجد نفسي في زيارته من جديد، كانا متقابلين على مقعدين قديمين من القش مثل كراسي المقهى ، يشرب هو الشاي وهي تقابله، “تمزع” رغيف الخبز وكأنها تشرط ورقة، ثم تأخذ بين أصابعها كسرة طويلة وتغمسها في كاس شايها، وتأكل الخبز بعد أن تغرق في الشاي وتكاد تذوب، تأكلها متمتعة وكأنها تأكل “منسفاً”، رحبا بي كعادتيهما، وجلست على مقعد مجاور كان بينهما، قالت بعد أن سكبت لي كأس شاي دون أن تسألني:

ـ أهلاً وسهلاً… “وجهك ولّا وجه القمر”  ما الذي حذفك علينا؟ ما الذي ذكرك بنا؟

 ـ إنكم في البال دائما ياحاجة لكنها الظروف كم تعلمين، وما أن وجدت نفسي في عطلة رسمية حتى حضرت كما ترين.    قلت مبرراً غياباتي المتباعدة، فقال الحاج راجح متسائلاً:

ـ عطلة ورسمية أيضاً؟ خير وما المناسبة؟

 قلت مستغرباً سؤاله:

ـ كيف ما المناسبة ياحاج؟ إنه عيد الإستقلال…

رفع رأسه إلى الأعلى وقال وكأنه تذكر ما كان ناسياً.

ـ آه …الإستقلال…ومتى استقلينا نحن ياحاجة صبحة؟ لا تؤاخذني يابني، لم يقل لي أحد شيئاً عن ذلك… وربما “الكبر عبر” وبدأت أنسى

عرفت أنه بدأ يسخر مني ومن المناسبة أكثر، وأكمل مخاطباً زوجته:

ـ إنني غاضب على الأولاد ياحاجة صبحة، لا أحد زارنا منهم، أيعقل ذلك؟

 فتساءلت بغباء لم أعهده في نفسي كثيراً من قبل :

ـ ومتى خرجوا من السجن؟ والله لم أعلم أبداً

فقالت الحاجة صبحة عازفة على نفس لحنه:

ـ المفروض أن يكونوا قد خرجوا، ألم تقل أننا أخذنا استقلالنا؟

 فرد هو مجدداً:

ـ  ربما تغيرت الدنيا في مثل هذا الوقت ياحاجة، فأصبح الإستقلال ممكناً وأبناؤنا لا يزالون في السجون!!!، لكني شاهدت بالأمس جنوداً يطلقون النار على الفتيان فيقتلونهم بدم بارد، قالوا لي أنهم إسرائيليون…آه… هذا كان بالأمس ونحن استقلينا اليوم!!!، أم منذ بدأ التنسيق الأمني لم نعد نفرق بينهما؟

فقالت الحاجة صبحة دون أن تترك لي مجالاً لأعرف إن كانت مبتسمة أم مكتئبة:

ـ “الخل أخو الخردل “ياحاج.

قلت في محاولة للمشاركة في الحديث:

ـ يبدو أنهم ندموا على ما فعلوا في “أوسلو” وملحقاته، فها هو عريقات يريد الإستقالة نتيجة تعنت حكومة العدو.

فقال الحاج راجح دون تردد:

ـ وهل هناك من يمسك به ليبقى؟ أم أنه يهددنا بالإستقاله؟ فربما لن نجد مفاوضا متمرساً مثله، حقق لنا بحكمته وجرأته وتفانيه، وبطريق التفاوض ما لم نستطع تحقيقه عن طريق الثورة المسلحة؟!!! وكأننا سنخسر الجنرال جياب؟!!!

   سكت قليلأ ثم أضاف:

ـ حكومتهم هي السبب؟!!! المهم رأيهم فقط، رأي الشعب لدينا لا يهم ، خاصة وأنه وسلطته قاموا بالواجب على أكمل وجه.

قلت من جديد:

ـ الله يصلح حالهم، ربنا يجيب الذي به الخير.

فقالت الحاجة صبحة معلقة على كلماتي:

ـ “ذنب الكلب ما بنعدل حتى لو وضعوه في مائة قالب”.

قلت في محاولة لتصحيح مفاهيمهم:

 ـ يبدو أنهم بدأوا يدركون خطأهم الآن، فهذه المرة ليست كسابقاتها

فقال الحاج بحسم قليلاً ما عهدته عنده من قبل:

ـ انظر يابني، مَنْ يمكن شراءه بالمال لا يمكن الوثوق به، وسلطتهم كلها مشتراة بمال آل سعود ومن لف لفهم، حتى أن لا قيادة السلطة ولا قيادة حماس السياسية لم يجرؤوا على التضامن مع قناة الميادين، ولو من باب حرية الكلمة، أو كما تقولون أنتم المثقفون من باب الحق في حرية التعبير، طبعاً خوفاً من أن يغضب عليهم آل سعود والشيخة موزة وأبناءها. فهل مثل هذه القيادات يمكن ائتمانها على مصير شعب؟ وها هو الرئيس نفسه رغم انحدار شعبيته، ورغم معرفته بأن ما فعلوه في “أوسلو” أوصلنا إلى الحضيض، لكنه لا يأبه بالشعب كله ولا برأيه، وربما لقاء واحد مع “كري” أهم من  الشعب ورأيه. ورغم أن الإحتلال يقتل أبناءنا في الطرقات والمدارس والمستشفيات، إلّا أن لا الرئيس ولا حاشيته لم يدعُ قيادة العمل الوطني ولا حتى مرة واحدة للإجتماع لتدارس الأوضاع واتخاذ ما يناسب المرحلة من قرارات وبرامج، لكنه يريد تدجين غزة وإدخالها بيت الطاعة الأوسلوي، يريد تجريدها من سلاحها، ليسهل إخضاعها له وللإحتلال، يريدون تعميم الإستسلام ، هذه السلطة لا تعرف سوى ذلك وتبريره بكلام وطني لا يغني ولا يسمن من جوع يابني.

فقلت في محاولة للتخفيف من غضبه:

ـ يبدو أنهم تعلموا هذه المرة، فالإحتلال لن يعطيهم شيئاً، وهم قد أصبحوا عراة أمام الناس.

فردت الحاجة صبحة قائلة:

ـ لا تصدقهم يا بني،” علّم في المتبلّم يُصبح ناسي”، هؤلاء لا يتوبون أبداً، مثل العاهرات ـ لا تؤاخذني ـ فأنت مثل أولادي، انهم كالتي “خاطرها بذلك الشيء وخائفة من الحبل”، ليس لديهم مبدأ أو ضمير.و، وها أنت “متعلم” و”ياماشاء الله عليك” وتصدقهم، جاي تقول عيد الأستقلال، إستقلال مرة واحدة؟!!! فعلاً اسم الجمل قتله

     وسكتنا، بالأصح سكت كي لا أثيرهما أكثر، فلهما من الأولاد ثلاثة في سجون الإحتلال، وأطعم الله ابنهما البكر “الشهادة” في انتفاضة الأقصى، وأحد أبنائه المعتقل إدارياً لدى الإحتلال منذ ثمانية عشر شهراً، اعتقلته سلطة أوسلو وحققت معه طويلاً محاولة أخذ ما عجزت عنه اسرائيل من معلومات، ولما عجزت اعتفله الإحتلال إدارياً، إنه عمل متكامل بين جهازي المخابرتين!!!.

كان قد أنهى شرب شايه الذي كان قد برد في الكأس الذي أمامه، وأكمل وكأنه يتابع موضوعاً طال انتظاره لينهيه، فقال:

ـ لقد أضحوا مثل الأنظمة التي تراها أمامك، نظام عربي رجعي تابع، من يدفع أكثر له حصة أكبر فيهم… انظر مثلاً منذ ما يزيد على عام كامل مرت على حرب غزة الأخيرة، ماذا فعلوا لسكان القطاع المحاصر والمدمر والمريض والجائع؟ لماذا لم يطلبوا من نظام مصر أن يفتح المعبر بدلاً من إغراقه الحدود بمياه البحر التي تتداخل مع مياه الشرب وتفسدها؟  وهم مع النظام المصري يطبقون الحصار على غزة ليدخلونها قمقم التسوية ومن ثم الإستسلام. نعم هذا النظام الذي تغرق قرى الصعيد تحت مياه النيل منذ أيام ولا يحرك ساكناً، لم يبعث حتى مساعدة لإستخراج جثث الآلآف من سكان القرى الغارقة تحت الماء، وبدل المساعدة يمنع ذكر أي خبر عن الحادث!!! نظام بهذا الشكل خان ثقة شعبه به منذ اليوم الأول لمجيئه أتعتقد أنه مهتم لسكان قطاع غزة؟ هل سيفتح المعبر دون ضغوط؟ نظام يحكم بالإعدام على الآلآف من شبابه يمكن أن يهتم بغزة أوفلسطين؟نظام ما يزال يعتقل ويعذب ويقتل ويخطف ويغتال ، ورغم انتهاء حالة الحرب إلّا مع شعبه ، فهو ما يزال يحتفظ بما يسميه” المخابرات الحربية”الذي تحول لجهاز قمع وتعذيب لأي معترض أو صاحب فكر أو حتى حتى رأي!!!،هذا النظام يعلمهم ويدربهم على القمع، هؤلاء “المسالمين” مع الإحتلال يتفننون بقمع شعبهم، لقد حدثني “فهد” إبني ـ وضرب بيده على صدره وأكمل ـ عمّا فعلوه معه عند إعتقاله.

وسكت فجأة وكان يجول بعينية في أرجاء الغرفة وكأنه يبحث عن شيء ما، ثم قال وكأنه يدلي بخلاصة حديثه وعصارته:

ـ حجارة فلسطين هذه مقدسة كتينها وزيتونها، ألا تلاحظ أنها تتفوق على آلات قهرهم وترسانتهم التسليحية؟ لو كانت هذه السلطة سلطة شعب بشكل حقيقي، لدعمت حركة هذا الشعب وانتفاضته، لنقلت معركة السكاكين إلى الداخل المحتل، إلى المناطق الأكثر أمناً بالنسبة لهم ، لتجبرهم على إغلاق متاجرهم وشوارعهم وأسواقهم ومدارسم ووسائل نقلهم، لحرّمت عليهم أي نوع من أنواع الحياة ماداموا يحرّمونها على شعبنا، على الأقل لفرضت عليهم التعامل بالمثل، ولأغلقت آذانها كي لا تسمع نصائح المخصيين من ملوك وأمراء ورؤساء هذه الأمة المخصيين .

فقالت الحاجة صبحة قاطعة حبل أفكاره:

ـ لا تتعب يا حاج ” لا حياة لمن تنادي”.

  وسرحت متسللاً من بين كلمات الحاج  راجح وزوجته الحاجة صبحة، ولسبب ما تذكرت قصيدة الشاعر الكبير “أمل دنقل” وهو يقول :

عيد بأي حال عدت ياعيد                          بما مضى أم لأرضي فيك تهويد

                      نامت نواطير مصر “عن عساكرها”          أو حاربت بدلاً منها الأناشيد

       … وقلت في نفسي :إنهم لا يجرؤون على الحرب حتى بالأناشيد

                                                                                     محمد النجار

الإسلام الأمريكي وأدواته في المنطقة

لم يكن تفجير الضاحية الجنوبية بالأمس، إلا مجرد هروب للأمام للتغطية على ما يدور في المنطقة كاملة من هزائم للمحور الرجعي العربي ، بقيادة آل سعود، وفي نفس الوقت محاولة يائسة للفتنة والتفتيت للتحالف اللبناني الفلسطيني، ، الأمر الذي يجعل حق العودة في مهب الريح، . وإذا أردنا الدخول في بعض التفاصيل نورد التالي:

* ما يدور على الجبهة السورية من انتصارات متتالية وسريعة في كامل الجبهات، الشمال والوسط والجنوب والقلمون و”الحبل على الجرار”، ما يعني أن الجبهة الرئيسية المستهدفة تخرج من بين أيدي هؤلاء الحثالات والدول الرجعية المتصهينة التي تقف خلفهم بقيادة آل سعود، الأداة الأكثر طاعة للصهاينة والإمبريالية الأمريكية، لذلك نرى كل هذا الإستكلاب الأمريكي وقصفه المتتالي للبنى التحتية السورية وتدمير لمنشآت النفط السورية، الأمر الذي لم يفعله وهي تحت سيطرة داعش والنصرة وأخواتهما، ونفطها يُسرق ويهرب عبر تركيا ويُباع للكيان العبري. والأمر كذلك بالنسبة لقاعدة الإمبريالية المتقدمة في المنطقة. الكيان الصهيوني المستفيد الأكبر من هذه الحرب الكونية على سوريا، والمنطقة عموماً سواء في العراق أو اليمن او مصر والجزائر وليبيا، فدوره في العراق من خلال أعماله الإرهابية الممولة من آل سعود وتقتيله لعلماء العراق، وتهديمه لبنيتة الأساسية (الإنسان العراقي والجيش العراقي) لم  ننساها بعد. وكذلك الحال لحكومة “الإخوان المسلمين” (العثمانية الجديدة)، الذين يريدون قضم الأراضي السورية، والذين يشكلون الذراع المتقدمة لحلف الناتو بعد اسرائيل، وكلهم بقيادة الإمبريالية الأمريكية.

* كذلك الحال في العراق، حيث الحشد الشعبي والجيش العراقي يتقدم ، لكن تقدماً بطيئاً لأنه يصطدم بالعرقلة الأمريكية دائما وأبداً، حيث لم يكتفِ الأمريكي بعدم إعطاء الجيش العراقي الأسلحة التي دفع ثمنها مسبقا، بعد أن فتّت جيشه وأضعفه وجرده من سلاحه، وفرض على العراق دستور بليمر الطائفي، ويرفضون السماح بتغيير الدستور الى دستور حداثي بعيدا عن الطائفية، فإن طائراتهم  أيضاً تقوم بإلقاء الأسلحة لحثالات الأرض من الدواعش والنصرة وخلف خطوطهم، وتعرقل الحشد وتقدمه لتنقذ قادة داعش وتنقلهم الى أماكن أكثر أمنا (كما حصل في تكريت، ليكونوا احتياطاً لهم في مشروعهم التدميري للوطن العربي والذي لم ينهزم بعد)،  وتم بعث المئات منهم في طائرات تركية وقطرية الى الجنوب اليمني ، وكما تم في ما أسموه عملية تحرير الاسرى  الأكراد من سجن عراقي، وكذلك من خلال طائرات الشحن العملاقة التي نقلت السلاح لتلك الحثالات في “تلعفر” في الموصل، وما زالت تعرقل قوات الحشد الشعبي وتحاربه بكل قوة وتحرض عليه طائفياً ومذهبياً وإعلامياً من خلال إعلام آل سعود و الشيخة “موزة” في حارة قطر، التي موّل أولادها وأحفادها حثالات الأرض الدواعش ب 32 الف سيارة تيوتا رباعية الدفع في سوريا فقط ، عدا السلاح والأموال، وما زالت، هذا عدا ملوك الرمال في مملكة آل سعود، والتركي الذي فتح أبواب بلاده لعشرات الآلف من الإرهابيين بأموال سعودية قطرية، وبأوامر أمريكية اسرائيلية.

*كذلك الأمر في اليمن، حيث يتم دك مواقع آل سعود وتحالفهم وكل مرتزقتهم سواء في باب المندب أو تعز أو المدن اليمنية المحتلة من آل سعود، والذي يتوج كل يوم بإحراق عشرات الاليات والجنود، من جنود آل سعود ومرتزقتهم، والغريب الطريف في ذات الوقت فإن الأمريكي وأتباعه لا يريدون أن يروا تمدد داعش والقاعدة في حضرموت وعدن وبقية مدن الجنوب، فأولئك رغم كونهم قاعدة لكنهم ليسوا ارهابيين ولا يجب محاربتهم، لأنهم في المكان الصحيح!!! واليمن الذي يعوم على ما يقارب ال35% من النفط العالمي والمحروم من استثماره بسبب آل سعود وتأثيراتهم المتتالية على حكومات اليمن، حد التبعية المطلقة، كما الحال في المعادن المختلفة والكثير من المواد الخام مطلوب أن يبقى مطية لآل سعود وأسيادهم من الكيان العبري الذي يدك المدن اليمنية بطائراته مع الإمبريالية لأمريكية ، ليبقى اليمن فقيراً هزيلاً تابعاً لا يستطيع التحكم لا بخيراته ولا بموقعه الإستراتيجي.

* والأمر يتكررفي فلسطين، كون القضية الفلسطينية هي المستهدف الرئيس مما جرى ومن كل ما يجري، وكون الكيان الصهيوني هو المستفيد الأول من كل ما يجري.، لذلك فانطلاق الإنتفاضة الفلسطينية من جديد رغم كل محاولت إيقافها وقمعها وطمس فاشية المحتل في التعامل  معها، ورغم ضغوط الرجعيات العربية المتصهينة على قيادة السلطة، هذه القيادات التي تقود الجامعة العربية المخصية والتي ما قدمته على مدار عمر القضية الفلسطينية كلها في القرن الأخير لم يصل إلى عُشر ما قدمته للحثالات البشرية في سنة واحدة، الأمر الذي يتطلب حرف وابعاد التركيز العربي والدولي عنها مادام ليس مقدور ايقاف فعالياتها. لذلك كله يجب التفجير والقتل ما أمكن في محور المقاومة، المحور الذي يقف ببسالة ضد حثالات الأرض وأسيادهم الصهاينة والأمبريالليين وتوابعهما من رجعيات عربية متهالكة متصهينة، وليكن في المكان الذي لم يستطيعوا تدميره، لبنان، وتحديدا ضاحيته الجنوبية حيث حزب الله، قائد حركة التحرر الوطني العربية بامتياز، والترويج أن من قام بذلك هم فلسطينيون، ليشتبك المخيم مع المقاومة اللبنانية ويصبح حق العودة نفسه مهدداً وبأيدي الثوار أنفسهم من لبنانيين وفلسطينيين. وأمام تحقيق أهدافهم في تفتيت الأوطان كان لا بد من استخدام ذخيرتهم الرئيسية في ذلك ، وهم “الإخوان المسلمين” ومرجعيتهم الأساسية أردوغان وحزبه العثماني الجديد، فكانوا هم خميرة تدمير سوريا، وهم خميرة تدمير اليمن من خلال حزب الإصلاح، وكذلك في تونس ومحاولات الفتنة الداخلية من خلال سياسة الأغتيالات ضد اليسار التونسي والذي اتهم فيها حزب النهضة الإخواني، وكذلك الأمر في مصر ومحاولة تدمير الدولة هناك ،رغم موقفنا الواضح من نظام السيسي، لكن هذا لا يبرر تدمير الجيش وتقتيل الوطن، والأمر نفسه كان قد تم في الجزائر من خلال جماعة عباس مدني، وما أوصلوا إليها ليبيا باسم ديمقراطية الناتو التي لم يؤمنوا بها يوماً لكنهم يدمرون باسمها الأوطان، وكيف قسموا السودان باسم الدين الأمر الذي لم يقم به أي نظام ديكتاتوري بما في ذلك نظامي عبود ونميري. وهاهم باسم الدين أيضاً برسلون جنود السودان الفقراء ليَقتلوا ويُقتَلوا في اليمن تحت أوامر آل سعود الذي يعتبر نفسه قد استأجر بضعة عجول لا أكثر، في الوقت الذي ينهار فيه السودان كوطن ومواطن تحت ذات القيادة التي تتاجر بالوطن والمواطن وأوصلت السودان الى الحضيض على كافة المستويات. وفي فلسطين حيث تحاول بعض قياداتهم توقيع هدنة طويلة مع الكيان الصهيزني من خلف ظهر الشعب كما فعلت تماماً قيادات أوسلو، فداعش ليس هدفاً أمريكياً، والقاعدة كذلك، وإن كان يضرب هذا القائد الميداني أم ذاك بين وقت وآخر لذر الرماد في العيون، فالسيدة كلنتون تعلن مجاهرة في الكونغرس “أنهم كانوا مضطرين لدعم  القاعدة”، ويعلن توني بلير “أن بلاده وأمريكا خلف ظهور داعش” ويعلن أوباما بكل صفاقة “أن داعش خرجت عن السيطرة” الأمر الذي يدلل على طبيعة العلاقة التي تربطهما، رغم كل ما يحاولون ترويجه من أكاذيب حول محاربتهم للإرهاب…  وفي النهاية، فهذا جزء من ضريبة النضال والمقاومة، فعلى الشهداء الرحمة والشفاء للجرحى والصبر لأههاليهم ولكل جمهور المقاومة.

محمد النجار

حُط في الخُرج

لم أره يوماً إلّا والسيجارة بين اصبعيه أو بين شفتيه، كان يُدخن مثل قطار، وفي أحيانٍ كثيرة يُشعل السيجارة من أختها، وفي كثيرمن المرات يتركها تحرق نفسها بين شفتيه، وعندما يضايقه دخانها المتصاعد نحو عينيه، يُغمض إحدى عينيه، يسحب نفساً عميقاً وكأنه يريد الإنتقام من رئتيه اللتين تبدآن بإطلاق زخات من السعال كمشط رصاص إنعتق لتوه وتحرر نحو عدو أكيد، ثم يأخذ ما تبقى من سيجارته بين أصبعين من يده اليمين، يتابع السعال ويعود ليسحب نفساً جديداً حتى تكاد أصابع” يديه أن تحترق، قبل أن يجد لها مكاناً يدفنها فيه بين صُحيباتها في منفضة أمامه.

كنا مجموعة من الأصدقاء نتحاور في أمور الإنتفاضة، أو أمور الساعة كما يقال، وكما قال البعض:” ما اجتمع زوج من الفلسطينيين إلّا ليتحدثوا في السياسة” . كنا من مشارب سياسة مختلفة، لكننا من نفس الفئة الإجتماعية، تخرجنا من دول عربية وأوروبية مختلفة ، واستحضرنا الماضي أمامنا، وضحكنا وشربنا القهوة والشاي حين قال سعيد متبجحاً كعادته، وهو يستذكر رئاسته لإتحاد الطلبة عن فصيل السلطة الحالي، ليعود ويصبح من رجالات السلطة المهمين، قال:

ـ كنا الأغلبية دائماً…

وضحك بخبث وتابع:

ـ وما زلنا

فقال له مفيد متسائلاً:

ـ إذن لماذا بقيتم رافضين التمثيل النسبي في المؤسسات الفلسطينية؟

لكن ما تفاجأنا به ماقاله خليل، الرجل القطار كما أحب أن أسميه، والذي كان معه في نفس البلد في سني دراسته:

ـ أتذكر عندما طالبتم بالنصف + واحد في الهيئةالإدارية للإتحاد؟

سكت سعيد ولم يجب، لكن خليل أكمل:

ـ  قال حينها سعيد بأن قرارا من القيادة من المركزية طالبتهم بعدم التنازل عن النصف+ واحد، قلت له حبنها إذا كان ذلك حجمكم فخذوه، وإن لم يكن فلن تأخذوه، واتفقنا على ذلك، وفعلاً بدأنا نفرز الأسماء من خلال وجهة نظره هو ، ورغم كل مبالغاته إلّا أن العدد كان مناصفة، النصف لهم والنصف لثلاثة قوى أخرى، وكون الهيئة الإدارية تتشكل من سبعة أعضاء، وهم لا يكفون عن الحديث والتغني بالوحدة الوطنية، قلت له :

ـ جيد ، حسب تقييمكم لكم 3.5 عضواً، تفضلوا وتنازلوا عن نصف عضو من أجل الوحدة الوطنية.

ورغم ذلك رفضوا فالوحدة الوطنية يلتزم بها الآخرون، وهم يحصدون فوائد الوحدةفقط، فوحدة وطنية دون مكاسب لا تعنيهم البتة، أليس كذلك ياسعيد؟

كان قد دخن سيجارة كاملة أثناء قصته هذه، وتابع:

ـ  لذلك فمن المنطقي جداً أن لا توصلنا مثل هذه القيادة أبعد من “أوسلو”.

سكت قليلا وأشعل سيجارة من جديد، حين قلت في محاولة للإستمرار في ذات السياق:

ـ ألم تسمعوا تعليق جماعة الرئيس على لقائه مع “كيري”؟ قالوا لقد سلم الرئيس لكيري خمس مجلدات عن تجاوزات الإحتلال وانتهاكاته!!!

فردخليل قائلاً:

ـ ألم يدرك الرئيس بعد أن هذا العنوان هو عنوان خاطىء؟!!! لماذا لم يسلمها لمحكمة الجنايات الدولية؟!!

فقال مفيد مجدداً :

ـ دعونا ما قالوه جماعته وانظروا ما قاله الرئيس محمود عباس نفسه…

سأل عماد مستفسراً:

وهل هناك تصريحات جديدة؟

ـ طبعاً، “بيت السبع لا يخلو من العظم”، أتريد رئيساً بلا تصريحات؟

قال أحمد والمعروف بكثرة تهكماته.  فقلت:

ـ نرجو أن لا يكون قد نطق كفراً…

غضب سعيد وقال:

ـ الرئيس لا ينطق كفراً…

فقلت من جديد:

ـ إنشاءالله، لنرى……..

فقال مفيد بادئاً بنقل تصريحات الرئيس:

ـ ما أذكره أن الرئيس عباس أكد أنه ومنذ عام 2005 ابتدأ التنسيق الأمني الذي ما زال مستمراً حتى الآن ولم يوقفه ولن يوقفه، وأنه ملتزم به رغم عدم التزام “اسرائيل بشيء!!!

فقال خليل متسائلاً دون أن يتلقى أي جواب:

ـ ألم يقل الرئيس نفسه أنه أوقف التنسيق الأمني منذ شهور، التزاماً بقرارات المجلس المركزي الفلسطيني؟!!! فقال أحمد متهكماً كعادته:

ـ خليها على الله يارجل، “حط في الخُرج”.

فقال خليل مجدداً :

ـ يعني كان يكذب علينا وعلى شعبنا كله بكل وقاحة.

فقال سعيد محتجا:

ـ رجاء لا تشتم الرئيس.

وتابع خليل وكأنه لم يستمع لما قاله سعيد:

ـ هؤلاء لا يؤمنون لا بمؤسسات ولا بعمل جماعي ولا يعرفون حتى الإلتزام!!!!

فقال أحمد:

ـ قلت لك “حط في الخرج”

قال سعيد من جديد:

ـ  رجاء لا تشتم السيد الرئيس

وأكمل مفيد:

ـ إذا عملتم معنا سلام سنأتي ب75 دولة عربية واسلامية لتعترف فوراً بإسرائيل وتطبع معها

فقال خليل من وسط غبار دخان سجائره:

ـ باسم من يتحدث هذا الرجل؟ الموضوع ببساطة حتى لمن يريد دولة على حدود الرابع من حزيران فقط، أن الإحتلال يجب أن يخرج، لماذا التبرع بالأعتراف والتطبيع؟حتى تنظيمه لا يوافق على ذلك إذا استثنينا المستفيدين، أليس كذلك ياسعيد؟

تململ سعيد في مكانه لا يعرف بما يجيب، وقبل أن يقول شيئاً قال أحمد مجدداً:

ـ قلت لك ” إنسَ وحط في الخرج”

تابع مفيد قائلاً معيداً تصريحات الرئيس عباس:

ـ إن عرفات يُشْبه رابين! فالإثنان رجلا سلام، وأنه عندما توفي رابين “حزنت وعرفات حزناً شديداً وذهبت مع عرفات إلى بيت رابين وقدمنا العزاء لزوجته”

فقلت موجهاً حديثي لسعيد:

ـ أصحيح هذا الكلام ياسعيد؟

وسعبد الذي ظل يتململ في مكانه وكأنه يجلس على لوح صبار تمتم بشيء ما لكنه لم يرد وتابع خليل تدخينه وحديثه:

ـ قاتل الأطفال والنساء، ومكسر عظام الفتية، هذا رجل سلام في عرف رؤسائنا؟!!! ليخبرونا إذن كيف يكون القتلة!!!  فقال أحمد من جديد:

ـ هوّن عليك يارجل، قلت لك “حط في الخرج”

ـ يُعزون زوجة رابين؟!!! لم أرهم كثيراً يعزون بشهداء شعبنا

قال خليل من جديد وتابع مفيد أقوال الرئيس:

ـ لا يجوز الإستمرار بإطلاق الصواريخ العبثية، نعم أنا أسميها عبثية ولا أخجل بذلك، هذه الصواريخ لا يجوز استخدامها  غرس سيجارته بين أخواتها في المنفضة الممتلئه وقال خليل:

ـ ما يحيرني أن هذه الصواريخ حتى لو كانت عبثية وللتهويش فقط فهي ما نمتلكه لنصد عدوانهم الفاشي الشرس، لماذا لم نسمعه ولا مرة واحدة يطالب الإحتلال بوقف صواريخه والتخلص منها؟ وصواريخهم ليست صواريخاً عبثية، بل صواريخ فتاكة. لماذا يصر هذا الرجل ومن معه على تجريدنا من عناصر قوتنا؟ لماذا لا يقايضهم مثلاً صواريخهم مقابل صواريخنا؟ لماذا الإصرار على أن نبقى ضغفاء؟!!!

فقال أحمد من جديد:

ـ لا تظل متوتراً، قلت لك “حط في الخرج”

فرد خليل بعلو صوته:

ـ يحرق أبو هالخرج، هو ظل فيه وسع تأحط فيه، لقد امتلأ من زمان….

فقال مفيد:

ـ صبراً وعلى رسلك، تركت لك الدسم للآخر لتتمتع بالرئيس وكلامه، يتابع الرئيس:

ـ  نتصالح بشرط أن تكون سلطة واحدة وقانون واحد وسلاح واحد ، طبعا والسلاح الوحيد المسموح به هو السلاح الشرعي…

فقال عماد:

ـ يعني بقينا كما نحن “ويادار ما دخلك شر ”

فقال أحمد:

ـ يعني ببساطة” مطرح ما خري شنقوه”، و”تيتي تيتي زي ما رحتي زي ما جيتي”.

فقال خليل مكملاً تعليقاته:

ـ يعني يريد الرئيس تعميم الهزيمه بعد أن يجردنا من عناصر قوتنا، مصالحة على أساس برنامج انهزامي خاضع كليا للإحتلال وشروطه … أتعتقدون أن بمثل هذه القيادة يمكن أن تُحرر الأوطان؟!!!

وسكتنا، وظل هو يدخن صامتاً حتى قطع حبل الصمت أحمدقائلاً:

ـ لقد قتلت الجميع بدخان سجائرك، لماذا لا تترك هذه العادة السيئة وتقلع عن التدخين؟

فقال خليل:

ـ إنني بدأت التدخين منذ سن السابعة، كنت ألاحق المدخن في زواريب المخيم حتي يلقي بسيجارته أرضاً، آخذها وأسحب ما تبقى بها من أنفاس، ثم دلني رفاق السوء على الشاي أو الملوخية الناشغة وأخذت ألف منها السجائر، رغم أن أي انكشاف لأمري كان سيجعل من جسدي الصغير حقلاً لعصاة أبي، فحفنة الشاي التي كنت ألفها في اليوم الواحد كانت عبارة عن وجبة كاملة، ابريق شاي كامل نغمس فيه بضعة أرغفة لعائلتنا الكبيرة فنوفر وجبة كاملة، ورغم ذلك غامرت ودخنت واستمريت منذ ذلك الحين….  لكنني فعلاً نادم… نادم على أنني لم أدخن في تلك السنوات السبع الأولى…. أتريدني أن أترك التدخين وسط كل هذا العبث؟!!! ” خليها على الله يارجل وحط في الخرج”

محمد النجار