حذار حذار من غضب الرئيس

منذ أيامٍ طوال، طالب الرئيس الفلسطيني “شركاءه الإسرائليين” بالإفراج عن الأسبر الفلسطيني المضرب عن الطعام منذ ما يزيد عن 86 يوماً، وإلاّ “سيضطر آسفاً” إلى وقف التنسيق الأمني، الأمر الذي أثار ضجة كبيرة لدى أجهزة السلطة والناطقين بإسمها وكتبتها ووسائل إعلامها المسموعة والمرئية والمكتوبة، لكن المفاجأة الكبرى لديهم كلهم أن أحداً لم يصدقه من قادة “اسرائيل”، وبالتالي لم يُطلقوا سراح الأسير، لذلك فالرئيس ورجالاته هاجوا وماجوا وغضبوا واضطربوا، وامتعضوا وانفعلوا وحنقوا وحقدوا، وسخطوا واغتاظوا واحتدوا ونقموا وبرطموا، وسألوا صارخين :

ـ  لماذا لا تصدقون الرئيس؟… لماذا؟!!!

وبعضهم صرخ بال”عربيةالفصحى” بأعلى صوته :

ـ why?!!!

وسرعان ما انتقوا منهم بضعة رجال من رجال المرحلة الأشداء، وعقدوا اجتماعاً موسعاً مع أصدقائهم وزملائهم”الإسرائيليين”، وسألوهم بشكلٍ مباشرٍ وواضح، ودون دبلوماسية أو لف أو دوران أو حتى محاباة:          ـ لماذا لا تُصدقون السيد الرئيس؟

بل ذهب بعضهم إلى أبعد من ذلك وأوضح قائلاً:

ـ لماذا تصدقون السيد حسن نصر الله ولا تصدقون الرئيس عباس، رغم كل ما قدمه لدولتكم العتيدة من أمن وأمان وسلام؟!!!

لكن مفاجأتهم الكبرى كانت عندما نظر أعضاء الوفد “الإسرائيلي”واحدهم إلى الآخر، وبدأت علائم الإستغراب من هكذا سؤال، إستغراب لدرجة إستغباء السؤال والسائلين، فأخذ بعضهم بالإبيتسام، وآخرون بالضحك، وبنات أفكارهم تُجيب صارخة دون كلام:

ـ ألهذا دعوتمونا؟!!! تباً لكم يا أغبياء العصر وطُفيلييه، إذا كانت تجربة سعد حداد لم تُعلِّمكم شيئاً فما الذي يمكن أن يُعلِّمكم؟ فشعب الله المختار تتوجب خدمته من “الأغيار” كلهم، ولا تُلزم دولتنا أو “شعبنا” بشيء…

وتقاطعت نظراتهم مع عيون أعضاء وفد السلطة، وكاد يقول لهم أحدهم:

ـ لكننا نحترم الرجال حتى لو كانوا من ألد أعدائنا، ألم يخبركم سجناؤكم كيف كنا نحترم رجالاتهم المبدأيون غير المعترفين الذين ظلوا يحافظون على أسرارهم الوطنية، بعد إنتهاء التحقيق، رغم كل ما نفعله وفعلناه بهم؟ ورغم كل حقدنا عليهم لكننا كنا نهابهم ونرهبهم ونُجبر على إحترامهم…

لكنهم تذكروا أن قادة السلطة لا يعرفون الكثير عن سجنائهم… وقاموا تاركينهم دون حتى كلمة وداع.

ويُقال أن السلطة ورئيسها ورجالاتها قرروا التعامل بلامبالاة مع موضوعة الأسير المضرب عن الطعام، بنفس درجة اللامبالاة لدماء الأطفال الذين يُعدمون يومياً في وضح النهار على قارعة الطريق.

ويقال أيضاً أن المُغرضين المُتربصين بالقيادة، سرّبوا الأمر وتداولوه ونشروه، لذلك كان لا بد من الذهاب الى مسألة المصالحة الوطنية، وفي دويلة الشيخة موزة على وجه التحديد، معقل الإخوانية العربية وثيقة الإرتباط بالعم سام، للإستفادة من الأمر تكتيكياً، ولمرحلة قد تخدمهم لفترة زمنية قادمة، وخاصة كمورد مالي إضافي، فكما يُقال “فزيادة الخير خيراً”، كما وتلبية الدعوة للإحتفالات بذكرى الثورة الإيرانية لنفس الأسباب وغيرها أيضاً.

فالمصالحة كما يقول الجاهلون غير العارفين بدهاء السياسة ووعورة طرقها، هي أولاً وأخيراً مطلباً شعبياً منذ سنوات عشر، كما أن التطبيل والتزمير لها مفيد، ويظهرهم بمظهر الحريص على استعادة الوحدة الوطنية أيضاً، تماماً مثل حاجة قيادة حركة حماس للأمر نفسه، رغم الفرق بين برنامجيهما، فحماس تتمسك بالبندقية التي تدر عليها الدعم الإيراني، بجانب دعم آل سعود ودعم “حارة” الشيخة موزة المالي، مضافاً لدعم العثمانيين الجدد الذين يحاولون جاهدين لوي عنق حماس لتطبع مع اسرائيل، وتقوم بتسوية ما، أو على الأقل أن لا ترد على خروقات الكيان وضرب عمقه. والسلطة تتمسك ببرنامج التسوية التي تدر عليها الدعم الأمريكي الإسرائيلي الأوروبي بجانب دعم آل سعود.

وأمام إنتهاك السلطة لكل قواعد العمل الوطني، يقول بعض “المجانين” مثل كاتب هذه الكلمات، أن على الفصائل كافة محاربة مطاردة المناضلين، وعلى المناضلين الذين تمردوا على سلطات الإحتلال أن يرفضوا تسليم الذات للسلطة ويتمردوا عليه، وأن تساعدهم قواهم الوطنية، أو رفاقهم وإخوانهم حتى دون قرارات تنظيمية، ودون تعصب أو فئوية، وأن يحاربوه إذا اقتضى الأمر ذلك، وبذلك يبدأ نضالهم ضد مشروع سعد حداد ـ لحد الجديد في فلسطين. فالمستهدف هو المناضل الفلسطيني “بغض النظر عمّن هو ولا لأي فصيل ينتمي”، وكذلك القضية الفلسطينية بكل من فيها من فصائل وشخوص وطنية ومشروع تحرر.

ويضيف نفس “المُغرضين الثرثارين” أن قيادة حركة فتح، التي كانت طوال سنوات عمرها متفردة بالقرار الفلسطيني ، رافضة أن يشاركها به أحد، لن توافق بعد أن امتلكت السلطة و”قطفت ثمارها” المالية، أن يشاركها به أحد الآن، تماماً مثل حماس التي كانت ترفض التوقبع على مجرد بيان مشترك مع القيادة الموحدة للإنتفاضة، وامتلكت السلطة في الفطاع واستفادت منها جماهيرياً ومالياً، فلن تتخلّى عنها الآن أيضاًُ من أجل المصالحة، فالعامل المشترك بين الجانبين هو تملك السلطة والإستفادة منها والتمسك بها، فالطرفان تتملكان القوة ، أحدهما ببندقية مقاتلة والثاني ببندقية مساومة حامية لمشروع الإحتلال، ولن تتخلى أي منهما عن هذه القوة لمصلحة الأخرى، وستبقيان تراوحان أحدهما بقبعة أمريكية أوروبية والثانية بعباءة الإخوان المسلمين.

أما وأمرهما مع إيران، يُضيف “الحاقدون”، أن كلاهما لهما ما لهما وعليهما ما عليهما، فسلطة الرئيس عباس التي تحارب المقاومة المدعومة من إيران عسكرياً على الأقل، ليس لديها ما تطلبه من إيران أو تُبرره لها، فهي لن تتنازل عن سياستها ومقدساتها السياسية،” فالتنسيق الأمني مقدس، والمفاوضات مقدسة، وسياسة القمع للمناضلين والمحتجين والمتظاهرين مقدسة، وإعتقال المحرضين و المقاتلين وأصحاب الرأي الآخر مقدسة… وعدِّد بلا حرج”، ويُضيف الحاقدون على ما قالوه سابقاً، أن ضمن وفد السلطة المشارك في إحتفالات الثورة الإيرانية، أحد القادة الأكثر فئوية وتهريجاً وتبعية لدرجة الذيلية لكل رئيس، والأكثر تعصباً وديماغوجية وسطحية وحقداً على الآخر، وربما آخرون ممن هم مبعوثون خصيصاً لمعرفة ما يدور هناك ونقله بحذافيره لمخابرات السلطة. ويُروجون إلى أن السلطة ربما تُريد معرفة ما يمكن أن تقدمه إيران لفصائل المقاومة ليسهل عليها إحباطه في أرض الوطن “والله أعلم”…  أما قيادة حركة حماس الإخوانية، التي وجهت شكرها لقائد الأمة “ولد” الشيخة موزة “هوشي منه” الجديد لدعمه للمقاومة في غزة في الحرب الأخيرة، وملك آل سعود “جيفارا العصر” ورئيس السودان “الجنرال جياب”، كما معظم الدول الفاشلة غلى الصعد كلها، إلّا إيران الداعم الحقيقي والأوحد لم تذكرها ولو بكلمة شكر واحدة، إلا أنهم وكعادة الإخوان المسلمين المنافقة، وبعد أن أصبح فشل المشروع الأمريكي ـ الإخواني في المنطقة على شفا الهاوية، يحاولون الرجوع للحضن المالي العسكري الإيراني، دون قطع الخطوط لا مع العثمانية الجديدة التي تقايض فلسطين بأبخس الأثمان، ولا مع حارة الشيخة موزة، ولا حتى مع آل سعود!!!

لهذا كله، يؤكد الحاقدون المتربصون الثرثارون المزاودون، أنه وكي لا نُحبَط من جديد، وكي لا نُعلق آمالاً كبيرة كاذبة على ما يُسمى “مشروع المصالحة”، فعلينا أن نرى الأشياء كما هي دون تجميل، رغم ما سمعناه وقرأنا عنه وشاهدنا دلائل “نجاحه” من المصافحات وتبويس اللحى،  ورأينا الإحتفالات به من “أعراس” وهتافات وتمجيد، ففاقد الشيء لا يعطيه، والإتجاهين ليس لهما مصلحة في المصالحة، لذلك يبدو أننا لن نراها قريباً رغم كل دُعاء البسطاء منا وابتهالاتهم الى الله…

محمد النجار

أضف تعليق