ماذا تبقّى من منظمة التحرير؟!!!

لعله من نافل القول أن إنطلاقة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين لهي من أهم الأحداث الهامة في تاريخ الثورة الوطنية المعاصرة، لما أضافته للثورة الفلسطينية من إضافة فكرية وتقافية ونضالية ونوعية أيضاً، فمنذ إنطلاق الثورة الفلسطينية كانت الجبهة هي الرقم الثاني بعد حركة التحرير الوطني الفلسطيني”فتح”، على الصعد كافة، الجماهيرية منها والنضالية في الخارج وفي الوطن المحتل وفي كامل التواجد الفلسطيني، هذا عدا عن دورها المميز على صعيد علاقاتها مع حركة التحرر الوطني العربية وكذلك علاقاتها النوعية مع حركات التحرر العالمية، “لكن لهذا وذاك بحث آخر أوسع من هذه العجالة بكثير”.

أما ما ميز الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين عن كامل فصائل العمل الوطني الفلسطيني، أنها:

  • أول من أرست الإستراتيجيةالسياسية التي ربطت بين التكتيكي والإستراتيجي، ووضعت الأول في خدمة الثاني، ببرنامج عمل مبني على تبني النظرية العلمية.

  • الحرص الكبير على ارساء أجواء الديمقراطية في الساحةالفلسطينية، وظلت نائية بنفسها عن كل مشاريع الإقتتال الفلسطيني الداخلي الكثيرة والمتعددة.                                   * ظلت قياداتها الأقل تورطاً في الفساد المالي والسرقات التي اشتهرت بها قيادات وفصائل منظمة التحرير الفلسطينية.

  • على مستوى الداخل تميزت بتفردها في “إنتاج” قيادات ثورية سرية العمل والحركة، الأمر الذي أذهل الإحتلال الصهيوني وقياداته، فكلما أعلن عن إعتقال قياداتها تفاجأ بأنهم وفي الكثير من الأحيان لم يكونوا حتى أعضاء في الجبهة ناهيك على أنهم قيادات!!!

  • تفردت أيضاً بخلق تجربة الإختفاء للكثير من القيادات والكادرات الحزبية ولسنوات طوال وصلت حتى سبعة عشر عاماً كما صرّح الإحتلال نفسه، وقيادة العمل الحزبي والجماهيري والنضالي، وأحياناً الوطني العام، ومن أهم أركانه الإنتفاضة الشعبية الأولى.

  • كانت من السباقين أيضاً في رفع شعار”عدم تسليم الذات” كالخراف للإحتلال وجنوده، وبالتالي ظهور ظاهرة “المطاردين” وانتشارها على نطاق شعبي ووطني في المدن والريف والمخيمات، وخاصة في الزمن الصعب، في المفترقات الوطنية الهامة.

  • كذلك تفردت في رفع شعار” الإعتراف خيانة”، وتطبيقة بالدماء والشهداء، وأصبح هو الشعار الجامع لممارسة أعضاؤها وكادراتها داخل زنازين الإحتلال، وأصبح من أهم بنود المحاسبة التنظيمية والتقييم الحزبي الكادري، وأصبح على أبواب “الحزب” حُماة أشداء، تحمي أعضاءه وأسراره وبرامجه.

  • كانت من أشد الحريصين على الوحدة الوطنية الفلسطينية، ولو كانت على حسابها كفصيل، في الكثير من الأحيان. وهذه النقطة بالذات التي أريد نقاشها ولو بشكل سريع ماراً على أهم محطات مسيرة الثورة الفلسطينية الحديثة :

منذ إنطلاق الثورة الفلسطينية، وأثناء تواجد الثورة في الأردن ظلت القيادة الفلسطينية الفردية والمتفردة قابضة على القرار الوطني الفلسطيني، والذي تم تتويجه بعدم دعم الحركة الوطنية الأردنية، وإلغائها والحلول محلها، كما والقرار الأخطر بالخروج من المدن والمخيمات إلى الأحراش حيث تم القضاء على القوة العسكرية الفلسطينية، واستشهاد على ما يزيد عن ثلاثين ألف شهيد. رغم آراء كل الفصائل الأخرى والتي لم تؤخذ بعين الإعتبار.

وبعد إنتقال المنظمة إلى لبنان، ورغم كون الحركة الوطنية اللبنانية متبلورة وذات تاريخ نضالي طويل، إلا أن نفس القيادة الفردية وبنفس الطريقة ألغت دور الحركة الوطنية اللبنانية، بل وحاولت أن تخلق “بالمال” منظمات رديفة سريعة “البصم” وتم فرضها على الحركة الوطنية اللبنانية، تماماً كما تفعل الأنظمة الرجعية العربية في المنطقة.

بعد الأجتياح للبنان ودخول بيروت، ورغم شعار الحركة الوطنية اللبنانية ـ الفلسطينية، الذي نادى بالمقاومة، “جاؤوا لعندنا بأرجلهم”،وبأن ما تم هو فرصة لإيلام الإحتلال، حيث كان الوصول له أمراً صعباً بسبب الحدود والأسلاك الشائكة والألغام، والآن جاؤوا هم بأنفسهم، إلا أن نفس القيادة وبنفس الطريقة وبشكل فردي، ساومت وعقدت الصفقات، واتفقت مع فيليب حبيب، على سحب المقاتلين ودخول الدهليز الأمريكي، ووزعت مقاتليها على بلدان تبعد آلاف الكيلومترات عن حدود فلسطين، حيث تم إغتيال القيادات من الصفوف الأولى في تونس، وتحول الكثيرين الى شؤونهم الخاصة.

وأيضاً وبشكل فردي تم افتعال حرب المخيمات والتي تورطت بها فصائل فلسطينية أخرى.

كما أنه وبشكل فردي تم تفريغ برنامج العمل الوطني الفلسطين من ميزاته من خلال التعامل مع المشاريع التسووية التصفوية في المنطقة، ابتدأت بشعار”لعم” للإعتراف بالكيان الصهيوني، ولاحقاً بالغاء الميثاق الوطني الفلسطيني، وسرعان ما وافقت القيادة الفردية بإلغاء صفة “العنصرية” عن الكيان العبري.

وبعد أن نقلت الإنتفاضة الأولى إمكانية تحرير الأرض وجعل من إقامة الدولة الفلسطينية “إمكانية واقعية”، دخلت نفس القيادة وبفرديتها المعهودة، التفاوض بوفد أردني فلسطيني مشترك، لتفاجئ الجميع بالتوقيع على اتفاق “أوسلو” والذي يبدو أنها حتى لم تقرأه، ناهيك عن بحثه فلسطينياً من متخصصين وأكاديميين وفصائل واستراتيجيين، وكان أبرز ما تم فيه وعلى هامشه، إبقاء ما يزيد عن 12000 أسيراً فلسطينياً في السجون الصهيونية، والذي ما زال بعضهم حتى الآن. كما عدم المس بالعملاء وأدوات الإحتلال بأي شكل من الأشكال بما في ذلك عملاء روابط القرى، كما إعتقال “المحرضين” و”المخربين” وقمع التظاهرات وعدم المس بالمستوطنين لأنهم شأن إسرائيلي.

كما أن القيادة المتنفذة الفردية لم توافق يوماّ على إقرار قانون التمثيل النسبي داخل المؤسسات الفلسطينية، وأغرقت المجالس الوطنية كما اللجنة التنفيذية للمنظمة بمن أسمتهم بالمستقلين والذين لم يكونوا في أغلبيتهم الساحقة سوى مجموعة من المرتزقة، ممثلين لأنظمة الردة، من رجعيات عربية في المنطقة، كل ما يقومون به هو “البصم”، أو رفع الأيدي وهز الرؤوس حسب الطلب.

كما كانت الأغلبية الساحقة من المنح الدراسية والسياسية والعسكرية،هي من نصيب تنظيم القيادة”حركة فتح” وتوزع على المحاسيب والمعارف، ويتم بيع الكثير منها لصالح تجار السفارات.

معظم مدراء المكاتب ولاحقاً السفارات الفلسطينية كانت من نصيب تنظيم فتح، “ونحن هنا لا نتحدث عن مناضلين” بل عن أناس في معظمهم محاسيب وتجار وعملاء أنظمة، ولم يكن للفصائل إلا ما ندر حتى من العاملين داخل هذه السفارات، الوضع الذي ما زال مستمراً حتى وقتنا هذا.

مالية منظمة التحرير لم تكن سوى بأسماء القائد الأعلى بالأساس وما زالت بالطبع، وبعض قيادات الصف الأول بنسب لا تتعدى” بضع ملايين”، وإذا نظرنا الآن لورثة هؤلاء القادة سنجدهم أصحاب ملايين من دماء الشهداء وآلام الجرحى والأسرى، وميزانية المنظمة كلها والتي لم يعرف قيمتها أحد، تجزم بعض المصادر أنها تجاوزت الخمس مليارات بقليل، أصبحت من نصيب أرملة الرئيس السابق، والأمر الآن كما هو ولم يتغير منه شيء. والمفارقة أن تنظيم الجبهة الشعبية كلما كان لديه موقف رافض للقرارات الفردية، كلما قطعت عنه القيادة الرسمية مخصصاته المالية، وكأن هذه الأموال ملك شخصي لهم ورثوها عن آبائهم وليست أموال الشعب الفلسطيني.

وكي لا نضيع في التفاصيل نقول، أن هذه القيادة، قيادة منظمة التحرير ومنذ وجود المنظمة، قد أمسكت بالمنظمة من عنقها حتى قتلتها، وأبقتها منظمة ميتة لا قيمة لها ولا أهمية ولا قرار، وأنها تتذكر المنظمة والوحدة الوطنية إن أرادت تمرير قرار أو مشروع تصفوي ما ويلزمها “ختم” المنظمة.

أنها أفرغت المنظمة ومجلسها الوطني وكافة هيئاتها  ومؤسساتها الشعبية من كل محتوى وطني ورسمي وأبقتها جثة هامدة ميتة، كما فعلت باللجنة التنفيذية والمجلس الوطني والمجلس المركزي، ولاحقا حتى بالمجلس التشريعي.

إن شعار الوحدة الوطنية، هو بالنسبة لها شعار حق يراد به باطل، ترفع لواءه وقتما كانت بحاجة إليه، والمطلوب من الآخرين احترامه دائماً حتى النخاع، ومن الواضح أن معظم “إن لم تكن كل” القرارات المفصلية المهمة لم يتم استشارة القوى الفلسطينية بها، بل وفي مرات كثيرة كانت تتفاجأ بالأمر من وسائل الإعلام.

وعليه، أعتقد أن موضوع الوحدةالوطنية الفلسطينية هو من أهم المواضيع إذا كان الجميع يريدها، ويُحاسَب بموادها، وتكون قيادة المنظمة قيادة جماعية “لكل حسب وزنه الفعلي في الساحة”، لكن أن يريدها البعض والآخر يستغلها ويستفيد منها فقط، إذن عن أي وحده وطنية نتحدث؟!!! بل إنني أرى إن التعايش مع مثل هذا الشكل من” الوحدة الوطنية” إنما يخلق داخل تنظيم الجبهة الشعبية، حفنة من أشباه المناضلين والذين لا يهمهم سوى قدوم آخر الشهر ليقبضوا المعاش، مع ما لهذا الأمر من إنعكاسات خطيرة جداً على مستقبل الجبهة نفسها، كوننا نتحدث عن قبادات من المفروض أن تكون قيادات من الصف الأول. فما قيمة الوحدة الوطنية إن ظلت على حالها الذي كانت عليه منذ البدء حتى الآن؟!!! وما قيمتها إن كانت الجبهة الشعبية رغم ما لها من وزن ونضالات وتاريخ غير فاعلة ولا كلمة لها ولا تأثير داخلها؟!!! وهل هناك وحدة وطنية بمؤسسات منظمة ميتة كما هي الآن؟!!! وهل هناك وحدة وطنية إن كان من يتحكم بالموقف السياسي والمقدرات المالية شخص واحد حتى وإن كان رئيساً للسلطة أو لحركة فتح أو أي كان؟!!! وهل هناك وحدة وطنية داخل ثورة دون برنامج كفاحي ثوري، مستنداً على برنامج سياسي واضح وميثاق وطني جامع؟!!! وهل هناك وحدة وطنية تحت سقف قيادة ما تزال تحاصر القطاع مع نظام مصر لتعميم الإستسلام فيه، بعد أن وصفت أسلحته بالعبثية؟!!! وهل هناك وحدة وطنية مع من ما يزال يضع يده في يد القاتل نتنياهو، ولم يستنكر اقتحام العدو لمناطق ا، ولا لقتله اليومي واعداماته بدم بارد، بل يساعده في الإعتقالات تاركاً له المدن متى أراد ليدخل ويعبث بها وبأبنائها كما يريد ووقتما يريد؟!!! وهل هناك وحدة وطنية مع من لا يلتزم بمقررات هيئة في المنظمة كالمجلس المركزي، تطالبه بوقف التنسيق الأمني، وهو يرفض بإصرار الإلتزام بذلك رغم وعوده المكررة الكاذبة؟

لست أدري كم هو صعب الإجابة على مثل هذه الأسئلة وغيرها الكثير الكثير، وهل يجب أن تظل الجبهة إسمياً داخل المؤسسات الميتة كشاهد زور على كل موبيقات القيادة دون أن تستطيع أن تفعل شيئاً؟ أم أن تبدأ بالعمل على تطوير الذات تنظيمياً، وأنعكاس ذلك كفاحياً ونضالياً على أرض الواقع، لتشكل مركز استقطاب يساري ثوري جامع  لا نقاش فيه ولا منازعة عليه، في قادم الشهور أو السنين القليلة المقبلة، لتشكل قاطرة العمل الوطني الموحد القادم ضد الإحتلال ؟!!!

محمد النجار

أضف تعليق