رسلة مفتوحة لرئيس السلطة الفلسطينية

كثيراً ما تساءلت عن السر الكامن وراء هذا الخنوع القيادي الفلسطيني، أمام حثالات الأرض الصهاينة، الذين لا يفهمون سوى لغة القوة، حتى إذا ارتخت قدمك من فوق رقابهم يتمردون من جديد، كما يُلاحظ من التجارب المختلفة من عمر الثورة الفلسطينية المسلحة وتجارب المقاومة الوطنية اللبنانية المُتوجة بقيادة حزب الله.

أقول أنني أظل مشدوهاً وأكاد لا أصدق ما أسمع، خاصة من جانب رئيس السلطة ورئيس حركة فتح في الوقت نفسه، وحاشية “المطبلين والمزمرين” الملتفة حواليه، والتي لا عمل لها سوى ترديد النباح دون توقف أو إنقطاع، عن رفض العمل المسلح والإنتفاضي الشعبي وحتى الدفاع عن النفس ولو حتى بالحجارة، رغم شلاال الدم اليومي المتدفق، وهم في أغلبهم لا أحد يعرف من هم أو من أين أتوا ولا كيف وصلوا ليصبحوا في هذا المستوى القيادي وصناعة القرار!!!.

كما أنه من أبجديات العمل الثوري أن المُتعَب أو الذي تصدأ أفكاره أو قدرته على الفعل الثوري، يقف جانباً ويترك القوى الثورية والشابة لتكمل المشوار، لكن هؤلاء لا يريدون النضال ولا يريدون لأحد غيرهم أن يناضل، يعني ” لا برحمك ولا بترك رحمة الله تنزل عليك”، وهم حتى لا يقفوا صامتين بل يعرقلون العمل الوطني بكل ما أوتوا من قوة، والأكثر خطورة أنهم يقدمون المعلومات للعدو الصهيوني لإعتقال المناضلين أو تصفيتهم من قبل هذاالعدو، إذا لم يستطيعوا إعتقالهم هم أنفسهم، وإذا صحت المعلومات عن تسليمهم مناضلي عملية نابلس الأخيرة، فيمكن إدراك إلى أي مستوى من الإنحدار وصل الإنحطاط بهم، الأمر الذي يتطلب التعامل معهم كعملاء في أعلى مراحل العمالة والإنحطاط، وتقديمهم لمحاكم ثورية معنية بهذا الأمر. فخديعة أنهم ينفذون اتفاقات أمنية هي خديعة واهية، فلا شيء في الكون يسمح أو يقبل بأن يُقتل أبناء الشعب من أبناء جلدتهم أو أن يعتقلوا لمصلحة المحتل مهما كانت الأسباب والمبررات.

نعم إنني كثيراً ما تساءلت عما يدفع هؤلاء لمثل هذا الفعل المشين، رغم أن قسماً منهم كانوا ذات يوم مناضلين، ولم أجد إلاّ المصالح الذاتية، المعاش وفضلات الأموال المنهوبة من فم الشعب وقوته ودمائه، لكن هذا الأمر يدفع لتساؤل مشروع آخر: أيعقل أن تكون قيادة فلسطينية بهذا الرخص والبؤس والنتانة؟ أيعقل أن تكون بهذا الإنحطاط؟ بهذه السفالة؟ ويبدو أن الأجوبة بالإيجاب كما هو واضح.

وهنا علينا قول الأشياء بأسمائها، وأهمها أن الرئيس عباس عليه إيقاف هذا العبث بشكل فوري وقاطع إذا كان يتمايز عن هؤلاء المرتزقة، عليه اتخاذ الإجراءات لحل السلطة، وعليه الإلتزام بقرار المجلس المركزي ووقف التنسيق الأمني وليس مجرد التهديد بذلك، واعتبار من لا يلتزم بذلك خارج عن الصف الوطني، وعليه وقف الحديث بآرائه الخاصة، لأنه رئيس للسلطة ولحركة فتح، وإبقاء تلك الآراء لنفسه، أو أن يستقيل ومن ثم يقول ما يريد ولمن يريد، وخاصة بما يخص رأيه بحق العودة ورفضه الإنتفاضة والعمل المسلح ، وعلى رأسها مسألة “الصواريخ العبثية”، كما أسميتها ذات يوم وما زلت يا سيادة الرئيس، هذا إذا لم يرد الرئيس أن يتعلم على الأقل من تجارب شعبه و إذا لم يرد أن يتعلم من تجارب الشعوب أيضاً، فليس من صالحه أن نتساءل ماذا كان يمكن أن يحصل مع الشعب الفييتنامي لو كان لا قدر الله رئيسنا عباس بدلاً عن الرئيس هو شي منه، أو لو كان  مكان المناضل دانييل أورتيغا في نيكاراغوا، أو لو كان مكان فيدل كاسترو في كوبا أو ماو في الصين، أو لو كان مكان المناضل حسن نصر الله، فربما كنا نشهد الإستيطان قد وصل إلى وسط بيروت!!! وماذا لو كان ياسر عبد ربه مكان الجنرال جياب أو لو كان رؤساء الحكومة الفلسطينين أمثال الحمدالله أو الإقتصادي فياض بدل إقتصاديوا الإقتصاد الصيني مثلاً، ماذا كان يمكن أن يحصل مع تلك الشعوب؟ ولماذا تُستثنى فعاليات شعبنا وطاقاته ليظل على رأسه “المخصيون” وفي كل المجالات؟!!! فالمرحوم سلفه الرئيس عرفات رغم أخطائه وخطاياه التي توّجها بخطيئة توقيعه على إتفاق “أوسلو”، إلّا أنه رفض  التوقيع على بيع الوطن في كامب ديفيد الفلسطيني، واستخدم السلاح في انتفاضة الأقصى، فنال شرف الشهادة بعد حصاره وتسميمه، لذلك ظل رمزاً رغم كل الأخطاء والخطايا والتي ليس المجال للحديث عنها في هذا المقال وفي هذه العجالة.

أما أنت يا سيادة الرئيس فلا علائم أو دلالات على أنك قد تعلمت من دروس التاريخ ولا الشعوب ولا شعبك ذاته، وكأنك وصلت إلى ناصية العلم والمعرفة التي لم ولن يصل إليها أحد، ومن باب رفع العتب ـ ربماـ عن أنفسنا نذكرك بأن تدرس تجربة أوسلو التي أتيت بها أنت نفسك وأقنعت سلفك بها وبتوقيعها ، وأنظر بنفسك ما الذي فعلته هذه الإتفاقية المشؤومة بالوطن والمواطن، أنظر كم كان عدد المستوطنين وكم من المرات تضاعف بفضل هذه الإتفاقية،”أقل من 100 ألف عام 1993 والآن أكثر من 700 ألف مستوطن”، كم عدد الشهداء على مدار الإنتفاضتين وكم مرة تضاعف في زمن ” السلم الأوسلوي” الذي أحضرته لنا، وكذلك الأمر للجرحى والأسرى وعدد الحواجز المزروعة في الضفة الفلسطينية، وانظر إلى حال المواطن وغلاء المعيشة و كيف تفشت حالات الفساد والإفساد والوساطة، وانظر كيف بعتنا في أسواق النخاسة عند أنذال القوم من الأعراب و”المستعربين”، كيف بعتنا إلى “حارة” الشيخة موزة وأبنائها ببضعة ملايين، فدمروا سوريا وطردوها من الجامعة العربيه وشردوا شعبها ودمروا أرضها في محاولة تقسيمها ، وكل هذا لضرب المشروع الوطني الفلسطيني وتحقيق يهودية الدولة العبرية!!! ثم بعت موقفنا لدولة آل سعود لتدمر اليمن، هذا الشعب الذي لم تمر عليه أي ذكرى لفلسطين دون أن يحتفل بها، والذي كان الأسبق دائماً لدعم قضيتنا التي لم تستطع الحفاظ عليها، هذا الشعب وهذه القضية التي “تُقلق” قادة الكيان الصهيوني!!! أليس في الأمر ريبة هذا إذا أحسنا النوايا؟!!! وكيف سلمت رقاب مليوني فسطيني في غزة للنظام المصري ليتحكم بها  عبر إغلاقه المعبر الوحيد، لخنق الشعب وتجويعه من خلال حصاره الظالم، وها هو الآن يغرق غزة بمياه البحر ليلوث ما تبقى منها من مياه شبه صالحة للشرب، ويقتل ما تبقى من إمكانية لزراعة أرضها بإستشارتك وموافقتك وتحت عينيك، لا لشيء إلّا لخلافك مع حماس!!!

وكي لا نبتعد كثيراً، ألا تعتقد أن التهديد الدائم بتقديم قادة الإحتلال إلى محكمة الجنايات الدولية دون أن تُحرك ساكناً رغم جرائمهم الدائمة والتي فاقت جرائم النازيين، أصبح مثير للريبة والتساؤل إن لم نقل للسخرية أيضاً؟!!! ألا تعتقد أن لإصرارك على عدم إصلاح م ت ف بمجلسها الوطني والمركزي وقيادتاها ،ولإصرارك على نشر ثقافة الإستسلام و”إحتكارها” ” فيبدو أن خالد مشعل وأبو مرزوق قد تنازلا عنها بعد انكشاف أمرهما من حليفتيهما قطر وتركيا، وأبقوك وحيداً لتحتكر الإستسلام”، وتعميمها على حساب ثقافة الثورة والفعل المسلح والإنتفاضي، كل ذلك يؤثر على الوطن والمواطن ويجعل القضية في آخر جداول العالم إن لم يلغها أصلا عن ذلك الجدول؟  كفى عبثاً يا سيادة الرئيس بالوطن والمواطن. كفى إستهتاراً بعقول الناس وحيواتها، كفى لا مبالاة بالدم الفلسطيني، فجداول الدماء هذه وأنهارها ليست ماء.

فعظام القادة يا سيادة الرئيس هم الذين عرفوا أن يتخذوا القرارات الصحيحة في اللحظات الصحيحة، فقم واتخذ القرار الصحيح، فاللحظة ما تزال مناسبة بعد، رغم كل هذا التأخير غير المبرر، لأن البديل أن تتجاوزك اللحظة وأن لا تحصل إلّا على لعنات شعبك الذي لن ينال إلّا مزيدا من الذبح من الإحتلال بفضل سياساتك، فهل تفعل؟!!!

وكي أصدقك القول اقول لك كلمات الشاعر الكبير مظفر النواب” والله أنا في شكٍ من بغداد إلى جدة”.

محمد النجار

رأي واحد حول “رسلة مفتوحة لرئيس السلطة الفلسطينية

أضف تعليق