ماذا لو؟!!!

منذ البدء، أرادت قوى الظلام في المنطقة، مدعومة إمبريالياً وصهيونياً، من شيطنة إيران، ومن تفجير حرباً مذهبية “سنية ـ شيعية”، لكنها بدأتها بالحرب العراقية الإيرانية التي إستمرت ثماني سنوات كاملة، فأزهقت أرواح مئات آلاف البشر من الدولتين،  ودمرت بنيتهما التحتية وذهبت بمئات مليارات الدولارات، مدمرة إقتصادهما. وكانت تلك الأنظمة قد إكتشفت لتوها، ياسبحان الخالق، مباشرة بعد سقوط الشاه،” شيعية” إيران و”رافضي”تها!، فأصبح الحديث عن إيران خارج نطاق الشيطنة ليس أكثر من “عمالة للفرس” ونوع من أنواع التشيع، ولا يجد له أي مكان في إعلام ألئك المتخلفون المرتهنون لأعداء الشعوب العربية جمعاء، لدرجة أن المرحوم، الشاعر الكبير أحمد فؤاد نجم أعلن ذلك في إحدى قصائده صارخاً محتجاً:

كلامنا عن إيران                                     ملوش طبعاً مكان

في إعلام الخيانة                                   وصوت الأمريكان

فماذا لو لم يكتشف الأعراب “شيعية” إيران و”رافضي”تها؟ وماذا لو امتدت يد التعاون والصداقة مع النظام الجديد في إيران بدل تلك الحرب المدمرة؟!!!  وماذا لو اُستُغِلَّت تلك الأرواح والأموال في بناء الحضارة وتطويرها لمصلحة المنطقة وشعوبها بدلاً من تدمير الحضارات والبشر والبنى التحتية، وتبدبد ثروات الشعوب لمصلحة الشركات الإمبريالية العالمية؟!!!

بالطبع حاولت الإمبريالية إحتواء الثورة، لتفريغها من مضمونها، لتظل إيران جزءً من المحيط التابع للغرب ولكن بشعارات إسلامية، “مثلما فعلت بنظامي مرسي في مصر والغنوشي في تونس”، فما دامت مصالحهم مؤَمَّنة لا فارق لديهم من يحكم لينفذ هذه السياسة إن كان يلبس عمامة أم بدلة وربطة عنق. لكن وجود قيادة ثورية على رأس الثورة الإيرانية، مدعومة بتأييد عشرات الملايين من الشعب الإيراني، كما إستحضار هذه القيادة لتاريخ شعبها ـ وربما لتجارب الشعوب الأخرى مع الإمبرياليةـ ولتاريخها الحديث الذي لم يمر عليه وقت طويل، عندما إنتخب الشعب الإيراني رئيس وزراء له”محمد مصدق” مرتين في غضون ثلاث سنوا ت”1951ـ 1953″، وبمجرد أن ابتدأ بخطواته الإصلاحية وعلى رأسها الإصلاح الزراعي، وتوّجها بتأميم شركات النفط، تم الإنقلاب عليه من المخابرات البريطانية الأمريكية، وسجنه لسنوات وفرض الإقامة الجبرية عليه حتى موته… إنها ديقراطية الإمبريالية عندما يتعلق الأمر بمصالحها !!! فماذا لو كانت قيادة الثورة الإيرانية قيادة رجعية متخلفة مثل قيادات دول الخليج العربي، أكان يمكن لإيران أن تتطور بهذا الشكل ولتصل إلى ما وصلت إليه؟ أكانت دولة تصنيع وتطوير زراعي وإصلاحات إجتماعية ومن ثم دولة نووية؟!!! مَنْ يمكن أن يعتقد أن قيادات الوطن العربي وخاصة الخليجية قادرة أن تُنتج تطوراً فإعتقادي أن واهم، وربما جاهل بها، ففاقد الشيء لا يعطيه، فهي في نهاية المطاف قيادات بحكم الوراثة وليس بحكم المواهب والتطور والعلم والمعرفة، وتربّت على أن تكون خادمة مطيعة خانعة، راضية بحمايتها وبما يقدمه لها الأحتلال الأمريكي الذي يملأ أراضيها بقواعده العسكرية، مقابل ثروات البلاد وحرية شعوبها، وفي نفس الوقت تزداد قساوة وتكبر وتجبر على شعوبها وقواها الحية،كيلا تفكر بإزالة عروشها الهشة، وفي آخر النهار تملأ أمعاءها “كبسة”،وتتآمر على بعضها وعلى إرادات شعوب المنطقة وتنام مالئة القصور شخيراً وكوابيس.

منذ البدء وحتى يومنا هذا، استمرت محاولات إسقاط ثورة إيران والعودة بها إلى سياسات الشاه لكن بقوالب جديدة، فكانت التفجيرات ومن ثم المظاهرات ومن ثم الإحتجاج على نتائج الإنتخابات مترافقة مع أعمال العنف،”ألا تجدون تشابه مع ما تم ويتم الآن وفي هذا الوقت بالذات مع فنزويلا اللاتينية حد التطابق، ومع دول لاتينية أخرى سابقة وربما لاحقة؟!!!”، وسرعان ما لبس الذئب جلد الحمل، فقُدمت الإغراءات وعروض البنك الدولي، وأيضاً لم تنجح، فعاد الحمل ذئباً من جديد، ففرضت المقاطعة، وازدادت وتطورت، وابتدأت حملة التلويح بالحل العسكري، وأيضاً لم ترضخ إيران، وأمام كل ذلك أبقت يدا ممدودة لجيرانها واستمرت في تطوير قدراتها الدفاعية ودعمت شعوب المنطقة وقواها الثورية المناضلة بالمال والسلاح والمعرفة، وصعّدت حالة العداء للصهاينة والإمبريالية، وانتصرت من خلال حلفائها في أكثر من جبهة ومعركة ومكان، وأسست بذلك لمحور مقاومة ابتدأ يكون قوة ذات شأن في المنطقة والإقليم أيضاً. فماذا لو  رضخت إيران، خوفاً من تهديدٍ أو رغبة في إغراءات، أتعتقدون أنها تظل دولة شيعية ورافضية عند الأعراب خاصة ودويلات الخليج و”حظيرة”آل سعود؟ أتقوم ضدها الدنيا والإعلام وتحارب كل هذه المحاربة؟ أكانت ستصل إلى ما وصلت إليه من تطور غلى كافة الأصعدة أم ستكون نسخة كربونية مسخة عن دولة آل سعود؟ وماذا لو ساومت إيران على شعوب المنطقة؟ أكان حزب الله يستطيع تحرير الجنوب اللبناني في نفس المدة؟ أكان يستطيع التأسيس والقدرة لتشكيل حالة ردع ل”إسرائيل” تحمي لبنان واللبنانيين؟ أكان يمكن أن يكون لبنان وجنوبه في هذا المأمن والأريحية من القصف اليومي الإسرائيلي؟ أكان لبنان بمنأى عن الإستيطان الإسرائيلي؟ أكانت مياهه لشعبه أم للمستوطنين داخل لبنان وفلسطين المحتلة؟ أم تعتقدون أن آل  الحريري والحريريون، ومن يقودهم من آل سعود سيذودون عن لبنان واللبنانيين؟ من يدري فربما وجدوا في الإستيطان الإسرائيلي مشروع إستثماري مربح ليشاركون به!!! ماذا كان يمكن أن يفعل “الثوار” التكفيريون بلبنان وشعب لبنان لولا قدرات حزب الله التي جاء معظمها من إيران؟. وماذا كان يمكن أن يحصل مع فلسطين وشعب فلسطين وتحديداً في غزة لولا دعم إيران ماديا وعسكرياً وخبرات تصنيع؟ أكان يمكن أن تصمد؟ أكان يمكن أن تصنع صاروخاً لو بدائياً أو حتى “عبثياً” كما وصف رئيس السلطة محمود عباس ذات يوم؟  أم أن مملكة آل سعود كانت ستقوم “بالواجب” مستعينة بالله وبخبرتها العلمية المهولة وبقرارات قيادتها الثورية وبنصائح حليفتها أمريكا “أطال الله عمرها” وتسد هذا الفراغ؟!!! أو ربما ترسل طائراتها كما تفعل في اليمن لتقضي على شيعة فلسطين؟ وتوعز للرئيس السيسي لفتح معبر رفح امام الجرحى والمرضى والدعم بالمال والغذاء والسلاح وكل ما يلزم القطاع وتفك عنه الحصار؟!!!

وكون أن البقاء للأقوى كما يؤكد “داروين”، والعالم يعيش في “غابة” تخضع لهذا القانون، الذي عززته الرأسمالية الشرسة الشرهة، وايران فهمت أن أسباب غزو العراق هو ضعفه وليس إمتلاكه للقوة، ورأت أن أسباب عدم مهاجمة كوريا الشمالية مثلاً هو إمتلاكها ل”لعضلات النووية”، وأن الرأسمالية لا تهاجم إلاّ الضعفاء، وكانت قد رأت في تراجع “إسرائيل” عن مهاجمة لبنان بعد أن امتلك حزب الله لقوة ردعه درساً يُعاد عن ذات العقلية ومنها، فقد ابتدأت ببناء قدراتها الدفاعية وبشكل ذاتي، وابتدأت بإمتلاك المعرفة النووية بشكل ذاتي أيضاً، إعتماد على شعبها وقدراته ورغبته في التطور والتحرر، إعتماد على إرادته الصلبة التي سقاها واستقاها من قيادته ولقيادته” فالأمر جدلي بالطبع”، وبدأ مفاوضته للرأسمالية المتوحشة كند وليس كضعيف أو تابع، ندُ يريد الإتفاق لكن ليس بأي شكل ولا بأي طريقة ولا بأي ثمن، قالها بوضوح”إن أردتم إتفاقاً عليكم أخذ الخطوط الحمر الإيرانية بعين الإعتبار، وإلاّ نحن مستمرون في برنامجنا النووي السلمي”، وحققوا معظم ما يريدون، وأخذت تتدفق عليهم الشركات والدول حتى قبل أن يصادق مجلس الأمن على الإتفاق، ويرجوا “التاجر” الفرنسي الذي يلبس لباس وزير الخارجية إيران أن تنسى الموقف الفرنسي الحاد أثناء المفاوضات لأنه انتهى عند التوقيع!!!، ومجدداً تنتصر إيران، ويسعد شعبها بإنتهاء العقوبات الأمبريالية الظالمة. فماذا لو رضخت إيران للغرب بالتخلي عن برنامجها النووي دون رفع العقوبات حالاً مثلاً، أكانت سترفع العقوبات يوماً؟ ماذا لو لم تكن نداً صلباً يضع الهدف الإستراتيجي صوب عينيه وكل ما يفعل من تكتيكات تصب في نهر تلك الإستراتيجيا، أكانت وصلت إلى ما وصلت إلية؟ وبالأصل ماذا لو أن إيران لم تمتلك شروط القوة أكانت وصلت الى نفس النتيجة؟ وأبعد من ذلك ماذا لو كانت إيران ضعيفة أكان الغرب يحاورها أساسأ؟ أظن أنها لو لم تكن كما هي عليه لرأينا مثالاً آخراً لأفغانستان والعراق. ويبقى سؤال في ذهني كفلسطيني، ماذا لو فاوضت إيران بطريقة المنظمة  ممزقة ميثاقها الوطني متخلية عن برنامجها الوطني واستراتيجيتها السياسية، ومن وراء شعبها ودون علمه ولا حتى استشارته أو استشارة قواه الوطنية، أو بطريقة السلطة بعد أن غيرت إتجاه أسلحتها، و نسّقت أمنياً وسلّمت مناضليها للإحتلال أو وضعتهم في السجون ، فربما وجدنا القادة الإيرانيين يلزمهم هم أيضاً تصريحاً عند مغادرة مكان الإقامة أو عند السفر من مدينة إلى أخرى لا تبعد سوى كيلومترات عدة من الإمبريالية، كما يحتاج الرئيس الفلسطيني وقيادة السلطة من الصهاينة، ويفاوضون منذ ربع قرن على أقل من رُبع فلسطين فحصدوا الريح بجدارة.

محمد النجار

أضف تعليق