إنها لحظة الحقيقة (4)

جاء رد حزب الله سريعاً، مميزاً، وبتحدٍ عال، يعني في قمة الإستعداد الصهيوني عسكرياً، أمنياً و استخبارياً، الأمر الذي يؤكد على مبدأ المقاومة القائل ” العين بالعين و السن بالسن، و البادئ أظلم ” ، و تأكيد معادلة توازن الردع كما يريدها محور المقاومة، مؤكداً جاهزيته العالية لتكون له اليد العليا في رسم خارطة الوطن، وما الدخول المباشر للعنصر الإيراني إلا دليل على فهم هذا المحور لمسألة الوحدة الضرورية و التكامل بين أعضائه وبشكله العلني الضروري لمواجهة المحور الإمبريالي الصهيوني الرجعي التكفيري. كما أن تأكيده على أن الجبهة يجب أن تتوسع أكثر وأكثر أمام هذا الحلف، وأن غزة لن تبقى وحيدة، وأن الضفة الفلسطينية لاحقة، وجنوب لبنان يتكامل مع جبهة الجولان، (وربما، من يدري) الجبهة الأردنية نفسها لاحقاً ، إذا ما تغير النظام بفعل تحركات شعبية لاحقة، هذا النظام الذي كان و ما زال ضد الحركة الوطنية وتابع للإمبريالية و في نفس الوقت (مفرّخ) للنصرة وداعش الإرهابييَن ومتحالفاً مع الكيان الصهيوني تحالفاً عضوياً. وفي نفس الوقت يجمع في غرفة عملياته المشتركة القادة العسكريين لأمريكا ، إسرائيل، بعض الأوروبيين، وبعض من دول الخليج.

الضربة أيضاً أعطت مؤشراً هاماً وخطيراً استراتيجياً، و هو عدم قدرة الكيان الصهيوني على الرد، بمعنى آخر، أن الرد سيكون أكثر تكلفة عليه من ابتلاع رد المقاومة والسكوت عليه… إنها فعلاً لحظة فارقة، بالإمكان التأسيس عليها في طريق التراجع الإستراتيجي الذي بدأه الكيان الصهيوني منذ فترة ليست طويلة.

حقيقة أخرى بدأت تتجلى و بوضوح، وهي أن هذا الكيان هو القاعدة الأساسية لكل ما يجري في منطقتنا العربية من مآسي و مؤامرات، وإن لم يكن بهذا الوضوح منذ البدء، وأن الإنفجار الجماهيري في بدايته و الذي كان ثورة شعبية تم تجييرها وحرف سكة قطارها من القوى المضادة المختلفة والمتحالفة أصلا مع الإمبريالية والكيان الصهيوني. وإذا أضفنا ما يدور في مصر الآن، وبغض النظر عن الموقف من النظام هناك، (فهذا باب بحث آخر ) فهو لتأمين حدود آمنة للكيان الصهيوني، من خلال ضرب وتفتيت وإضعاف الجيش المصري (كما فعلوا في العراق، ويحاولون في سوريا، وسيحاولون لاحقاًفي اليمن)، كي يفتتوا هذه الأوطان ويحاصروا الدول الأكثر استقراراً مثل إيران، ويؤمّنوا كافة الحدود للكيان الصهيوني.

السؤال الذي يطرح نفسه وبقوة: لماذا كل هذه الشيطنة لمحور المقاومة،وعلى رأسه إيران وحزب الله؟ فهل تشيّعت إيران حديثاً مثلاً؟ ولماذا لم تقم قائمة هذه الدول ضد إيران الشاه مثلاً؟ بل لماذا كانت هي نفسها تابعة وذليلة للشاه، وفي أقوى تحالف معه؟ رغم أنه كما هو معروف، كان الحليف الأكبر للكيان الصهيوني وأمريكا وأكبر معادٍ للقضية الفلسطينية؟ أم أنهم لهذا السبب بالذات كانوا في أقوى تحالف معه؟ يبدو أن الأمر كذلك، فبعد الثورة الإيرانية وتحرير السفارة الصهيونية ورفع العلم الفلسطيني فوقها، ابتدأوا الصراخ ضد إيران الشيعية، وازداد صراخهم عندما اختارت إيران طريق القرار المستقل، فوجب محاربتها ومحاصرتها أكثر. لكن رغم محاولاتهم، فقد تطورت إيران، ونمى نفوذها، وخلقت قاعدة اقتصادية لا تعتمد على النفط فقط، ولديها برنامج إصلاحي ديمقراطي متميز عنهم في أسوء أحواله، (فهم ليس لديهم بالأساس مثل هذا البرنامج)، كما أن التطور على الصعيد الصحي لن تصله هذه الدول ببرامجها الحالية حتى بعد قرون، وببرنامج تعليمي مجاني يختلف عن برنامجهم التجهيلي المتخلف، عدى عن البرنامج التسليحي الدفاعي الهائل لدى ايران بالمقارنة مما لديهم من أسلحة غير صالحة إلا للإطلاق على جماهيرهم، أُجبروا على شرائها بأموالٍ فاقت الأموال المرصودة للبرنامج التسليحي الإيراني، وهي الآن صدئة في المخازن……. الخ…  ومن هنا كانت أهمية وضرورة محاصرة إيران على كافة الأصعدة منهم ومن حلفائهم.

كما أن الأمر الأكثر خطورة لهذه الأنظمة ازداد أكثر منذ اتضح أكثر وأكثر دعم إيران لحزب الله بالمال والسلاح، فتم تحرير معظم جنوب لبنان، ودعمها للثورة الفلسطينية فأوقفت التمدد السرطاني الصهيوني، فانسحب من قطاع غزة دون قيد أو شرط، وأرسيت قواعد ردع جديدة، الأمر الذي أخذ يضر بمصالحهم وبحليفهم الصهيوني، ويكشف عوراتهم، ويهز مصالحهم وعروشهم، لأن المطلوب تفتيت فلسطين وليس تحريرها، والتسليم للأمريكي والصهيوني وليس مجابهتهما،  وتبديد الثروة حتى وإن كان على تفتيت الأوطان، كي تبقى مصالحهم وتستمر، لأن أي شكل من أشكال النضال الوطني سيؤدي بطريقة أو أخرى الى نضال طبقي أيضاً، وكلا النضالين يشكلان خطّاً أحمراً لتلك العائلات التي تحكم دولاً أو أشباه دول، وتتعامل مع شعوبها كمُلكية خاصّة لقطيع من الماعز أو الإبل، وليس كشعوب بكرامة ومصالح ومصير، أبقتها هذه العائلات مهمّشة، مقموعة، وجائعة.

وفي النهاية، فرأس الأفعى الصهيوني بدأت مرحلة تراجعه، والإنحدار الذي ابتدأه لن يقف قبل أن يصل به إلى الحضيض وينهيه، وحليفه الأكبر يترنّح اقتصادياً واجتماعياً، وقوته وحدها لن تكفيه ليقود العالم كما فعل حتى الآن، خاصة بعد استيقاظ التنين الصيني والدب الروسي، وتحالفاتهما الكبرى وعلى رأسها البرِكس.

وعلى ضوئه، فلهذه الدول وحاميها وحليفها في المنطقة منا كل التعازي، وأخال أننا لن نطمئنهم إن أكّدنا لهم ما يعلموه بأن التغيير آت، وأن التاريخ حَفظ لهم مكاناً مميز في مزابله…

محمد النجار

أضف تعليق